بسم الله الرحمن الرحيم
الخطبة الأولى
أما بعد معاشر المؤمنين:
مسائل مهمة في النصرة نصل بها حديثنا الموصول النافع المغيث للقلوب، والمحرك للنفوس والرافع للهمم، مع الانتصار والنصرة لسيدنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم -.
المسألة الأولى: التنوع والتخصص
فإن كل مسلم مؤمن يؤمن بالله ورسوله، لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - حق وفي عنقه واجبº وهنا عندما نتحدث عن النصرة والانتصار فينبغي أن تعم كل أحدº ولعلنا نشير إشارات يسيرة، وومضات معدودة في بعض أنواع تلك التخصصات، والفئات وأدوارها، وشيء من قبسات قدواتهم في هذه الميادين، ونبدأ بالعلماء، والله - جل وعلا - يقول: {إنما يخشى الله من عباده العلماء}
وكلنا يحفظ حديث المصطفى - صلى الله عليه وسلم - الذي رواه الترمذي، من حديث أبي الدرداء وفيه: (إن العلماء ورثة الأنبياء، وإن الأنبياء لم يورثوا درهم ولا دينار، ولكن ورثوا العلم فمن أخذه أخذ بحظ وافر).
العلماء ورثة الأنبياء مجددوا عهد النبوة..يا علماء الإسلام: أنتم ورثة محمد - صلى الله عليه وسلم -، والأمة تنتظر دوركم والحق - جل وعلا - بين أثركم كما قال الحق - سبحانه وتعالى -: {وإذا جاءهم أمر من الأمن أو الخوف أذاعوا به ولو ردوه إلى الرسول وإلى أولي الأمر منهم لعلمه الذين يستنبطونه منهم}.
وأولوا الأمر كما قال القرطبي: \" أهل العلم والفقه \".
وقال السعدي في تفسيره: \"ينبغي لهم - أي للمسلمين - إذا جاءهم أمر من الأمور المهمة والمصالح العامة فيما يتعلق بالأمن وسرور المؤمنين أو يخافون الذي فيه مصيبة عليهم أن يتثبتوا ولا يستعجلوا بإشاعة الأمر وأن يرجعوا كما قال الله - عز وجل - {إلى أولي الأمر الذين يستبطونه منهم}º أي أهل العلم والنصح والعقل والرزانة الذين يعرفون الأمور ويعرفون المصالح وضدها فإن رأوا إذاعته -أي ذلك الخبر- إن رأوا في إذاعته مصلحة ونشاطا للمؤمنين وسرورا لهم وتحرزا من أعداءهم فعلوا ذلك، وإن رأوا أنه ليس فيه مصلحة أو فيه مصلحة لكن مضرته تزيد على مصلحته لم يذيعوه \".
أنتم يا علماؤنا تاج رؤوسنا، أنتم نور طريقنا، أنتم روادنا وسابقونا إلى الخير، نصرة النبي - صلى الله عليه وسلم - ينبغي أن تتجلى فيكم قبل غيركم، وأن تكونوا إليها سابقين لا يبلغ أحد شأوكم، والله - سبحانه وتعالى - قد بين لنا ذلك.
وعندما نجد آيات العلم والعلماء ندرك تماما أن للعلماء دوراً متميزاً، ورسالة عظيمة هي بمثابة القوة المحركة والبصيرة الموجهة للأمة.. وهنا نذكر أنفسنا وعلماءنا بالمواقف التي أرشد إليها المصطفى - صلى الله عليه وسلم -، عندما قال: (أفضل الجهاد كلمة حق عند سلطان جائر).
وعندما بين النبي - صلى الله عليه وسلم - ما ينبغي أن يكون، بل نسوق إلى علمائنا مواقف أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم -، أهل العلم الذين نطقوا به واعتنوا بنشره واتخذوا الحكمة في ذلك، ووقفوا وثبتوا لكل ما يقتضيه ذلك ويتطلبه، فهذا أبو هريرة - رضي الله عنه - يقول: (حفظت من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - جرابين من علم، أما أحدهما بثته وأما الآخر فلو بثثته لقطع مني هذا الحلقوم - أو البلغوم -) كما في الروايات.
وهكذا فعل ابن عباس - رضي الله عنه - عندما حمل العلم عن النبي - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه فشرق به وغرب، حتى إن واحداً من تلامذته وهو الإمام مجاهد بن جبر - رضي الله عنه - يقول: \"ختمت القرآن على ابن عباس ثلاثين ختمه أستوقفه عند كل آية أسأله عن معناها \".
نريدكم أن تكونوا بيننا نريد أن نلتفت يميناً ويساراً فنجدكم قريب منا لئلا يسبق إلى الرأي ذووا الجهل أو الذين تدفعهم حماسة طائشة، وأين علماءنا لم يتقدموا فتقدم غيرهم.
وهنا أيضا نسوق الأمثلة من تاريخ أمتنا، يوم جاء الانحراف العقدي بتيار جامح في فتنة خلق القرآن، كان للإمام أحمد بن حنبل - رحمه الله - منارة هادية وثبات مؤمن عظيم ووعي عالم بصير لم يرض أن يداهن ولا أن يأخذ بالأسباب التي فيها سلامة بل بقي على الحق، وأوذي وسجن وجلد ثم آب الأمر بإذن الله - عز وجل - وبهذا الثبات مع نصرة العلماء إلى الحق، فعادت السنّة من بعد البدعة، وعاد الأمن والسكينة من بعد الفوضى.. كل ذلك بفضل الله - عز وجل - ثم بفضل دور العلماء في الأمة.. ونعرف قصة العز بن عبد السلام يوم وقف وقفته الشهيرة..
الأمة اليوم تحتاج إلى تجديد تلك القدوات من علماء أمتنا في تاريخها العريض المديد، الذين قالوا كلمة الحق ولم تأخذهم في الله لومة لائم ويوم يقولونها سيجدون الأمة كلها من وراءهم، وسيجدون الناس يسترشدون بأقوالهم ويأخذون بفتاواهم وبأحكامهم، وذلك ما نرى أثره يتجدد في الأمة.. ونسأل الله - عز وجل - المزيد منه.
التجار وما أدراك ما التجار!
كيف ينصرون رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، كيف يقفون وقفة صادقة لنصرة هذا الدين ورفعة رايته، ألا يذكرون أبا بكر - رضي الله عنه - الذي أنفق ماله كله أكثر من مرة لنصرة النبي - صلى الله عليه وسلم - في هجرته ولنصرته في مواجهة أعداءه في يوم جيش العسرة! ألا يذكرون - ونذكر جميعاً - موقف عثمان بن عفان يوم جهز من ماله وحده جيشا كاملا لإعلاء راية الله - عز وجل - ونشر رسالة الإسلام، والوقوف مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم -.. ويومها قال النبي - صلى الله عليه وسلم - لعثمان قولة عظيمة خالدة فريدة.. لو أن كل تاجر تأمل فيها لرأى أن شطراً منها خير له من كل مال الدنيا قال: (ما ضر عثمان ما فعل بعد اليوم)
لقد سبق سبقا عظيماً وأتى فعلا جليلا يوشك أن يكون ماحيا لكل ذنب يأتيه أو يقترفه من بعد.
وهكذا نرى كيف كان المال سلاحا في الجانبين، في جانب النصرة وفي جانب العداء {إن الذين كفروا ينفقون أموالهم ليصدوا عن سبيل الله فسينفقونها ثم تكون عليهم حسرة ثم يغلبون، والذين كفروا إلى جهنم يحشرون}
هم ينفقون ليصدوا فهل تنفقون لتنشروا وتنصروا، وأهل النفاق قال الله - عز وجل - في وصف حالهم واستخدامهم لمالهم {لا تنفقوا على من عند رسول الله حتى ينفضوا}
لا تنفقوا على أتباع الرسول.. لا تنفقوا على العلماء ودعاة الأمة.. لا تنفقوا على الجاليات المسلمة في البلاد غير المسلمة.. دعوهم حتى يضيق عليهم الخناق، ويصبح من أثر قلة ذات اليد غير قادرين على تمثل إسلامهمº فضلاً عن نشره والدعوة إليه، هل تمتد الأيدي اليوم لتنصر دين الله ورسول الله - صلى الله عليه وسلم - بالبذل والدعوة والإسلام والتعريف به ونصرة المسلمين والجاليات في كل بقعة وصقع من أصقاع الأرض، ذلك هو الدور المأمول المطلوب من التجار نصرة لرسول الله - صلى الله عليه وسلم -.
النساء وما أدراك ما النساء!
وقبل ذلك لا بد من إشارات سننبه عليها في آخر الأمرº لأن هذه الأدوار المطلوبة يقابلها بعض الواقع الذي لا بد من التنبيه عليه.. النساء هل يتذكرن الدور العظيم الرائد الفريد لأم المؤمنين خديجة بنت خويلد - رضي الله عنها -! كيف كانت أعظم نصير لرسول الله - صلى الله عليه وسلم -؟ كيف كانت الصدر الحنون الذي تلقاه؟ كيف كانت الدعم القوي الذي ثبته؟ ألم تقل له: \" كلا! والله لا يخزيك الله أبداًº إنك لتصل الرحم وتكسب المعدوم وتقري الضيف وتعين على نوائب الحق، فو الله لا يخزيك الله أبدا \"
ألم تأخذه إلى ابن عمها ورقة بن نوفل، ألم يقل له: \" إن هذا هو الناموس الذي جاء موسى \"
ألم تكن معه في مسيرة دعوته حتى كان يوم فراقها، يوم الحزن الذي ظلل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - والمسلمين معه، ألا تذكر النساء دور أم المؤمنين عائشة كيف حفظت وتلقت علم الرسول - صلى الله عليه وسلم - حتى بلغت من العلم في تخصصات عجب لها بعض الناس.. فهذا عروة بن الزبير وهو ابن أختها، يقول لها: \" يا أماه - وكان يناديها بأمه- قد علمت علمك بكتاب الله وسنة رسوله - صلى الله عليه وسلم -، لكني أعجب من علمك بالطب \" فقد كانت تصف الأدوية والعلاجات \" قالت: \" كان الناس يفدون على رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فينعت لهم النعوت فأحفظ عنه \".
ألا تتذكر أمهات المؤمنين الفداء الروحي بالنفس لأم عمارة يوم أحد حتى قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (ما التفت يميناً ولا يساراً إلا وجدتها تقاتل دوني).
أين هذه المرأة في نصرة نبيها - صلى الله عليه وسلم - ونصرة دينها؟ والواقع سنعرض له لاحقا.
أنتقل إلى فئة رابعة مهمة، الشباب!
شباب الأمة ورمز القوة، هم عنصر الحيوية، أمل المستقبلº لأن الله - عز وجل - قضى ألا تقوم الدعوات والأفكار إلا على قوة الشباب، فهذه سيرة النبي - صلى الله عليه وسلم - كأنما تضع العنوان: (حالفني الشباب وخالفني الشيوخ)
{إنهم فتية آمنوا بربهم وزدناهم هدى}
أصحاب الكهف الذين استطاعوا أن يخرجوا من قومهم، وأن يقاطعوا التيار الجارف في بيئتهم، وأن يثبتوا على دينهم {فتية آمنوا بربهم}
إبراهيم الخليل - عليه السلام - الذي واجه أمة كاملة كانت على غير الإسلام والإيمان {قالوا سمعنا فتى يذكرهم يقال له إبراهيم}
فليذكروا الشباب كيف نصر الشباب والفتيان رسول الله - صلى الله عليه وسلم -.. كيف كانوا في خدمته كما كان ربيعة بن كعب يبيت إلى جوار بيوت النبي - صلى الله عليه وسلم -، فإذا قام من الليل ليصلي قام ربيعة يصب له ماء وضوءه ويصلي معه، حتى قال له:
(يا ربيعة سلني ما شئت) فأجاب - بلسان المؤمن الذي يرجو الله والدار الآخرة-: \" يا رسول الله أسألك مرافقتك في الجنة \".
لما يطلب شيئا من أمنيات الشباب، ورغباتهم وشهواتهم بل سمى إلى ما هو أعلى من ذلك.
وهكذا نستطيع أن نسرد أمثلة كثيرة عظيمة وهي لا تقتصر على جانب دون جانب، ألم نرى معاذ ومعوذ بن عفراء يوم بدر يلتفت أحدهما إلى الصحابي يقول: \"يا عماه أين أبو جهل؟ \" فيقول: مالك وله؟! فيقول: \" إني سمعت أنه يؤذي رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، والله إن رأيته لا يفارق سودي سواده حتى يقتل الأعجل منا \"
ثم يلتفت الآخر إليه من الجهة الأخرى فيسأله ذات السؤال، ثم تمضي المعركة، فيسير الفتيان الشابان إلى أبي جهل فيكون لهما النصيب الأكبر في إطاحة رأس الكفر والجاهلية.
هل نرى من شباب الإسلام اليوم من يفدون دينهم ورسولهم بأرواحهم وبكل ما يملكون من طاقاتهم نريد أن نجدد النصرة في عموم الأمة.
بل أنتقل بكم إلى فئة أبعد في نظرنا، إلى الأطفال ينصروا رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، هل كنتم كيف كان يفعل أهل الإسلام بأطفالهم في عهد النبي - صلى الله عليه وسلم -، كادوا ألا يكون مولود يولد إلا ويُرسل إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فور ولادته ليأكل شيئا من تمر، ثم يحنّكه به ويدعو له، منذ اللحظات الأولى، ثم ننظر إلى المثل العظيم الذي نريد أن نشيعه في أبناءنا وأمتنا، نخاطب به الآباء والأمهات، يوم جاءت أم سليم إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بعد قدومه إلى المدينة، ومعها ابنها أنس - رضي الله عنه -، قالت: \" هذا أنس بن مالك يخدمك يا رسول الله\"
نذرته لخدمة المصطفى - صلى الله عليه وسلم -، وقال مقالته الشهيرة العجيبة: \"خدمت النبي - صلى الله عليه وسلم - عشر سنين، فما قال لي قط لشيء فعلته لم فعلته، ولا لشيء لم أفعله لِمَ لم تفعله\"
ليس هناك أعظم من هذا الوصف في خلق النبي - صلى الله عليه وسلم -، لكن أم سليم - رضي الله عنها - قدمت ابنها ليحظى بشرف الخدمةº ليقبس من أنوار النبوة، ليأخذ من خلق الرسول الأعظم - صلى الله عليه وسلم -، لينال الشرف الدنيوي والأجر الأخروي، فهل نقرب أبناءنا إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وهل نغذّيهم بسيرته وعظمته وخلقه منذ نعومة أظفارهم، فلا تكونوا قدواتهم أفلام الكرتون أو لاعبوا الكرة أو غير ذلك.
ولو سألنا اليوم بعض شبابنا أو أطفالنا لرأينا بونا شاسعا بين تلك الأمثلة التي نسردها، وغيرها كثير وكثير.
وأنتقل إلى فئة خامسة إلى الدبلوماسيين والسياسيين
والموجات اليوم تظهر لنا فتقول: احذروا الدين في السياسة، أو جنبوا السياسة من الدين، وهنا أقول لكل دبلوماسي أنه قبل أن يكون سفيرا لدولة وقبل أن يكون في موقع له ما له من الأوصاف أو المال أو غير ذلك، أنه:
أولا: سفير لإسلامه ودينه كما كانت أول سفارة يوم بعث محمد - صلى الله عليه وسلم - مصعب بن عمير إلى المدينة ليكون داعيا إلى الإسلام، ومعلما لمن أسلام من الأنصار، فغشي الناس في دورهم وزار أشرافهم وجلس مع عامتهم، فما دار الزمان عاماً واحداً إلا وما بيت من بيوت المدينة إلا وفيه بعض من أسلم، ذلك هو الدور الحقيقي أن تكونوا رسلا لدينكم لأمتكم، أن تبرزوا محاسن إسلامكم أن تفاخروا بعظمة نبيكم - صلى الله عليه وسلم -، هل تريدون أدوارا أخرى، انظروا إلى دور الدبلوماسي الذي يعرض نفسه للمخاطر فداء لدينه واستجابة لنبيه محمدا - صلى الله عليه وسلم -، يوم كانت المفاوضات يوم الحديبية ورسل قريش تأتي تباعا، انتدب النبي - صلى الله عليه وسلم - مفاوضاً دبلوماسياً من قِبَله إنه عثمان - رضي الله عنه - دخل إلى قريش في عقر دارها إلى موطن الأعداء الذين كانوا يحملون الحقد للإسلام وأهله استجابة وموافقة لأمر النبي - صلى الله عليه وسلم - وأداء لمصلحة الأمة.
بل خذوا مثلا آخر لرسول مثل أمة الإسلام في موقف عظيم، يوم بعث سعد بن أبي وقاص ربعي بن عامر إلى رستم عظيم الفرس وقائدهم، فسأله ما الذي جاء بكم، لم يقل جئنا لنقيم كذا ونصنع كذا، بل قال: \"جئنا لنخرج العباد من عبادة العباد إلى عبادة رب العباد، ومن جور الأديان إلى عدل الإسلام ومن ضيق الدنيا إلى سعة الدنيا والآخرة \".
كان يعرف ماذا يقول، كان يعرف ماذا يمثل، كان يعرف ما الذي ينبغي أن يكون عليه المسلم في عزته وفي رؤيته وفي دعوته وفي مواجهته لغير المسلمين، لا استخذاء ولا هوان ولا تنفير ولا إكراه..
تلكم نماذج أين هي من سفراء بلادنا الإسلامية في شتى بقاع الأرض، هل يجددون ذلك؟ هل تكون النصرة بغير الأوراق والبيانات والوسائل المعهودة المألوفة المكرورة؟ كثيرة هي الفئات التي يمكن أن نتحدث عنها.
وقبل أن أنتقل إلى نقطة أخيرة في هذا أقول: لعلنا نجد مفارقة في الواقع، فليس علماءنا في الجملة كما نريد أو كما أشرنا، والتجار ينفقون الأموال كما نرى في شيء من الترف والبذخ، أو في وسائل للفساد والإفساد في القنوات.. نرى صور الشباب وهم مشغولون بستار أكاديمي أو سوبر أستار، أو بالتقليعات أو بغير ذلك، نجد شاباتنا أو نساءنا وهن مشغولات بالتجميل والموضة ويستجبن لدعوات التحرير المزعومة فإذا بهن يطالبن بالاختلاط ويقلن لا حرج فيه، وإذا بهن يدخلن أنفسهن في أمور وقد تخلين عن مهمة عظيمة لسد الثغرة والقيام بالمهمة داخل البيت، حصن الأسرة الحصين الذي هو حماية الأمة والمجتمع، ولو ذهبنا لوجدنا أطفالنا وهم يلعبون بهذه الألعاب الإلكترونية ليس لهم ولا لنا دور في تعليقهم بالإسلام وربطهم بنبيهم - صلى الله عليه وسلم -.
السفارات وما أدراك ما السفارات وهي تمارس في بعض الأحيان أموراً محرمة مقطوعا بحرمتها، فكأنما تنقل صورة الإسلام شوهاء أو عكس الصورة المطلوبة الحقيقية، أقول هذا لا نؤيس ولكن لنقول: إن هذه النصرة العظيمة لرسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وقد طبقت الأرض وقد اشترك فيها الجميعº لعلها تكون بداية تجديدية قوية لتصحيح مسارنا في ارتباطنا بديننا.
ولعل قائلا يقول: وأين تركت الحكام والقواد والزعماء والرؤساء؟
وأقول لهؤلاء ولكم: إن هؤلاء مقامهم الحقيقي في فهمنا الإسلامي أنه في مقام رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، إنهم بمثابة خلفاء الرسول - عليه الصلاة والسلام -، وهنا نقول أين عدل الإمام وأين زهد الحاكم وأين نزاهة القائد وأينكم من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وخلفاءه الراشدين؟ أين ترفعكم وتنزهكم عن كل ما فيه شبهة فضلا عما فيه حرمة؟ أين إقامتكم للعدل وإنصافكم بين الرعية؟ أين كل ذلك، أنتم أعلم بسيرة النبي - صلى الله عليه وسلم -، وأنتم أعلم بقدر المسافة والبعد بينكم وبينها وأنتم إذا صلحتم كان في صلاحكم أثر عظيم في صلاح الأمة.. ولهذا نقول إن هذه النصرة متنوعة ومتخصصة كل في ميدانه ومجاله.
والمسألة الثانية: الدعوة والحكمة
إن هدفنا معاشر المسلمين جميعا مع كل أمم الأرض هي الدعوة، ندعو الناس إلى هذا الدين، نخرجهم من الظلمات إلى النور، نبصرهم بالحق وهم في الضلال ونخرجهم من كثير وكثير من أوبار وأوباء الجاهلية إلى خيرات وبركات الإسلام، تلك هي مهمتنا ووسيلتنا حكمة كما قال الله - عز وجل -: {ادعو إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن}.
ومن هنا ندرك المواقف العظيمة لرسولنا - صلى الله عليه وسلم - في هذا الشأن.. نعم عاداه الكفار فوقف موقف العزة وأخذ بمبدأ الجهاد، لكن الغاية لم تغب عن باله ولا عن نهجه أبداً.. إنها غاية الدعوة.. إنها غاية فتح القلوب والعقول لمعرفة هذا الدين العظيم، ليدخل الناس فيه أفواجا، يوم انتصر - عليه الصلاة والسلام - على كفار مكة ألذ أعداءه الذين أخرجوه منها وبعد أن تمكن منهم ومن نواصيهم ورؤوسهم ومن أزواجهم وذراريهم ومن أموالهم وثرواتهم، قال: (ما تظنون أني فاعل بكم؟ ) قالوا: أخ كريم وابن أخ كريم. قال: (اذهبوا فأنتم الطلقاء).
هذه هي السماحة الحقيقة، هذا هو الإسلام الذي يكسر الحواجز، فلا يبقي لأحد عذرا إلا لينظر بعين الإنصاف وبعقل الرشد وبنفس الرغبة في الخير، ويقوده ذلك حتما ولا شك كما قاد صناديد الكفر وعتاد الظلم والطغيان لينقادوا صاغرين ويحنوا رؤوسهم لعظمة هذا الدين ويصيروا أتباعا وتلاميذ لخير الخلق - صلى الله عليه وسلم -.
تعلمون خالد بن الوليد وكيف آل مآله، سهير بن عمرو وكيف انتهى حاله، عمرو بن العاص وكيف صارت مسيرته وسيرته، كل أولئك ما رفع فوق رؤوسهم سيف ولا جاءتهم قوات تكرههم لكن الدعوة نفذت إلى قلوبهم وعقولهم..
واليوم ونحن ننصر نبينا ينبغي أن ندرك أن كل وسائلنا إنما هي طريق إلى هذه الدعوة فلنعبر الجسور إلى أولئك القوم فإنهم في ضلال يحتاجون إلى الهدى الذي أكرمنا الله به وإنهم في ظلمات يفتقرون إلى النور الذي حبانا الله إياه، وإنهم في تيه يحتاجون إلى قيادة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الذي نيعرف سيرته وينبغي لنا أن نعرف بها، ومن هنا تأتي الحكمة لئلا يكون الأمر منطلقا بلا خطام ولا زمام {ولا تسبوا الذين يدعون من دون الله فيسبوا الله عدواً بغير علم}
قال القرطبي في هذه الآية: \"وحكمها باق في المسلمين وهي أصل سد الذرائع\"
إن كان فعلنا في إساءتنا لقوم سيؤدي إلى إساءتهم لأصل ديننا فالأمر عظيم والنهي عنه وارد في الكتاب الكريمº لأن القوم لا يعرفون دينا ولا يقيمون وزنا ولا قيمة ولا قدر لنبيº فإن قلت قولا ثم كان من أثره أن يسيئوا إلى الدين والقرآن والرسول - صلى الله عليه وسلم - فإن الحكمة تقتضي الامتناع عن ذلك وإدراك مآلات الأمور والنظر فيها، والممارسات التي تتم من بعض المسلمين في ثورة العاطفة، ما الذي أدت إليه، سفك دماء مسلمة وإزهاق أرواح مؤمنة، إتلاف أموال في بلادنا وديارنا ثم صورة يريدون أن يلصقوها بنا وأن أهل الإسلام ليس عندهم إلا القتل والدم والعنف والإرهاب كما يزعمون، ونحن لا نقول إننا قوم نسالم كل من اعتدى علينا وحل بنا عدوانه لكننا في الوقت نفسه لسنا قوما من أهل العنف الذين يرغبون فيه لذاته ولا يتعطشون للدماء بل كما فعل رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فتلك رسالة مهمة ينبغي لنا أن نعيها ونحن في هذه الأجواء العظيمة لنصرة نبينا - صلى الله عليه وسلم -.
أسأل الله - عز وجل - أن يبصرنا بديننا وأن يجعلنا متمسكين بسنة وهدي نبينا - صلى الله عليه وسلم -، إنه - جل وعلا - ولي ذلك والقادر عليه، أقول هذا القول وأستغفر الله العظيم لي ولكم فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية
أما بعد معاشر الأخوة المؤمنون:
ومسألة ثالثة نختم بها وهي جديرة بأن يطول الحديث فيها وقد يكون ذلك كذلك من بعد، إنها مسألة: التعريف والتعليم
نحن إذا أردنا نصرة نبينا فهذا واجبنا تجاه سيرته وتجاه أخلاقه وتجاه سنته - صلى الله عليه وسلم -.
ومضات سريعة للمسلمين تعليم ولغير المسلمين تعريف، ماذا نريد للسيرة بين المسلمين، جوانب ثلاثة:
أولا: السيرة إيمانا ومحبة:
نريد أن تكون السيرة طريقا إلى زيادة الإيمان، وترسيخ اليقين بنبوة النبي - صلى الله عليه وسلم -، وتعظيم محبته في النفوس حتى يصدق ما طلب منا - عليه الصلاة والسلام -: (لا يؤمن أحدكم حتى يكون هواه تبعاً لما جئت به).
ويوم قال عمر مقالته الشهيرة، فقال له من بعد: يا رسول الله إنك لأحب إلي من نفسي التي بين جنبي، قال: (الآن يا عمر)
تلك هي السيرة التي نريد في بعدها الأول.
والسيرة ثانيا: سيرة تربية وقدوة
نريد ألا تكون عواطف جامحة، ولا مجرد كلمات نقولها في الثناء والمدح لرسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فليس أعظم من ثناء ربه عليه ومدحه له في كتابه الكريم وفيما جعل من التشريع لتعظيم قدره - عليه الصلاة والسلام -، لكن السيرة تربية لنا وقدوة تنتصب في حياتنا، فنرى الرسول - صلى الله عليه وسلم - زوجاً وأباً، ونراه حاكماً وقائداً، ونعرفه صديقاً وصاحباً، ونطلع على سيرته قاضياً عادلاً، إلى غير ذلك من الوجوه التي نعرفها.
وأخيرا: السيرة معرفة وقدرة:
لا بد من أن نعرف سيرتنا عن بصيرة وعلم، وخاصة مواطن الشبهات الني يثيرها الأعداء، أو التي هي ضلالات عندهم أوهي جهالات عند بعض المسلمين حتى ننير للناس الطريقº لأن سنة النبي وسيرته - صلى الله عليه وسلم - هي التطبيق العملي لكتاب الله وهي التفسير الحي لما جاء في كتاب الله، فحينئذ نعرف منها ما يكشف لنا كل غامض وما ينير لنا كل مظلم فنكون على بينة من أمرنا.
{قل إني على بينة من ربي وكذبتم به ما عندي ما تستعجلون به إن الحكم إلا لله يقص الحق وهو خير الفاصلين}.
ولغير المسلمين تعريف يكون في محاور ثلاثة:
السيرة تأصيل وتاريخ، ليعرفوا أن النبي - صلى الله عليه وسلم - مذكور في كتبهم، وله بشارات وشهادات في كتب من جاء من قبله من الرسل، خاصة فيما جاء به عيسى وموسى عليهما الصلاة والسلام، وهذه الآثار رغم التحريف باقية في تلك الكتب بعض دلالاتها وإشاراتهاº لأن القوم كما قلت لا يعرفون دينا بل هم اليوم في أكثر أحوالهم لا دينيين، فليعرفوا هذا البعد في السيرة.
ولنأخذ بُعداً آخر وهو السيرة في الإنسانية والعظمة لنبرز المعاني الإنسانية التي أصبحت لدى القوم اليوم كأنما هي مثل عظيمة وقيم لا بد من حفظها، ليعرفوا من سيرة النبي - صلى الله عليه وسلم - المعنى الحقيقي للرحمة والتسامح، وليعرفوا الدور الإيجابي لرعاية وحماية حقوق الإنسان، وليعرفوا الضابط المنهجي لحرية التعبيرº لأن الرسول - صلى الله عليه وسلم - قدوة للبشرية كلها، وإن كان بالنسبة لنا مصدر تشريع فإنه مصدر نور وضياء لكل إنسان حتى وإن لم يكن مسلما، لأن عظمة شخصيته يقر بها كل أحد ويرى فيها أنموذجا متفرداً حتى إن بعض كتاب الغرب عندما أراد أن يكتب عن أعظم مائة رجل، كتب كتابه فجعل محمدا أعظم عظماء البشر، وهو لا يعرف حقيقة الإيمان به والإسلام الذي جاء به - عليه الصلاة والسلام -.
وثالث نكمل به هذه المسألة، وهي: السيرة تجربة خبرة
لنقول إن محمدا - صلى الله عليه وسلم - لم يقل هذه المسائل أقوالاً، لم يرسمها شعارات، لم يكتبها كقوانين بل طبقها كواقع في حياته فكرس دور المرأة وحقيقة شخصيتها، كما ينبغي أن يكون الأمر في مجتمع المسلمين بل ينبغي أن يكون لغير المسلمين كذلك، وأن يعرفوا كل هذه الجوانب من الناحية التطبيقية العملية، يوم ننصر سيرة نبينا - صلى الله عليه وسلم - على هذا النحو في مجتمعاتنا المسلمة، وعلى هذا النحو التعريفي في مجتمعات غير المسلمين، فسيكون الحال خيراً من حالنا الذي نحن عليه، وتلك واجبات ومسائل مهمة في قضية النصرة.
نسأل الله - عز وجل - أن يوفقنا لها وأن يحققنا بها وأن يجعلنا من الداعين إليها والناصرين لها، والمستمرين الثابتين على العمل بها إنه - جل وعلا - ولي ذلك والقادر عليه.
أضف تعليق
هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها
تم الإرسال
ستتم إضافة التعليق بعد معاينته من قبل فريق عمل مداد