بسم الله الرحمن الرحيم
الخطبة الأولى:
الحمد لله رب العالمين، والعاقبة للمتقين، ولا عدوان إلا على الظالمين، وأشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له إله الأولين والآخرين، وقيوم السماوات والأراضين، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، وخليله وأمينه على وحيه، أرسله الله إلى الناس كافة بشيرًا ونذيرًا، وداعيًا إلى الله بإذنه وسراجًا منيرًا. صلى الله عليه وعلى آله وصحبه الذين ساروا على طريقته في الدعوة إلى سبيله، وصبروا على ذلك وجاهدوا فيه، حتى أظهر الله بهم دينه، وأعلى كلمته ولو كره المشركون. وسلم تسليمًا كثيرًا...
أما بعد: فاتقوا الله.. عباد الله.. اتقوه حق تقاته ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون.
عنوان هذه الخطبة: الدعوة إلى الله في موسم الحج وقد دعاني للحديث في هذا الموضوع أمور منها:
1- أسوة وقدوة بنبينا - صلى الله عليه وسلم -. فقد كان - عليه الصلاة والسلام - يَعرض نفسه على القبائل في مواسم الحج وأسواقها. ويدعوا فيها إلى الله - عز وجل -.
فقد روى الإمام أحمد - رحمه الله - عن ربيعة بن عباد الديلي قال: رأيت النبي - صلى الله عليه وسلم - في سوق ذي المجاز وهو يقول: \" يأيها الناس قولوا لا إله إلا الله تفلحوا\". ومن حديث جابر - رضي الله عنه - قال: \" كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يعرض نفسه على الناس في المواقف فيقول: \"هل من رجل يحملني إلى قومه؟ فإن قريشًا منعوني أن أبلغ كلام ربي - عز وجل -! \".
وفي حجة الوداع، وفي أكبر جمع وأعظم ظرفي زمان ومكان. يقول - صلى الله عليه وسلم -: \" بلغوا عني ولو آية. نضر الله امرأ سمع مقالتي فوعاها فأداها كما سمعها. ربّ حامل فقه لمن هو أفقه منه\".
ولكم عباد الله في رسول الله أسوة حسنة فاقتدوا بنبيكم وادعوا إلى دين ربكم.
2- ابتغاء الأجر ممن بيده خزائن السماوات والأرض ورحمته وسعت كل شيء.
3- قرب موسم الحج الذي ينتظره الناس في شوق ولهف.
4- كثرة الوسائل المتاحة فيه للدعوة إلى الله فهو موسم عبادة وموسم تجارة وموسم مودة ورحمة واجتماع...
5- الجموع الكثيرة التي تجتمع من كل فج عميق.. تؤُم البيت العتيق..
6- قِلة من يتحدث عن الدعوة إلى الله في الحج بجانب العرض الكبير للأحكام الفقهية والمسائل المهمة للحاج مع أهمية الجمع بينهما.
7- الجهل بالأحكام الشرعية، وكثرة البدع والمنكرات عند بعض الحجاج.
8- أن نفوس الحجاج متهيئة للوعظ والتذكير وتعلٌّم أحكام الدين.
ولكل ما سبق من أسباب.. أحببت أيها الأحباب.. أن أذكر نفسي وإياكم بالدعوة في الحج إلى الملك الوهاب.. في رسائل معدودة نفع الله بها وأثاب:
الرسالة الأولى:
إلى من حالت بينه وبين تلك المشاعر الظروف.. وصرفته عنها الصروف.. فصرفه برُّ بأب، أو خدمة أم، أو قلة مال، أو أقعده مرض ونحوه.........
أقول: لا تحزن أخي. ولا تظن الخير كله قد ذهب به الحاج. فأبشرك عبدَ الله متى ما أخلصت النية للهº أنه - سبحانه - يبلغك أعلى الدرجات.. ويعطيك أجزل الحسنات.. مما لم يكن في حسبانك. فقد صح عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: لأصحابه في غزوة تبوك: \" إن بالمدينة لرجالاً ما سرتم مسيرًا ولا قطعتم واديًا إلا كانوا معكم حبسهم العذر\".
وفي رواية: \" إلا شركوكم في الأجر \" بل قد تفسد نية حاجº فيكون حظه من حجه التعب والنصب والخسارة.
فيكون ممن قيل فيهم: الركب كثير والحاجّ قليل..
أو يحج بمال حرام فيصدق عليه قول القائل:
إذا حججت بمال أصله سحت * * * فما حججت ولكن حجت العير
لا يقبل الله إلا كل خالصة * * * ما كان من حج بيت الله مبرور
ولقد ورد عن بعض السلف أن رجلاً جاء فقال له: أريد الحج. فقال كم معك؟ قال ألفا درهم. قال: أما حججت؟ قال بلى. قال: فأنا أدلك على أفضل من الحج. اقض دين مدين. فخرج مكروبًا!! فسكت. قال مالك؟ قال: ما أريد إلا الحج!!
قال: إنما تريد أن تركب وتجيء ويقال: حج فلان.
فأوصيك أخي: بإخلاص النية، وإصلاح العمل. وأمل خيرًا تجده. واطرق أبواب الخير... فحجج حاجًا يكن لك مثل أجره. قال العلامة ابنُ عثيمين - رحمه الله -: \"... من أعان حاجًا على أداء الفريضة كان له مثل أجرهº لأنه أعانه على الخير \". أو اخلف آخر في أهله بالخير، أو اقض دينًا، وغير ذلك كثير......
الرسالة الثانية:
إلى كل من تردد في اتخاذ القرار لأداء حج الفريضة.... إلى من تمر به الأعوام... وتتابع عليه المواسم والأيام...
وهو يؤجل الحج مع قدرته عليه... واستطاعته إليه... أذكرك أخي بقول المصطفى - عليه الصلاة والسلام -: \" تعجلوا الحج فإن أحدكم لا يدري ما يعرض له \". وبقوله - صلى الله عليه وسلم -: \" من أراد الحج فليتعجل فإنه قد يمرض المريض، وتضل الضالة، وترض الحاجة \".
وإني أتساءل كيف تطيب نفس المؤمن أن يترك الحج مع قدرته عليه بماله وبدنه. ويؤخر أداءه في كل عام، وهو يعلم أنه من أركان الإسلام.. وفرائضه العظام.. ولم يوجبه الله علينا في العمر إلا مرة واحدة.
الرسالة الثالثة:
إلى من شدَّ الرِّحال.. وأعدَّ الأحمال.. لأداء الحج.
أوصيك أخي بأمور، من أهمها ما يلي:
1. إخلاص النية لله - تعالى -وسؤاله أن يرزقك حجة لا رياء فيها ولا سمعة.
2. تفقد نفسك وما يجب عليك.. وأهلك ووالديك.. وكل ما له حق عليك..
3. اتخاذ الرفقة الصالحة الذين إذا نسيت ذكروك، وإذا ذكرت أعانوك، وإن جهلك علموك، وإن عجزت قووك.
4. اعلم أن الحج ليس مجرد رحلة عفوية يبدد فيها المرء وقته وماله ولكنه عبادة جليلة وركن عظيم من أركان الإسلام. فقم بشعائر الحج على سبيل التعظيم والإجلال والمحبة والخضوع لرب العالمين.
5. احرص أخي على نفع المسلمين والإحسان إليهم بالإرشاد والمعونة وأن ترحم ضعيفهم خاصة في مواضع الزحام مع اجتناب الرفث والفسوق والعصيان جعلك الله من الراشدين.
6. احذر من إيذاء إخوانك المسلمين ومضايقتهم باليد واللسان، بالقول أو الفعل، في الطرقات وعند الأبواب والرمي، وفي المشاعر كلها.
وطوبى لمن حفظ اللسان وكفَّ.. وأطلق في الخير البنان والكف...
7. اعلم أن الحج مدرسة لتعليم الأخلاق الحميدة: من الصبر والتحمل، والتعاون والإيثار. فالقدوة الحسنة، والأخلاق الكريمةº من أعظم الطرق لكسب قلوب الآخرين ومن ثم دعوتهم والتأثير عليهم.
8. تذكر دائمًا الأجر العظيم المترتب على حسن الخلق:
- فالنبي - صلى الله عليه وسلم - يقول: \" إن المؤمن ليدرك بحسن خلقة درجة الصائم القائم \".
- ويقول - عليه الصلاة والسلام -: \" أكمل المؤمنين إيمانًا أحسنهم خلقًا \".
- وحين سئل - صلى الله عليه وسلم - عن أكثر ما يدخل الناس الجنة قال: \" تقوى الله وحسن الخلق \".
- وهو أثقل شيء في الميزان.
- وصاحبه في أعلى الجنان.
- وأقرب مجلسًا من النبي - صلى الله عليه وسلم - في دار الرضوان.
الرسالة الرابعة:
يا طالب العلم.. يا أيها الداعية الموفق.. استأذنك في التذكير ببعض الأمور:
1. إخلاص النية، وإصلاح العمل، واستشعار ما أنت عليه من الأجر العظيم. فأنت وارث لنبيك - صلى الله عليه وسلم - في نشر سنته وهديه.
2. اجعل عدتك كتاب الله وسنة رسوله - صلى الله عليه وسلم - وسيرة السلف الصالح. مع فهم دقيق، ومعرفة بأحوال المدعوين.
3. لا تحقرن من المعروف شيئًا، وثق بربك، وابذر بذرتك، ولا تستعجل الثمرة.
على المرء أن يسعى إلى الخير جهده * * * وليس عليه أن تتم المقاصد
فهذا نوح - عليه السلام -. دعا ليلاً ونهارًا، سرًا وجهارًا.... \" وما آمن معه إلا قليل \" والله يقول: \" ليس عليك هداهم....... \".
4. اصنع من هذه المناسبة العظيمة فرصة للنفوذ منها إلى قلوب المدعوين وذلك بأمور منها:
• إعداد برامج مفيدة في المواصلات والمخيمات.
• ومنها اصطحاب الكتب والأشرطة و المطويات أثناء سفرك.
• وتقلب في العبادات تقبل الله منك: فبلغ آية، ارو حديثًا، انقل فتوى، اهد ضالاً، علم جاهلاً، ارشد تائهًا، ذكر غافلاً، احي سنة، أمت بدعة، قدِّم رأيًا، انشر دعوة، خطط مشروعًا....
الرسالة الخامسة:
إلى أئمة المساجد اطرح هذه الأسئلة:
• ماذا أعددتم لمساجدكم في هذه الأيام؟
• ماذا أعددتم لرجال يزورون المسجد خمس مرات في اليوم والليلة؟
• ماذا أعددتم لنساء الحي اللاتي تعانين من وقت الفراغ؟
• ماذا أعددتم للصغار اللذين ترونهم دائمًا في الشوارع وعلى الأرصفة؟
• ماذا أعددتم للعمالة المسلمة التي تصلي معكم ولا تفقه كثيرًا مما تقولون؟
إنكم لتعلمون أن المساجد ملتقى الجميع، وفيها النفع الكثير. فيا أيها الإمام المبارك:
إنك أول من تتحمل المسؤولية، ومن ورائك المؤذن. فأنت أمين وهو مؤتمن.
فماذا قدمتما تجاه هذه المسؤولية؟! إن لكم الخيار.. وحرية الاختيار..
- في الاتصال بمراكز الدعوة والهيئات.. وبطلاب العلم والمشايخ والدعاة.. لتبادل الخبرات.. وسد بعض الثغرات.. والتقليل من المنكرات..
- أو أن تقرأ كتابًا على جماعة المسجد في فضل الدعوة وخاصة في هذا الموسم.
- أو أن تقيم درسًا في صفة الحج بنفسك أو بغيرك من المشايخ وطلبة العلم.
- أو أن تعلن عن مسابقة في أفضل وسيلة دعوية عامة.. وفي موسم الحج خاصة.. وغير هذا كثير مما ليس بخافٍ, على مثلك. سددك الله وأعانك.
الرسالة السادسة:
إلى أصحاب حملات الحج: يسر الله لهم الأمر... ووفقهم لعظيم الأجر.. أقول:
كونوا عناصر (دعوة) لا (دعاية) واحرصوا على أن تكون المنافع الدينية هي الهدف الأول من حجكم، وما حصل من منافع دنيوية فذلك فضل الله يؤتيه من يشاء والله يقول: \" ليس عليكم جناح أن تبتغوا فضلاً من ربكم \". ولكن لا يُجعَل همّ الدنيا في القلب أهم من الدين. وهنا أمر ينبغي ملاحظته: وهو أن الاشتغال بالتجارة إذا أحدث نقصًا في الطاعة لم يكن مباحًا حينئذ بل يكره أو يحرم على حسب ما يحصل من خلل في الطاعة. فيكره عند تفويت مستحب، ويحرم عند تفويت واجب. فكم من حاج ليس له من حجه إلا التنقل بين المشاعر. قلبه معلق بتجارته، وعقله منصرف إلى أرباحه. يخشى من الخسارة في المال ولا يخشى الخسارة في الدين. ولربما ارتكب الحرام من أجل الربح، فيعود من حجه مأزورًا لا مأجورًا.
فنصيحتي لكم: أن تجمعوا مع حبكم لتوفير الراحة للحاجº حب الخير له: بدعوته إلى الله، واصطحاب بعض الدعاة من طلبة العلم، مع توفير الهدايا الدعوية من شريط أو كتيب ونحوه.. فو الله لئن يهدي الله بك رجلاً واحدًا خير لك من حمر النعم.
وإنك لتعجب من حال كثير من الحملات التي لا يوجد فيها سوى زاد البطون من المأكل والمشرب. وأما زاد الأرواح فلا تكاد أن تراه، أو تسمع له صوتًا، أو أن تشم له رائحة، فيمكث الحاج الساعات الطوال في أحاديث تافهة إن لم تكن محرمة، ونوم وغفلة. بل وعندما تتحرك وسائل النقل من مكان لآخرº يبقى الحاج فيها ساعات طوال بدون عمل يُشكر.. أو فائدة تُذكر..
فأقترح في الراغبين في الأجور.. الاهتمام ببعض الأمور..
كالاتصال بمراكز الدعوة والإرشاد والجاليات للاستفادة مما لديهم. ودعوة المشايخ وطلبة العلم للتوجيه والإرشاد. وكإقامة سلسلة من الدروس والكلمات في صفة الحج.. يتعلم منها الجاهل ويتذكر فيها الغافل.. والعناية بأماكن الصلاة والوضوء. ودورات المياه وفصل النساء عن الرجال. والعناية الخاصة ببرامج النساء وتعليمهنَّ.
الرسالة السابعة:
إلى أصحاب المؤسسات العامة: أوجه هذه الأسئلة فأقول:
• هل علمتم أن العاملين لديكم هم أمانة في أعناقكم؟
• هل تعلمون أنهم ربما جهلوا أصول الدين وفرائضه؟
• فهل فكرت أخي في الله أن تحضر للعامل عندك شريطًا أو كتابًا بلغته؟
• أو أن تفرغه من عمله للذهاب إلى مراكز الجاليات لطلب العلم الشرعي!
• وهل فكرت أن تفوز بعظيم أجره فتساعده على أداء الركن العظيم من أركان الإسلام؟
إني على يقين أنك تحب الخير، وترغب فيه. وتعلم أن تجارة الدنيا وما فيها لا تعدل شيئًا أمام هداية رجل على يديك. فكيف وأنت قادر بإذن الله على أن تجمع بين الحسنيين - تجارة الدنيا والآخرة -. إنك ترغب في تجارتك وبركة أموالك وتعلم أن الرزاق هو الله القائل: \" وفي السماء رزقكم وما توعدون \". وأن الآخرة خير وأبقى. فكيف لو حرصت على صلاح عمالك ودعوتهم إلى الخير.
إن صلاح العامل لديك يجعله أمينًا محبًا للخير، حسن الأخلاق، مما يزيده حرصًا على مالك، وعلى كسب العملاء بأخلاقه وصدقه.
الرسالة الثامنة:
إلى كل مسلم موسر: إليك أخي التاجر المسلم:
• اتق الله ولا تبع ما لا فائدة فيه مما يضيع الوقت أو يشغل عن ذكر الله، لا سيما إذا كان مما عُلِمَ تحريمُه كآلات اللهو أو الصور.
• واتق الله كذلك وراع ظروف إخوانك الحجاج وحاجتهم إلى المال وانقطاعهم عن بلدانهم واقنعوا بالربح اليسير.
• واعلم أن لله حقًا في مالك. قال - سبحانه -: \" وفي أموالهم حق معلوم...... \".
فأقترح عليك أمورًا منها:
•• أن تخص زيارة تتفقد فيها المؤسسات الخيرية التي تجمع بين الدعوة إلى الله والإحسان إلى الناس. فمراكز الدعوة لديها الكثير من الجاليات المسلمة التي لم تؤدّ فريضة الحج حتى الآن.
•• أذكرك ببعض الحجاج الذين هم بحاجة إلى الطعام والشراب أثناء الحج بل وبعد انتهاء الحج قد تكون الحاجة للطعام والشراب والمعونة أكثر.
•• إن أبواب الخير أمامك كثيرة: إكفل داعية، إطبع كتابًا. أوقف خيرًا وزَّع مصحفًا، إهد شريطًا.. أنفق من مالك.. لمآلك،،
•• وتذكر أنه: سيقف العمل.. وينقطع الأمل.. ويحل الأجل.. ولا يبقى إلا ما أسلفت من الخير والشر. \" هنالك تبلوا كل نفس ما أسلفت وردوا إلى الله مولاهم الحق \". \" فاتقوا النار ولو بشق تمرة \". وعن أبي هريرة-رضي الله عنه- قال: أتيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو في ظل الكعبة فقال: \" هم الأخسرون ورب الكعبة \" قالها ثلاثًا. قال: أبو ذر: فأخذني غم وجعلت أتنفس. وقلت: هذا شر حدث فيّ. فقلت: من هم؟ - فداك أبي وأمي قال: \" الأكثرون أموالاً إلا من قال هكذا أو هكذا وقليل ما هم......... الحديث \". وقد سئل - عليه الصلاة والسلام - أي الصدقة أعظم؟ قال: \" أن تصدق وأنت شحيح صحيح تخشى الفقر وتأمل الغنى...... الحديث \".
•• وأخيرًا أذكرك بقول الله - تعالى -: \" هاأنتم هؤلاء تدعون لتنفقوا في سبيل الله فمنكم من يبخل ومن يبخل فإنما يبخل عن نفسه والله الغني وأنتم الفقراء وإن تتولوا يستبدل قومًا غيركم ثم لا يكونوا أمثالكم \".
الرسالة التاسعة:
إلى القائمين على وسائل الإعلام المرئية منها والمسموعة: أقول لقد عرف الأعداء أهمية هذه الرسالة في التوجيه والتثقيف فزرعوا فيها الشر والفساد. وهدموا القيم والأخلاق. فعن طريق هذه الوسائل تعم الدعوة الإسلامية أرجاء الأرض ويُسمع القرآن في كل مكان. وتنقل المحاضرات والندوات والدروس المسموعة منها والمرئية أو المقروءة -. وعن طريقها تسمع الآيات القرآنية، وتنشر الأحاديث النبوية، والقصص الدينية، والغزوات الإسلامية، والآداب الشرعية، والفتاوى العلمية. فيستفيد من ذلك الصغار والكبار، والذكور والإناث، والعامل والجاهل، والمطيع والعاصي، والمؤمن والكافر، والقاصي والداني. فلعل من لا تصل إليه القدمº يصل إليه الكتاب. ومن لا يصل إليه الكتابº يصل إليه الصوت.
الرسالة العاشرة:
إلى العاملين في هذه المواسم لخدمة الحجاج:
وأولهم أنت أيها الجندي الخادم في سبيل الله:
أذكرك أن هذه الدولة وفقها الله أنفقت بسخاءº لتوفير الأمن والطمأنينة، وسهلت الطرق، وأقامت الأنفاق، وأنشأت مشاريع المياه، وغير ذلك مما تعلمه أنت قبل الجميع ويعلمه القاصي والداني. كل ذلك خدمة لدين الله.. وتيسير العبادة لعباد الله.. وإزالة لآثار العناء والمشقة وبقيت أنت إشراقه متلألئة في وجوه هذه الانجازات..
وعلمَا فوق تلك الطموحات.. فأنت محط الآمال، وأنت نظر العين. فماذا ستقدم لأولئك القادمين لتلك الأماكن المقدسة ملبين لنداء الله طائعين متذللين ؟!! قطعوا الفيافي والقفار، والسهول والبحار، وفقدوا الأهل والجار. ها هم أمامك: صبي صغير، وشاب طرير، وعجوز كبير أنهكته السنون فاحدودب ظهره، وارتعشت أطرافه، وثقل كاهله. فأرهم من نفسك خيرًا. فقد كان كفار قريش يكرمون وفادة الحجاج ويحسنون ضيافتهم وهم كفار. والآن ترحب جميع الدول بزائريها طمعًا في الدعم المادي، والسمعة الحسنة هذا وهي بلا فساد، وبؤرة إفساد، وهم يبحثون عن الدنيا، وأنت تريد الله والدار الآخرة. فهنيئًا والله لك أخي خدمة حجاج بيت الله. من أتى طائعًا عابدًا ملبيًا. فأنت تخدم أهل عبادة فلا تفتر ولا تكسل وليكن همك الآخرة، فأكثر من خدمتهم، ويسر أمورهم، فربما تنالك دعوة من أحدهم لا تشقى بعدها أبدًا. واستشعر الأمانة والمسؤولية وقم بأدائها بما يرضي الله - عز وجل - أولاً وأخيرًا.
ووصية أخرى لك ولكل من يعمل في هذا الموسم العظيم. كالسائق في سيارته، وكالموظف في فندقه، وكالحارس على خيمته. أن يحمل الجميع همَّ الدعوة إلى الله. وأن لا يُخلِ يده من شريط أو مطوية أو منفعة عامة أو خاصة لإخوانه الحجاج. فإن الله يجازي على القليل الكثير فمن يعمل مثقال ذرة خيرًا يره.
وتذكر أخي: أن الله حرم الظلم على نفسه وجعله بين العباد محرمًا. فحرم إيذاء المؤمنين والمؤمنات. فاحذر أن يفلت لسانك بكلمة جارحة، أو أن تزل يدك بدفع أحد الحجاج، أو بأي نوع من أنواع الإيذاء، وأنت تعلم أن الله حرم إيذاء الحيوان، فكيف بإنسان مسلم، أو شيخ كبير طاعن في السن، وفي بلد حرام، فاجعل الصبر رداء تتجمل به وليكن شعارك: \" خذ العفو وأمر بالعرف وأعرض عن الجاهلين \". وهنيئًا لك تنوع العبادات في يومك: فهذا تهديه كلمة طيبة، وآخر ترد - عليه السلام -، وثالثًا ترشده إلى أين يذهب، ورابعًا تدله على مكان الفتوى، وخامسًا تحمل عنه متاعه.. وهكذا من طاعة لأخرى.. وفقك الله لليسرى.. وجنبك العسرى..
وتذكر يا من تشرفت بالعمل في الحج موظفًا كان أو متطوعًا أنك تمثل دينًا وشخصية مسلمة في بلاد الحرمين. فاستشعر المسؤولية وراقب الله. ولا يكن همك انتهاء وقت العمل. والسباب والشتم هو شعارك في يومك، وآثار المعاصي على الوجه، وشؤم المعصية يحيط بك. فلا يكن الموظف الكافر في دولة أخرى خيرًا منك تعاملاً، وأحسن خلقًا، وأكثر بشاشة، وما نؤمله منك أكثر مما قيل لك فلا تدع الفرصة تفوتك فربما في العام القادم لن ترى وجهًا لحاج.
وأنت كذلك أيها الطبيب المسلم وقد شرفت بالعمل في موسم الحج أقول لك: إنك بعملك هذا على ثغر من ثغور الإسلام. فقلوب الناس تحبكم وتدعوا لكم فكم من مريض كنت سببًا في شفائه بعد الله. وكم من بسمة كنت سببًا في إشراقها بإذن الله.
إنك صاحب قلب كبير ولمسة حانية مباركة. قدمت وتقدم الكثير الكثير. فأنت على خير إن شاء الله ولكن ائذن لي أن أذكرك بحمل همِّ الدعوة إلى الله في عملك:
• انصح مدخنًا، وزع كتاباً، اهد شريطًا، واسي مريضَا، ذكر غافلاً، فرِّج همًا، نفس كربًا، ساعد بائسًا......
• اخرج بعيادتك وعدتك إلى الناس وابحث عن الفقراء والمحتاجين.. فمن نَفَّس عن مؤمن كربةً من كرب الدنيا نفس الله عنه كربة من كرب يوم القيامة
• تذكر قوله - صلى الله عليه وسلم -: \" خير الناس أنفعهم للناس \". ولا يكن ذلك الطبيب النصراني أكبر همًا منك في دعوة الناس إلى دينه أو التأثير عليهم بأخلاقه وبذله.
الرسالة الحادية عشرة:
إليك أيها المسلم الضعيف المسكين. الذي طال انتظارك وأنت تستمع إلي. ولعلك قلت: أن الحديث في هذا المقام لا يعنيني. فأقول لك: هل تعلم أن في دعوتك إلى الله لشأن عظيم ؟!! أما علمت أنه - صلى الله عليه وسلم - يقول: \" إنما ينصر الله هذه الأمة بضعيفها بدعوتهم وصلاتهم وإخلاصهم \".
فأصلح نفسك، وأنذر أهلك، وادع ربك لك ولإخوانك المسلمين بالتوفيق والتسديد والتيسير... فكم من أشعث أغبر لو أقسم على الله لأبره.
الرسالة الثانية عشرة:
إليك يا أمة الله.. فأنت في الدعوة إلى الله كالرجلº لأن نصوص القرآن والسنة تدل على ذلك. وتذكري تلك الوقفة الفريدة التي وقفتها خديجة - رضي الله عنها - التي كان لها أكبر الأثر في تهدئة روع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عندما نزل عليه جبريل في غار حراء وكيف وقفت معه في دعوته وآزرته بعد ذلك. فأخلصي النية في حجك، واحرصي على هدي نبيك، ولا تخرجي متعطرة أو متزينة فإن هذا حرام ولا يليق بالسفر الذي خرجتي من أجله. واحذري من السفر في غير محرم واحرصي على التستر وتجنبي مزاحمة الرجال والاختلاط بهم. فاتقي الله وراقبيه وادعي إليه فالأماكن محدودة.. والأيام معدودة.. ولا يبقى إلا ما قدمتيه.
الرسالة الثالثة عشرة والأخيرة:
أتركها لكل مسلم يحب الخير ويرغب في توصيله للغير. يرجو ثواب مولاه.. ويخاف من عذاب الله.. أن يشارك في خدمة دينه: بهمه وفكره.. ولسانه وماله.. وما في وسعه.. على ما يحبه الله ويرضاه.
• فإن لم يفكر المسلم الحق في هذه المواسم العظيمة فمتى عساه أن يفكر؟
• وإذا لم يتحرك العلماء والمفكرون وأرباب الأموال للقيام بواجبهم تعليمًا وعملاً وحسبة ودعمًا فمتى سيتحركون؟
• وإذا لم تجتمع الكلمة وتطهر القلوب فمتى عسى ذلك أن يكون؟
• وإذا لم يعد المفرط فمتى عساه أن يعود؟
• وإذا بخل الغني فمتى عساه أن يجود؟
فيا عبد الله كن مفتاحًا لأبواب الخير التي ذكرنا طرفًا منها. فإن لم تكن كذلك فلا أقل من أن تحب الخير للغير وتبذل المعروف وتخرج دعوات صادقة من قلبك لإخوانك بالتسديد والتيسير... \" قول معروف ومغفرة خير من صدقة يتبعها أذى \". فساعد إخوانك، وكن معينًا لهم بما تقدر عليه. فإن لم تستطع الدعاء والنصر لهم فكف عنهم لسانك فإنها صدقة منك عليك.
قال الإمام يحيى ابن معين - رحمه الله -: \" ليكن حظ المؤمن من أخيه: ألاّ يضره إن لم ينفعه، وألاّ يغمّه إن لم يسرّه، وألاّ يذمّه إن لم يمدحه \".
ألا فليبلغ الشاهد الغائب. نضر الله وجوهكم وحرمها على النار.
فرب حامل فقه غير فقيه، وحامل فقه إلى من هو افقه منه.
أضف تعليق
هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها
تم الإرسال
ستتم إضافة التعليق بعد معاينته من قبل فريق عمل مداد