بسم الله الرحمن الرحيم
الخطبة الأولى
أما بعد: فيقول رسولنا الأكرم: ((إذا التقى المسلمان بسيفيهما فالقاتل والمقتول في النار))، قيل: هذا القاتل، فما بال المقتول؟! قال: ((إنه كان حريصا على قتل صاحبه)).
أيها المسلمون، أيها المؤمنون، لقد حرص ديننا الإسلامي العظيم على حفظ الدماء وحرمتها وعدم إزهاق الأرواح، وعدّ الاقتتال الداخلي أشد من القتل وأكثر خطرا وأنها فتنة، فيقول - سبحانه وتعالى - في سورة البقرة: \" وَالفِتنَةُ أَشَدٌّ مِن القَتلِ \" [البقرة: 191]، ويقول - عز وجل - في السورة نفسها: \" وَالفِتنَةُ أَكبَرُ مِن القَتلِ \" [البقرة: 217]º وذلك لما في الاقتتال الداخلي من آثار سلبية وسيئة جدًا، ألا يدري أولئك المتقاتلون الذين يستعملون السلاح لغة التفاهم فيما بينهم، ألا يدرون أنهم يرتكبون آثاما متعددة؟! إنهم يشيعون الفوضى في المجتمع، وإنهم يدبون الذعر فيما بين النساء والأطفال، وإنهم يثيرون الثارات بين الناس، بالإضافة إلى ما يترتب على الاقتتال من ترمل للنساء وتيتم للأطفال.
أيها المسلمون، أيها المؤمنون، ألا يدري القاتل الإثم الذي يلحقه نتيجة ارتكابه هذه الجريمة الكبرى؟! فالله - عز وجل - في سورة النساء: وَمَن يَقتُل مُؤمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا [النساء: 93]، ويقول - سبحانه وتعالى - في سورة المائدة: مَن قَتَلَ نَفسًا بِغَيرِ نَفسٍ, أَو فَسَادٍ, فِي الأَرضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا وَمَن أَحيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحيَا النَّاسَ جَمِيعًا [المائدة: 32]، ويقول رب العالمين في سورة الأنعام: وَلا تَقتُلُوا النَّفسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلاَّ بِالحَقِّ ذَلِكُم وَصَّاكُم بِهِ لَعَلَّكُم تَعقِلُونَ [الأنعام: 151]. هذه الآيات وغيرها من الآيات الكريمة تحذر من القتل العمد، وذلك لحفظ الدماء وعدم إزهاق الأرواح. ويقول رسولنا الأكرم: ((اجتنبوا السبع الموبقات))، قيل: يا رسول الله، ما هن؟ قال: ((الشرك بالله، والسحر، وقتل النفس التي حرم الله إلا بالحق، وأكل الربا، وأكل مال اليتيم، والتولي يوم الزحف، وقذف المحصنات المؤمنات الغافلات))، ومعنى الموبقات: المهلكات.
أيها المسلمون، أيها المؤمنون، هنا سؤال يطرح نفسه: هل للقاتل العمد توبة؟ والجواب: يصف - عليه الصلاة والسلام - حال القاتل والمقتول بقوله: ((يجيء المقتول بالقاتل يوم القيامة رأسه بإحدى يديه متلبّبا قاتله بيده الأخرى، تشخب أوداجه دمًا، فيقول: يا رب، سل هذا فيم قتلني؟ فيقول الله - تعالى -للقاتل: تعست، ويذهب به إلى النار))، ومعنى متلببا: ممسكا بعنقه. هذا وقد سئل الصحابي الجليل عبد الله بن عباس - رضي الله عنهما - عن المصير الأخروي للقاتل العمد، هل له توبة؟ فتلا قوله - تعالى -: وَمَن يَقتُل مُؤمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا [النساء: 93]، ثم قال عبد الله بن عباس: (ما نسخت هذه الآية ولا بدّلت، وأنى للقاتل توبة؟!) أي: ليس للقاتل العمد توبة.
أيها المسلمون، أيها المؤمنون، وسؤال آخر يتبع السؤال الذي قبله: متى تقبل توبة القاتل العمد؟ والجواب: تقبل توبته في إحدى حالتين، الحالة الأولى: إذا أقيم على القاتل العمد حد القصاص، وَلَكُم فِي القِصَاصِ حَيَاةٌ يَا أُولِي الأَلبَابِ [البقرة: 179]، وذلك اعتبارا أن العقوبات في الإسلام زواجر وجوابر، أما الحالة الثانية: فحين تتمّ مراسم الصلح ويعفو أهل القتيل عن القاتل، أما إذا لم تتحقق إحدى هاتين الحالتين فلا توبة للقاتل العمد.
أيها المسلمون، يا أبناء أرض الإسراء والمعراج، افتتح أمس الخميس 25/5/2006م مؤتمر الحوار الوطني في كلٍّ, من رام الله وغزةº من أجل الوصول إلى قواسم مشتركة بين مختلف الفصائل والأحزاب، وأرى أن القواسم المشتركة كثيرة وكثيرة، ويكفي أن فلسطين المقدسة تجمعنا، ويكفي أن الأقصى المبارك قبلتنا الأولى، ويكفي أن عقيدة المسلمين توحدنا، وأن المؤتمر ينطلق من قوله - سبحانه وتعالى - في سورة الحجرات: وَإِن طَائِفَتَانِ مِن المُؤمِنِينَ اقتَتَلُوا فَأَصلِحُوا بَينَهُمَا فَإِن بَغَت إِحدَاهُمَا عَلَى الأُخرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمرِ اللَّهِ فَإِن فَاءَت فَأَصلِحُوا بَينَهُمَا بِالعَدلِ وَأَقسِطُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبٌّ المُقسِطِينَ إِنَّمَا المُؤمِنُونَ إِخوَةٌ فَأَصلِحُوا بَينَ أَخَوَيكُم وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُم تُرحَمُونَ [الحجرات: 9، 10]. وحسبنا في نجاح هذا المؤتمر أن الجميع قد فاء إلى أمر الله، وأملنا أن يخرج المؤتمر بقرارات وتوصيات عملية لجمع الشمل ولحقن الدماء ولوأد الفتنة.
أيها المسلمون، يا أبناء أرض الإسراء والمعراج، لنتساءل: على أي شيء يختلف المختلفون؟! وهل بقي لنا شيء يختلف عليه؟! هل نختلف على المستعمرات والمستوطنات السرطانية التي نهبت البلاد وشتت العباد؟! هل نختلف على الطرق الالتفافية التي حاصرت المدن والقرى والمخيمات؟! هل نختلف على الجدار العنصري الذي عزلنا عن بعضنا البعض؟! هل نختلف على الاجتياحات العسكرية الاحتلالية للمدن والقرى والمخيمات؟!
نوصيكم ـ أيها المتصارعون على الأوهام ـ أن تتّقوا الله في شعبكم، أن تتّقوا الله في بلادكم، واحذروا من الطابور الخامس ومن العملاء الذين يثيرون الفتن ويقومون بالاغتيالات حتى يتّهم بعضنا بعضا زورًا وبهتانا. إنّ لغة السلاح لن تكون لغة تفاهم وتحاور فيما بيننا. ولتتَّعظوا بما حلّ بالمسلمين سابقا من الخلافات الدموية، اتّعظوا بما حصل في معركة الجمَل سنة ست وثلاثين للهجرة، وما حصل أيضا في معركة صِفِّين سنة سبع وثلاثين للهجرة، ولا نزال نعاني من النتائج السلبية لهاتين المعركتين.
أيّها المجتمعون في المؤتمر الوطني في رام الله وغزّة، كونوا على قدر المسؤولية، ضَعوا المصلحة العامة فوق الاعتبارات الفصائلية والحزبية والشخصية، وإننا لمنتظرون. وفّقكم الله لما فيه خير البلاد والعباد.
جاء في الحديث الشريف: ((لزوال الدنيا أهون على الله من قتل رجل مسلم)).
الخطبة الثانية:
أيها المصلون، أيها المرابطون في بيت المقدس وأكناف بيت المقدس، أتناول في هذه الخطبة موضوعًا واحدًا للردّ على شخص إسرائيلي يعدّ نفسه بأنه باحث، وأنه موضوعي، وأنه يعتمد على مصادر إسلامية موثوقة حسب زعمه، ولكن المشكلة في هؤلاء الباحثين أنهم لا يتقنون اللغة العربية، وأنهم غير ملمين بالموضوعات الإسلامية التي يقحمون أنفسهم فيها، وهم ليسوا أصحاب اختصاص، إنهم يعبثون لا يبحثون في الموضوعات الإسلامية، بالإضافة إلى الأفكار العدوانية ضد الإسلام. وإن الصحف العبرية قد عرضت بحث هذا الإسرائيلي خلال هذا الأسبوع، ولم تنشر ردنا عليه بشكل واضح، وأتناول في هذه العجالة بعض النقاط بإيجاز، وسننشر ردنا بشكل مستفيض من خلال الصحافة المحلية إن شاء الله.
أولا: يزعم هذا العابث بأن القرآن الكريم قد أقرّ بأن أراضي إسرائيل هي للشعب اليهودي، ونجيب على هذا الادعاء بما ورد في سورة المائدة من الآية الواحدة والعشرين وحتى الآية السادسة والعشرين، فيقول الله - عز وجل - على لسان موسى - عليه السلام -: يَا قَومِ ادخُلُوا الأَرضَ المُقَدَّسَةَ الَّتِي كَتَبَ اللَّهُ لَكُم وَلا تَرتَدٌّوا عَلَى أَدبَارِكُم فَتَنقَلِبُوا خَاسِرِينَ، والأرض المقدّسة هي فلسطين، ومعنى كَتَبَ اللَّهُ لَكُم في القرآن تعني: أمر في مجال التكليف، فالعابث الإسرائيلي لا يفهم اللغة العربية، ثم إن سياق الآيات الكريمات في سورة المائدة تشير إلى أن بني إسرائيل قد رفضوا دخول فلسطين، أي: تمردوا على أمر الله - عز وجل -، فكانت النتيجة أن الله - سبحانه وتعالى - قد حرمها عليهم بقوله: قَالَ فَإِنَّهَا مُحَرَّمَةٌ عَلَيهِم أَربَعِينَ سَنَةً يَتِيهُونَ فِي الأَرضِ فَلا تَأسَ عَلَى القَومِ الفَاسِقِينَ. فأرض الميعاد قد انتهى موضوعها بأن حرّم الله - عز وجل - فلسطين على بني إسرائيل، فلم يعد لهم حقّ فيها منذ أيّام موسى - عليه السلام -.
ثانيا: يزعم العابث الإسرائيلي بأن النبي محمدا لم يعرج به من المسجد الأقصى المبارك، لعدَم وجود دليل على ذلك، والجواب: إن معجزة الإسراء والمعراج قد ثبَتت في سورتين من القرآن: سورة الإسراء وسورة النجم، بالإضافة إلى الأحاديث النبوية الشريفة الصحيحة والمتواترة، فمنذ عهد الرسول وحتى يومنا هذا وكتب السّيرة النبوية تشرح معجِزة الإسراء والمعراج وتحتفي بها، وهي تمثل جزءا من إيماننا وعقِيدتنا، وإن الهدف من التشكيك هو إضعاف صلتنا وعلاقتنا بهذا المسجد المبارك. ونعلنها من المسجد الأقصى المبارك بأن هذا المسجد هو للمسلمين وحدَهم، وأنه مرتبط بعقيدة وإيمانِ المسلمين في أرجاء المعمورة منذ أن حصلت معجزة الإسراء والمعراج حتى يومنا هذا، وحتى قيام الساعة، ولن نتخلى عن هذا المسجد، وعلينا جميعا أن نحرص عليه وأن نحميه من أطماع الطامِعين وتآمر المتآمرين، ولا نقرّ ولا نعترف بأيّ حقّ لليهود في هذا المسجد، هذا هو الأقصى الذي جثت أمامه عظمة الأجيال، وعنت على مآذنه، وسيبقى عامرا بمشيئة الله وإرادته، وَاللَّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمرِهِ وَلَكِنَّ أَكثَرَ النَّاسِ لا يَعلَمُونَ [يوسف: 21].
أضف تعليق
هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها
تم الإرسال
ستتم إضافة التعليق بعد معاينته من قبل فريق عمل مداد