بسم الله الرحمن الرحيم
إنَّ الحمدَ لِله نحمدهُ ونستعينهُ، ونستغفرهُ، ونعوذُ باللهِ من شرورِ أنفسنا، ومن سيِّئاتِ أعمالِنا، من يَهدهِ اللهُ فلا مُضلَ لـهُ، ومن يُضلل فلا هاديَ لـه. وأشهدُ أنَّ لا إله إلا الله وحدهُ لا شريكَ لـه، وأشهدُ أنَّ محمداً عبدهُ ورسوله. ((يَا أَيٌّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَـمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنتُم مُسلِمُونَ)) (آل عمران: 102). ((يَا أَيٌّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِن نَفسٍ, وَاحِدَةٍ, وَخَلَقَ مِنهَا زَوجَهَا وَبَثَّ مِنهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيكُم رَقِيباً)))النساء: 1). ((يَا أَيٌّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَولاً سَدِيداً * يُصلِح لَكُم أَعمَالَكُم وَيَغفِر لَكُم ذُنُوبَكُم وَمَن يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَد فَازَ فَوزاً عَظِيماً)) (الأحزاب: 70-71).
أما بعدُ: فإن أصدقَ الحديثِ كتابُ الله، وخيرَ الهدي هديُ محمدٍ, - صلى الله عليه وسلم - وشرَّ الأمورِ مـُحدثاتُها، وكلَّ محدثةٍ, بدعة، وكلَّ بدعةٍ, ضلالة، وكلَّ ضلالةٍ, في النار
أما بعد، أيها المسلمون: فإنَّ الدارسينَ للحُقبةِ المكيةِ من حياةِ رسولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - الدعوية، يلحظون بكلِّ وضوحٍ, ذلك الجُهدَ المتواصلِ، وتلكَ المحاولاتِ الجادةِ التي بذلها رسولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - من أجلِ بناءِ العقيدةِ في النفوسِ، وغرسِها في القلوبِ، باعتبارِها الأساسُ الأول الذي يقومُ عليه بناءُ الإسلامِ كلهِ، ولسائلٍ, أن يسألَ ما سِرٌّ ذلك الاهتمامِ المكثفِ، وتلك العنايةِ الفائقةِ بقضيةِ العقيدةِ من بين سائرِ القضايا؟ ولماذا يمضي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ثلاثَ عشرةَ سنةً من أجلها؟ والجواب، يعرفُه الذين يُدركون بأنَّه لا قيمةَ للإنسانِ في دنياهُ وأخرتهُ، ولاعبرةَ بقولهِ وفعلهِ حين تهتزُ العقيدةَ، أو يختلُ نظامُ التوحيدِ، فلا الصلاةُ ولا الصيام، ولا الحجُ ولا الجهادُ، ولا البرُ ولا الإحسانُ، ولا الصلةُ ولا العفةُ، لا شيءٌ من ذلك ينفعُ الإنسانُ يومَ القيامةِ حين ينتقضُ إيمانُهُ أن ينهارَ توحيدهُ، لذا ظلَّ رسولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يُجاهدُ ويُجاهد ويصلُ الليلَ بالنهار، من أجلِ تحقيقِ تلك الغاية. وبلوغِ ذلك الهدفِ بإصرارٍ, عجيب، واهتمامٍ, غير عادي، حتى تحقَقَ لـه ما أراد فضلاً من الله ونعمة، فقامت دولةُ التوحيدِ في المدينةِ، قامت كشجرةٍ, طيبةً أصلُها ثابتٌ وفرعُها في السماءِ، تؤتي أُكلَها كلَّ حينٍ, بإذنِ ربها. حتى إذا ما انتقلَ رسولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - إلى الرفيقِ الأعلى، إذا بأصحابه الذين ربَّاهم على عينهِ، ونَشَّأهم على هديهِ، إذا بهم يحملون الرايةَ من بعده، وينطلقونَ بالتوحيدِ إلى أصقاعِ الدنيا، يملئونَها نوراً وعدلاً كما مُلئت ظلماً وجوراً، وإذا برقعةِ التوحيدِ تنمو في مكانٍ,، وإذا بدولةِ الإسلام تمتدُ في كلِّ اتجاهٍ, تزلزلُ الأرضَ من تحتِ كلِّ الذين يُعبِّدون الناس لغيرِ الله، أو يستدرجونَهم إلى مز القَ خطرةً ودروبٍ, وعرةً، تُعرِّضُ توحيدَهم إلى الانهيارِ، وعقيدتَهم إلى الفسادِ والدمارِ، فشنَّ الإسلامُ حربَه الشاملةَ ضدِّ أولئك الطواغيتُ الراغبينَ في طمسِ معالمِ العقيدةِ، وخلخلةِ نظامِ التوحيدِ، وتدنيسِ الفطرة التي فطرَ اللهُ الناسَ عليها
وقد نالَ السحرةُ المشعوذون، نالوا نصيبَهم كاملاً غيرَ منقوص من حربِ الإبادةِ تلك، فقد استأصلت سيوفُ الإسلامِ الحادة شأفتهم أولئكَ المجرمين، ودمرت عروشَهم، وكشفَت عوارَهم وزَيفهم، وبددت أحلامَهم وأطماعَهم ولا أدلَّ على ذلك ممَّا وردَ في الأثرِ مرفوعاً وموقوفاً((حدٌّ الساحرِ ضربُه بالسيف)) [1].
ناهيك عمَّا كتبهُ الخليفةُ المسددُ عمر إلى عمالهِ في الأمصار، ((أن اقتلوا كلَّ ساحرٍ, وساحرة)) [2].
إذ لا مكانَ لتلكَ الخفافيش في دولةِ عُمر وما أدراك ما عمر.
أيها المسلمون: وحتى تبقى الأمةُ في حذرٍ, من كيدِ أولئكَ الشياطينِ، محاربةً لهم مطاردةً إياهم، عدَّ النبيُ - صلى الله عليه وسلم - السِّحرَ أحدَ الموبقاتِ السبعِ الكبرى، والجرائمِ المهلكاتِ العظمى، كما في حديثِ أبي هريرةَ المتفق عليه)[3] كما حرَّم - عليه الصلاة والسلام - الكهانةَ والشعوذةَ، ووصمَ بالكفرِ من أتى عرافاً فصدَّقهُ بما يقول، ولنا أن نتسألَ ما سرٌّ هذا الاهتمامِ بقضيةِ السحرةِ والمشعوذين، ما سرٌّ هذا الاهتمام بهؤلاءِ المرتزقةِ الدجاجلةٍ,، ما سرٌّ هذا الحزم؟ وما سرٌّ هذا العزمِ؟ ما سرٌّ مواجهتهم ومحاربتهم، إنَّه الحفاظُ على جنابِ التوحيدِ وسلامةُ المعتقدِ، وقطعُ دابرِ الشرِّ والفتنةِ، واستئصالُ شأفةِ الإجرامِ من خلالِ القضاءِ على رموزهُ
ويا لعظمةِ الإسلامِ وروعتهِ! فقد أفلحت تلكَ التدابيرُ الشرعيةُ الحازمةُ في وضعِ حدٍّ,ٍ, لأولئكَ المستهترين، حيث غابت شمسُ السحرةِ والمشعوذين، غابت شمسُهم وأفلَ نجمُهم، وامتلأت قلوبُهم هلعاً ورعباً، وارتعدت فرائصُهم جزعاً وقلقاً، وانزووا في جحورِهم كالفئران، تدورُ أعينُهم كالذي يُغشى عليه من الموت، ولكن يا لفرحةٍ, لم تتم! ويا لبهجةٍ, لم تكتمل! فإنَّه مع تقادمِ الزمان، وإقصاءِ الشريعة عن الحكمِ في كثيرٍ, من بلادِ المسلمين، حيث غابت أحكامُها الصارمةِ، وحدُودُها الرادعةِ، عادَ السحرةُ والدجاجلةُ من جديدٍ,، عادوا بوجوههِم القبيحةِ، وهيئاتِهم البغيضةِ، يمارسونَ دورَهم القذر في تدنيسِ العقائدِ، وتدميرِ الأخلاقِ وابتزازِ الضعفاءِ والجهلةِ في أموالِهم وأعراضِهم وعقائِدهم، فلا إلهَ إلا الله كم من الأموالِ اختلسوها؟ وكم من الأعراضِ هتكوها؟ وكم من العقائدِ دنَّسوها؟
أيها الأحبةُ في الله:
ولقد ازدهرَ سوقُ السحرةِ وراجت تجارتُهم بفضلِ انكبابِ الناسِ على أبوابِهم، وانطراحهِم بين أيديهم، ونزولِهم بحوائجهمِ بأولئك المجرمين من دونِ الله الذي يقول: ((وَلا تَدعُ مِن دُونِ اللَّهِ مَا لا يَنفَعُكَ وَلا يَضُرٌّكَ فَإِن فَعَلتَ فَإِنَّكَ إِذاً مِنَ الظَّالِمِينَ * وَإِن يَمسَسكَ اللَّهُ بِضُرٍّ, فَلا كَاشِفَ لَهُ إِلَّا هُوَ وَإِن يُرِدكَ بِخَيرٍ, فَلا رَادَّ لِفَضلِهِ)) (يونس: 106-107).
إنَّهم يكفرونَ بهذه النصوصِ الواضحاتِ ويلقونَ بها وراءَ ظُهورهم، ويضربونَ بها عرض الحائطِ بائعينَ لدينِهم بأبخسِ الأثمانِ، جرياً وراء الشفاء المزعوم، والعلاجِ المفتري لقد ازدهرَ سوقُ السحرةِ وراجت بضاعتُهم لغيابِ التربيةِ، وانحسارِ الوعيِ لدى الكثيرين، بحيثُ يتنازلونَ عن أهمِّ ما يملكون من عقيدةٍ, وإيمانٍ,، وخلق مقابلَ عقاقيرَ وأدويةٍ, مسمومةٍ,، تزيدُ البلاءَ بلاءً، والشقاءَ شقاءً، ولو فتشت أخي المسلمُ عن الأسبابِ والدوافع التي تدفعُ السذَّج والبسطاءِ، إلى الازدحامِ على عتباتِ أولئكَ الطواغيتِ خلافاً لما سبقَ ذكرُه، من طلبِ العلاجِ والدواءِ لوجدت أسباباً أكثرَ سخفاً، وأشدَّ قبحاً، فما رأيُك بمن يلجأُ إلى الساحرِ، بقصدِ الانتقامِ من أحدِ خصومهِ، لنزاعٍ, حصلَ بينهما فيدفع لـه الأموالَ الطائلةِ، وقبلَ ذلك يدفعُ إيمانَهُ وتوحيدَهُ، كي يَضع سِحراً يُكيدُ به لخصمهِ، وينغصُ عليه حياتَهُ ويشغلهُ بنفسهِ، وأسخفُ منه أن يلجأَ البعضُ إلى الساحرِ بدافعِ الحسدِ والغيرةِ، سيما في صفوفِ النساءِ الجاهلاتِ حيث تطلبُ إحداهنَّ من ذلكَ الفاجرِ أن يصنعَ سحراً يمنعُ فلاناً من الناسِ عن زوجتهِ ويربطهُ عنها، ويا لقبحِ الإنسانِ حين يخلو قلبُه من الإيمان، ويمتلكهُ الهوى والشيطانِ، وأسخفُ منها أن تلجأ بعضُ النساءِ إلى الساحرِ ليصنعَ سِحراً لزوجِها، أي واللهِ لزوجها يمنعهُ من الزواجِ عليها، ويعطفُ قلبهُ إليها، ولا تعجب فقد أفلحتِ المسلسلاتُ والأفلام، في تضخيمِ قضيةِ التعدُدِ، وجعلَ الزواجِ من الثانيةِ هاجساً مُخيفاً في أذهانِ النساءِ، وكابوساً مرعباً يَحسِبنَ لـه ألفَ حساب.
وأما الطامةُ الكُبرى فهي حين يلجأُ إلى الساحرِ بعضُ الرياضيينَ ولاعبي الكرةِ، بحثاً عن الانتصاراتِ الزائفةِ، والبطولاتِ الفارغةِ، فقد أُشربت قُلوبُهم حبَّها فعموا وصمٌّوا، ثم عموا وصموا فهم في غيهمِ يترددون.
وأخيراً فقد يذهبُ البعضُ إلى الساحرِ من غيرِ قصدٍ,، فيظنهُ قارئاً تقياً، أو طبيباً شعبياً، جهلاً منه وغفلة لكن أبى اللهُ إلا أن يفضحَ أولئك الدجاجلة لِيَهلِكَ من هَلكَ عن بينةٍ, ويَحيى من حيَّ عن بينةٍ,، إذ جعل للساحرِ علاماتٍ, يُعرفُ بها زيفُهُ، وخزعبلاتٍ, يَنفضحُ بها كيدُه، لقد فضحهم الله لقد فضحهم بظلمةِ وجوهَهم، وقبحِ هيئاتِهم، ونتنِ روائحهم، ناهيك عما اعتاد ه أُولئكَ المجرمون في مسرحياتهمُ السَمِجَةُ، وحيثُ يبدأُ الواحدُ منهم في سردِ معلوماتٍ, للمريضِ تلقَّاها عن أسيادِه الجن، فيُخبرُو المريضَ باسمِ أمِّه وأبيهِ وأختهِ وأخيه، وصاحبتهِ وبنيهِ، وفصيلتهِ التي تؤويه، كما يخبرهُ بتاريخهِ مع المرضِ ورحلاتهِ فيه، لقد ذهبت إلى المستشفى الفلاني، وعالجكَ الطبيبُ الفلاني وسافرتَ إلى بلادِ كذا، وراجعتَ عيادةَ كذا في يوم كذا يخبرُه بكلِّ ذلك، وَسطَ ذُهولِ المريضِ ودهشتهِ الذي فغرَفاهَ، وحملقت عيناهُ، وظنَّ أنه أمامَ معجزةٍ, من السماءِ، أو وليٍ, من أولياء اللهِ، وما درى المسكينُ أنَّه أمامَ زنديقٍ, فاجرٍ,، وطاغوتٍ, كافر، مُشاقٍ, للهِ ورسولهِ.
ومن ثمَّ يُسلمُ المسكينُ نفسَه بكلِّ طواعيةٍ, وخضوعٍ,، يُسلمُ نفسَه لذلك الدجال الذي قد يستدعي في الحال مارداً خبيثاً من الجن ليصرعَ المريضَ بضعَ دقائقَ ثم يأمرُهُ بالخروجِ وَسطَ مسرحيةٍ, مستهجنةٍ,، وتمثيليةٍ, ماكرةٍ, ظهرَ الساحرُ من خلالِها، بمظهرِ المنقذِ البطلِ، ونالَ إعجابَ بقيةِ الحاضرينَ من المرضى المساكين، ودعواتٍ, صادقةٍ, بمزيدٍ, من النجاحِ والتوفيق.
لقد وجدَ أولئكَ السحرةُ، وجدوا أمامَهم سُذَّجاً من الناسِ فقدوا التربيةَ الجادةِ، والثقافةَ الإسلاميةِ الصحيحةِ، وتربَّو على الأغنيةِ والمجلةِ، والأفلامِ والكرة، فكيفَ لا تنطلي عليهم ألاعيبُ السحرةِ وحيلُهم، أجيبوا بربكم أجيبوا. أيها الأخوةُ الأجلاءَ: وممَّا يخدعُ به الساحرُ زبائنَه لينالَ ثقتَهم به واطمئنانَهم إليه، تظاهرُهُ بالصلاحِ والتقوى، وتردَدَهُ على المساجدِ بين الفَينةِ والأُخرى، نشرت صحيفةُ السياسةِ الكويتيةِ مقابلةً مع أحدِ السحرةِ التائبين اعترفَ من خلالِها بأنَّ الجنَّ كانوا يأمرونهم، ويرشدونهم إلى التظاهرِ بالتقوى أمامَ الناسِ كما يأمرونهم بالصلاةِ في المساجد دونَ نطقٍ, بالآيات وإنَّما حركاتٍ, فقط، وقد يظهرُونها أحياناً إن لزمَ الأمرُ، كما ذُكر بأن الشياطينَ تمنعُهم من ارتكابِ الفواحشِ أمامَ الناسِ ليُقالَ عنه تقيٌ وورع، انتهى كلامه هذه اعترافاتُهم، تتبينُ منها أخي الحبيب وقاكَ اللهُ شرَّهم، مدى العلاقةِ الوثيقةِ بين الساحرِ والجنِ فإنَّ الساحرَ، لا يتوصلُ إلى كثيرٍ, من أهدافهِ الخبيثة ومقاصدهِ اللئيمةَ، إلا بمساعدةِ الجنِّ لـه، وتفاعلهم في خدمتهِ، بيدَ أنَّ مساعدتَهم إياه وتنفيذَهم ألاعيبه، ليسَ لسوادٍ, في عينيه، ولا لحمرةٍ, في وجنتيه، ولكنَّ ذلك لا يكونُ إلا بعدَ أن يحققَ الساحرُ مطالبَ الجنِّ الخُبثاء، كأن يكتبَ المصاحفَ بالدمِ أو النجاسةِ، أو يسبَّ الله ورسولَه، أو غيرَ ذلك مما تُدمى له القلوبُ، وتتفطرُ له الأكبادُ، قاله بنحوهِ شيخُ الإسلامِ، ابنُ تيميةَ أجزلَ اللهُ مثوبتَهُ، وأحسنَ عاقبتهُ.
أيها المسلمون: إنَّ الذهابَ إلى الساحرِ حرامٌ، وطلبَ العلاجِ منه حرامٌ واعتقادَ أنَّه ينفعُ أو يضرُ حرام، فالساحرُ أحقرُ، وأضعفُ، وأعجزُ من أن يجلبَ نفعاً أو يدفع ضراً مرَّ.
جندبُ الخير - صلى الله عليه وسلم - إذا بساحرٍ, قد اجتمعَ عليه الناس يتلاعبُ بأعصابِهم، ويخادعُ أعينَهمُ، يزعمُ أنَّه يُحيي الموتى فيضربُ أحدَهم بالسيف، فيفصلُ رأسَه عن جسدهِ، ثم يستدعيهِ فيقومُ من ساعتهِ، فأخرجَ جندبُ سيفَه، وأ طارَ برأسه لا شلت يمينُه، ثم قالَ لـه أحي نفسكَ إن كنتَ صادقاً، وهيهات فقد ماتَ الساحرُ، وماتَ معهُ دجلُهُ وسحرُه، فأينَ قدراتُه الخارقةِ، ومواهبهُ الفذةِ، إنَّها مجردُ ألاعيبَ وحيلٍ, لا تنطلي إلاَّ على الفارغين، الواقفينَ على شفيرِ الهاويةِ، واعلم أخيراً وفَّقك اللهُ وحماك، أنَّه لا يجوزُ حلٌّ السحرِ بسحرٍ, مثله، وهو ما يُسمى بالنُشرةِ، ومن ابتلي بسحرٍ, فأمامُه الطُرقُ الشرعيةِ، وأن يجتهدَ في استخراجِ السحرِ وإبطالهِ ما استطاعَ إلى ذلكَ سبيلاً. ذكره ابنُ القيمُ وغيرهُ لكنَّ التحصُنُ قبلَ وقوعهِ أجدى وأنفع. فحُسنُ التوكلِ على اللهِ، وملازمةِ الأذكارِ والأورادِ الشرعيةِ، وأداءِ الصلاةِ مع الجماعةِ، واجتنابِ وسائلِ الفسادِ والفتنةِ من المزاميرِ والملاهي، وأفلامِ الأبالسةِ والشياطين، بارك الله لي ولكم بالقرآن العظيم ونفعني وإيا كم بالذكر الحكيم.
واستغفر الله لي ولكم إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية:
الحمد لله يعطي ويمنع، ويخفض ويرفع، ويضر وينفع، ألا إلى الله تصيرُ الأمور. وأصلي وأسلم على الرحمةِ المهداة، والنعمة المسداة، وعلى آله وأصحابه والتابعين،
أما بعدُ: أيها المسلمون: فإنَّ انتشارَ السحرِ والشعوذةِ في مجتمعٍ, من المجتمعاتِ دليلٌ واضحٌ، وبرهانٌ ناصعٌ، على وجودِ انحرافٍ, وخللٍ, في عقائدِ الأمةِ وثوابتِها، واهتزازٍ, في أخلاقياتِ أبنائِها وقيمِهم، فالسحرةُ لا يزدهرُ سوقُهم، ولا تروجُ بضاعتُهم، إلا بمقدارِ الضعفِ الذي ينتابُ الناسَ في إيمانِهم، وتوحيدهم واستعدادُهم لبيعِ دينِهم بأبخسِ الأثمانِ، إذاً فلا غَرابةَ أن ينتشرَ السحرُ ويستشري بلاؤهُ والحالةُ هذه، كيفَ لا ينتشرُ السحرُ في معظمِ ديارِ المسلمين وقد عُزِّل الإسلامُ عن واقعهِم؟ فأصبحَ غريباً في حياتِهم، لا يرفعونَ به رأساً، ولا يُلقونَ لـه بالاً في كثيرٍ, أو قليل، كيف لا ينتشرُ السحرُ في مجتمعاتِ المسلمين، وقد أُقصي القرآنُ عن الحياةِ، وعُزلَ في رفوفِ المساجدِ، واستبدلوه بدساتيرَ همجيةٍ,، من صنعِ البشرِ وصياغةِ رجالِ القانونِ، كيف لا ينتشرُ السحرُ وقد عُطِّلت الحدودُ، فلا القاتلُ يُقتل، ولا الزاني يرجم، ولا الشاربُ يجلد، كيفَ لا ينتشرُ السحرُ في مجتمعاتِ المسلمين وقد امتلأت بيوتُهم بأدواتِ اللهوِ والطربِ، وأفلامِ العشقِ والغرامِ، وكيف لا يتلاعبُ السحرةُ بشبابِ المسلمين خاصةً؟ وهم لا يعرفونَ معنىً لوجودهم، إلا متابعةَ الكرةِ وعشقِ الرياضةِ، وكيفَ لا يتسلطُ السحرةُ على بناتِ المسلمين وهنَّ لا يعرفنَ قراءةَ القرآنِ، أو مداومةَ الأذكارِžžžžžžžžž، إذ لا همَّ لهنَّ غيرَ الموضةِ والمجلةِ، وذرعِ الأسواقِ جيئةً وذهاباً.
أيها المسلمون: لقد أفسدَ أولئك السحرةُ والمشعوذونَ البلادَ والعباد، والدينَ والدنيا والآخرة، وتجاوزوا حدودَهم، وفَتنوا الناسَ عن دينهم. وواجبٌ تخليصُ الأمةِ من شرِّهم، واستئصالُ شأفتهم، وهذا لن يتأتى إلا بتظافرِ الجهودِ، وتعاون الجميع. فالعلماءُ والدعاةُ وطلبةُ العلم لهم نصيبُهم من المسئولية، يجبُ عليهم توعيةُ الناس وتبصيرهم، وتحذيرُهم من كيدِ أولئكِ المجرمين، ووسائلُ الإعلام مطالبةٌ بنشرِ الوعيِ بين الناس، وتخصيصِ ساعاتٍ, من بثها، وصفحاتٍ, من جرائدها لنشرِ المعتقدِ الصحيح، وذمِّ السحرةِ وفضحهم، وقل مثل ذلك في حقِّ مناهجِ التعليم، وجهاتِ الاختصاص المتنوعةِ كما يتعينُ على كلِّ من يعرفُ مشعوذاً أو دجالاً أن يفضحَ ستره، فيبلغُ جهةَ الاختصاصِ من الهيئاتِِ، أو المحاكم ونحوها، لعلَّ الله يكتبُ له أجرَ قطعِ دابره. ثم أخيراً فإنَّه لا ينبغي السماحُ لكلِّ من هبَّ ودب أن يمارسَ مهنةَ القراءةِ والرقى، فيفتحُ بيتَه لاستقبالِ الناسِ وهو مجهولٌ نكرةٌ، لا يعرفُه أحدٌ فلطا لما ركبَ هذه الموجةَ مشعوذونَ ودجاجلة، حدثت على أيديهِم المآسيَ والطوام، فالواجبُ ألا يَسمحَ لأحدٍ, بالإقراءِ إلا أن يكونَ معروفاً بالعلمِ والبصيرة، مشهوداً لـه بالخيِر، مُزكَّىً من العلماءِ وطلبة العلم فدرءُ المفاسدِ مقدمٌ على جلبِ المصالح.
اللهم إنَّا نسألُك إيماناً يُباشرُ قلوبنا، ويقيناً صادقاً، وتوبةً قبلَ الموتِ، وراحةً بعد الموتِ، ونسألُكَ لذةَ النظرِ إلى وجهكَ الكريمِ، والشوقُ إلى لقائِكَ في غيِر ضراءَ مُضرة، ولا فتنةً مضلة،
اللهم زينا بزينةِ الإيمانِ واجعلنا هداةً مهتدين، لا ضاليَن ولا مُضلين، بالمعروف آمرين، وعن المنكر ناهين يا ربَّ العالمين، ألا وصلوا وسلموا على من أُمرتم بالصلاة عليه إمام المتقين وقائد الغر المحجلين وعلى أله وصحابته أجمعين.
وأرضي اللهم عن الخلفاء الراشدين أبو بكرٍ, وعمر وعثمان وعلي
اللهم آمنا في الأوطانِ والدور وأصلحِ الأئمةَ وولاةِ الأمورِ، يا عزيزُ يا غفور، سبحان ربك رب العزة عما يصفون.
----------------------------------------
[1] المستدرك على الصحيحين ورقمه (8073) من حديث جندب الخير - رضي الله عنه -.
[2] تخريج أثر عمر
[3] رواه البخاري (2615) ورواه مسلم (89).
أضف تعليق
هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها
تم الإرسال
ستتم إضافة التعليق بعد معاينته من قبل فريق عمل مداد