بسم الله الرحمن الرحيم
الخطبة الأولى:
إنَّ الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره...
إخوةَ الإيمان، صحابيٌ جليلٌ، ومعركةٌ كبرى من معارك المسلمين، بل (فتح الفتوح)، أذكركم ونفسي بها، شاءَ اللهُ لهذا الصحابي أن يكونَ قائدَ المعركة وأول َ الشهداءِ فيه، وجمعَ اللهثَ له بين النصرِ والشهادةِ كما تمنى ودعا، كان هذا الصحابي مُجابُ الدعوةِ، وسألَ ربَّهُ الشهادة َ فأعطاهُ إياها، وكانت هذهِ المعركةُ التي خاض غِمارها والمسلمون بعد نهايةً للفرس وبدايةَ للمدِّ الإسلامي في أرضِ المشرقِ، ومع انتصارِ المسلمينَ في هذهِ المعركةِ وفرحتهم، إلاَّ أنَّ ذلكَ لم يمنعهم من البكاءِ على قائدهم، وقد ضَرَجتهُ الدماءُ في أرضِ المعركة، بل بكى المسلمون في المُدني، وفي مقدمتهم الخليفةُ عمرُ بن الخطاب- رضي الله عنه- حين بلغهم استشهادُ هذا الصحابي- رضي الله عنهم - أجمعين- فمن يكونُ هذا الصحابيُ؟ وما هي المعركة، ولما ذا انتصرَ المسلمون؟
هو أبو حكيم، وقيل أبو عمروٍ, النعمانُ بن مُقرنٍ, المُزني، وفد إلى رسولِ اللهِ- صلى الله عليه وسلم - في المدينةِ مع وفدِ قبيلتهِ (مزينة)، وشاركَ مع رسولِ الله- صلى الله عليه وسلم - في جهادِه ومغازيه، وكان إليهِ لواءُ قومهِ يومَ فتحِ مكة، (الذهبي سير أعلام النبلاء 2/356، 357).
وبعد أن لحقَ رسولُ الله- صلى الله عليه وسلم - بالرفيقِ الأعلى، استمرَ النعمانُ- رضي الله عنه- في عهدِ أبي بكر مجاهداً في سبيل الله، مُشاركاً في الفتوحِ الإسلامية، حتى إذا كان عهدُ عمر بن الخطاب- رضي الله عنه- فتحَ (النعمان) مدينةَ (كسكر)، فولاهُ الخليفةُ إمارتَها، ولكنَّ النعمانَ لم يرغب في حياةِ الإمامةِ الهادئة، فكتبَ إلى عُمرٍ, يستعفيهِ من هذهِ المهمة، ويطلبُ منهُ الإذنَ لهُ بالانضمامِ إلى صفوفِ المجاهدين في سبيل الله، هو يُشيرُ عمر بفتح القادسية، وهو فاتحُ أصبهان، وشهيدُ نهاوند، (الإصابة 10/170).
وبعد انتصاراتِ المسلمين في (القادسية) و(المدائن)، انحاز (بزدجر)، ملكُ الفرسِ إلى (نهاوند) وهي في وسطِ إقليمِ فارس، وفي قبيلةِ همذان وجمعَ هذا الملكُ الفارسُ كلَّ ما يستطيعُ جمعَهُ، واعتبرَ هذا المكانُ والمعركةَ (نهاوند) معركةً مصيريةً مع المسلمين.
أما الخليفةُ عمرُ- رضي الله عنه- فقد أهمَّهُ أمرُ (بزدجر) وجمعُهُ في (نهاوند)، فجمعَ المسلمينَ واستشارهم، وهمَّ أن يرحلَ بنفسهِ ليكونَ قريباً من منزلةِ ملكِ الفرس، ولكنَّ المسلمين لم يُشيروا عليه بتركِ المدينة، وإنَّما أشاروا عليه أن يختارَ قائداً للمعركةِ يكفيهِ هذه المهمةَ، ونثرَ الفاروقُ كنانتَه ليختار وكلٌّ الصحابةِ أخيارٌ ولكن الاختيارَ هذهِ المرةِ وقعَ على النعمان، ودعاهُ عمرُ لقيادةِ جيشِ المسلمين في نهاوند، وقال لهُ: \" إذا أتاكَ كتابي هذا فسِر بأمرِ الله، وبنصرِ اللهِ بمن معكَ مع المسلمين، ولا توطئهم وعراً فُتُؤذِيهم، ولا تمنعهم حقاً فتكفِّرهم، \" (محمد العبده ص 12 وذكرهم بأيام الله).
واستجابَ النعمانُ لأميرِ المؤمنين، وسارَ إلى أرضِ المعركةِ ومعهُ عددٌ من وجوهِ الصحابة، فيهم: حذيفةُ بن اليمَّان، وعبدُ اللهِ بن عمر، وجريرُ بن عبد اللهِ البجلي، والمغيرةُ بن شعبة، وسواهم- رضي الله عنهم - أجمعين - وحينَ وصلَ النعمانُ إلى (نهاوند)، نظّمَ أصحابَهُ، وهم ثلاثونَ ألفاً، وجعلَ على المقدمةِ نُعيم بن مُقرن المُزني، وعلى المَيمنةِ حُذيفةَ بن اليمَّان، وعلى الميسرةِ سويدَ بن مُقرن، وعلى الساقةِ مُجاشع بن مسعودٍ,- رضي الله عنهم - وابتدأتِ المعركةُ يومَ الأربعاءَ سنةَ إحدى وعشرين للهجرة وكان الفرسُ قد تحصَّنوا بخنادقَ حفروها، وربطوا أنفسَهم بالسلاسلِ حتى لا يفروا، وفرقٌ بينَ أولئكَ الجبناءُ وهم في أرضهم، وبين طلائعُ الشهادةِ من المسلمين، وقد وطئوا أرضهم أولئك الذين آلوا على أنفسِهم أن يُقتلوا مع عدوهم حتى يموتَ الأعجلُ منهما، أو أن يُذعنوا للإسلامِ الدين الحق، فيكون لهم ما للمسلمين وعليهم ما عليهم.
وطال الحصارُ، واستشار النعمانُ قادتَه، فأشاروا عليه باستدراجِ الفرسِ والتظاهرِ بالهروب، حتى إذا ابتعدَ الجندُ عن حصونِهم وخنادقِهم نَشِبتِ المعركةُ، وكان قد وافقَ النعمانُ على هذا الرأي، وقال: إنِّي مُكبرٌ ثلاثاً، فإذا كانت الثالثةُ فابدءُوا القتال، ودعا النعمانُ ربَّهُ، وكان كما يقولُ الذهبيُ - مُجابُ الدعوةِ فبماذا دعا وكيف قال؟ لقد رفعَ يديهِ إلى السماءِ وتعلقَ قلبُهُ بخالقهِ، وتاقت نفسُهُ إلى الجنةِ، وعزَّ عليهِ أن يُغلبَ المسلمونَ ويُخذلَ الإسلامُ وقال، (اللهم أعزّ دينَك، وانصر عبادَك، اللهمَّ إنِّي أسألكَ أن تُقرَّ عيني بفتحٍ, يكونُ فيه عزٌّ الإسلام، واقبضني شهيداً) وسمعَ الناسُ الدعاءَ فبكوا وحُقَّ لهم أن يبكوا.
ابتدأتِ المعركةُ على إثرِ تكبيرِ القائدِ الشهيد (النعمان)، وكانت شديدةً، ولكن فرسانُ المسلمين كانوا يشقُونَ الصفوفَ، وفي طليعتهم (النعمان)، والذي كانَ أولَ شهيدٍ, في أرضِ المعركةِ، فما وهنَ المسلمونَ وما استكانوا، بل استلمَ الرايةَ بعد النعمانِ، (حذيفةَ بن اليمان)، وأخفى خبرَ (النعمان)، وهكذا شانُ المسلمين، فكُلَّما غابَ منهم سيدٌ قام سيدٌ، وهكذا حتماً تمَّ النصرُ المؤزرُ للمسلمين، وهربَ (الفيرزانُ) قائدُ الفرس، فلحقهُ القعقاعُ بنُ عمروٍ,- رضي الله عنه- وقتله، وقُتل (بزدجر) ملكُ الفرسِ، وتفرقَ جمعُ الفرسِ حيناً، بل انتهى أمرُ الفرسِ على إثرِ المعركةِ التي سُميت بـ (فتحِ الفتوح).
وهلّلَ المسلمونَ في أرضِ المعركةِ - للنصرِ، وكبَّروا، ثُمَّ التفتوا يسألونَ عن قائدِهم (النعمان) ليبارِكوا لهُ النصر، ويهنئُوهُ بما فتحَ اللهُ علي يديهِ، ولكن القائدَ قد فاضت روحُهُ إلى بارئِها، وأقرَ اللهُ عينهُ بنصرِ الإسلامِ وعزِّ المسلمين كما دعا، وحين أخبرَهم أخوهُ (نعيمُ بن مُقرن) قائلاً، هذا أميرُكم خُتمَ لهُ بالشهادةِ، لم يتمالكِ المسلمونَ أنفسَهم عن البكاءِ لأميرِ نهاوند الشهيد، فبكوهُ بكاءً شديداً.
أمَّا المسلمون في المدينةِ فكانوا بشوقٍ, إلى معرفةِ الأخبار، وكان الخليفةُ عُمر ينتظرُ نتائجَ معركةِ (نهاوند) بقلقٍ, كبير، أجل، لقد أسهرتهُ ليالي نهاوند، وكان يخرجُ إلى ضواحي المدينةِ، في حرِّها القاسي، ينتظرُ أخبارَ الفتحِ ويستنصر، وكان الناسُ ممَّا يرونَ من استنصارهِ ليسَ لهم همُّ إلاَّ (نهاوند) و(ابن مُقرِّن)، فجاءَ إليهم أعرابيٌ مُهاجرٌ، فلمَّا بلغَ البقيعُ قال: ما أتاكم عن (نهاوند)؟ قالوا وما ذاك؟ قال: لا شيء، فأرسل إليه عمر، فأتاه، فسألهُ فقال: أقبلتُ بأهلي مُهاجراً حتى وردنا مكانَ كذا وكذا، فلمَّا صدرنا، إذا نحنُ براكبٍ, على جملٍ, أحمر، ما رأيتُ مثلَه، فقلتُ يا عبدَ الله: من أين أقبلتَ ؟ قال: من العراق، قلتُ: ما خبرُ الناس؟ قال: اقتتل الناسُ (بنهاوند)، ففتحها اللهُ وقُتلَ ابن مُقرن، واللهِ ما أدري أيٌّ الناسِ هو، ولا ما نهاوند، وما زالَ الخليفةُ عُمرُ يسألُ الأعرابيَ حتى قال لهُ: لعلكَ تكونُ لقيتَ بريداً من بُردِ الجنِ، فإنَّ لهم بُرداً (قال المحققُ إسنادُ الرواية ثقات، الذهبي سير أعلام النبلاء 2/357).
وبعد فترةٍِ, وجيزةٍ, جاءَ البشيرُ إلى عُمر، جاءَ السائبُ بنُ الأقرع. فقال لهُ عُمر بلهفٍ, ما وراءَك؟ قال: فتحَ اللهُ عليك واستُشهد الأميرُ، واختلطت المشاعرُ، وتداخلت الأحاسيسُ عند عمر، فرحٌ وحزنٌ، ودموعٌ للنصرِ، وأخرى لاستشهادِ القائدِ المظفر، واعتلى عمرُ المنبر، ونعى إلى المسلمين النعمان بن مُقرن، وبكى، وبكى حتى نشج، وشاركَهُ المسلمون البكاءَ، ولكن عُمرَ والمسلمين استبشروا بالنصرِ والفتحِ، أما النعمانُ من مُقرن ففي سهلٍ, فسيحٍ, في نهاوند دُفنَ، ودُفِنَ معهُ جنودُه الشهداءُ الأوفياءُ، يُشهدون الناسَ على أنَّهم الأوفياءُ لدينهم، ويشهدُ اللهُ على أنَّهم المُجاهدون في سبيلِ الله، المتعالونَ على حُطامِ الدنيا وزينتها، وبمثلِ أولئكَ الرجالُ ينتصرُ الإسلامُ، وبمثلِ هذهِ العيناتِ يُرجَفُ بالأعداءِ، وبمثل هذا الصدقِ والإخلاصِ ينتصرُ المسلمون، ينتصرون وإن قدَّموا أنفسهم شهداءَ، ويفرحون وإن خُيّل للعدوِّ أنَّهُ ألقاهم صرعى، وصدقَ اللهُُ العظيم: (({وَلاَ تَحسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللّهِ أَموَاتًا بَل أَحيَاء عِندَ رَبِّهِم يُرزَقُونَ* فَرِحِينَ بِمَا آتَاهُمُ اللّهُ مِن فَضلِهِ وَيَستَبشِرُونَ بِالَّذِينَ لَم يَلحَقُوا بِهِم مِّن خَلفِهِم أَلاَّ خَوفٌ عَلَيهِم وَلاَ هُم يَحزَنُونَ)) (سورة آل عمران: 170، 169).
أجل، لقد قرت عينُ النعمان بالشهادة، وقرت عيونُ المسلمين بالنصر، وانساح الإسلامُ في مشرق الأرض، يُبددُ الظلامَ، وينشرُ العدل والنور: ((وَلَيَنصُرَنَّ اللَّهُ مَن يَنصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيُّ عَزِيزٌ)) (سورة الحـج: 40).
الخطبة الثانية:
أيٌّها المسلمون:
كيف انتصرَ المسلمونَ على أعدائِهم في الماضي، وكيف هُزموا بعد، وكيف ينتصرُ المسلمون اليومَ وغداً على عدوِّهم؟ تلك أسئلةٌ صعبةٌ، فما أسهلَ الحديثَ عنها، وما أعظمَ القيامَ بها، وبكلِ سهولةٍ, يُمكنُ القولَ إنَّ أسلافَنا انتصروا على عدوهم حين انتصروا على أنفسِهم، وخافهم عدوٌّهم حين خافوا من ربّهم، نصروا دينَ اللهِ فنصرهم الله، وجاهدوا في سبيلِ اللهِ مُخلصين، فتحققَ على أيديهم من النصرِ والتمكينِ والفتح المبين، ما يشهدُ به العدوٌّ والصديقُ، كانوا يبحثونَ عن الموتِ فتوهب لهم الحياة، وكانوا يتطلعُونَ إلى الشهادةِ، ويسألون ربّهم أن يبلغهم إياها، لقد قذفَ اللهُ في قلوبهمِ العزةَ بالإسلام، وقال قائلُهم \" نحن قومٌ أعزنا اللهُ بالإسلامِ، ومهما ابتغينا العزةَ بغيرِهِ أذلّّنا اللهُ \"، فقذفَ في قلوبِ أعدائهم الرعبَ والمهانةَ منهم، والرعبُ بدايةُ الهزيمة.
تاقت نفوسُهم وتعالت عن الدنيا، فكانت الآخرةُ همّهم، وهجروا الأرضَ والأوطانَ، والعشيرةَ والأزواجَ، جهاداً في سبيلِ الله، ودعوةً إلى دينه، ووقف فارسُهم على جانبِ البحر وقال: واللهِ لو أعلمُ أنَّ هناك أرضاً وقوماً خلف هذا البحر لم تبلغهم دعوةُ الإسلامِ، وتستطيع الخيلُ أن تصله، لأوطأتها إياه.
كانوا يتسابقون إلى الجهادِ في سبيلِ الله، ومقارعةِ الأعداء، يستوفي ذلكَ الشبابُ والكهولُ والأسوياءُ وأهلُ الأعذار، فالأعرجُ يأتي للنبي- صلى الله عليه وسلم - وقد منعهُ أبناؤهُ من القتال، ويقولُ يا نَبيَّ الله إنِّي أريدُ أن أطأ بعرجتي هذهِ الجنة، فلا تحرمني من الجهاد، فيأذنُ اللهُ فيُستشهد، والأعمى يقولُ لأصحابه إنني رجلٌ أعمى لا أستطيعُ الفرارَ فأعطوني الرايةَ أحملها فيُستشهد، والشبابُ بين يدي رسولِ الله يتصارعون ليثبتوا مقدرتهم على القتال، فيقبلُ من يُقبل منهم، ويُرجأُ آخر لعدم بلوغهم ومقدرتهم، حتى يبلغوا في المعركةِ القادمة وهكذا، بل حتى النساء لهذا الجيل وهنَّ ممن عذر اللهُ عن الجهاد - كُنّ يشاركنَ في الجهاد، يداوينَ الجرحى ويسقينَ العطشى من المسلمين المجاهدين - ورُبما حملنَ السلاحَ ونكأنَ بالعدو، بل رُبما استحقت أحداهنَّ لقب (المجاهدة)، كنسيبةَ بنت كعب، التي شهدت أحداً وقال عنها رسولُ الله- صلى الله عليه وسلم -: ((لمقامُ نسيبةَ بنت كعبٍ, اليوم خيرٌ من مقامِ فلانٍ, وفلان)) وشهدت حمراء الأسد، ودمُها ينزفُ ويوم حنين ويوم اليمامة، وبها قُطعت يدُها، وجُرحت سوى ذلك أحدَ عشر جُرحاً- رضي الله عنها - وأرضاها- (الذهبي سير أعلام النبلاء 2/271).
أمَّا المُوسرون وأهلُ الثراءِ من المسلمين، فكانوا يبذلون أموالهم رخِيصةً في سبيل الله، وتجهيزَ المجاهدين، ورُبما تسابقَ اثنان منهم فأتى أحدُهم بنصفِ ماله، وجاءَ الآخرُ بمالِهِ كلّه، ذلك شأنُ الخيِّرين، أما عُثمانَ وابنُ عوفٍ, وأمثالُهما، فما ضرّهم ما فعلوا بعد تجهيزِ جيشِ العسرة، وتبقى في المجتمعِ فئةٌ شاذةٌ منافقة، يلمزون المطوعين والمُجرمين في الصدقات.
أمَّا الفقراءُ الذين لا يجدونَ ما ينفقون، ولا ما عليه يحملون، فتفيضُ أعيُنهم بالبكاءِ حزناً، ألاَّ يجدوا ما يُنفقون، ولا يضيرُهم سخريةُ الساخرين بهم، فأولئك سخرَ اللهُ منهم.
نعم لقد كان أولئك الفاتحون يُقاتلون في سبيلِ الله، ولا يخافون لومةَ لائم، فكانوا يوالون ويعادون في الله ولله، ويُقاتلون من يكفر، ولا يُوآدٌّون من حادَّ الله ورسولَه، ولو كانوا آباءهم أو أبناءهم، أو إخوانهم أو عشيرتهم، ذلك الجيلُ كانوا باختصار: فرساناً بالنهارِ ورهباناً بالليل.
وجيلٌ تلك بعضُ سماتهِ، حريٌ بالنصر، وخليقٌ بأن يخافهم العدو، ويفتحونَ الأقاليمَ، وينشرونَ دينَ اللهِ، لكن ماذا جرى على من بعدهم ممن هزمهم الأعداءُ وفرقوهم شيعاً، لقد أضاعوا الصلاةَ واتبعوا الشهواتِ، تعلَّقُوا بالدنيا وتنافسوها، كرهوا الموت، وأُصيبوا بالوهن، الشبابُ طنوا بشبابهم، بل رُبما أمضوهُ في اللهو والترف، والكهولُ تعاجزوا وتباطئوا، والأغنياءُ بخلوا، والفقراءُ ذلٌّوا بالمسألة وتشاغلوا بها، والنساءُ تسابقن إلى الموضةِ وتعلقن بالتوافهِ من الأمور، بل أصبحَ بعضُهنَّ مثاراً للفتنةِ، ومحطةً للتقليدِ وزبالةِ القيمِ والأفكارِ الباليةِ المستورةِ، طاش ميزانُ الولاءِ والبراءِ، وأصبحَ استجداءُ العدوِّ وتقديمُ العون له، أمراً ظاهراً، استهانَ بهم العدوٌّ فاحتلَ أرضَهم، بل تطاولَ إلى التدخلِ في شؤونهم الخاصة، واتهم بل تطاول على دينِهم ونبيهم- صلى الله عليه وسلم -، وجيلٌ تلك بعضُ سماتِهم أنّى ينصرون.
أيٌّها المسلمون
ومع ذلك فالخيرُ باقٍ, في هذهِ الأمة، وثمةَ من يأنفونَ من هذا الواقعِ، والمسلمونَ بشكلٍ, عامٍ, باتوا يتململون ويدركون أكثرَ حجمَ الخطرِ المحدق، والفرصةُ أمامهم للإصلاحِ والعودة إلى الله مُشرعة الأبواب، والنماذجُ الصادقةِ للسلفِ والخلف، تغدوا سيرَهم، وفي تجارب المسلمين عبر القرون - مع أعدائِهم ما يُحفزهم على النهوض والاستعلاء، واللهُ غالبٌ على أمرِه، ولينصرنَّ اللهُُ من ينصره، وجندَ اللهِ هم الغالبون، والعاقبةُ للمتقين.
عبادََ اللهِ:
كم هو جميلٌ هذا العنوانُ الذي عبّرَ به الكاتبُ عن وصفِ أحوال المسلمينَ اليومَ بهذا التعبير، (المستضعفون الأقوياء)، ثُمَّ قال: مُخطئٌ من يظنٌّ أنَّ المسلمين الصادقين أصبحوا لقمةًَ سائغةً في أيدي أعدائهم، ومغرورٌ من يُمني نفسه بسهولةِ المعركةِ الطويلةِ معهم، وواهمٌ أو مُغفلٍ, من يعتقدُ أنَّ تلك المعركةَ ستنتهي بإنهائهم واحتوائهم، أو إلجائهم إلى التخلي عن رسالتِهم الموكولةِ من اللهِ إليهم بأن يُخرجوا الناسَ من الظلماتِ إلى النور، ويملئوا الأرضَ قسطاً وعدلاً، بعد أن مُلئت جوراً وظلماً.
فهؤلاءِ المسلمون رغم استضعافهم أداةٌ إلهيةٌ قدريةٌ سيُجري اللهُ - تعالى - بهم سنَتهُ، ويحققُ بهم وعدَهُ بانتشارِ نورهِ وانتصارِ دينِه، وانكسارِ أعدائِه، ((هُوَ الَّذِي أَرسَلَ رَسُولَهُ بِالهُدَى وَدِينِ الحَقِّ لِيُظهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَو كَرِهَ المُشرِكُونَ)) (التوبة: 33).
ثم يقولُ الكاتب وفقهُ اللهُ، صحيحٌ أنَّ المسلمين الآن ضُعفاءُ في تَفرقِهم، مُشتتون بجراحهم، ضائعون بفقدانِ القيادةِ العالميةِ الواحدة الراشدة، وصحيحٌ أنَّ ظلالاً من الذلَ لا تزالُ تُخيّم على رؤوسِ الأمةِ بعد طولِ مخاصمةِ لمعقدِ العزِّ والتمكين، المُتمثلُِ في ذروةِ سنامِ الإسلام، ولكن هذه كلّها أعرضٌ لأمراضِ سُرعان ما تزولُ أسبابُها، والأيامُ تُثبتُ هذا، فلا تزالُ العودةُ إلى الله - تعالى - بالمسلمين رويداً رويداً، إلى آفاقٍ, رحبةٍ, من رحمةِ اللهِ.
ثُمَّ استعرض الكاتبُ مكرَ الأعداءِ، وماذا حققَ من إيجابياتٍ, للمسلمين، وجال جولات متعددةٍ, في عددٍ, من المناطقِ الملتهبة، وتفاءلَ بمستقبلٍ, مشرقٍ, للإسلام والمسلمين، من خلالِ مسمياتِه التالية.
1- فلسطين عطاءٌ بلا غطاءٍ,.
2- أفغانستان: طالبان وغلام الأخدود.
3- الشيشان دورٌ كبيرٌ لشعبٍ, صغيرٍ,.
4- أكرادُ العراقِ ووميض أملٍ, في الآفاق.
5- الفلبين أولُ الغيث قطرةٌ، وتحت كلّ مسمَّى تحدث الكاتبُ وفصّل عبر رؤى وإحصاءاتٍ, هرميةٍ, بالقراءةِ، والتأمل كما جاء في (مجلة البيان) في عددها الأخير: ذي العقدة 1423 هـ
وما أحوجَ المسلمين اليوم إلى نظرةٍ, متفائلةٍ,، تنظر بنور الله، وتتعاملُ مع كيدِ الأعداءِ وفق سنن الله، ألا إنَّ دينَ الله منتصر، ولكن السؤال المُهمُ لكلّ واحدٍ, منا، ما ذا قُدِّم لنصرةِ هذا الدين؟ وما مدى إيماننا بحقائقِ القرآن ((إِنَّ اللّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوا وَّالَّذِينَ هُم مٌّحسِنُونَ)) (سورة النحل: 128)، ((وَإِنَّ جُندَنَا لَهُمُ الغَالِبُونَ)) (سورة الصافات: 173)، ((إِنَّهُم يَكِيدُونَ كَيدًا * وَأَكِيدُ كَيدًا)) (سورة الطارق: 16، 15).
((إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يُنفِقُونَ أَموَالَهُم لِيَصُدٌّوا عَن سَبِيلِ اللّهِ فَسَيُنفِقُونَهَا ثُمَّ تَكُونُ عَلَيهِم حَسرَةً ثُمَّ يُغلَبُونَ وَالَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى جَهَنَّمَ يُحشَرُونَ)) (سورة الأنفال: 36).
اللهم انصر دينك، واجعلنا من أنصار دينك، وأبدل ذلّ المسلمين عِزّاً، وفرقّتهم جمعاً.
أضف تعليق
هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها
تم الإرسال
ستتم إضافة التعليق بعد معاينته من قبل فريق عمل مداد