من عوامل الثبات على دين الله


 

بسم الله الرحمن الرحيم

 

إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره.

إخوة الإيمان:

وكما يحرصُ المسلمُ على معرفةِ أسبابِ الهداية، فهو حريصٌ كذلك بل هو أحرصُ على معرفةِ عواملِ الثباتِ على دين الله، ذلك لأنَّ الثباتَ على دينِ الله حتى الممات هو ثمرةُ الهداية، وهو الضمانُ بإذنِ اللهِ للحصولِ على الجنَّةِ والمغفرة، وما أتعسَ المرءُ وأقلَّ حظَّهُ!! حين يذوقُ طعمَ الإيمانِ ثمٌَّ هو يرتدٌّ بعد إلى حماةِ الكفرِ بالله- والعياذ بالله- ولذا كانت عاقبةُ المرتد وخيمة، ونهايتهُ أليمة، والنبي- صلى الله عليه وسلم - يقول: ((من بدَّلَ دينه فاقتلوه))[1] الحديث رواه أحمد والبخاري وغيرهما، عن ابن عباسٍ,- رضي الله عنهما- (صحيح الجامع 5/264) ما أحوجَ المرءِ في زمانِ الغُربة!! إلى التعرفِ على عواملِ الثبات بعد معرفتهِ لأسبابِ الهداية إلى الصراطِ المستقيم، وذلك لفسادِ الزمان، وندرةِ الإخوان، وضعفِ المُعين، وقلةِ الناصر، بل ولكثرةِ حوادثِ الردةِ والنكوص على الأعقاب، وليس بالضرورةِ أن تكونَ الردةُ ردةً معلنةً صريحةً عن الإسلام، فإنَّ قبولَ بعضُ أحكامِ الإسلام، ورفض أحكامٍ, أخرى، أو الإيمانُ بشيءٍ, ممَّا نزل على محمد- صلى الله عليه وسلم - والعمل به، ورفضُ شيءٍ, آخر من دينِ الله، هو ردةٌ عن الدين، و نكوصٌ عن الحقِّ الذي نزلَ به المرسلون- عليهم السلام - والإسلامُ كلٌ لا يتجزأ، والشريعةُ حقٌ كلٌّها، وهي منظومةٌ لا يُمكنُ الفصلُ بينهما، وقد حكمَ اللهُ بكفرِ الذين يقبلون بعضها، ويرفضون بعضها الأخر، فقال - تعالى -: ((أَفَتُؤمِنُونَ بِبَعضِ الكِتَابِ وَتَكفُرُونَ بِبَعضٍ, فَمَا جَزَاءُ مَن يَفعَلُ ذَلِكَ مِنكُم إِلَّا خِزيٌ فِي الحَيَاةِ الدٌّنيَا وَيَومَ القِيَامَةِ يُرَدٌّونَ إِلَى أَشَدِّ العَذَابِ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ, عَمَّا تَعمَلُونَ)) [2].

 

إنَّ العلمنةَ بكافةِ ألوانها وصورها- هي ردةٌ عن دينِ الله، وكيف لا يكونُ كذلك، وهي أسلوبٌ ماكرٌ لتنحيةِ الدينِ عن الحياة، وأنَّ العلمانيين مهما اختلفت أسماؤُهم، أو تباينت لغاتهم، أو تباعدت ديارهم، هُم أُولئك النفرُ الذين يحاولون فصلَ الأمةِ عن دينها وتاريخها، ويُلبِّسُون عليها دينها، هُم دعاةٌ على أبوابِ جهنم.

 

وفي ظِلِّ هذا التشكيكِ الخفي في دينِ الله، تبرزُ الحاجةُ إلى معرفةِ عواملِ الثبات، بل وفي ظلِّ مُغرياتِ الحياةِ الدنيا، واختلاطَ الحقِّ بالباطل، وضعفَ اليقين وغربة الدين، وندرةَ الصالحين، تكونُ الحاجةُ أشدَّ للوقوفِ على عواملِ الثبات.

 

فإذا أضيفَ إلى هذه العواملِ أنَّ الهدايةَ والثبات مردٌّها بإذنِ الله إلى القلب، وهي متعلقةً به، وهو من أكثرِ الجوارحِ تقلباً، حتى قال فيه الصادقُ المصدوق - صلى الله عليه وسلم -: ((القلب ابن آدم أشدٌّ انقلاباً من القدرِ إذا اجتمعت غلياناً)) [3].

 

ويقول- عليه الصلاة والسلام -: في حديثٍ, آخر: ((إنَّما سُمي القلب من تقلبه، مثلُ القلبِ كمثلِ ريشةٍ, في أصلِ شجرة يُقلبُها الريحُ ظهراً لبطن))[4]. إذا كان كذلك، عُلم مدى الحاجةِ إلى معرفةِ عواملِ الثباتِ بعد معرفةِ أسباب الهداية، وإليكَ أخي المسلمُ بعضاً من الأُمور التي تُعينُ- بإذنِ الله- على الثبات على الحق، أسألُ اللهَ أن يثبتني وإيَّاكم وإخواننا المسلمين على الحقِّ، إنَّهُ جوادٌ كريم.

1- العاملُ الأول: الاعتصامُ بالكتابِ والسنةِ، والتمسكُ بما فيهما علماً، فالقرآنُ الكريم حبلُ اللهِ المتين، والسنةُ النبوية مكملةً للقرآن وشارحةً له، تُفصلُ ما أجمل، وتُفسرُ ما أشكل، وهما جميعاً نورٌ وضاء، يهتدي بنورهما أُولو الألباب، وما فتئَ المصطفى- صلى الله عليه وسلم - يدعو أمتهُ للتمسكِ بهما، والرجوعُ إليهما، حتى وافاهُ اليقين، ومما قالهُ- عليه الصلاة والسلام - ((تركت فيكم أمرينِ لن تضلوا ما تمسكتم بهما: كتابُ الله وسنةُ رسوله)) [5].

وهكذا فكلمَّا كان التزامُ الأُمةِ بالكتابِ والسُنة قوياً، كان ثباتها على الحق.

وكلمَّا هُجرَ القرآن وندرت السنة، كانَ ذلك داعياً للانحراف، وباعثاً للضلال، ولا حولَ ولا قوةَ إلاَّ بالله. ويندرجُ تحتَ هذا الأصلِ، الاقتداءُ بسلفِ الأُمةِ الصالحين، الذي صحبوا محمداً- صلى الله عليه وسلم - وأخذوا منهُ، وتربوا على يديه، وفي طليعةِ هؤلاءِ الخلفاءُ الراشدون، والأئمة المهد يون، أبو بكرٍ, وعمرَ وعثمان وعلي -رضي الله عنهم- وعن سائر الصحابةِ أجمعين، وفي هؤلاءِ جاءت وصيةُ محمد بن عبد الله- صلى الله عليه وسلم - ((عليكم بسنتي وسنةَ الخلفاءَ الراشدين المهديين، تمسكوا بها، وعضٌّوا عليها بالنواجذ، وإيَّاكم ومحدثات الأمور! فإنَّ كلَّ محدثةٍ, بدعة، وكلَّ بدعةٍ, ضلالة)) [6].

 

أخي المسلمُ:

 ومن هُنا يتضحُ لك حاجتك في الثباتِ على دينِ الله، على لزومِ الكتابِ والسُنةِ، وما فيهما من توجيهٍ,، ولزومُ سنة الخلفاءِ الراشدين، وهديهم. ويتبينُ لك كذلك أنَّ التمسكَ بالبدعِ المحدثةِ كأعيادِ المولدِ مثلاً، والتعبدَ بالخرافات الشركيةِ كالطوافِ حولَ القبورِ، والتوسلَ بالأموات ونحوها، كلٌّ ذلك مما يدعو إلى الانحرافِ عن صراطِ الله المستقيم، ويُبعدُ المرءُ عن الثباتِ على دينِ الله ومنهجهِ القويم.

 

2- العاملُ الثاني: من عواملِ الثباتِ، استدامةُ الطاعةِ والاقتصاد فيها: قال الله - تعالى -: ((إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبٌّنَا اللَّهُ ثُمَّ استَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيهِمُ المَلائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلا تَحزَنُوا وَأَبشِرُوا بِالجَنَّةِ الَّتِي كُنتُم تُوعَدُونَ)) [7]، وقال في الآية الأخرى: ((إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبٌّنَا اللَّهُ ثُمَّ استَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيهِمُ المَلائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلا تَحزَنُوا وَأَبشِرُوا بِالجَنَّةِ الَّتِي كُنتُم تُوعَدُونَ)) [8].

 

فهذا وعدٌ من اللهِ أن يحفظَ ويُثبت الملتزمين بالطاعة، والمحافظين على فعلِ ما جاءت به الشريعةُ في الحياةِ الدنيا وفي الآخرة، إنَّ الاستمرارَ على فعلِ الطاعاتِ وتركِ المُحرمات، والعملَ بما يُوعظُ به المرءُ أمرٌ عزيزٌ على النفس، ويحتاجُ إلى مُجاهدةٍ, وترويض، لكنَّهُ في النهايةِ عاملٌ مُهمُّ في الثبات، ((وَلَو أَنَّهُم فَعَلُوا مَا يُوعَظُونَ بِهِ لَكَانَ خَيراً لَهُم وَأَشَدَّ تَثبِيتاً)) (النساء: من الآية66).

وقال - تعالى -: ((يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالقَولِ الثَّابِتِ فِي الحَيَاةِ الدٌّنيَا وَفِي الآخِرَةِ وَيُضِلٌّ اللَّهُ الظَّالِمِينَ وَيَفعَلُ اللَّهُ مَا يَشَاءُ)) (ابراهيم: 27).

 

قال قتادة وغيرَ واحدٍ, من السلف: أمَّا الحياةُ الدنيا فيُثبتهم بالخيرِ والعملِ الصالح وفي الآخرة في القبر [9].

أمَّا الكُسالى والمفرطون، والذين يقدمُون على الطاعةِ حيناً، ويتهاونون فيها حيناً آخر، فهؤلاءِ على خطر، وهل يَضمنونَ أنفسهم أن تخترمهم المنيةُ في حالِ تفريطهم، فيُختمُ لهم بسوءٍ, الخاتمة، ولا حولَ ولا قوةَ إلا بالله، فاحرص أخي المسلمُ على استدامةِ الطاعة، لأنَّك لا تدري متى الرحيل، واعلم أنَّ من هدي النبي - صلى الله عليه وسلم - المداومةِ على عملِ الصالحاتِ وإن كانت قليلة، وقال في ذلك ((أحبٌّ الأعمالِ إلى اللهِ أدو مُها وإن قل))[10]وبهذا نصحَ الأمةَ وأرشدَ الرعية، وفي الحديث الصحيحِ عن عائشة- رضي الله عنها- قالت: كان للنبي - صلى الله عليه وسلم - حصير، وكان يحجرهُ بالليل فيُصلي فيه، ويبسطهُ بالنَّهارِ فيجلسُ عليه، فجعلَ الناسَ يَثوبون إلى النبي- صلى الله عليه وسلم - يُصلون بصلاتهِ حتى كثروا، فأقبلَ فقال ((يا أيِّها الناس: خُذوا من الأعمالِ ما تُطيقون، فإنَّ اللهَ لا يملَّ حتى تملٌّوا، وأنَّ أحبَّ الأعمالِ إلى اللهِ مادام وإن قل))[11]. زاد في رواية و ((كان آلُ محمدٍ, إذا عملوا عملاً أثبتوه)) [12].

 

3- العاملُ الثالث: من عواملِ الثباتِ على دينِ الله: الدعاءُ والإلحاحُ على اللهِ بالثبات، وكما أنَّ الدعاءَ سبب للهداية أصلاً- فهو عاملٌ للثباتِ ثانياً، وإذا كانت القلوبُ هي أوعيةُ الهداية، أو هي السببُ في الغوايةِ- فهي بينَ إصبعينِ من أصابعِ الرحمن، يُقلبُها كيف شاءَ، عن نعيمِ بن همار الغطفاني- رضي الله عنه- قال: سمعتُ رسولَ الله- صلى الله عليه وسلم - يقول: ((ما من آدميٍّ, إلا وقلبهُ بين إصبعين من أصابعِ الرحمن، إن شاءَ أن يزيغهُ أزاغه، وإن شاءَ أن يقيمهُ أقامه، وكلٌّ يومٍ, الميزانُ بيدِ الله، يرفعُ أقواماً، ويضعُ آخرين إلى يومِ القيامة)) [13].

وثبت في الحديثِ الصحيحِ أنَّ أكثرَ دعائهِ- صلى الله عليه وسلم - ((يا مقلبَ القلوبِ ثبِّت قلبي على دينك)) فقيل لهَ في ذلك؟ قال: ((إنَّهُ ليس آدمي إلاَّ وقلبهُ بين إصبعين من أصابعِ الله، فمن شاءَ أقامَ، ومن شاءَ أزاغ))[14].

 

وثبت أيضاً أنَّ أكثرَ أيمانهِ كانت: ((لا ومصرفَ القلوب)) [15] فألحوا على اللهِ بذلك معاشر المسلمين، ولاسيما في أوقاتِ الإجابة، نسألُ اللهَ ألاَّ يُزيغَ قلوبَنا بعدَ إذ هدانا، ونسألهُ أن يهبَ لنا من لدُنهُ رحمةً إنَّهُ هو الوهاب.

أقولُ ما تسمعون وأستغفرُ الله..

 

الخطبة الثانية

الحمدَ للهِ رب العالمين...

العاملُ الرابعُ من عواملِ الثبات: الالتفافُ حولَ العلماءِ الصالحين، والدعاةِ الصادقين، الذين يُثبِّتون الناسَ حين الفتنة، ويُؤُمِّنونهم حين الخوفِ والرهبة، أولئك مصابيحُ الدُجى، يُحيي اللهُ بهم قلوبَ العباد، وينتشلُ بهم آخرين من الفساد، ويتماسكُ على الطريقِ القويمِ بسببهم أممٌ وأقوام، كادوا أن يقعوا في الهاوية، وهل نسى المسلمون دور أبي بكر- رضي الله عنه- في الردةِ، أو يتناسى المؤمنونَ موقفَ الإمام أحمد يومَ المحنة، وهذا الإمامُ عليٌّ بن المدين- يرحمه الله - يقول: أعزَّ اللهُ الدينَ بالصديق يوم الردة، وبأحمدَ يوم المحنة [16].

وتأمل ما قالهُ الإمامُ ابنُ القيم- رحمه الله - دورَ شيخهِ ابن تيمية- يرحمه الله - في تثبيتهم على الحق، إذ يقولُ: وكُنَّا إذا اشتدَّ بنا الخوفُ عنهُ وساءت بنا الظنون، وضاقت بنا الأرضُ أتيناه، فما هُو إلاَّ أن نراهُ ونسمع كلامهُ فيذهبُ ذلك كلَّهُ عنَّا [17].

 

بل وتأمل ما في قصةِ الإمامِ أحمد، يوم المحنةِ بخلقِ القرآن، وكيف توافد الصالحونَ على الإمامِ أحمد يهدئونه ويثبتونه، وهو الإمامُ الأشم، ومع ذلك لا يعتر فُ بأثرِ كلامهم عليه، فقد روى الإمامُ الذهبي في سيرِ أعلامِ النبلاء، عن أبي جعفرٍ, الأنبا ري قال: لمَّا حُملَ أحمد إلى المأمونِ أُخبرتُ، فعبرتُُ الفرات، فإذا هو جالسٌ في الخان، فسلمتُ عليه.

فقال: يا أبا جعفر تعنيت.

فقلت: يا هذا، أنتَ اليومَ رأسٌ، والناسُ يقتدون بك، فو اللهِ لئن أجبت إلى خلقِ القرآن، ليجبنَّ خلق، وإن لم تُجب ليمتنعنَّ خلقٌ من الناسِ كثير. ومع هذا فإنَّ الرجلَ إن لم يقتُلكَ، فإنَّك تمُوت، لابُدَّ من الموت، فاتقِ اللهَ ولا تُجب، فجعلَ أحمدُ يبكي ويقولُ: ما شاءَ الله.

ثُمَّ قال: يا أبا جعفر، أعد.

فأعدت عليه وهو يقولُ: ما شاء الله.. أ. هـ [18]

وقال الإمامُ أحمد في سياقِ رحلتهِ إلى المأمون: ((صرنا إلى الرحبة، ودخلنا منها في جوفِ الليلِ، فعرضَ لنا رجلٌ فقال: أيٌّكُم أحمدُ بن حنبل؟.

فقيل له: هذا.

فقال للجمالِ: على رسلك، ثُمَّ قال:

(يا هذا، ما عليك أن تُقتلَ هاهُنا، وتدخُلَ الجنة).

ثُمَّ قال: أستودِعُك الله، ومضى.

فسألتُ عنهُ، فقِيل لي، هذا رجلٌ من العربِ، من ربيعة، يعملُ الصوفَ في البادية، يُقالَ لهُ: جابرُ بن عامر، يُذكر بخير)) [19].

وفي البدايةِ والنهاية: أنَّ الأعرابي قال للإمام أحمد:

(يا هذا إنَّك وافدُ الناس فلا تكن شؤماً عليهم، وإنَّك رأسُ الناسِ اليومَ فإيَّاك أن تُجيبهم إلى ما يدعُونكَ إليه فيجيبوا، فتحملَ أوزارهم يومَ القيامة، وإن كُنتَ تحبُ الله فاصبر على ما أنت فيه، فإنَّهُ ما بينك وبين الجنَّةِ إلاَّ أن تُقتل).

قال الإمامُ أحمد: وكان كلامهُ ممَّا قوى عزمي على ما أنا فيه من الامتناعِ عن ذلك الذي يدعونني إليه [20].

 

وفي روايةٍ,: أنَّ الإمامَ أحمد قال: (ما سمعتُ كلمةً منذُ وقعت في هذا الأمر، أقوى من كلمةِ أعرابيٍّ, كلَّمني بها في رحبةِ طوق). قال: (يا أحمدُ: إن يقتلك الحقٌّ مت شهيداً، وإن عشتَ، عشت حميداً، فقويَ قلبي) [21].

ويقولُ الإمامُ أحمد عن مرافقةِ الشاب (محمد بن نوح) الذي صمدَ معه في الفتنة.

ما رأيتُ أحداً- على حداثةِ سنهِ، وقدرِ علمه- أقومُ بأمرِ الله من محمد بن نوح، إنِّي لأرجو أن يكون قد خُتم لهُ بخير.

 

قال لي ذات يوم: (يا أبا عبد الله، الله الله، إنَّك لست مثلي، أنت رجلٌ يُقتد ى بكَ، قد مدَّ الخلقُ أعناقهم إليك، لما يكونُ منك، فاتق الله، واثبت لأمرِ الله.

فمات وصليتُ عليه ودفنته. (سير أعلام النبلاء 11/242).

وحتى أهلُ السجنِ الذين كان يُصلي بهمُ الإمامُ أحمد وهو مقيد، قد ساهموا في تثبيته.

فقد قال الإمامُ أحمدُ مرةً في الحبس: (لستُ أبالي بالحبس- ما هو ومنزلي إلاَّ واحد- ولا قتلاً بالسيف، وإنَّما أخافُ فتنةَ السوط).

فسمعهُ بعضُ أهل الحبس فقال: (لا عليكَ يا أبا عبد الله، فما هو إلا سوطان، ثُمَّ لا تدري أين يقعُ الباقي).

فكأنَّهُ سري عنه [22].

وهكذا يكونُ دورُ الأخيارِ في تثبيتِ المسلمين، فالزموا صحبتهم، واطلبوا نصحهم،

 

إخوةَ الإسلام:

 ويبقى بعد ذلكَ عواملُ أُخرى للثباتِ على دين الله، منها الذكر، وتأمل كيف قرنَ اللهُ بين الذكر والثبات في آيةٍ, واحدة، فقال - تعالى -: ((يَا أَيٌّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا لَقِيتُم فِئَةً فَاثبُتُوا وَاذكُرُوا اللَّهَ كَثِيراً لَعَلَّكُم تُفلِحُونَ)) ([23]).

ومنها عدمُ الاغترار بالباطل وكثرةُ المبطلين: ((لا يَغُرَّنَّكَ تَقَلٌّبُ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي البِلادِ * مَتَاعٌ قَلِيلٌ ثُمَّ مَأوَاهُم جَهَنَّمُ وَبِئسَ المِهَادُ)) ([24]) ((فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذهَبُ جُفَاءً وَأَمَّا مَا يَنفَعُ النَّاسَ فَيَمكُثُ فِي الأَرضِ كَذَلِكَ يَضرِبُ اللَّهُ الأَمثَالَ))[25]

ومنها استجماعُ الأخلاقِ المعروفةِ على الثبات، وفي مقدمتها الصبرُ والتقوى ((يَا أَيٌّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اصبِرُوا وَصَابِرُوا وَرَابِطُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُم تُفلِحُونَ)) [26]. ((وَالعَصرِ * إن الإنسان * إِنَّ الأِنسَانَ لَفِي خُسرٍ, * إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوا بِالحَقِّ وَتَوَاصَوا بِالصَّبرِ))

وفي الحديث الصحيح ((وما أعطى أحدٌ عطاءً هو خيرٌ وأوسعُ من الصبر)) [27]

----------------------------------------

[1]- الحديث رواه أحمد والبخاري وغيرهما عن ابن عباس - رضي الله عنهما - (صحيح الجامع 5/264).

 [2]- البقرة (85).

[3] - (الحديث رواه أحمد والحاكم والطبراني بأسانيد ورجال أحدهما ثقات (مجمع الزوائد 7/211).

[4] - (الحديث رواه أحمد والحاكم والطبراني بأسانيد ورجال أحدهما ثقات (مجمع الزوائد 7/211).

[5] - أخرجه الإمام مالك والحاكم بسند حسن، جامع الأصول 1/ 277

[6]- الحديث رواه أحمد الترمذي وأبو داود وابن ماجة بسند صحيح (جامع الأصول 1/279).

[7]- الأحقاف / 13

[8] - فصلت 30/ 31

[9]تفسير ابن كثير 4/421

[10] - متفق عليه صحيح الجامع 1/107

[11]- متفق عليه صحيح الجامع 1/ 107

[12]- انظر رواياته في جامع الأصول 1/303 305

[13]- الحديث رواه الطبراني ورجاله ثقات، مجمع الزوائد 7/211

[14]- صحيح الجامع 4/36 حديث رقم 4677

[16]- صحيح الجامع 4/236 حديث رقم 4676

[17] - وسائل الثبات، ص25

[18]- سير أعلام النبلاء 11/238.

[19]- المصدر السابق 11/241.

[20]- البداية والنهاية 1/332.

[21]- البداية والنهاية 1/ 332.

[22]- سير أعلام النبلاء 11/ 241.

[23]- الأنفال /45.

[24]- آل عمران/ 196- 197.

[25]- الرعد/ 17.

[26]- آل عمران/ 200.

[27]- رواه الجماعة (انظر: جامع الأصول 10/ 139).

 

 

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply