عداوة اليهود وأحلام السلام


 

 

بسم الله الرحمن الرحيم

 

إنَّ الحمدَ لِله نحمدهُ ونستعينهُ، ونستغفرهُ، ونعوذُ باللهِ من شرورِ أنفسنا، ومن سيِّئاتِ أعمالِنا، من يَهدهِ اللهُ فلا مُضلَ لـهُ، ومن يُضلل فلا هاديَ لـه. وأشهدُ أنَّ لا إله إلا الله وحدهُ لا شريكَ لـه، وأشهدُ أنَّ محمداً عبدهُ ورسوله.  {يَا أَيٌّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَـمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنتُم مُسلِمُونَ}[آل عمران: 102]. {يَا أَيٌّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِن نَفسٍ, وَاحِدَةٍ, وَخَلَقَ مِنهَا زَوجَهَا وَبَثَّ مِنهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيكُم رَقِيباً}[النساء: 1]. {يَا أَيٌّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَولاً سَدِيداً * يُصلِح لَكُم أَعمَالَكُم وَيَغفِر لَكُم ذُنُوبَكُم وَمَن يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَد فَازَ فَوزاً عَظِيماً}[الأحزاب: 70-71].

أما بعدُ: فإنَّ أصدقَ الحديثِ كتابُ الله، وخيرُ الهدي هديُ محمدٍ, - صلى الله عليه وسلم-وشرٌّ الأمورِ مـُحدثاتُها، وكل محدثةٍ, بدعة، وكلَّ بدعةٍ, ضلالة، وكلَّ ضلالةٍ, في النار.

 أيَّها المسلمون:

يقول الله - تعالى -: ((وَاذكُرُوا إِذ أَنتُم قَلِيلٌ مُستَضعَفُونَ فِي الأَرضِ تَخَافُونَ أَن يَتَخَطَّفَكُمُ النَّاسُ فَآوَاكُم وَأَيَّدَكُم بِنَصرِهِ وَرَزَقَكُم مِنَ الطَّيِّبَاتِ لَعَلَّكُم تَشكُرُونَ)) [لأنفال: 26]، ولا أجدُ أبلغَ من هذه الآيةِ العظيمة تُلخصُ الحالةَ البائسة، التي كان عليها العربُ في جاهليتهم، فهم كما وصفَ اللهُ - تعالى -يعانون قلةً وضعفا، ويشتكون خوفاً ورعباً، أوجعتهم الحروب العصبية، ومزقتهم الثارات الجاهلية، دأبهُم السلبُ والنهب، ود يدنُهم الظلمُ والغصب، فكانت الأمةُ العربية أمةً ضعيفةً، ممتهنة، لا حضارةَ لها ولا مجد، ولا سيادةَ لها ولا رفعة، ولم يكن لها أيُ تأثير يُذكر في مُجرياتِ الأحداث، في ذلك الزمان الذي تنازعت في السلطة حضارتان وثنيتان، وقوتان عظيمتان، هما فارس والروم، والتي لم تتعد نظرتُهما إلى العرب عدا أنَّهم قومٌ من الرُعاعِ المتخلفين، والجوعى البائسين.

يقول قتادةُ - رحمه الله -: (كان هذا الحي من العرب أذلَّ الناسِ ذلاً، وأشقاهُ عيشاً، وأجوعَه بطوناً، وأعراهُ جلوداً، وأبينَهُ ضلالاً، مقهورين على رأس حِجرٍ, بين الأسدين - فارسَ والروم - ولا واللهِ ما في بلادِهم يومئذٍ, من شيءٍ, يحسدون عليه، من عاشَ منهم عاش شقياً، ومن مات منهم رُدِّي في النار، يُؤكلونَ ولا يَأكُلون، واللهِ ما نعلمُ قبيلاً من حاضرِ أهلِ الأرضِ يومئذٍ, كانوا أشرَّ منزلاً منهم، حتى جاءَ اللهُ بالإسلام، فمكنَّ به في البلاد، ووسعَ به في الرزق، وجعلهم به ملوكاً على رقابِ الناس) انتهى كلامه - رحمه الله -.

ولقد منّ اللهُ - تعالى - على أولئك البائسين ببعثةِ نبيهِ العظيم - صلى الله عليه وسلم-فآمن به من آمن، وتبدلت الأرضُ غير الأرض، وتغيرت القلوبُ والوجوه، وتحطمت القيمُ الزائفة، وتهاوت القنا عاتُ الفارغة، وانتكست المبادئُ القاحلة، وتحولَ العربيُ الذي ما كان يعرفُ غيرَ الكأسِ والغانية، ولا يجيدُ سوى التذلل أمامَ أصنامٍ, من حجرٍ, وخشب، تحولَ إلى وعاءٍ, من إيمان، وجبلٍ, من يقين، وامتلأ قلبهُ ورعاً وتقى، ونفسهُ فضيلةً ومروءةً وشجاعة، وفي فترةٍ, قياسية أُذهلت الدنيا بأسرها، تحولَ المجتمعُ العربيُ بإيمانهِ وإسلامهِ، لا بعروبته وقوميته، تحولَ إلى القوةِ الأولى في العالم بلا منازع، بعدما حطّم كبرياءَ فارسَ والروم، ودكَّ حصونَها في آنٍ, واحد، وجعلهم أشتاتاً بعد وحدة، أذلاءَ بعد عزة، وظلَّ القرآنُ الكريم يتنزلُ عليهم آيةً آية وسورةً سورة، يغرسُ في نفوسهِمُ العقيدة الصحيحة، والخلق القويم، والسلوك الحسن، ويتعاهدهم برعايةٍ, وتربيةٍ, من نوعٍ, خاص، صنعت منهم رجالاً لم يعهد التاريخُ لهم مثيلا، وبالرغم من نزول القرآن بلغة العربِ الأصيلة، إلا أنك لا تجدُ آيةً واحدةً تخاطبهم خطاباً قومياً، فليس في كتابِ ربنا(يا أيَّها العرب)، وإنما هو النداءُ الذي ارتضاهُ اللهُ لهم، نداءُ الإيمانِ العظيم، وفي ذلك إشارةٌ واضحةٌ الدِلالة بأنَّ المجدَ الذي حققوهُ وسادوا به الدنيا، ما كان ليحدث لولا إيمان قوي، خالطَ بشاشةَ القلوب، ويقين راسخ استقر في سويدائِها.

واليوم يعيدُ التاريخُ نفسَه من جديد، فلما تنكَّرَ العربُ لكتابِ ربهم، واستخفوا بسنةِ نبيهم، عاد العربُ أقزاماً لا وزنَ لهم ولا قيمة، وغدوا ذيولاً واتباعاً، بعد أن كانوا رؤساءَ وسادة، وغابَ تأثيرُهم في مُجريات الأمور، وتسلطَ عليهم أعداؤُهم من كلِّ جانب، ومارسوا عليهم وصايةً مهينة، وتدخلَ الكفارُ في أخصِ خصائِصهم، وأدقِّ شؤونهم، واستأسدت عصابةٌ من اليهود، فاحتلت أرضَهم وبلادَهم، وأذاقتهم الذُلَّ والحسرة، وجرَّعتهم المرارةَ والغُصة، منذُ ما يربو على خمسين عاماً وإسرائيلُ توجهُ إلينا صفعاتٍ, موجعة، حتى استمرأناها وألفناها، فتبلدت أحاسيسنا، ويبست جلودُنا، فما عادت تُؤثر فينا تلك الصفعات.

خمسونَ عاماً أُتخمَت سَنَواتُهَا * * * ذلاً فما يغشى العيونُ رُقادُ

منذ ما يربو على خمسين عاماً وإسرائيل تدنسُ مقدسا تنِا، وتقتلُ إخواننَا، وتعبثُ بمشاعِرنا، وتسخرُ من أعصابِنا، دون أن نسمعَ غضبةً عمريه، أو وثبةً سعدية، أو زأرة أسدية لابن الوليد، أو صرخة عثمانية من عبد الحميد في وجهِ الخونةِ وناقضي العهود يوم قال: إن فلسطين أرضٌ أُخذت بالدماء ولا تباع بالذهب!! وفي الوقتِ الذي كُنَّا نُمنِّي فيه أنفسنَا بجهادٍ, نحطِّمُ به عصاباتِ يهود، ونستعيدُ مجدَنا السليب، وعزنَا الفقيد، فإذا بهم يركضون خلفَ سلامٍ, من سراب، ويخوضون مفاوضاتٍ, مهينةٍ, هزيلة، أملاً في عقدِ معاهدةٍ, مع الذين احترفوا نقضَ العهود، وجُبلوا على الغدرِ والخيانة، فمعذرةً يا فلسطين ويا شعبَ فلسطين، ومعذرة يا محمد جمال، لقد رأيناك تحتمي خلف صخرةٍ, من حقد يهود، ورصاص يهود، لقد آلمنا حقاً صُراخك واستغاثتك،

أحبابُنا إني أُغالبُ حســرةً  * * *مشبوبةً وعلى الأسى أتجلَّـدُ

نظراتُ أعينِكم تعذبني فـلا * * * عيشي يطيب ولا جفوني ترقدُ

تجري دماءُ الأبرياءِ على الثرى * * * نهراً وعالمَنُا المخدَّر يشهَـدُ

والمسجد الأقصى يباع ويُشترى  * * * جهراً، وقُدسُ الفاتحين تُهــوَّدُ

أوَّاه من نارٍ, أَحسٌّ بحرِّهـــا * * * لمَّا يُراقُ دَمٌ ويُهـدَم مسجـدُ

إني لأبصرِ وجـهَ طفـلٍ, تائـهٍ, * * * وسؤالَـه الحيرانُ أين المُرشدُ؟

ماذا جنى هذا الصغيرُ أما هُنـا * * * رجـلٌ إلى قولِ الحقيقةِ يُرشدُ؟

إني لأُبصرُ أمــةَ الإسـلامِ في * * * لهوٍ, تقومُ عـلى الهـوان وتقعُدُ

فأكاد أحلفُ أنَّ أمتنَا غـــدت * * *  بالـذٌّل في دَيَرِ الهـوانِ تُـعمِّد

وكأنَّها لم تَبنِ صرحاً شامخــاً  * * *ظلَّت به نحـو المعـالي تصعدُ

أيها المسلمون:

إلى متى هذا السكوت؟ حتى متى الصمت المميت؟

ما ذلك الإعراضُ والصممُ الغريب؟ عن كل آهاتِ الثكالى والحيارى والنحيب؟ حتى متى هذا الصدود؟ وإلى متى هذا الركود؟!

وإلى متى عنَّا تشيحُ وجوهُكم يا مسلمون؟ أو ليس في الأقصى الأسير مذابحٌ للآمنين؟

يستنصرون؟

يستصرخون؟

فما لكم لا تسمعون؟

أو ليس فيكم من رشيد؟

أو ما ترون الحقدَ ينضحُ من يهود؟

قد دنسوا الأقصى وفي ساحاتهِ ذبحوا بنيهِ، لم يرحموا الطفلَ الصغيرَ، رموه بين يدي أبيه، حتى متى يا أمتي؟

وإلى متى؟

حتى تُقطعُ للعدا أشلاؤنا؟

حتى يُشردُ أهلنا أطفالنا؟

حتى متى؟

قولوا متى؟ حتى تعيث يهودُ في الأرض الفساد؟

حتى تُحالَ بلادُنا نهبا لأنذال العباد؟

حتى متى؟

حتى تُهدَّمَ قدسُنا؟

حتى يُقامُ الهيكلُ المزعومُ في مسرى الرسول؟

ويُقسَّمُ الأقصى المباركُ بين عُبَّادِ العجول؟

فأين أين المسلمون؟

أين الذين لربهم يتعبدون؟

أين الذين بدينهم يستمسكون؟

أين الأولى في الله هم يتناصرون؟

ما بالكم لا تسمعون؟

ما بالكم لا تنظرون؟

فأين، أين المسلمون؟

بل أين بعضُ المسلمين؟

بل أين أهلُ العلمِ منهم من بقايا الصالحين؟

ما بالكم لا تسمعون وتنظرون؟

فسلوا رحابَ القدسِ تتلوا من مجازرهم سنين، صبرا وشاتيلا وفي يا سين قد حصدوا المئين، حقداً وجاسوا في الديار مخربين؟

كم من عجوزٍ, عاجزٍ, لم يرحموه، كم من رضيعٍ, يتموه، إن لم يكونوا مزقوه؟

كم من صغيرٍ, من بقايا حقدهِم قد عوقوه، فإلى الله المشتكى، وإنَّا إليه لراجعون.

لقد تجاهلَ العربُ كتابَ ربهمِ، وهو يُعلنُ العداوةَ المستحكمة التي اختارها اليهود إزاء الذين آمنوا: ((لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَدَاوَةً لِلَّذِينَ آمَنُوا اليَهُودَ وَالَّذِينَ أَشرَكُوا)) [المائدة: من الآية82].

عداوةٌ قديمةٌ قدمَ الإسلام، رفع لواءَها اليهود منذُ أشرقت أنوارُ الرسالةِ المحمدية، وتاريخهمُ في المدينة يشهدُ بغدرِهم ومكرهم، وخبثهِم وكيدهِم، فقد عقد النبيُ - صلى الله عليه وسلم-المعاهدةَ مع اليهود عند أولِ وصولهِ إلى المدينة، على أن يواجهوا سوياً أيَ عدوٍ, يواجههم، فماذا كانت النتيجة؟ تربصوا برسول الله - صلى الله عليه وسلم-حتى إذا عاش المسلمون أحرجَ ظرفٍ, في حياتهم، وأظلمَ ساعةٍ, في تاريخهم، يوم تحزبت الأحزابُ، وبلغت القلوبُ الحناجرَ، وزُلزل المسلمون زلزالاً شديداً، في هذه اللحظةِ أعلن اليهودُ خيانتَهم، ونقضوا عهدَهم، وخانوا مواعيدَهم ومواثيقَهم، وطُعن المسلمون من الخلف، فخانت بنو قريظة المسلمين، وكادت المسلمين في أحرجِ ساعةٍ, وأشدِّ موقف، وقبل ذلك غدر به بنو النضير، الذين كانوا بأطرافِ المدينة، فخرج إليهم يستعينُ بهم في دفعِ ديةِ العامريين، اللذين قتلَهما أحدُ صحابتهِ خطئاً، فقالوا: نعم يا أبا القاسم نعينك بما شئت! فجلس النبيُ - صلى الله عليه وسلم-تحت جدارِ أحدِ بيوتهم، ينتظرهُم يُحضرون ما اتفقوا عليه، وبينما هو جالسٌ أسرَّ بعضُهم إلى بعضٍ, زخرفَ القولِ غروراً، إنَّكم لن تجدوا مثلَ هذه الفرصة، فهل من رجلٍ, يصعدُ سطحَ هذا البيت فيُلقي صخرةً على رأسِ محمد، فيريحنُا منه، فانطلقَ أشقى القومِ مسرعاً، ولكنَّ الوحيَ كان أسرع، فقامَ النبيُ - صلى الله عليه وسلم-وعاد راجعاً إلى المدينة تاركاً اليهود، تتفجرُ دماءُ الغيظِ ساخنةً في عروقهم، وهناك أَخبر النبيُ - صلى الله عليه وسلم-أصحابهَ بما أجمعَ عليه يهود من المكرِ السيئ، والنيةِ الخبيثة، ثم يأمُر- عليه الصلاة والسلام - بتجهيزِ الجيوش ليحاصرَ بني النضير في ديارهم، ويخرجَهم منها صاغرين، وكان قد أجلى قبلهم إخوانهَم بني قينُقاع، حتى قضى في غزوة خيبر على الوجود السياسي لليهود في الحجاز نهائياً!!

إن اللغةَ الوحيدةَ التي يفهمها يهود: هي لغةُ القوة، لغةُ الجهاد، وصيحاتِ- الله أكبر- التي لا يحتملون هتافاتِها.

ما عاد يجدينا البكاءُ  * * * على الطلول ولا النواح

يا قومُ إنَّ الأمر جدٌ * * *  قد مضى زمن المزاح

سقط القناعُ عن الوجوهِ * * *  وفعلهم بالسرّ باح 

عاد اليهوديون ثانيةً * * *  وجالوا في البطاح

عادوا وما في الشرق * * *  نورُ الدين يحكمُ أو صلاح

عاثوا فساداً في * * *  الديار كأنّها كلأٌ مباح

لم يخجلوا من ذبح شيخٍ, * * *  لو مشى في الريح طاح

أو صبيةٍ, كالزهر لم * * * ينبت لهم ريشُ الجناح

ذبحوا الصبيَ وأمَه * * *  وفتاتهَا ذاتَ الوشاح

عبثوا بأجسادِ الضحايا * * *  في انتشاءٍ, وانشراح

لم يشف حقدهم دمٌ * * *  سفحوه في صلفٍ, وقاح

فغدوا على الأعراضِ لم * * *  يخشوا قصاصاً أو جُناح

يا أمةَ الإسلام هبٌّوا * * *  واعملوا فالوقت راح

الكفرُ جمّع شمله فلمَ النـزاع والانتطاح؟ فتجمعوا وتجهزوا بالمستطاع وبالمتاح

يا ألف مليونٍ, وأين  * * * هموا إذا دعت الجراح

هاتوا من المليار  * * *  مليوناً صحاحاً من صحاح

من كلِّ ألفٍ, واحداً * * * أغزو بهم في كلِّ ساح

لا يُصنع الأبطالُ إلا * * *  في مساجدنا الفساح

في روضةِ القرآنِ في * * *  ظلِ الأحاديث الصحاح

لا يستوي في منطقِ * * *  الإيمان سكرانُ وصاح

من همهُ التقوى * * *  وآخرُ همهُ كرةٌ وساح

شعب بغير عقيدةٍ, * * *  ورق تَذريه الرياح  

من خان حي على الصلاة * * *  يخون حي على الكفاح

ولسنا نبالغُ ـ أيها الأخوة ـ إذا قلنا أن النفسيةَ اليهودية، نفسيةٌ خانعةٌ جبانة، لا تقوى على المواجهة، ولا تستطيعُ الثباتَ، وهاهو القرآنُ يشهدُ بذلك ويقررهُ: ((لا يُقَاتِلُونَكُم جَمِيعاً إِلَّا فِي قُرىً مُحَصَّنَةٍ, أَو مِن وَرَاءِ جُدُرٍ, بَأسُهُم بَينَهُم شَدِيدٌ تَحسَبُهُم جَمِيعاً وَقُلُوبُهُم شَتَّى ذَلِكَ بِأَنَّهُم قَومٌ لا يَعقِلُونَ)) [الحشر: 14].

وما هزائمهم للعرب، إلا لأنَّهم وجدوا جنوداً لم يذوقوا طعمَ الإيمان، وحلاوةَ المناجاةِ للرحمن، وهم مع ذلك ذوو نفسياتٍ, محطمة، ومعنوياتٍ, متردية، إذاً فلا جدوى من السلام مع قتلةِ الأنبياء، ومحرفي الكتب، وناقضي العهود والمواثيق. ((ضُرِبَت عَلَيهِمُ الذِّلَّةُ أَينَ مَا ثُقِفُوا إِلَّا بِحَبلٍ, مِنَ اللَّهِ وَحَبلٍ, مِنَ النَّاسِ وَبَاءُوا بِغَضَبٍ, مِنَ اللَّهِ وَضُرِبَت عَلَيهِمُ المَسكَنَةُ ذَلِكَ بِأَنَّهُم كَانُوا يَكفُرُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ وَيَقتُلُونَ الأَنبِيَاءَ بِغَيرِ حَقٍّ, ذَلِكَ بِمَا عَصَوا وَكَانُوا يَعتَدُونَ)) [آل عمران: 112]،: {فَبِمَا نَقضِهِم مِيثَاقَهُم لَعَنَّاهُم وَجَعَلنَا قُلُوبَهُم قَاسِيَةً يُحَرِّفُونَ الكَلِمَ عَن مَوَاضِعِهِ وَنَسُوا حَظّاً مِمَّا ذُكِّرُوا بِهِ وَلا تَزَالُ تَطَّلِعُ عَلَى خَائِنَةٍ, مِنهُم إِلَّا قَلِيلاً مِنهُم فَاعفُ عَنهُم وَاصفَح إِنَّ اللَّهَ يُحِبٌّ المُحسِنِينَ} [المائدة: 13]،: ((لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِن بَنِي إِسرائيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُدَ وَعِيسَى ابنِ مَريَمَ ذَلِكَ بِمَا عَصَوا وَكَانُوا يَعتَدُونَ * كَانُوا لا يَتَنَاهَونَ عَن مُنكَرٍ, فَعَلُوهُ لَبِئسَ مَا كَانُوا يَفعَلُونَ * تَرَى كَثِيراً مِنهُم يَتَوَلَّونَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَبِئسَ مَا قَدَّمَت لَهُم أَنفُسُهُم أَن سَخِطَ اللَّهُ عَلَيهِم وَفِي العَذَابِ هُم خَالِدُونَ)) [المائدة: 80، 79، 78].

فمهلاُ أيها اللاهثون خلف السلام، فلئن عاد حنينٌ بخفيه من اليمن، فلن تعودوا ولا بمثلِ خفيّ حنين.

بارك الله لي ولكم بالقرآن العظيم، ونفعني وأيَّا كم بالذكرِ الحكيم، واستغفر الله لي ولكم إنَّهُ هو الغفورُ الرحيم.    

 

الخطبة الثانية:

الحمد لله يُعطي ويمنع، ويخفضُ ويرفع، ويضرُ وينفع، ألا إلى اللهِ تصيرُ الأمور. وأُصلي وأسلمُ على الرحمةِ المهداة، والنعمةِ المُسداة، وعلى آلهِ وأصحابه والتابعين،

أمَّا بعدُ:

فقد دأب الإعلامُ العالمي الذي تُديرهُ الأصابعُ اليهوديةُ الخبيثة، على تهويل قوةِ إسرائيل، وتصويرِها بأنَّها القوةُ التي لا تُقهر، والجيشُ الذي لا يُغلب، وظلَّ الإعلامُ الصهيوني يحطِّمُ النفسية المسلمة، ويذكِّرُها بالهزائمِ المتلاحقة، وظلتَ إسرائيلُ تلوحُ بقنابلِها النووية، وقذائفها الصاروخية، وتستعرضُ بطائراتها ومدرعا تها، ونتجَ عن ذلك إحباطٌ عام، أصاب النفوسَ المريضة باليأسِ والقنوط، وتُوِّج ذلك كلُه بما يعرفُ بمؤتمرِ السلام الذي سقطَ فيه الخيارُ العسكري، ونحنُ واثقون أننا لن نَهزم إسرائيل، إذا أخلدنا إلى الأرض، ورضينا بالزرع، وتركنا الجهادَ في سبيلِ الله، ولن نَهزمَ إسرائيلَ بالشعاراتِ القومية، ولا بالعصبياتِ الجاهلية، ولا المهاتراتِ السياسية ولن تزيدَنا إلا خسارةً وخبالا.

كما أننا واثقون من أننا سنهزمُ إسرائيل، ومَن وراءَ إسرائيل، إذا راجعنَا ديننَا وأصلحنا واقعنَا ونفوسنَا، بما أصلحَ به الأولون واقعهمَ ونفوسهم، نحن قادرون على هزيمةِ إسرائيل، إذا كفرنا بكلِّ طاغوتٍ, يُعبد من دون الله - تعالى -، وآمنا باللهِ وحده، ووأدنا كلَّ تشريعٍ, وكلَّ دستورٍ,، وكلَّ نظامٍ, وكلَّ قانونٍ, يعارضُ شرعَ الله ويصادمُه، نحنُ قادرون على هزيمةِ إسرائيل إذا حكَّمنا الشريعةَ الإسلاميةَ في كلِّ منحى من مناحي الحياة، وقبرنا الدساتيرَ والتشريعاتِ الأرضيةَ القاصرةَ الهزيلة.

ونحنُ قادرون على هزيمةِ إسرائيل، إذا طهّر العالمُ الإسلاميُ إعلامَهُ من التوجهاتِ العلمانيةِ والإفسادية، ورَسَم السياساتِ الإعلاميةِ الرشيدة، التي تنشرُ العقيدةَ الصحيحةَ في النفوس، وتتعاهدُ الخلقَ القويم، والسلوكَ الرفيع، ونحنُ قادرون على هزيمةِ إسرائيل إذا طهرَ العالمُ الإسلاميُ اقتصادهَ من الربا والظلم، والاستغلال والاستبداد، ورَسَم السياساتِ الاقتصاديةِ الواعيةَ، المستمدة من الكتابِ والسنة.

ونحنُ قادرون على هزيمةِ إسرائيل إذا أعددنا الشبابَ المسلمَ إعداداً دينياً وتربوياً، وبُثت فيهم روحُ الجهادِ في سبيل الله - تعالى -، وأعددنا العُدةَ الماديةَ والمعنويةَ، لمنازلةِ الأعداء: ((وَأَعِدٌّوا لَهُم مَا استَطَعتُم مِن قُوَّةٍ, وَمِن رِبَاطِ الخَيلِ تُرهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُم وَآخَرِينَ مِن دُونِهِم لا تَعلَمُونَهُمُ اللَّهُ يَعلَمُهُم)) [لأنفال: من الآية60].

ونحنُ قادرون على هزيمةِ إسرائيل إذا أحيينا شعيرةَ الأمرِ بالمعروفِ والنهي عن المنكر، وطُهرت المجتمعاتُ الإسلاميةُ من الفسادِ والانحراف.

وبالجملة عودةُ الإسلامِ إلى حكمِ الحياة من جديد، حينها لن تُخيفَنا قنابلُ إسرائيلَ وعتادها، و حينها سنُلقي بإسرائيل في البحرِ ونحن صادقون،

اللهمَّ إنَّا نسألُك إيماناً يُباشرُ قلوبنا، ويقيناً صادقاً، وتوبةً قبلَ الموتِ، وراحةً بعد الموتِ، ونسألُكَ لذةَ النظرِ إلى وجهكَ الكريمِ، والشوق إلى لقائِكَ في غيِر ضراءَ مُضرة، ولا فتنةً مضلة،

اللهمَّ زينا بزينةِ الإيمانِ، واجعلنا هُداةً مهتدين، لا ضاليَن ولا مُضلين، بالمعروف آمرين، وعن المنكر ناهين، يا ربَّ العالمين، ألا وصلوا وسلموا على من أُمرتم بالصلاة عليه، إمام المتقين، وقائد الغرِّ المحجلين وعلى ألهِ وصحابته أجمعين.

وأرض اللهمَّ عن الخلفاءِ الراشدين أبي بكرٍ, وعمر وعثمان وعلي.

اللهمَّ آمنا في الأوطانِ والدُور، وأصلحِ الأئمةَ وولاةِ الأمورِ، يا عزيزُ يا غفور، سبحان ربك رب العزة عما يصفون.

 

 

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply