العناية بأمور المسلمين


 

بسم الله الرحمن الرحيم

الخطبة الأولى:

إن الحمد لله نحمده ونستعينه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وسلم تسليما كثيرا (يَا أَيٌّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِن نَفسٍ, وَاحِدَةٍ, وَخَلَقَ مِنهَا زَوجَهَا وَبَثَّ مِنهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيكُم رَقِيبًا) (يَا أَيٌّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَولًا سَدِيدًا (70) يُصلِح لَكُم أَعمَالَكُم وَيَغفِر لَكُم ذُنُوبَكُم وَمَن يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَد فَازَ فَوزًا عَظِيمًا)

أما بعد:

فإن خير الحديث كتاب الله وخير الهدي هدي محمد - صلى الله عليه وسلم - وشر الأمور محدثاتها وكل بدعة ضلالة عباد الله إن الله - سبحانه وتعالى - آخى بينكم بأخوة الإسلام وربط بعضكم ببعض بشهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله وبإقامة الصلاة وإيتاء الزكاة وجعلكم لهذا الدين إخوانا وأكد ذلك في الدنيا في أحكام الدنيا بقوله: (إنما المؤمنون إخوة) وفي أمور الآخرة بقوله: (ونزعنا ما في صدورهم من غل إخوانا على سرر متقابلين) وإن هذه الرابطة التي هي رابطة الدين لا يقطعها إلا ما يقطع الدين من الكفر والارتداد عن الإسلام والعياذ بالله، وإنها أقوى الروابط وأوثقها، فرابطة النسب منقطعة بالنفخ في الصور يوم القيامة (فإذا نفخ في الصور فلا أنساب بينهم يومئذ ولا يتساءلون) ورابطة الجوار منقطعة بالموت ورابطة المصالح منقطعة باختلافها ولذلك اختلفت في أول أسرة على وجه الأرض وهي أسرة آدم حين اختلف ولدان من أولاده في مصلحة فقتل أحدهما الآخر، وقد بين الله ذلك في كتابه إذ قال: (واتل عليهم نبأ ابني آدم بالحق إذ قربا قربانا فتقبل من أحدهما ولم يتقبل من الآخر قال لأقتلنك قال إنما يتقبل الله من المتقين) إن كل الروابط التي يرتبط بها الناس دون رابطة الدين منقطعة، وإن رابطة الدين منبثقة من أصل الإيمان ولذلك تستمر مع الإنسان في هذه الحياة وفي البرزخ وفي الموت، ثم بعد ذلك يوم القيامة مستمرة متصلة، وإن هذه الرابطة التي هي أقوى الروابط لا بد أن تكون في اهتمام الإنسان سابقة على غيرها من الروابط كلها، ولا بد أن ينبثق عن ذلك عمل وخدمة يقدمها الإنسان، فكل قناعة لا يصحبها عمل فهي باطلة، فمن اقتنع بأنه أخ للمسلمين فلا بد أن يهتم بالشأن العام للمسلمين، فعدم المبالاة بالشأن العام داء عضال، ومرض من أمراض الأمة التي لا بد من علاجها فلا بد أن ننتبه إلى أننا أمة واحدة وأن ديننا واحد وأن ربنا واحد وأن قبلتنا واحدة وأن رسولنا واحد وأن القرآن المنزل للعمل في هذه الأمة واحد، فقانوننا واحد وهو كتاب ربنا - جل وعلا - فلذلك لا بد أن ننتبه لعوامل توحيدنا وأن نقدمها على كلما سواها من عوامل التفرقة، وأن يهتم كل فرد منا بالشأن العام للمسلمين، فإن أدنى ذلك من شعب الإيمان كما صح عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: \"الإيمان بضع وستون شعبة فأعلاها قول لا إله إلا الله وأدناها إماطة الأذى عن الطريق\" فإماطة الأذى عن الطريق هي من الاهتمام بالشأن العام للمسلمين، فلا بد أن يكون كل إنسان يعلم أن إيمانه يقتضي منه الاهتمام بالشأن العام للمسلمين وقد ورد عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: \"من لم يهتم بأمر المسلمين فليس منهم\" وقد ذكر الصاغاني رواية أخرى لهذا الحديث وهي متابعة له و لفظها \"من لم يهتم بأمور المسلمين فليس منهم\" فلذلك لا بد من العناية بأمور المسلمين كلها، وأن يهتم الإنسان بقاصيهم وداينهم، فمن المؤسف أن يتغلغل أعداء المسلمين فيهم حتى يقطعوا هذه الأمة إربا إربا وحتى ينفصل بعضها عن الاهتمام بشأن بعض، فإن كثيرا من المسلمين اليوم إذا جالسته لا تسمع في حديثه اهتماما بالشأن العام للمسلمين، ولا تجد في تصرفاته وأفعاله عناية كذلك بهذا الشأن العام، فلا هو يهتم بآمالهم ولا يتألم لآلامهم ولا يذكر ما هم فيه من المشكلات والأزمات، وقد كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يتأثر عندما يبلغه ضرر يصل إلى مسلم، حتى إنه - صلى الله عليه وسلم - لما جاءت الدافة إلى المدينة جعل يدخل ويخرج وقد احمرت وجنتاه وغررت عيناه ثم صعد المنبر فقال: \"تصدق امرؤ من درهمه من ديناره من صاع بره من صاع تمره\" حتى جمع لأولئك الدافة مالا عظيما فقسمه بينهم، فكان - صلى الله عليه وسلم - يهتم بأمر الضعفة والمستضعفين من المسلمين، وعندما حدث المسلمين بما حصل لإخوانهم في تبوك قال: إني فئتهم فلو مالوا إلي لكنت فئتهم، وكذلك فإنه - صلى الله عليه وسلم - عندما بلغه أن بني جذيمة لما أرادوا الدخول في الإسلام لم يحسنوا أن يقولوا أسلمنا فقالوا صبأنا فحكم خالد فيهم السيف، قال اللهم إني أبرأ إليك مما عمل خالد، وقال لأدينهم أي لأدفعن دياتهم فعد القتلى منهم فدفع دياتهم إلى ذويهم، وكذلك فإنه - صلى الله عليه وسلم - دفع دية رجلين قتلهما المغيرة بن شعبة في أول إسلامه لم يعلم أنهما قد أسلما أو قد عاهدا فكل ذلك من رحمته بأمر المسلمين قاصيهم ودانيهم ومن عنايته بشؤونهم كلها، وقد وصل به - صلى الله عليه وسلم - ذلك إلى أن قنت شهرا بالدعاء لثلاثة من المستضعفين من المسلمين بمكة وهم الوليد بن الوليد وعياش بن ربيعة وسلمة بن هشام فكان النبي - صلى الله عليه وسلم - يدعو جهرا في الصلاة \"اللهم أنج الوليد بن الوليد وسلمة بن هشام وعياش بن أبي ربيعة، اللهم أنج المستضعفين من المسلمين، وكان - صلى الله عليه وسلم - يهتم بأمور الفقراء من أهل المدينة وكان يخدمهم بيده بأبي هو وأمي - صلى الله عليه وسلم - وعندما جاء سلمان فأخبر أن أهله كاتبوه على غرس نخل وعلى ذهب يدفعه إليهم خاطب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - المسلمين في شأنه وقال: إن أخاكم قد كاتب يهود على مال وعلى غرس، فقام المسلمون يتبادرون حتى دفعوا ذلك كله عن سلمان وبقي منه وزن نواة أو نواتين من الذهب فأعطاه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - سلمان وأمره أن يتجر وشارك معه بيده في غرس النخل فغرس رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عددا من النخل الذي ألزم أهل سلمان وأولياؤه سلمان بغرسه، وشارك المسلمون في ذلك جميعا وكذلك فإنه - صلى الله عليه وسلم - كان من عنايته بضعفة المسلمين وعنايته بما يصل إليهم أنه رأى امرأة في السبي في يوم من الأيام تبحث عن ولدها وهي تجري بين السبي فلما نظر إليها بكى وقال: ما ظنكم بهذه أتظنون أنها ستلقي ولدها في النار، فقالوا لا، فقال: \"لا الله أشد رحمة بعبده المؤمن من هذه بولدها\" وكذلك فإنه - صلى الله عليه وسلم - رأى رجلا معه ولد له وهو يحبه حبا شديدا فكان لا يدخل مجلس رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلا أتى بهذا الولد معه فرحمه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - خشية أن يموت الولد فيحزن عليه، فقال: أتحبه فقال: أحبك الله مثلما أحبه فقال: أما إنه قد يموت ويتركك أو تموت و ترككه فكان ذلك عزية للرجل فمات ولده ولم يحزن عليه وكان - صلى الله عليه وسلم - إذا سمع بمريض من أهل المدينة عاده وإذا سمع بجنازة تبعها، وكانت امرأة سوداء أو غلام تقم المسجد فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في مرضها إذا ماتت فآذنوني فماتت من الليل فلم يوقظوه فسـأل عن قبرها فجاء فصلى عليها، وذكر أنها في الجنة إنه - صلى الله عليه وسلم - بهذا يسن لنا سنة عظيمة وهي الاهتمام بشأن المسلمين والعناية بأمرهم، فلا معنى لهذه الأخوة إذا كان كل إنسان منا يهتم بمصالحه الخاصة وأموره وكان منقطعا عن شأن إخوانه في مشارق الأرض ومغاربها ولا يبالي بما يلقون، فذلك كله مخالف لمقتضى هذا الدين، ورضي الله عن معاوية بن أبي سفيان فإنه عندما بلغه أن ابنه يزيد قد قال أبياتا من الشعر شماتة بغزو خرج من المسلمين أخذته الحمى والموم فغضب معاوية لذلك غضبا شديدا وأمر بإلحاق يزيد بهم حتى يصيبه ما أصابهم وهو ولده الوحيد الذي ليس له ذكر من الأولاد سواه، وكان ذالك عناية بأمر المسلمين واهتماما بهم ورضي الله عن عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - كان يقول: والله إني لأخاف أن تعثر البغلة الشهباء في سواد العراق في الليلة الظلماء فيسائلني ربي عنها لم لم أعبد لها الطريق، وقال قبل موته بأربعة أيام: لئن بقيت لأعملن رأيا للمسلمين لا تحتاج بعدي أرملة فيه إلى رجل، وتوفاه الله قبل أن يعمل ذلك العمل الذي كان يريده، كان يريد أن يجري جراية عامة على أيامى المسلمين ونسائهم، لا تحتاج بعده امرأة إلى قيام رجل عليها، لكن الله اختاره للرفيق الأعلى ونقله إلى الجنة وذلك امتحانا من الله - تعالى - للمؤمنين ليقوموا بهذه المهمات والله - تعالى - غني عن عباده وعما يقدمونه، وقد جعل بعض عباده فقراء وعيالا على بعض وامتحن من أغناهم ومن قواهم بأولئك ليهتموا بشؤونهم وليعينوهم ما استطاعوا، فإن هم لم يفعلوا فقد رسبوا في الامتحان وسيبتليهم الله بما ابتلاهم به ويسلط عليهم ما سلط على أولئك، فالأمر كله بيده لا مقلب لما أراد، لا معقب لحكمه، يفعل ما يشاء ويختار ما كان لهم الخيرة، لا يسأل عما يفعل وهم يسألون، وإن إخوانكم المسلمين في هذه الأيام وغيرها يشكون كثيرا من المصاعب والمصائب، فهم في فلسطين وفي الشيشان وفي كشمير وفي غيرها يتعرضون لأذى أعداء الله - سبحانه وتعالى - و تقتيلهم وإبادتهم، وإن الاهتمام بشأنهم والتطلع إلى أخبارهم والدعاء لهم كل ذلك من الواجبات على المسلمين وهو فرض عين يستطيعه كل أحد، فيجب على كل مسلم أن يدعو للمسلمين وأن يهتم بشؤونهم حتى يكون منهم، ومن لم يفعل ذلك ولم يهتم به فسيصيبه ما أصابهم وحينئذ لا يجد من يبكي عليه ولا يهتم بشأنه بل سيجد نفسه منقطعا حين قطع نفسه، ولذلك فإن المنافقين حين لم يهتموا بالخروج مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في الغزو لامهم الله على ذلك أشد لوم وأنزل فيهم أقبح ما قال في أحد كما قال كعب بن مالك - رضي الله عنه - قال لقد قال الله - تعالى -فيهم أقبح ما هجا به أحدا من خلقه فلذلك قال فيهم لرسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (فإن رجعك الله إلى طائفة منهم فاستأذنوك للخروج فقل لن تخرجوا معي أبدا ولن تقاتلوا معي عدوا إنكم رضيتم بالقعود أول مرة فاقعدوا مع الخالفين ولا تصل على أحد منهم مات أبدا ولا تقم على قبره) فلذلك لا بد إخواني أن نهتم جميعا بأمر المسلمين وأن نعتني بهم وان نعلم أن رابطة الدين تربطنا بهم وأن ديننا لا يمكن أن يتم إلا بالعناية بشؤون إخواننا المسلمين المستضعفين وأن نهتم بعيادة المرضى وأن نهتم بالدعاء للمستضعفين من المسلمين وأن نهتم بإعلاء كلمة الله في هذه الأمة والدفاع عن حوزتها فأين روح التضحية و البذل التي كانت سائدة في هذه الأمة، إن أسلافكم وأجدادكم كانوا يحرصون قبل الممات على المرابطة في الثغور والدفاع عن حوزة هذا الدين وحماية بيضته، وكانوا إذا أتيحت لهم فرصة ذلك رأوها فرصة نادرة فيخافون أن تفوت فيبادرون إليها كما حصل لأبي طلحة الأنصاري - رضي الله عنه -، فقد كان يوما يقرأ في مصحفه وهو صائم بالمدينة، فقرأ في سورة التوبة قول الله - تعالى -: (يا أيها الذين آمنوا ما لكم إذا قيل لكم انفروا في سبيل الله اثاقلتم إلى الأرض أرضيتم بالحياة الدنيا من الآخرة فما متاع الحياة الدنيا في الآخرة إلا قليل إلا تنفروا يعذبكم عذابا أليما ويستبدل قوما غيركم ولا تضروه شيئا والله على كل شيء قدير إلا تنصروه فقد نصره الله إذا أخرجه الذين كفروا ثاني اثنين إذ هما في الغار إذ يقول لصاحبه لا تحزن إن الله معنا فأنزل الله سكينته عليه وأيده بجنود لم تروها وجعل كلمة الذين كفروا السفلى وكلمة الله هي العليا والله عزيز حكيم انفروا خفافا وثقالا) فضم المصحف و قال: أي بني جهزوني جهزوني، فقالوا ألم تجاهد مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال: إن أبركم بي أسرعكم جهازا لي، فخرج حتى لقي الله - سبحانه وتعالى - في غزوه لم يرجع بعد ذلك إلى المدينة، إن علينا عباد الله أن نقرأ سير أسلافنا وأن نطبق ما كانوا يفعلونه إذا أحببنا مجاورتهم في الجنة ولقاءهم عند ما تدعا كل أمة بإمامها إنكم جميعا لا ترضون بما دون مجاورة النبي - صلى الله عليه وسلم - في الفردوس الأعلى من الجنة، وإنكم تعلمون أن ذلك لا يتحقق بالأماني والظنون وإنما يتحقق بالعمل المنبثق عن القناعة والعقيدة، فلا بد أن تبادروا إخواني بالأعمال الصالحة قبل فوات الأوان وأن تؤكدوا هذه الرابطة فيما بينكم وأن تعلموا أن المرء ضعيف بنفسه قوي بإخوانه وأنه لا يستطيع القيام بأمر ما إلا بمشاركة غيره من المؤمنين ولا يمكن أن يهتم المسلمون بشأنه ما لم يهتم هو بالشأن العام لهم، كل ذلك من المسلمات والقناعات التي تعرفونها جميعا فلا بد أن تكون أعمالكم مطابقة لقناعتكم وعلينا جميعا أن نتهم أنفسنا بالنفاق فإن كل من اختلفت قناعته عن عمله فقد تلبس بشعبة من شعب النفاق إن أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كانوا يخافون النفاق على أنفسهم خوفا شديدا فكان عمر - رضي الله عنه - يقول لحذيفة - رضي الله عنه - أنشدك بالله الذي لا إله إلا هو هل سماني لك رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من المنافقين، وقد أخرج البخاري في الصحيح عن ابن أبي مليكة - رحمه الله - قال: أدركت ثلاثين من أصحاب محمد - صلى الله عليه وسلم - ما منهم أحد يقول إيماني على إيمان جبريل وميكائيل وما منهم أحد إلا وهو يخشى النفاق على نفسه، ولذلك قال ابن عون: ما خافه إلا مؤمن وما أمنه إلا منافق، فلا بد أن نحذر جميعا من هذا النفاق، وأن نقرأ صفات المنافقين في كتاب الله وأن نعود أنفسنا على التخلي عن هذه الصفات وأن نعلم أن القرآن خطاب لنا، فكثير منا يسمع القرآن ويقرأه ولكنه يظن أنه قد أنزل على غيره وأنه خطاب لغيره فلا ينتفع بشيء مما يسمع فيه من أوامر الله ونواهيه ونداءاته وعبره والله - تعالى - يخاطبنا به، وقد بين أنه ما أنزله إلا ليتدبر ويعتبر به، فقال - تعالى -: (كتاب أنزلناه إليك مبارك ليدبروا آياته وليتذكر أولوا الألباب) وقال - تعالى -: (أفلا يتدبرون القرآن أم على قلوب أقفالها).

بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم وتاب علي وعليكم إنه هو التواب الرحيم.

 

الخطبة الثانية:

الحمد لله على إحسانه والشكر له على تفضله وامتنانه وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له تعظيما لشانه وأشهد أن محمدا عبده ورسوله الداعي إلى رضوانه صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وأزواجه وذريته وإخوانه.

عباد الله إن لعدم العناية بالشأن العام للمسلمين مظاهر كثيرة ترونها في الشارع وفي البيوت وفي الأسواق وفي أماكن العمل، فإن كثيرا من المسلمين لا يفشون السلام وهو من مظاهر الإسلام، وقد صح عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه جاءه رجل فقال يا رسول الله أي الإسلام خير قال: \"تطعم الطعام وتقرأ السلام على من عرفت ومن لم تعرف\" وصح عنه - صلى الله عليه وسلم - أنه قال في أول مقدمه إلى المدينة: \"أيها الناس أطعموا الطعام وأفشو السلام وصلوا الأرحام وصلوا بالليل والناس نيام تردوا الجنة بسلام\" وإن إفشاء السلام من السنن المهجورة التي هجرها كثير من الناس، بل إنه في المقابل نجد كثيرا من الناس إذا سلم عليهم لا يردون السلام من عدم عنايتهم بالأمر العام للمسلمين، وهذا معصية عظيمة فقد أوجب الله - تعالى -رد السلام في كتابه فقال: (وإذا حييتم بتحية فحيوا بأحسن منها أو ردوها) وإن من مظاهر ذلك أن يعتني الإنسان بالشأن العام لأقاربه فقط، ولا نجد لديه الحرقة و العناية بالشأن العام للمسلمين، فيغار مثلا إذا سجن رجل من قبيلته أو أوذي ولا يغار إذا سجن مسلم آخر ليس بينه وبينه رابطة قريبة أو قتل أو أوذي بأي أذى في سبيل الله، وانتم تعلمون أن الأخوة الباقية هي أخوة الدين وحدها وأن ما سواها من الأخوات كله منقطع فلماذا لا نعتني بإخواننا المسلمين في مشارق الأرض ومغاربها وحتى من حولنا منهم و منهم من أبناء جلدتنا ومن أهل وطننا، لماذا لا نعتني بهم كما نعتني بأقاربنا؟ إن قرابة الإيمان أولى من كل القرابات بالصلة، فأنتم تعلمون أن ذوي الرحم إذا كان رحمهم غير كاشح وكان ذا منة على الإنسان فسيحب أولاده فخالك أو عمك الذي أحسن إليك وكان يحبك حبا شديدا لا شك أنك ستحب ذريته من بعده وذلك بسبب علاقتك بذلك الشخص الذي يدلون به، وإن أهل الإسلام يدلون بشهادة أن لا إله إلا الله و أن محمد رسول الله، فهل ثم إدلاء أعظم من هذا الإدلاء، هل توجد علاقة أقوى من هذه العلاقة؟.

إن علينا عباد الله أن نهتم بإخواننا جميعا وأن نهتم بالشأن العام للمسلمين وبمصالحهم العامة وأن نعلم أن النبي- صلى الله عليه وسلم - ذكر أن من المسلمين من هم مفاتيح للخير مغاليق للشر وفي المقابل من الناس أيضا مغاليق للخير مفاتيح للشر فلنحرص أن نكون من مفاتيح الخير للمسلمين جميعا وأن نكون من مغاليق الشر عنهم جميعا، ولنحذر غاية الحذر أن نكون من مفاتيح الشر مغاليق الخير، فأولئك الذين لا خير فيهم ولا يباليهم الله بالة خلقهم من أجل الأذى وامتحنهم به وجعلهم كسائر الأدواء والأمراض نسأل الله السلامة والعافية، إن علينا عباد الله وفي هذا الوقت بالخصوص أن نعلم أن النبي - صلى الله عليه وسلم - لو كان حيا اليوم لاهتم بأمر هذه الأمة ولجمعها على الحق ولسعى لإعلاء كلمة الله ونصرة دينه ولا اعتنى برفع الظلم عن المظلومين فعلينا أن نبادر إلى الائتساء بالنبي - صلى الله عليه وسلم - فقد قال الله - تعالى -: (لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة) إن الإتساء به هو أن نعمل ما نتوقع أن يعمله لو كان حيا بين أظهرنا، فأنتم تعلمون أنه لو كان حيا بين أظهركم اليوم لا يمكن أن يغلق عليه غرفته ويأخذ سبحته لـأن ذلك لا يغير من واقع الأمة شيئا ولا يمكن أن ينغمس مع الناس فيما هم فيه من الفساد فهو معصوم لا بد أن يقول من أنصاري إلى الله كما قال الأنبياء من قبله، ولا بد حينئذ أن يغير حال الأمة كما فعل في بداية دعوته، فيجب عليكم جميعا أن تبادروا لما تقتنعون أن النبي - صلى الله عليه وسلم - لو كان حيا لفعله، إنني أعلم أنكم جميعا تحبون الله ورسوله حبا شديدا، وأنكم تحبون الإقتداء بالنبي - صلى الله عليه وسلم - ولكن ما الذي يحول بينكم وبين الإئتساء به؟ فليتوقع كل إنسان منكم أن النبي - صلى الله عليه وسلم - خرج اليوم في هذا البلد الذي هو فيه ولينظر ما هو عامل فليبادر إليه ولا يؤخر ذلك فإن التسويف من طول الأمل وإن الأمل عدو الإنسان، فعليكم جميعا أن تبادروا لذلك وأن تتذكروا قول النبي - صلى الله عليه وسلم - \"بادروا بالأعمال سبتا فهل تنتظرون إلا غنى مطغيا أو فقرا منسيا أو هرما مفندا أو موتا مجهزا أو الدجال فالدجال شر غائب ينتظر أو الساعة فالساعة أدهى وأمر\"، واعلموا رحمني الله وإياكم أن الله أمركم بأمر بدأ فيه بنفسه وثنى فيه بملائكته وثلث بكم معاشر المؤمنين فقال جل من قائل كريما: (إن الله وملائكته يصلون على النبي يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليما). وقد صح عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه أمر بالإكثار من الصلاة عليه في هذا اليوم وذكر أنها معروضة عليه، وقال من صلى علي مرة صلى الله عليه بها عشرا.

اللهم صل وسلم وزد وبارك على محمد عبدك ونبيك ورسولك النبي الأمي وعلى آله وصحبه وسلم تسليما.

اللهم أعز الإسلام والمسلمين وأذل الشرك والمشركين وأوهن كيد الكافرين وانصرنا عليهم أجمعين، اللهم أظهر دينك وكتابك على الدين كله ولو كره المشركون، اللهم ارفع الظلم عن المظلومين، اللهم فرج هم المهمومين ونفس كرب المكروبين واقض الدين عن المدينين وفك أسرى المأسورين من المسلمين يا أرحم الراحمين، اللهم فك أسر المأسورين من المسلمين يا أرحم الراحمين اللهم نفس همهم وفرج كربهم وعجل فرَجَهم يا أرحم الراحمين، اللهم كن للمستضعفين من المسلمين في مشارق الأرض ومغاربها لا راحم لهم إلا أنت وأنت أرحم الراحمين، اللهم أنزل رحمة من رحمتك على هذه الأمة واخلف نبيك محمدا - صلى الله عليه وسلم - في أمته بخير، اللهم أبرم لهذه الأمة أمر رشد يعز فيه أهل طاعتك ويذل فيه أهل معصيتك ويؤمر فيه بالمعروف وينهى فيه عن المنكر وتقام فيه حدودك يا أرحم الراحمين، اللهم آمنا في دورنا وأصلح أئمتنا وولاة أمورنا واجعل ولايتنا فيمن خافك واتقاك واتبع رضاك وأقام منهجك ولم تأخذه فيك لومة لائم واجعل المال في أيدي أسخيائنا اللهم اجعل هذا البلد آمنا مطمئنا رخاء سخاء سعة وسائر بلاد المسلمين يا أرحم الراحمين، اللهم من أراد الإسلام والمسلمين بسوء فاشغله بنفسه واجعل تدبيره تدميره واجعل دائرة السوء عليه وأنزل به المثلات وأنزل به بأسك الذي لا يرد عن القوم المجرمين وأرنا فيه عجائب قدرتك وأدخله في ردغة الخبال وسل عليه سيف الذل والوبال، اللهم عليك باليهود الغاصبين اللهم أخرجهم من بلاد الإسلام صاغرين يا ذا القوة المتين.

عباد الله (إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي يعظكم لعلكم تذكرون) فاذكروا الله العظيم الجليل يذكركم واشكروه على نعمه شكرا حقيقيا يزدكم، ولذكر الله أكبر والله يعلم ما تصنعون يغفر الله لنا و لكم يغفر الله لنا و لكم.

 

 

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply