الحج ودوره في هذه المرحلة من تاريخ العرب والمسلمين


 

بسم الله الرحمن الرحيم

 

يقول الله - تعالى -: \" الحج أشهر معلومات فمن فرض فيهن الحج فلا رفث ولا فسوق ولا جدال في الحج\"· أي أن أوقات الحج أشهر معلومات، فمن نوى وأوجب على نفسه فيهن الحج، وأحرم به، فعليه أن يجتنب كل قول أو فعل يكون خارجاً عن آداب الإسلام ومؤدياً إلى التنازع بين الرفقاء والإخوان، فإن الجميع قد اجتمعوا على مائدة الرحمن، وهذا يقتضي منهم أن يتعاونوا على البر والتقوى لا على الإثم والعدوان·

وأخرج الشيخان - البخاري ومسلم - عن أبي هريرة - رضي الله عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: \"من حج فلم يرفث ولم يفسق رجع كيوم ولدته أمه\"·

قال - سبحانه - عن اشهر الحج بأنها \"معلومات \" لأن العرب في الجاهلية كانوا يعرفونها وهي شهر شوال، وذو القعدة، والأيام العشرة الأولى من شهر ذي الحجة· وقد جاءت شريعة الإسلام مقررة لما عرفوه·

 ثم حضهم - سبحانه - على فعل الخير، بعد نهيهم عن اجتراح الشر فقال - عز وجل -:\" وما تفعلوا من خير يعلمه الله وتزودوا فان خير الزاد التقوى واتقون يا أولي الألباب \"البقرة: 197\"، أي اتركوا - أيها المسلمون - كل قول أو فعل لا يرضى الله - تعالى -، وسارعوا إلى الأعمال الصالحة خصوصاً في تلك الأزمنة والأمكنة المفضلة واعلموا أنه - سبحانه - لا يخفى عليه شيء من تصرفاتكم، وتزودوا بالزاد المعنوي المتمثل في تقوى الله وخشيته، وبالزاد المادي الذي يغنيكم عن سؤال الناس، وأخلصوا إلى قلوبكم ونواياكم يا أصحاب العقول السليمة - والمدارك الواعية·

 

فما هي آداب الحج؟ وما الأصول التي على الحاج اتباعها؟

\"اللواء الإسلامي\" استطلعت آراء بعض علماء الدين والشخصيات الإسلامية؟

د· منى حداد يكن

وفي هذا السياق قالت د· منى حداد يكن: لم يبق من صورة لاجتماع المسلمين ووحدتهم إلا هذه اللوحة الرائعة التي نراها في حجهم إلى بيت الله الحرام، هذه الصورة تحكي اجتماع المسلمين في أعظم مؤتمر عالمي لهم، وفي أعظم استفتاء لولاء البشرية لخالقها ونهج الخيرية الذي اختارته هذه المجموعة منهم \" كنتم خير أمة أخرجت للناس\"· فهذه الأمة في قوتها واجتماعها وتوحدها لا تحمل إلا الخير، ولا تسوق هذه الخيرية لنفسها فقط وإنما للناس كلهم دون تفريق أو تمييز· وهنا يكمن الفرق بين العالمية والعولمة:\" لا إكراه في الدين قد تبين الرشد من الغي \" فالعالمية تكون محض اختيار أما العولمة فنظام تسوقه القوة والأمر الواقع··

وأضافت: إلا أن هذا الاجتماع في صورة الحج وإن أفرغ من المضمون أحيانا فانه يحمل في طياته البشرى بأن الخير باق في هذه الأمة رغم الويلات والمحن (الخير بي وبأمتي إلى يوم القيامة) إنه الخيار الوحيد للبشرية، وإن خالط النعاس جفون هذا المارد إلا أنه صاحي القلب متوثب الهمة نبيل المعدن، نداؤه الخالد في الداهرين \"لبيك اللهم لبيك لا شريك لك لبيك إن الحمد والنعمة لك والملك لا شريك لك\"·

مهما اختلفت الأمة فلن تختلف على كعبة قبلتها، ولا مواقيت حجها، ولا على أداء مناسكها، ووحدة اتجاهها، وبياض لباسها، فعلام الخوف والرجاء متوقد في صدورنا، إنه الإيمان المطلق بالله وإخلاص القيادة له·

وختمت: إن الحج هو الانطلاقة الأمثل وإشراقة أمل هذه الأمة، يحمل في طياته البشرى بأن الظلم مهما خيم ليله فسيمحوه النهار، وأن الباطل مهما اشتد ساعده فقوته هباء، ويأبى الكون إلا أن يستجيب لله خالقه: \" والله غالب على أمره \"وليوقفوا هذا النداء الخالد إن استطاعوا \" وأذن في الناس بالحج يأتوك رجالاً وعلى كل ضامر يأتين من كل فج عميق\".

 

الشيخ اللقيس

وقال الشيخ غسان اللقيس إمام وخطيب مسجد جبيل: الحج هو ذلك المؤتمر السنوي الأهم الذي تهفو إليه النفوس، وتلتقي حوله الأفئدة، فيأتيه المسلمون من كل فج عميق ليشهدوا منافع لهم، تلبية لدعوة الله - تعالى - لأبي الأنبياء إبراهيم - عليه السلام -\" وأذن في الناس بالحج يأتوك رجالاً وعلى كل ضامر يأتين من كل فج عميق \"سورة الحج، آية 27\"·

ففريضة الحج مؤتمر عام لهذه الأمة، يجمعهم في أفضل بقعة في الأرض، وحول أفضل بيت تلتقي في أكبر تجمع إسلامي على وجه الأرض على اختلاف مشاربهم وألسنتهم وألوانهم، فهذه الفريضة ترمز إلى اجتماع الناس على طاعة الله - عز وجل -، وإلى تجرد الإنسان من حب الدنيا والشهوات والمناصب، والسعي بإخلاص للتقرب إلى الله - سبحانه وتعالى -، ندعو الله أن تكون هذه الفريضة انطلاقة لنسيان الماضي والهموم والمشاكل والنزاعات، وبداية لحياة جديدة عند كل مسلم في كل بقاع الأرض، ودعوة إلى الألفة والوحدة·

 

الشيخ البابا

وقال الشيخ أحمد البابا رئيس لجنة مسجد الفاروق ببيروت: الحج فريضة وشعيرة متميزة وفيها شحنة روحية وعاطفية ووجدانية، يُحِرمُ الحاج ويذهب إلى تلك الأراضي المقدسة فتهب عليه الذكريات الإبراهيمية من بعيد، والذكريات المحمدية من قريب، فيستشعر شعائر الله المقدسة وأعظمها قوة الجماعة ووحدتها واجتماعها وتجردها من زخارف الدنيا، ونداءات الحجيج \" لبيك اللهم لبيك لبيك لا شريك لك \" لها أثرها في نفسية المسلم، وفي تحريك الخير في داخله، فيعود أطهر قلباً، وأصدق عزماً على الطاعة، فالحج توسيع لأفق المسلم لكي يترك بلده ويلتقي بالمسلمين ويعرف روعة هذا الإسلام وعالميته، وفي الحج تدريب للمسلم على تحمل المشقات، وحينما يقف الجميع على أرض عرفات محرمين ملبين يتساوون أمام الله إذ لا فضل لعربي على أعجمي إلا بالتقوى، فالحج تدريب على الوحدة والتنظيم، فالأمة التي تقف كالبنيان المرصوص هي أمة قوية، وتجسد هذا المعنى بقوله - تعالى -:\" إن هذه أمتكم أمة واحدة\"· 

وأضاف: فالحج فريضة عظيمة اجتمعت فيها كل معاني العبودية الخالصة لله - تعالى -، ففيها التواضع لله والتوحد والمساواة والتآخي والأهم: الاجتماع على طاعة الله كأمة واحدة·

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply