أيها المسلمون أفيقوا


 

بسم الله الرحمن الرحيم

 

الخطبة الأولى:

أما بعد: أيها المؤمنون، أيها المرابطون في هذه الرحاب المقدسة، تمر أمتنا الإسلامية في منعطف خطير، ينذر بانهيار الأنظمة الإسلامية، الواحد تلو الآخر، إذا لم يتدارك المسلمون قادة وحكامًا وشعوبًا أبعاد المؤامرات التي تحاك ضد الإسلام والمسلمين من قبل أعدائهم بزعامة أمريكا الحاقدة، وأوروبا الصليبية الماكرة، وروسيا الملحدة، إذا لم يعمل المسلمون على وقفة جادة وجريئة بوجه المخططات المعادية لإسلامهم، والتي تتخذ حاليًا أشكالاً متنوعة ومسميات متعددة، فمن الانفتاح والتعايش السلمي إلى العولمة، ثم العلمانية ووحدة الأديان، وإلى الوفاق الدولي لمحاربة الإرهاب، وبات واضحًا أمام الجميع مفهوم الإرهاب من وجهة نظر أعداء الإسلام.

 

أيها المؤمنون، لقد حذرنا في خطبة سابقة من علياء هذا المنبر الشريف أن مدينتنا المقدسة في خطر، وأن مسجدنا المبارك في خطر، وأن جدار الفصل العنصري ما هو إلا أسلوب من أساليب الاحتلال الإسرائيلي لعزل مدينة القدس عزلاً تامًا عن باقي مناطق ومدن فلسطين في الضفة الغربية المحتلة.

 

وما حدث ـ أيها المؤمنون ـ في الأسبوع الماضي من اقتحام مسلح للمسجد الأقصى المبارك ومهاجمة المصلين وإطلاق القنابل الصوتية والأعيرة المطاطية، حتى قبل إنهاء المصلين لصلاة السنة البعدية، ما هو إلا إرهاب دولة وممارسات احتلال، لاختبار مدى صمودكم ومدى ثباتكم بمسجدكم ودفاعكم عنه، فالاحتلال لا يزال يتحين الفرص للانقضاض على هذا المسجد المبارك، بعد أن آلت الأمور السياسية في العالم لصالح أعداء الإسلام.

 

أيها المسلمون، لقد ذكرت الصحف العبرية أن إسرائيل ومن خلال شركة إلعاد ستعمل على إقامة مركز تجاري سياحي في مدينة القدس، وعلى وجه التحديد في منطقة وادي حلوة، والتي يطلقون عليها مدينة داود، وستعمل المؤسسات والحكومة والجمعيات الاستيطانية لشراء العقارات لإسكان المستوطنين فيها، وذكرت الصحف أيضًا أن شركة إلعاد تمكنت من امتلاك ثلاث وأربعين منزلاً يقيم فيها حاليًا المستوطنون تحت حراسة مشددة، وأن شركة إلعاد وبالتعاون مع سلطة الأراضي ستقوم بمسح جغرافي وسكاني لمعرفة العقارات التي لا يقيم فيها أصحابها الأصليون لوضع اليد عليها باعتبارها أملاك غائبين.

 

أيها المؤمنون، هذا المخطط الاستعماري والاستيطاني الجديد يهدف إلى تهويد وادي حلوة بالكامل، لأن اليهود يعتبرونها على حد زعمهم أقدس من حائط البراق، لأنها المدينة التي بناها سيدنا داود - عليه السلام -، هذه هي المخططات الصهيونية القديمة الجديدة، والتي ستكون بداية للانقضاض على هذا المسجد المبارك لا قدر الله.

فمتى يفيق المسلمون من سباتهم العميق؟! متى تستيقظ ضمائر القادة والحكام؟! ومتى ينفضون عن كاهلهم الذل والصغار والتبعية؟! متى يدرك المسلمون في بيت المقدس أن المستوطنين يسعون للاستيلاء على مزيد من العقارات الإسلامية داخل أسوار البلدة القديمة وخارجها لتكون البلدة القديمة محاطة بالقلاع الاستيطانية من جميع الجهات ومن جميع الأمكنة؟! وقد نشرت بعض الصحف أن عدد المستوطنين الذين يسكنون في هذه الأماكن يزيد على مائة وخمسين ألف مستوطن.

ومن هذه الرحاب الطاهرة ومن هذا المنبر الشريف، وباسم جميع المسلمين في مشارق الأرض ومغاربها، نستنكر الاعتداء الآثم الذي حدث يوم الجمعة الماضي على المصلين، ونحذر في الوقت ذاته من زرع بذور الشقاق واندساس العملاء بين المصلين، حتى لا نعطي الفرصة لأعدائنا لانتهاك حرمة هذا المسجد المبارك.

 

أيها المؤمنون، إن الوقت الذي نحياه اليوم وقت صعب يتطلب من الجميع اليقظة والحذر ووحدة الصف تحت راية الإسلام، لتفويت الفرص أمام أعداء الإسلام الذين يعيثون في الأرض فسادًا ويسعون إلى تخريب البيت الفلسطيني من الداخل، فما الاغتيالات الأخيرة والانفلات الأمني إلا مظهرًا من مظاهر التفكك والضعف الذي حل بنا في هذه الأيام، والله- تبارك وتعالى -يقول في محكم التنزيل: ( ياأَيٌّهَا الَّذِينَ ءامَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مٌّسلِمُونَ وَاعتَصِمُوا بِحَبلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلاَ تَفَرَّقُوا ) [آل عمران: 102، 103].

وإن سياسة الهدم والتشريد التي تنتهجها سلطات الاحتلال تتطلب من جميع المسلمين الوحدة والترابط والتعاون والوقوف أمام المخططات التي تستهدف النيل من وجودنا الإسلامي في أرض فلسطين المسلمة، نسأل الله- تبارك وتعالى -أن يمن علينا جميعًا بالأمن والاستقرار والمحبة والوئام.

 

عباد الله، ورد في الحديث الصحيح أن رسول الله قال: ((من رأى منكم منكرًا فليغيره بيده، فمن لم يستطع فبلسانه، فمن لم يستطع فبقلبه، وذلك أضعف الإيمان)) أو كما قال.

ادعوا الله وأنتم موقنون بالإجابة، فيا فوز المستغفرين، استغفروا الله.

 

الخطبة الثانية

الحمد الله الذي أنعم علينا بنعم لا تعد ولا تحصى، ولا يمكن أن تتخطى، ونشهد أن لا إله إلا الله الملك الحق المبين، ونشهد أن سيدنا ونبينا محمدًا عبد الله ورسوله، اللهم صل وسلم وبارك وأنعم على النبي المصطفى والحبيب المجتبى، والآل المستكملين الشرفا والأتباع الحنفا.

إن ما جرى من أحداث مؤلمة ومجازر بشعة في يوم عاشوراء يوم الاثنين الماضي من تفجيرات في بغداد وكربلاء، وراح ضحيتها مئات من المسلمين الشيعة وأهل السنة يدل دلالة واضحة على أن أعداء الإسلام يتربصون بالمسلمين في كل زمان ومكان، والذين فشلوا حتى اليوم في إظهار أسلحة الدمار الشامل والتي كانت ذريعة حسب كلامهم لاحتلال العراق، إنما يسعون اليوم إلى إثارة الفتن الطائفية بين المسلمين في العراق، لإطلالة أمد الاحتلال، وعدم إعطاء الشعب العراقي الحرية وبناء ذاته من جديد.

ومن هنا نحمّل قوات التحالف الظالمة المسؤولية الكاملة عما حدث ويحدث من مجازر دموية في أرض العراق وبين المسلمين هناك، وليكن معلومًا لدى الجميع أن المسلم يحرم عليه قتل المسلم، وعندما يقولون: إن الجماعات الإسلامية هي التي قامت بهذه الأعمال إنما يريدون أن يلصقوا تهمة الإرهاب بالمسلمين، والعالم أجمع أصبح يعرف الآن من هم الإرهابيون.

 

أيها المؤمنون، قضية هامة، ففي زحمة الأحداث التي نعيشها هذه الأيام، هذه القضية التي قد ينساها بعضنا، نؤكد من هذا المكان الطاهر أن السجناء المسلمين في سجون الاحتلال يعانون من ظروف مهينة وصعبة للغاية وظروف صحية سيئة، والواجب على أمتنا وأصحاب المسؤولية أن يعملوا على رفع الضيم والظلم عنهم، وإعطائهم حقهم، إلى أن يأذن الله- تبارك وتعالى -بإطلاق سراحهم، وندعو الله- تبارك وتعالى -من هذا المكان الطاهر أن يفرج كربهم، وأن يرحم ضعفهم، وأن يطلق سراحهم، وأن يعيدهم إلى أهلهم سالمين غانمين. آمين.

 

عباد الله، قبل أيام قليلة كانت ذكرى هدم الخلافة الإسلامية التي توحد أعداء الإسلام في مشارق الأرض ومغاربها للقضاء عليها، لأنها تحمل راية الإسلام، تحمل راية: لا إله إلا الله محمد رسول الله، تكالب أعداء الإسلام عليها من كل مكان، واستطاعوا أن يقضوا على الخلافة الإسلامية، والواجب على أمتنا في هذه الأيام أن تعود إلى رشدها، وإلى صواب أمرها، وإلى إقامة دولة الإسلام حتى ترفع الظلم والضيم عن المسلمين في كل مكان.

 

وتأكدوا ـ أيها المسلمون ـ أن العزة والكرامة لن تعود لكم إلا إذا عدتم إلى الله تبارك وتعالى، فمتى يعود المسلمون في هذه الأيام إلى الله - عز وجل - حتى يخفف عنا هذه الآلام، حتى يرحل عنا الاحتلال؟! وتذكروا دائما أن الظلم مهما طال فلن يدوم، وأنه مهما طال الظلام فلا بد من طلوع الفجر.

 

 

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply