محنة الإمام أحمد


 

 

بسم الله الرحمن الرحيم

 

ملخص الخطبة:

 1- أهمية صلاح العلماء والأمراء. 2- محنة الإمام أحمد. 3- حال الأمة الإسلامية. 4- طغيان أمريكا وبغيها في الأرض. 5- حال الشعب الفلسطيني.

 

الخطبة الأولى

 عباد الله، اثنان إذا صلحا صلحت الأمة، وإذا فسدا فسدت الأمة: العلماء والأمراء، العالم ينصح ويرشد ويبين ويعلّم، والحاكم ينفّذ ويطبق، فإذا نافق العالم استبدّ الحاكم، وإذا ما استبد الحاكم ضاعت البلاد والعباد وانهارت الأخلاق وضاعت الأرزاق.

 

وتذكروا ـ يا عباد الله ـ أن العالم العامل من صفاته أن يخشى الله وحده وأن يكون طاهرا نزيها، وخشية الله أن لا يخاف المسلم إلا خالقه، فغير الله لا يضر ولا ينفع، ولا يخفض ولا يرفع، لأن الملك كلّه لله، ولا يحدث فيه شيء إلا بأمر الله. فمن خاف الله وحده خوّف الله منه جميع خلقه، ومن لم يخف الله خوّفه الله من جميع خلقه. ويوم كان العلماء لا يخافون إلا الله انتظمت مواكب الحياة، ويوم خاف العلماء على مصالحهم ومناصبهم ارتبكت مسالك الحياة، وأصبح الصدق كذبا والكذب صدقا، أصبحت الأمانة خيانة، والخيانة أمانة.

 

فتعالوا ـ أيها المؤمنون ـ نعِش وإياكم مع علَم من أعلام الأمة الذين نصر الله بهم الدين وأعلى بهم شأن المسلمين، إنه الإمام حقا وشيخ الإسلام صدقا، إنه الإمام أحمد بن حنبل - رضي الله عنه -، لقد امتحن في حياته وابتلي وزلزل زلزالا شديدا، فصبر وبقي على دينه وعقيدته، ففاز في الدنيا والآخرة.

 

لقد رأى الرسول وقال له: يا أحمد، إنك ستُبتَلى فاصبر، يرفع الله لك علما إلى يوم القيامة. وابتليَ الإمام بفتنة القول بخلق القرآن، وجلد وسجن وبقي عالي الهمة، لم يتراجع عن موقفه الثابت على الحق مهما كلف الثمن، ومن هنا قال أهل العلم: لقد نصر الله هذا الدين برجلين: بأبي بكر يوم الردة، وبأحمد يوم المحنة.

 

لقد جلد الإمام أحمد على موقفه الإيماني، لم يجلد لأنه شرب الخمر أو ارتكب جريمة الزنا أو تجسَّس على المسلمين أو سرق أموال الأمة أو ضحى بالمسلمين من أجل أعداء الأمة، إذن فلم جلد الإمام؟ إنه الظلم، والظالم لا يفرق بين العلماء والجهلاء، وتذكروا دائما أن الظالم لا يقبل كلمة الحق، ولا يرضى بالطريق المستقيم. جلد الإمام - رضي الله عنه - وكان يقول: رحم الله الأولين، كانوا توضع المناشير على أجسامهم فلا يتأوهون!

 

عباد الله، انظروا إلى هذا المشهد الرباني، لما ضرب الإمام في الأول قال: بسم الله، فلما ضرب الثاني قال: لا حول ولا قوة إلا بالله، فلما ضرب الثالث قال: القرآن كلام الله غير مخلوق، فلما ضرب الرابع قال: قُل لَن يٌّصِيبَنَا إِلاَّ مَا كَتَبَ اللهُ لَنَا، فلما ضرب الخامس قال: يا أمير المؤمنين، اذكر الوقوف بين يدي الله كوقوفي بين يديك لا تستطيع منعًا، ولا عن نفسك دفعا، فلما ضرب السادس اضطرب المئزر في وسطه، فرفع الإمام رأسه إلى السماء وحرك شفتيه، فما استتمّ الدعاء حتى رأينا كفّا قد خرج من تحت مئزره، فرد المئزر إلى وضعه بقدرة الله - تعالى -.

 

عباد الله، وسئل الإمام: ماذا قال عندما اضطرب المئزر؟ فقال: قلت: اللهم إني أسألك باسمك الذي حملت به العرش إن كنت تعلم أني على الصواب فلا تهتك لي سترا. وذكر تلامذة الإمام أنهم سألوه: عندما جلدت كنت تبتسم! وكنا نبكي من حولك، فأجاب بقوله: إنكم تبكون لأنكم ترون يدَ الجلاد، أما أنا فقد كنت أضحك لأنني كنت أرى يد ربّ العباد. سبحان الله! قُلنَا يَا نَارُ كُونِي بَردًا وَّسَلاَمًا عَلَى إِبرَاهِيمَ.

 

عباد الله، إن السجن هو سجن النفوس لا سجن الأجسام، لقد صبر الإمام أحمد على محنته وعاش حميدا وأفضى إلى الله على نور وهدى.

 

عباد الله، ورئي الإمام أحمد بعد وفاته في النوم وعليه حلَّتان، وعلى رأسه تاج من النور، وإذا هو يمشي مشية لم يكن يمشيها، فسئل عن ذلك فقال: هذه مشية الخدام في دار السلام. وصدق الحق وهو يقول: وَيَطُوفُ عَلَيهِم وِلدَانٌ مُخَلَّدُونَ إِذَا رَأَيتَهُم حَسِبتَهُم لُؤلُؤًا مَنثُورًا وَإِذَا رَأَيتَ ثَمَّ رَأَيتَ نَعِيمًا وَمُلكًا كَبِيرًا عَالِيَهُم ثِيَابُ سُندُسٍ, خُضرٌ وَإِستَبرَقٌ وَحُلٌّوا أَسَاوِرَ مِن فِضَّةٍ, وَسَقَاهُم رَبٌّهُم شَرَابًا طَهُورًا إِنَّ هَذَا كَانَ لَكُم جَزَاءً وَكَانَ سَعيُكُم مَشكُورًا [الإنسان: 19-22].

وورد في الحديث الشريف: ((لا تجعلوا بيوتكم قبورا، فإن البيت الذي تقرأ فيه سورة البقرة لا يدخله الشيطان)).

 

الخطبة الثانية

 أيها المسلمون، إن المتتبع لأخبار عالمنا الإسلامي يرى مدى الهوة العميقة والمنزلق الخطير الذي تسير فيه الأمة قيادة وشعوبا، فالقيادة الحالية بعيدة عن منهج الله، بل إنها تعتمد على الأنظمة الوضعية التي تغلب عليها العلمانيةº مما جعلها أسيرة للدول الاستعمارية التي تسلب خيرات البلاد، أما الشعوب فهي مغلوبة على أمرها، تحكم بالحديد والنار، وفي غياب الوعي الإسلامي والقيادة الصالحة تطاول الأعداء على الإسلام، وتجرؤوا على دستور الأمة، وتوجهوا بالإساءة لنبينا، وأصبح الإرهاب مرادفا للإسلام، وساهمت القيادات الحاكمة بملاحقة الدعاة المخلصين تحت شعار محاربة الإرهاب ونشر الحرية والديمقراطية، ولسان حالهم في قوله: الَّذِينَ يَتَّخِذُونَ الكَافِرِينَ أَولِيَاءَ مِن دُونِ المُؤمِنِينَ أَيَبتَغُونَ عِندَهُم العِزَّةَ فَإِنَّ العِزَّةَ لِلَّهِ جَمِيعًا [النساء: 139].

 

عباد الله، انظروا إلى ما يحدث في الصومال، تتعرض للغزو من قبل إثيوبيا الصليبية، وبدعم مطلق من أمريكا، فهل استنكر أحد هذا التدخل السافر والذي يعدّ غزوا عسكريا؟!

 

أيها المسلمون، ماذا يحدث في العراق؟! تباين سياسي بين القيادات الحاكمة، وعنف طائفي بغيض، وقتل متواصل، وإعدام الرئيس العراقي السابق بشكل مهين لكل العرب والمسلمين، فالقرار أمريكيّ والتنفيذ طائفي، والعراق لن ينعم بالاستقرار، بل يسير نحو التقسيم والتجزئة.

 

أيها المسلمون، في أرضنا المباركة استمر الاحتقان السياسي وعمليات قتل وخطف متبادلة وأزمة ثقة بين الفرقاء، وشعبنا يدفع الثمن، وكل ذلك لأننا لم نحكم شرع الله في حل خلافاتنا، فاتقوا الله أيها الناس، اتقوا الله في أمتكم، فوِّتوا الفرصة على الذين يتربّصون بكم، فشعبنا يعاني الأمرَّين، حواجز من كل ناحية، حملات تفتيش واعتقالات، مداهمات وإطلاق نار، أصبحت الحياة مريرة.

 

عباد الله، إن ما قامت به إسرائيل في رام الله يضع الجميع أمام واقع الاحتلال، الاحتلال البغيض، إسرائيل تدعي أنها سوف تخفف من إجراءاتها على الأرض والمشاهد عكس ذلك، وأنها سوف تطلق سراح أسرى، والذي يجري اعتقال أعداد كبيرة وزجّهم في السجون، هذا هو الواقع المرّ الذي نعيش فيه. فإن أردتم الخلاص فاصطلحوا إلى الله - تعالى -، ضعوا ثقتكم بالله وحده، لن تنفعكم الشعارات الواهية.

 

فيا أيها المسلمون، أفيقوا من سكرتكم ومن غفوتكم، واعلموا أن الأرض تهتز، وأن الحروب تعدّ العدة، والكفر ملة واحدة، والمسلمون يطعن بعضهم بعضا، هؤلاء يباركون هذا، وأولئك يصفقون لهذا، مع أننا كالجسد الواحد، إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى، وحِّدوا قلوبكم على طاعة الله، وحّدوا نفوسكم على معرفة الله، من أطاع الله سخّر الله له كل شيء، فوجّهوا أنفسكم لله، فهو وحده القادر على نصركم ورفع الضرر عنكم.

وفقنا الله وإياكم وجميع المسلمين للعمل بكتابه وسنة رسوله - عليه الصلاة والسلام -.

 

أيها المسلمون، نهنئ إخواننا حجاج بيت الله الحرام بعودتهم سالمين غانمين إن شاء الله من الديار الحجازية، ونسأل الله أن يكون حجهم مبرورا وسعيهم مشكورا وذنبهم مغفورا، ونذكرهم بقول الرسول - عليه السلام -: ((من حج فلم يرفث ويفسق رجع كيوم ولدته أمه)).

 

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply