بسم الله الرحمن الرحيم
ملخص الخطبة
1- مشروعية الفرح بالعيد. 2- دواعي الفرح. 3- انتشار الإسلام. 4- قراءة في تطاول الأعداء على الإسلام. 5- سر سرعة انتشار الإسلام. 6- تفنيد فرية انتشار الإسلام بقوة السيف. 7- الجهاد في الإسلام. 8- جهاد محمد وأصحابه. 9- إرهاب القوى الطاغية. 10- مظاهر الرحمة والمودة في العيد. 11- زكاة الفطر. 12- الثبات على الطاعة.
الخطبة الأولى
الله أكبر الله أكبر الله أكبر لا إلهَ إلا الله، والله أكبر الله أكبر ولله الحمد. الله أكبر كَبيرًا، والحمد لله كثيرًا، وسبحان الله بكرةً وأصيلاً.
أمَّا بَعد: فأُوصيكم ـ أيّها الناسُ ـ ونفسِي بتقوى الله - عز وجل -، فاتَّقوا الله رحمكم الله، فلِلَّه درٌّ أقوامٍ, تفكَّروا فأبصَروا، وشمَّروا عن ساعِدِ الجدِّ وما قصَّروا، ومَن علِم شرفَ المطلوب جدَّ وعزم، والسعيُ والاجتهاد على قدر الهمَم، الحازمون سارَت بهم إلى الجدِّ المطايا، فاستحقّوا جليل العطايا، ومن علاماتِ الغفلة والاستدراج العمَى عن عيوب النفس، أَفَحَسِبتُم أَنَّمَا خَلَقنَاكُم عَبَثًا وَأَنَّكُم إِلَينَا لا تُرجَعُونَ [المؤمنون: 115].
الله أكبر الله أكبر الله أكبر لا إله إلا الله، والله أكبر ولله الحمد.
أيها المسلمون، العيد جزءٌ من نِظام أمَّة الإسلام، يصِل ماضيَها بحاضِرِها وقريبَها بِبعيدها، ويربط أفراحها بشرائعها وابتهاجَها بشعائرها، والفرح بالعيد من سنَن المرسلين، وإظهارُ السرور في الأعياد من شعائر الدين، ولقد أظهر نبيٌّكم محمّد الفرحَ والسرور بالأعياد في شرعِه وفعله، وأذِن للمسلمين بأن يفرَحوا، وأقرَّ الفرحين على فرحهم، تقول عائشة - رضي الله عنها -: دخل عليَّ رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - وعندي جاريتان تغنّيان بدفَّين بغناءِ بُعاث، فاضطجع على الفراش وتسجّى بثوبه وحوّل وجهه إلى الجدار، وجاء أبو بكر فانتَهَرهما، فكشَف النبيّ وجهه وقال: ((دَعهما يا أبا بكر، إن لكلِّ قوم عيدًا، وهذا عيدُنا))، وخيرُ الهدي هدي محمد.
أمّا ما في الأمة من مشكلات وابتلاءات وهمومٍ, وما في النّاس من قصور وتقصيرٍ, وخطايا فلا ينبغي أن يمنع من الفرحِ والابتهاج، فالابتلاءات والهمومُ من سنن الله في الخليقة كلِّها وفي جميع أعصارها وأمصارها، في مؤمنها وكافرها، وصالحها وفاسدها، علوُّ وهبوط، وتمكين واستِضعاف، والأيام أيامُ الله يداولها بين الناس. وفي عهد النبوة المطهَّرة كان من أذَى الكفار ومكرِ المنافقين وعوائق الدّعوة والبلاء على المؤمنين ما لا يخفى، وذلك كلٌّه لا يجرّ أمة الإسلام إلى اليأس والقنوط. العيدُ فرح وابتهاجٌ وفرصة كبرَى لتدفّق الأمَل والانطلاقِ في العمل.
الله أكبر كَبيرًا، والحمد لله كثيرًا، وسبحان الله بكرةً وأصيلاً.
أمةَ الإسلام، عيدكم مبارك، وعيدكم بإذن الله سعيدٌ، فكم عندكم ما تفرَحون به، فرحٌ بفضل الله ورحمتِه، وفرح بالهدَى والتوفيق يومَ ضلَّت فئام من البشَر عن صراط الله المستقيم، فرحٌ يوم هداكم واجتبَاكم، هُوَ اجتَبَاكُم وَمَا جَعَلَ عَلَيكُم فِي الدِّينِ مِن حَرَجٍ, مِلَّةَ أَبِيكُم إِبرَاهِيمَ هُوَ سَمَّاكُم المُسلِمينَ [الحج: 78]، فرح في كمالِ العِدّة، وفرحٌ بالفِطر، ((للصائم فرحتان: فرحة عند فطره، وفرحة بلقاء ربه)).
معاشرَ المسلمين، عيدكم مبارك بإذنِ الله، أبشروا وأمِّلوا وافرحوا، فعُمر الإسلام أطوَل من أعماركم، وآفاقُه أوسع من أوطانكم، انتصَر المسلمون ببدر، وهُزموا في أحُد، وضاقَت عليهم الأرض بما رحُبت وزُلزِلوا يومَ الأحزاب، وفُتِحت مكة الفتحَ المبين، وسقطت بغداد أيامَ المغول، ثم فتِحت القسطنطينية، وسُننُ الله ماضية، وهي لا تحابي أحدًا، في تفاؤلٍ, إيجابيّ مقرونٍ, بالعمل، مدرِكٍ, لسنن الله، آخذٍ, بالأسباب، في حسنِ إيمانٍ, وحسن توكّل، وَلا تَهِنُوا وَلا تَحزَنُوا وَأَنتُم الأَعلَونَ إِن كُنتُم مُؤمِنِينَ [آل عمران: 139].
الله أكبر الله أكبر الله أكبر لا إله إلا الله، والله أكبر الله أكبر ولله الحمد.
أيّها المسلمون، والمناسبة مُناسبةُ ابتهاج وفرحٍ, فإنَّ ربَّكم متمّ نورِه ولو حاوَل إطفاءَه الكافرون والمشرِكون، في عصرِكم هذا وفي أيّامكم هذه دينُكم واسعُ الانتشار في أرجاء الدنيا كلِّها، يتغلغَل في الديانات كلِّها، بل في معاقِلها ودورِ عباداتها وبين أحبارِها ورهبانها ورجالاتِ دياناتها، فالمساجد في ازديادٍ,، وارتفاع نداء الحقِّ مِن المآذن لا ينقطع، والإحصائيات في تزايُد مروِّعٍ, لمن يخافون انتشارَه ولا يريدون ظهورَه.
يا أمّةَ محمد، كلّما رأيتم تطاولاً على رموزِ الإسلام في نبيِّه وقرآنه ومناهجِه وكلّما رأيتم تشديدًا بالمراقبة على أهلِ الإسلام والمتابعة في نشاطاتهم ورجالهم وأعمالهم وأعمالِ الخير فيهم بل وفي قياداتِهم وصُلحائهم وشبابهم فذلك كلٌّه من المبشِّرات والمبهِجات، فابتهِجوا بعيدكم، وافرَحوا بفضل ربِّكم ورحمته، فلقد قال قائلُهم: إن انتشارَ الإسلام في نهاية القَرن الماضي ومطلَع هذا القرن ليس له سببٌ مباشر إلاّ أنّ سكانَ العالم من غير المسلمين بدَؤوا يتطلَّعون إلى الإسلام وبدَؤوا يقرؤون عن الإسلام، فعرَفوا من خلال اطِّلاعهم أنّ الإسلام هو الدين الوحيد الأسمى الذي يمكن أن يُتَّبَع، وهو الدين الوحيد القادرُ على حلِّ مشكلات البشر. وقالت إحدَى دراساتهم المتخصِّصة: إنَّ مستقبل نظام العالم مستقبلٌ دينيّ، وسوف يسود النظامُ الإسلاميّ على الرغم من ضَعفه الحاليº لأنّه الدين الوحيد الذي يمتلك قوّةً شموليّة.
أيّها المسلمون، نُسَخ القرآن الكريم من أكثرِ المبيعات في العالم لدَى غَير المسلمين، وأعدادُ الداخلين في دين الله تَتَضاعف بشكل عندهم مُريع، بل قالوا: إنَّ هذه الزياداتِ المتضاعفةَ تتمّ على الرغم مما تتَّخِذه الحكوماتُ مِن إجراءات وتنظيماتٍ, ضدَّ الرموز والشعائِر الدينيّة.
فبارك الله في عِيدكم، وزادَكم ابتهاجًا وسعادة، والله أكبر الله أكبر، والله أكبر كَبيرًا، والحمد لله كثيرًا.
أيها المسلمون، وليستَبين لكم مزيدٌ مِن عظمة دينكم وليزدادَ ابتهاجُكم بعيدكم ولتدرِكوا مزيدًا من عوامِل انتشاره وأسرارِ انتصاره هذهِ وقفات وقبساتُ المصطفى من سيرةِ نبيِّ الإسلام ورَسول الهدى وإمام الحنفاءِ سيّدنا وحبيبِنا وقرّة أعينِنا ومصدَر ابتهاجنا محمّد:
الوقفة الأولى: من أسرار الانتشار وعوامِل الانتصار ما أفاءَ الله على عبده ورسولِه محمّد مِن الخصائص والأنعُم، انظروا وتأمَّلوا في أوائل دعوتِه ومبتدأ دعوته - عليه الصلاة والسلام - وهو الوحيد الضعيفُ المستضعَف، ما الذي جعَل أتباعَه منذ أوَّلِ يومٍ, من البعثة يزيدون ولا ينقُصون، وجعل الضعفاءَ والفقراء إليه يهرَعون وبحماه يلوذون، أمثال بلالٍ, وعمار وأمِّه وأبيه، وهو الذي يعلن أمامَهم: ((لا أملك لكم ضرًّا ولا رشدًا))، وهو الذي يتلو: وَمَا أَدرِي مَا يُفعَلُ بِي وَلا بِكُم [الأحقاف: 9]؟! وما الذي جعل العِليةَ مِن القوم والسادةَ من العشائر يتخلَّونَ عن مواقعهم ليؤمِنوا به ويتَّبعوه ويتركوا مجدَهم ومنازلَهم إلى حياةٍ, تمور بالأعباءِ مَورًا وتَنوء بالصِّعاب حِملا، أمثال أبي بكرٍ, وعثمانَ وعبد الرحمن بن عوف وسَعد بن أبي وقّاص - رضي الله عنهم - أجمعين؟! وما الذي جعَلهم يصدِّقونه في نبوءَاته من فتحِ الدنيا وكنوزها وانتشارِ هذا الدّين وترديدِ كتاب الله في أصقاع الدنيا وأرجائها، يحدِّثُهم بكلّ ذلك وهم يتلفَّتون فلا يجِدون سِوى [القر الساغِب] والحرّ اللافح والشجيرات اليابسة والأودِية الجافّة؟! هل كذَب مرّةً؟! هل خان مرّةً؟! هل ظلَم؟! هل كشف عورةً؟! هل خفَر ذمّة؟! هل عبد صنَما؟! هل قطَع رحِما؟! حاشَا وكلا. هذا هو محمّد، وهذه هي حياته، لم تُطوَ منه صفحة، ولم يطمَس منه سَطر، ولم يخفَ منه حَرف. السلام عليك أيّها النبي ورحمة الله وبركاته.
الله أكبر كَبيرًا، والحمد لله كثيرًا، وسبحان الله بكرةً وأصيلاً، وصلّى الله وسلّم على نبيِّنا محمّد وعلى آله وصحبه، وسلَّمَ تسليما كثيرا.
تِلكم وقفةٌ في حال ضعفِه ومبتَدأ دعوته، أما بعد أن أفاء الله عليه وفتح له الفتوحاتِ ودانت له الجزيرة وأطرافُها وفتحَ عليه أبواب الرزق والغنائم ما لم يكُن أصحابُه يحتسبون فإذا هوَ هوº ما ازداد إلا زهدًا وورَعا وعِفّةً وتواضعا حتى لقيَ ربَّه، وهو الرسول الذي ترتفِع راياته عِزًّا ونصرًا، ينام فوق حصيرٍ, يؤثر في جسدِه الطاهر الشريف، ويموت ودِرعه مرهون بطعامٍ, لأهله. لا يستطيع أيٌّ عاقل أو منصِف ـ فضلا عن مسلم ـ أن يتَّهم محمّدا أنه يريد برسالتِه بسطةً في مالٍ, أو بسطة في جاهٍ, أو حظًّا من حظوظِ الدنيا. ثمّ يتساءلون: لماذا ينتشر الإسلام؟!
أمّا السر الآخر والوقفة الأخرى: مَن أراد أن يبحثَ عن سرِّ انتشار الإسلام فلينظر في قلوبِ المسلمين ـ كلِّ المسلمين ـ ومشاعِرهم، وليفتِّش في سوَيداء قلوبهم، سوف يرَى أنها تنبضُ بحبّ محمد. إن ما يجِده المسلمون في قلوبهم من حبِّ الله وحبِّ رسوله وحب دينه حبُّ لا يدانيه حبُّ ولا يحيط به وصفٌ ولا تحصره عبارة، حبُّ لمحمّد عميق وتعظيم وتوقير، ليس حبًّا ادِّعائيًّا ولا عاطفةً مجرَّدة، ولكنه حبُّ برهانُه الاتِّباع والطاعة والانقياد والاستسلام، حبُّ صادق عميق خالٍ, من الغلوِّ والإطراء، فهو بشَر رسول، عبدٌ لا يعبَد، ورسولٌ لا يكذَّب، شرَّفه الله بالعبوديّة والرسالة، يُطاع ويتَّبع ويحبّ ويُوقَّر ويعظَّم ويُعزَّر وينصَر. نَعم وربِّ الكعبة، إنّ الذين هاموا في حبِّه لمعذورون، وإنَّ الذين بهَرتهم عظمتُه غيرُ ملومين، وإنَّ الذين يفدونه بأنفسِهم ومُهَجِهم هم المنصورون، وإنَّ الذين يتَّبعون النورَ الذي أنزل معَه أولئك هم المفلحون، وما أرخصَ الحبَّ إذا كان كلامًا، وما أغلاه حين يكون قدوةً ومسؤوليّة وإماما. السّلام عليك أيّها النبي ورحمة الله وبركاته.
الله أكبر الله أكبر لا إله إلا الله، والله أكبر الله أكبر ولله الحمد.
معاشِرَ المسلمين، يا أحبابَ المصطفى، أمّا الوقفةُ الأخيرة والسِّرٌّ العجيب فهِي في مقولةِ الخصومِ السابقين واللاَّحقين: \"إنَّ دينَ محمَّدٍ, انتشَر بالسَّيف\". هلاَّ تساءلتم: لماذا تُثار هذه القضيَّة بين وقتٍ, وآخر؟ إنّك لتعجَب مِن إثارتها، إنّه مِنَ المؤكَّد أنها لم تُثَر إلاّ لِمَا امتلأت به قلوبُ المراقِبين والمتابِعين من الخصومِ مِنَ الغيظ عَلى انتشارِ هذا الدّين وتجاوُزِه لكلّ الحدودِ والحواجز والعوائق والسٌّدود وفي جميعِ الأعصار والأمصارِ وفي كلِّ الظروف. إنَّ مِن المعلوم لدَى كلِّ عاقلٍ, أنّه لا يمكن لأيِّ مبدأ من المبادِئ مهما كانت قوّتُه وجاذِبِيَّته أن ينتشِر بالسَّيف، لا يمكن أن ينتشِرَ بسيفٍ, أو بدبابة أو بمتفجِّرة. إن قلوبَ الرجال صناديق محكمةٌ لا تفتَحها أسِنَّة الرِّماح ولا صليلُ السيوف ولا أزيزُ الطَّائرات ولا دوِيّ المدافع ولا امتِطاء ظهورِ الدّبابات، بل ولا الفوضَى خَلاّقَة كانت أو غيرَ خلاّقة. قلوبُ البشَر صناديق مغلَقَة لا يفتَحها إلاّ الحقّ وهذا هو الإسلام، ولا يفتَحُها إلاَّ الرِّفق وهذا هُو الإسلام، ولا يفتَحُها إلاّ التعامُل الحسَن وهذا هوَ الإسلام، ولا يفتحها إلاّ الحجّة والبرهانُ وهذا هو الإسلام.
أمّا الجهادُ في الإسلام فهو مبدأٌ عظيم، لا يخجَل المسلم من إعلانِه والاعتِزاز به والدّعوة إليه، والمقَام لاَ يتَّسع للبسطِ والمحاجَّة، ولكن تأمَّلوا هذا المثَل: إذا كنتَ تمشي في الظلامِ ومَعَك مصباحٌ تستَضِيء بهِ فإنّك قد ترفَع مصباحك ليهتدِيَ معك من يرغَب السيرَ في النّور، أمّا لو كرِه أحدٌ الانتفاع بضوءِ مصباحِك فهذا شأنُه واختياره، فليتعسَّف السيرَ في الظلام وليتحمَّل الوقوعَ في الحفرِ والمهالِك، وانظروا الإشارةَ إلى ذلك في كتابِ ربِّكم: قَد جَاءَكُم بَصَائِرُ مِن رَبِّكُم فَمَن أَبصَرَ فَلِنَفسِهِ وَمَن عَمِيَ فَعَلَيهَا [الأنعام: 104]، ولكن ما العملُ إذا حاوَل أحدٌ وتطاوَلَ ليكسرَ مِصباحك ويطفئ نورك؟! أليسَ مِن الحق ومن العقلِ ومنَ العدل أن تجاهدَ ما استطعتَ في منعه ولو وصَل الحال إلى حدِّ الشجار والقتالº لتستبقيَ الهدى وتحافظَ على النور لنفسِك ولغيرك؟! وانظروا التنبيهَ إلى ذلك في كتاب ربكم: وَمَن أَظلَمُ مِمَّن افتَرَى عَلَى اللَّهِ الكَذِبَ وَهُوَ يُدعَى إِلَى الإِسلامِ وَاللَّهُ لا يَهدِي القَومَ الظَّالِمِينَ يُرِيدُونَ لِيُطفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفوَاهِهِم وَاللَّهُ مُتِمٌّ نُورِهِ وَلَو كَرِهَ الكَافِرُونَ هُوَ الَّذِي أَرسَلَ رَسُولَهُ بِالهُدَى وَدِينِ الحَقِّ لِيُظهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَو كَرِهَ المُشرِكُونَ يَا أَيٌّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا هَل أَدُلٌّكُم عَلَى تِجَارَةٍ, تُنجِيكُم مِن عَذَابٍ, أَلِيمٍ, تُؤمِنُونَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَموَالِكُم وَأَنفُسِكُم [الصف: 7-11]. إنَّ الذين ينتَهِجون سياسةَ تكسير المصابيحِ هم الأعداء الكارِهون للحقّ والعدل والنورِ ورسالاتِ الله.
الله أكبر الله أكبر الله أكبر لا إله إلا الله، والله أكبر الله أكبر ولله الحمد.
وبعد: فابتهِجوا بعيدِكم، فإنَّ دينَ الله منتصِر، وإسلام محمّد منتشِر، وأعداءُ الدعوةِ وخُصوم الإسلامِ حين رأَوا قوَّتَها في ذاتِها هالَهم إقبالُ الناس عليها وقَبولها، بل هالَتهم حقائقُ هذا الدينº لأنّه دين فطرةِ الله التي فطر الناسُ عليها، لا تَبدِيلَ لِخَلقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ القَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكثَرَ النَّاسِ لا يَعلَمُونَ [الروم: 30].
نفعني الله وإياكم بالقرآن العظيم وبهديِ محمّد، وأقول قولي هَذا، وأَستغفِر اللهَ لي ولكم ولسائرِ المسلمين من كلِّ ذَنب وخطيئةٍ,، فاستغفِروه إنّه هو الغفور الرحيم.
الله أكبر الله أكبر لا إلهَ إلا الله، والله أكبر الله أكبر وللهِ الحمد. الله أكبر كبيرًا، والحمد لله كثيرًا، وسبحان الله بكرةً وأصيلا. وصلّى الله وسلَّم على نبيِّنا محمّد وعلى آله وصحبه، وسلَّم تسليما كثيرا.
الخطبة الثانية
الحمد لله ذي العزّةِ والجبروت والاقتِدار، أظهر آثارَ قُدرته بتصريفِ الليل والنهار، والله أكبر وهو الواحِدُ القهّار، والحمد لله مدبِّر الليالي والأيّام ومصرِّف الشهور والأعوام، لا إلهَ إلا هو قدَّر المقادير وصرَف الأحكام، أحمده - سبحانه - حمدًا كثيرًا يبقى على الدوام، وأشكره على جزيل الفضلِ والإنعام، وأشهد أن لا إله إلا الله وحدَه لا شريك له شهادةَ حقٍّ, ويقين وخضوعٍ, واستسلام، وأشهد أنَّ سيّدنا ونبيَّنا محمّدا عبد الله ورسوله نبيّ الإسلام وشفيع الأنام، صلّى الله وسلّم وبارَك عليه وعلى آلِه المطهَّرين الكِرام، وأصحابِه الأئمّة الأعلام، والتابعين ومن تبعهم بإحسان وسارَ على شِرعة الحقّ واستقام.
الله أكبر الله أكبر لا إله إلا الله، والله أكبر الله أكبر ولله الحمد.
أما بعد: فيا أمّةَ محمد، ويا أحبابَ محمّد، إنّ محمدًا رسولَ الله أسمى من كلّ مأثرة افتخَرت بها أمّة، وأعلى من كلّ وِسام اعتزَّت به أجيال، ويا ليتَ الذين نالوا من الإسلامِ وتطاولوا على مقام النبوّة المحمّدية قارعوا الحجّةَ بالحجة وقابلوا الدليل بالدليل لكانوا أهلَ إنصاف. إنَّ جهادَ محمّد وجهاد أصحابه وأتباعِه كان جهادًا في سبيل الله، لا إشباعًا لغرور، ولا بسطًا لنفوذ، ولا تمشيا مع أطماع، ولا عَصبيّة لجِنس، ولا دَعمًا لباطل، إنّه نصرةٌ للتّوحيد، ومَنع للظلم أن يجتاحَ الحقوق، ومنعٌ للقوّة أن تمحوَ العدل.
يا ليتَ العقلاء يتأمَّلون في طبائِعِ الحروبِ والاقتتال وسلوكيّات المحارِبين رِيادةً وأجنادًا، في الأمَمِ والشعوب، في تاريخِ الإنسانية كلِّها المليءِ بالدّماء والعنفِ منذ ابني آدم: قابيل وهابيل. نعم، إنَّ من العدلِ والإنصاف وتحرِّي الحقّ واكتمال الصورةِ النظرَ في سلوكيّات الآخرين في حروبهم وصِراعاتهم، بل لنَسأل: ماذا فعَلوا بالمسلمين وغيرِ المسلمين؟! كم قتَلوا؟! وكم شرَّدوا؟! وكم فجَّروا؟! بل بأيِّ وحشيّةٍ, وبأيّ معايير سالَت أنهارُ الدماء؟! كم يبلُغ قَتلاَنا في فلَسطين منذ نَكبَتِها؟! وماذا جَرَى للأوطانِ في عهودِ الاستعمار؟! وحينما تمكَّنوا من القوّة ضرَبوا بكلّ معايير العدلِ والحقّ، ولم يبقَ إلا معايير المصالح الأنانيّة الجائرة، فليس ثمّةَ عندهم عداواتٌ دائمة ولا صداقات دائمة، ولكن مصالح جائِرةٌ طاغِية هي الدائمة.
إنَّ محمَّدًا هو الذي أسهَرَ ليلَه وجندَه ليحرسوا مسيرةَ الحقَّ ويقطَعَ على عِصابات النَّهب والسّلبِ غاراتِها واعتداءَاتها على حقوقِ الآمنين والمستَضعَفين. محمّدٌ الذي تفطَّرت قدماه منَ التهجّد والتعبٌّد هو الذي انطَلَق في ميادين الجهادِ ليقاومَ الظلم والكفر والشركَ والطغيان. السّلام عليك أيّها النبيّ ورحمة الله وبركاته.
ويريدون إقناعَ المسلمين ليترُكوا رسالَتَهم ويتنكَّروا للحقّ الذي شرَّفهم الله به والتخلّف عن محمّد وركبِه خيرِ مجاهدٍ, وخير جندٍ,، جِهادٌ لتكون كلمةُ الله هي العليا ودينُه هو الظاهر.
الله أكبر الله أكبر الله أكبر ولله الحمد. الله أكبر كبيرًا، والحمد لله كثيرًا، وسبحان الله بكرة وأصيلا.
أيّها المسلِمون، هذا عَرضٌ لبعض الأحوال، وتِلكم ملامح مِنَ المبشّرات، فابتهِجوا بعيدِكم، فالعيد فرحةٌ ومناسبة لاطِّراح التكلّف واستجمامِ القوى المجهَدَة في دروبِ الحياة. العيدُ يومُ الأطفال بالفَرَح، ويومُ الفقراء بالمواساة، ويوم القربى بالتَّراحم، ويومُ النّاس جميعًا بالتسامُح والتزاور، ويومُ الأصدقاء بتشدِيدِ أواصِرِ الحبِّ والمودَّة. بَشاشةٌ تخالِط القلوبَ، وانشراحٌ يملأُ الصّدور. سِرٌّ العيدِ فيما يَغشَى النفوسَ مِن رحمةٍ, وبِرٍّ, وابتِهاج. يومُ العيد تأنَس بوالدَيكَ وتُباسِط أهلَك وتقرٌّ عيناك بأبنائِك وتهشّ لإخوانك وأحبابِك. لقد حلَّ العيدُ بساحَتِكم فابتَسِموا، وافتَحوا أبوابَ الأمل، فلا يذوقُ طعمَ العيد ويعيش بهجتَه قلبٌ تأكُلُه الأحقادُ أو نَفس تستبطِن الغشَّ أو صدرٌ يجيش بالضَّغائن.
ألا فاهنَؤوا بعيدِكم، والزَموا حدودَ ربِّكم، وصوموا عن المحارِم كلَّ دهركمº تكن لكم أعياد في الأرضِ وأعيادٌ في السَّماء.
واعلَموا أنَّ من أعمالِ هذا اليوم إخراجَ زكاةِ الفِطر، فأخرِجوها طيّبةً بها نفوسُكم، ومِقدارُها صاعٌ مِن طعامٍ, مِن غالب قوتِ البلَد كالأرز والتّمرِ والبُرّ عن كلِّ مسلم. ووقتُ إخراجها الفاضِلُ يومُ العيد قبلَ الصلاة.
ومِن مظاهر الإحسانِ بعد رمضانَ استدامةُ العَبد على النَّهج المستقيمِ ومداومَةُ الطاعة وإتباعُ الحسنة الحسنة، فذلك من قَبول الطاعَات. وقد ندَبكم نبيٌّكم محمّد بأن تُتبِعوا رمضانَ بستٍّ, من شوّال، فمن فعَل ذلك فكأنما صامَ الدّهرَ كلَّه.
تقبَّل الله منَّا ومِنكم الصيامَ والقيامَ وسائرَ الطاعات.
الله أكبر الله أكبر لا إله إلا الله، والله أكبر الله أكبر ولله الحمد.
هذا وصلّوا وسلّموا على الرحمة المسداة والنعمة المهداة نبيِّكم محمد رسول الله، فقد أمَرَكم بذلك المولى جلّ في علاه، فقال عزّ قائلاً عليمًا في محكم تنزيله قولا كريمًا: إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلٌّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيٌّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلٌّوا عَلَيهِ وَسَلِّمُوا تَسلِيمًا [الأحزاب: 56].
اللّهم صلّ وسلّم وبارك على عبدِك ورسولِك محمّد النبيّ الأميّ المصطفى الهادي الأمين العربي القرشي، وعلى آله الطيّبين الطاهرين، وعلى أزواجه أمّهات المؤمنين، وارضَ اللّهمّ عن الخلفاء الأربعة الراشدين والأئمة المهديين...
أضف تعليق
هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها
تم الإرسال
ستتم إضافة التعليق بعد معاينته من قبل فريق عمل مداد