لا ضرر ولا ضرار


 

بسم الله الرحمن الرحيم

 

الخطبة الأولى

أمّا بعد:فيا أيّها الناس، اتَّقوا الله - تعالى - حقَّ التقوى.

عبادَ الله، إنّ من خلُق المؤمن حبَّ الخير لنفسِه ولإخوانِه المؤمنين، فهو يحِبّ لهم ما يحِبّ لنفسِه، ويكرَه لهم ما يكرَهُه لنفسه، وفي الحديثِ عنه قال: ((لا يؤمِن أحدكم حتى يحبَّ لأخيه ما يحبّ لنفسه))[1]، وإن كان تطبيق هذا بالكَمال أمرًا شاقًّا لمن أعانه الله ووفَّقه وسدَّد خطاه، وعلى كلٍّ, فإذا عجزَ عن وصول إلى هذا الكمالِ فلا يعجَز عن دفعِ الضّرَر [وعَدمِ] إيصالِه للمسلمين جماعةً وأفرادًا. فالمسلم حقًّا يبذُل الخيرَ، وإن قصَّر في بذلِ الخير فإنّه يمتنع من أن يلحِقَ بالمسلمين ضَررًا في دمائِهم وأموالهم وأعراضِهم، ((والمسلِم من سلِم المسلمون من لسانه ويده، والمؤمِن من أمِنه الناس على دمائِهم وأموالهم))، هكذا يقول محمد [2].

 

أيّها المسلم، إنَّ إلحاقَ الضّرَر بالأمّة أفرادًا وجماعة أمرٌ محرَّم عليك، يقول - جل وعلا -: (وَالَّذِينَ يُؤذُونَ المُؤمِنِينَ وَالمُؤمِنَاتِ بِغَيرِ مَا اكتَسَبُوا فَقَدِ احتَمَلُوا بُهتَانًا وَإِثمًا مُبِينًا)[الأحزاب: 58]، فإِلحاق الأذَى بالنّاس أفرادًا أو جماعاتٍ, كلٌّ ذلك محرَّم في شريعةِ الله حتى ولو كان على غيرِ دِينِك، فإلحاق الضرَرِ بأيِّ إنسانٍ, محرَّم، (وَلا يَجرِمَنَّكُم شَنَآنُ قَومٍ, عَلَى أَلاَّ تَعدِلُوا اعدِلُوا هُوَ أَقرَبُ لِلتَّقوَى)[المائدة: 8].

 

أيّها المسلم، ونبيٌّنا بيَّن لنا حكمَ الضّرَرِ بالمسلمين فقال: ((من ضارَّ ضارَّ الله به، ومن شاقَّ شاقَّ الله به))[3]. هذا الحديثُ يبيِّن لك أن الجزاءَ مِن جنس العمل، فمن فعل خيرًا وسعى في خيرٍ, فإنَّ الله يوفِّقه ويسدِّده، ومن سعى في الشّرِّ والفساد فإنَّ الله يلحِق به الأذَى والضّرر جزاءً وفاقًا، (وَمَا رَبٌّكَ بِظَلاَّمٍ, لِلعَبِيدِ)[فصلت: 46].

 

أيّها المسلم، الضّرَر محرَّم بجميع صوَرِه، سواء كان هذا الضرَر تفويتَ مصلحة لفردٍ,، أو كان هذا الضّرر إيصال الأذى بفردٍ, آخر، فسواء مَنعتَه الحقَّ الواجبَ أو أَلحقتَ الضّررَ به، فإن فوَّتَّه مصلحةً له فقَد ألحقتَ الأذى والضرَرَ به، وإن تسبَّبتَ في إيقاع أذًى عليه فقد ألحقتَ الضررَ والأذى به.

 

أيّها المسلم، إنَّ شريعةَ الإسلام جاءت بالعدلِ بجميع صوَرِه، (لَقَد أَرسَلنَا رُسُلَنَا بِالبَيِّنَاتِ وَأَنزَلنَا مَعَهُم الكِتَابَ وَالمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالقِسطِ) [الحديد: 25]. فالمجتمعُ إذا تعاوَن أفرادُه ودفَعوا الضّررَ عن أنفسِهم وعن مجتَمَعهم عاش الفردُ وعاشت الأمّة في أمنٍ, واستقرار وطمَأنينةٍ,، ولكن إذا شذَّت فِئَة فألحقتِ الضررَ بالآخرين أو منَعَتهم حقوقَهم أو أوصلَت الأذى والضررَ عليهم فإنَّ ذلك يسبِّب فسادًا في مجتمَعِ المسلم.

 

أيّها المسلم، وإذا تأمَّلتَ شريعةَ الله - جل وعلا - رأيتَ الضررَ ممنوعًا على الإنسان في تعامُلِه مع ربّه، أو تعامله مع أهلِه: أبَوين أو زوجة أو أولادًا أو رَحِمًا، أو تعامله مع الآخرين: جيرانًا أو شركاء، أو من يتعامَل معهم، رأيتَ الضرَرَ محرَّمًا في هذا كله.

 

أيها المسلم، فخُذ مثلاً الماء الذي جعلَه الله شرطًا لصِحّة الصّلاةِ: ((لا يقبل الله صلاةَ أحدكم إذا أحدَثَ حتى يتوضّأ))[4]، عندما يتعذّر الوصول إلى الماء أو عندما يكون استعمالُ الماء ضارًّا بالإنسان فقد جعلَ الله التيمّمَ قائمًا مقامَ الماء عند عدمه أو عند العجزِ عنِ استعماله. في عهدِ النبيِّ سريّةٌ من قومِه احتَلَم أحدُهم فسأل أصحابَه: أَلي رخصةٌ في ترك الغسل من الجنابة؟ وفيه شجّةٌ في رأسه، فقال: ألي رخصة في ترك الغسل لأجل الشّجّةِ التي بي؟ فقالوا: لا نجِد لك رخصةً، فاغتسل فمَات، فقال: ((قتَلوه قتَلهم الله، ألم يسألوا إذ لم يعلَموا، إنما شِفاء العيِّ السؤال))[5].

 

أيّها المسلم، وحرِّم عليك أن تلحِقَ الضررَ بنفسك في وضوئِك وغُسلك بأن تستعمِلَ الغسل أو الوضوءَ بشكلٍ, يخرج عن نظامِ الشرعº فإنَّ الله - جل وعلا - أمرنا بغَسل الوجه واليَدين ومسح الرأس وغسلِ الرجلين في الوضوء، وبيَّن ذلك نبيٌّنا، فتوضّأ ثلاثًا، غسَل وجهَه ثلاثَ مرّات وكلَّ عضوٍ, من أعضائه، يعني غسل وجهَه ثلاثَ مرّات، ويدَيه اليمنى واليسرَى ثلاثَ مرّات، ومسح برأسِه واحدة، وغسَل رجلَيه ثلاثًا. وجاء عنه أنّه اقتصَر على مرّتَين أو على مرّة، وحرّم الإسرافَ في الماء، وأخبر أنَّ للوضوءِ شيطانًا يقال له: الولهان يرغِّب المسلمَ في الوَساوس في طهارَتِه[6]، ويثقِّلها عليه حتى يمضِيَ على واحدٍ, منهم الساعاتُ وهو ما توضَّأ وما اغتسَل، كلَّما انتهى من وضوئِه قال: الوضوءُ ناقص، وكلّما انتهى من غسله قال: الغسل ناقص، فما يزال ذلك به حتى يخرجَ عن طورِ الاعتدال إلى الوساوِس الممقوتَةِ.

 

أيّها المسلم، ألا ترى ربَّنا - جل وعلا - عندما أباحَ للمسافر الجمعَ بين الصّلاتين، أباح الله الجمعَ للمسافر بين الصلاتين عندما يكون ذلك رِفقًا بالمسافر، فأباح له الجمعَ مع أنَّ الوقت شرطٌ لصحّة الصلاةِ، لكن أبيح الجمعُ لدَفع الضّرَر، وسُنَّ للمسافِر قصرُ الصلاة ركعتين، كلٌّ ذلك مراعاةً للمصالح ودفعًا للضرر. وشُرِع للمسلم إذا عجز عن القيام في الصّلاة أن يصلِّيَ قاعدًا أو مُضجعًا أو على جَنبِه، ((صلِّ قائمًا، فإن لم تستطِع فقاعدًا، فإن لم تستطع فعلَى جَنب، فإن لم تستطِع فمستلقيًا))[7]، كلٌّ ذلك رِفقًا به، وتسهيلاً عليه أداء الفريضة، فلو عجز عن الطهارةِ أو استقبالِ القبلة أو عن نظافةِ ملابسه لعدم وجودِ مَن يعينه صلَّى على حالِه، والله يعلم حالَه. وألا ترَى إلى محمّدٍ, وهو يحثٌّ الأئمَّة على مراعاةِ من وراءَهم مِن المأمومين، فيقول: ((أيّها الناس، إنَّ منكم منفِّرين، أيّكم أمّ الناسَ فليخفِّفº فإنَّ وراءه الصغيرَ والكبير والمريضَ وذا الحاجة، ومن صلَّى وحدَه فليطوِّل ما شاء))[8].

 

أيّها المسلم، انظر إلى صيامِ رمضان أبيح للمسافر والمريض الفطرُ وأن يقضِيَا أيّامًا أُخَر، وجعِل الإطعام عِوَضًا عمّن عجز عن الصيامِ لكِبَر سنّه أو مرضه الملازم له، كلٌّ هذا من رحمةِ الله، والنبيّ كان يواصِل الصيامَ، وذاك خاصّ به، فلمّا أراد الصحابة أن يواصِلوا مثلَه واصل بهم يومًا بعد يومٍ,، ولما رأوا الهلال قال: ((لولا الهلالُ لواصلتُ بكم)) كراهيّةً لذلك[9]º حتى لا يحمِلَهم على المشقّة والعسرِ.

أفلا ترى حجَّ بيتِ الله الحرام، لم يفرِضه الله على المسلم إلا مرّةً في عمرهº لِما يعلم الله من المشقّة التي تلحَق بالحاج في ذهابِه ورجوعه مهما تيسَّرت له السبل، فربٌّنا لم يوجِبه إلاّ مرّة واحدة، فمن زاد فهو تطوّع، والله يقول: (أَلا يَعلَمُ مَن خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الخَبِيرُ)[الملك: 14].

 

أيها المسلم، وترى في الجهاد في سبيل الله، لما أمرهم بالجهادِ كان في أوّل الأمر أنَّ الواحدَ يعدل بالعشرة: (يَا أَيٌّهَا النَّبِيٌّ حَرِّض المُؤمِنِينَ عَلَى القِتَالِ إِن يَكُن مِنكُم عِشرُونَ صَابِرُونَ يَغلِبُوا مِائَتَينِ وَإِن يَكُن مِنكُم مِائَةٌ يَغلِبُوا أَلفًا)[الأنفال: 65]، فصار الواحِد يعادِل عشرةً، ثم إنَّ الله خفَّف ذلك فقال: (الآنَ خَفَّفَ اللَّهُ عَنكُم وَعَلِمَ أَنَّ فِيكُم ضَعفًا فَإِن يَكُن مِنكُم مِائَةٌ صَابِرَةٌ يَغلِبُوا مِائَتَينِ وَإِن يَكُن مِنكُم أَلفٌ يَغلِبُوا أَلفَينِ بِإِذنِ اللَّهِ وَاللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ)[الأنفال: 66].

 

أيّها المسلم، وفي تعامُلك مع الآخَرين في بَيعِك وشرائِك وأخذِك وعَطائك حرِّم عليك الغشٌّ في البيع، وحرِّم عليك التدليس والإخبارُ بخلاف الواقع، فنبيٌّنا يقول: ((من غشَّنا فليس منّا))[10]º لأنَّ غشَّك للمسلم وإخبارَك عن سِلعتك بسلامتها من العيوب إو إخبارك بأنَّ هذه قيمتُها وليست في الواقع هذا ضرَرٌ منك ألحقتَه بأخيك المسلم، وأخذتَ منه عِوضًا بلا مقابِل كامِل، وهو يقول لنا: ((البيِّعان بالخيار ما لم يتفرَّقا، فإن صدَقا وبيَّنا بورِك لهما في بيعِهما، وإن كذبا وكتَما محِقَت بركةُ بيعهما)) [11].

وحرَّم على المسلمِ النّجشَ، وهو أن يزيدَ في السلعة وهو لا يريد شراءَها، لكن لينفَعَ البائع ويضرّ المشتري.

وحرَّم على المسلم أن يبيعَ على بيعِ أخيه، فإذا باع أخوك المسلِم سلعةً على آخر فلا يحلّ لك أن تدفَعَ ثمنًا أزيَدَ منها لتَأخذَها، ولا أن تعرِضَ سِلعة أقلَّ ثمنًا منها لتفسَخَ البيع من أخيكº لأنَّ في هذا إلحاقَ الأذى والضّرَر بأخيك، وفي الحديث: ((دَعُوا الناسَ يرزق الله بعضَهم من بعض، وإذا استَنصَحك أخوك فانصَح له))[12].

 

أيّها المسلم، وحرِّم على المسلم أن يخطِبَ على خِطبة أخيه، فإذا خطَب امرأةً حرُم عليك أن تخطِبَها حتى يتبيَّن لك أنهم ردّوا ذلك، أو أذِن لك الآخرº حتى لا تلحقَ الأذى والضرر بأخيك المسلم.

 

أيّها المسلم، وأوجب الله على المتعامِلَين والشركاء في العمَل الصدقُ في تعامُلهم، وأن لا يخونَ أحدهم الآخر، وفي الحديث عنه: ((يدُ الله مع الشّريكين ما لم يخُن أحدهما الآخر، فإذا خانَ أحدهم الآخرَ رفعتُ يدي وجاء الشيطان))[13]. وأوجب على المسلِم احترامَ الجار وقال: ((من كان يؤمِن بالله واليوم الآخرِ فليكرِم جارَه))[14]، وحرَّم عليه إلحاقَ الضررَ به، ففي الحديث: ((لا إيمانَ لمن لم يأمَن جارُه بوائقَه))[15]، أي: غَدراته وخيانته وتطلّعه على عورات الجار وإلحاقه الأذى به، حتى لا يجوز له أن يحدِثَ في ملكه شيئًا يتأذَّى به جارُهº صوتًا أو رائِحة أو نحو ذلك، بل يحترِم الجارَ ويرعَى له حقَّه وحرمةَ جِواره.

 

أيّها المسلم، وفي بابِ المواريث جاءتِ الشريعة فشرَعَت المواريث، وأعطت كلَّ ذي حقّ حقَّه، وقسم الله الأموال بَين الورثةِ قِسمةً عادلة مُنصِفة، لا يلحقها نقصٌ ولا عيب.

ثمّ إنَّ الله شرَع للإنسان أن يوصِيَ، والوصيّة شرعها بأن تكون في ثلُثِ ماله أو الرّبع وأقلّ أو الخمس، ولهذا قال العلماء: تستحبّ الوصية لمن ترَك مالاً كَثيرًا، فإنَّ مَن ترَك المال القليل فكونُ ورثَتِه ينتفعون به ذاك عينُ البرّ والإحسان، ولكن إذا أراد أن يوصِيَ فليتَّق الله في وصيَّته، وكان الصحابة يستحبّون الوصيةَ بالخمُس، فإن تجاوز فالربُع، وإن تجاوز فالثّلُث، ولا يحقّ للموصِي أن يوصِيَ بأكثرَ منَ الثلُثº لأنَّ الله - جل وعلا - حرّم ذلك عليه، ونبيّنا يقول لسعد بن أبي وقّاص لما قال: عندي مالٌ وأجِدني مريضًا ولا يرثني إلاّ ابنةُ لي، أفأُوصي بكلّ مالي؟ قال: ((لا))، قال: فالثّلُثين؟ قال: ((لا))، قال: فالنّصف، قال: ((لا))، قال: فالثّلُث؟ قال: ((الثلُث والثلث كبيرº إنّك أن تذَرَ ورثَتَك أغنياء خيرٌ من أن تذَرَهم عالةً يتكفَّفون الناس))[16]، فلم يمت سعدٌ حتى خلَّف عشرةً من الولد، فصلوات الله وسلامه على سيّد الأولين والآخرين.

 

وحرَّم على المسلم أن يوصِي لأيِّ وارثٍ, إلاّ بإذن الورثة، فقال: ((إنَّ الله قد أعطَى كلَّ ذي حقٍّ, حقَّهº فلا وصيّةَ لوارث))[17]، لا تقل: هذا قاصِر أخصٌّه بشيء، وتلك فتاةٌ قاصِرة أخصٌّها بشيء، الله يقول: (إِن يَكُن غَنِيًّا أَو فَقِيرًا فَاللَّهُ أَولَى بِهِمَا)[النساء: 135]. فالعدل والتِزام الشَّرع فيه الكفايَةُ والغِنى. ثم إنَّ هذه الوصيّة لا يجوز أن تنطلِقَ من محبَّة الضرَر بالورثة، بل تنطلق من حيث محبّة الخيرِ لنفسِه ثم لورثَتِهº ولذا قال الله: (مِن بَعدِ وَصِيَّةٍ, يُوصَى بِهَا أَو دَينٍ, غَيرَ مُضَارٍّ, وَصِيَّةً مِن اللَّهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَلِيمٌ)[النساء: 12]، فإذا أوصى الموصي بوصيّة لقصدِ الإضرار بالورَثَة والإساءةِ إليهم ولم يقصِد بها وجهَ الله كان آثمًا في وصيَّتِه. ثم على الأولياءِ أن ينفِّذوا وصيَّةَ الموصِي إذا أوصَى في المشاريع النّافِعة، ولا يبدِّلوها ولا يغيِّروها إلا إن خالفتِ الشرعَ، وما لم يخالف الشرعَ يجِب تنفيذه، (فَمَن بَدَّلَهُ بَعدَمَا سَمِعَهُ فَإِنَّمَا إِثمُهُ عَلَى الَّذِينَ يُبَدِّلُونَهُ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ)[البقرة: 181].

وحرَّم على المسلم أن يلحِق الضررَ بمن يطلُب منه الحقَّ، فإنّك تطلب حقَّك بحقّ، وأمّا أن تضِرّ بمن عليه الحقّ إذا كان معسِرًا عاجزًا عن الوفاءِ فإيّاك أن تشمَتَ به أو ترفَعَه إلى المحاكِم وتشوِّه سمعتَه وأنت تعلَم أنه لا يقدِر على الوفاء، (وَإِن كَانَ ذُو عُسرَةٍ, فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيسَرَةٍ, وَأَن تَصَدَّقُوا خَيرٌ لَكُم إِن كُنتُم تَعلَمُونَ)[البقرة: 280].

كما أوجَبَت السنةُ على من عليهِ الحقّ أن يبادرَ بالوفاء ولا يضرَّ صاحبَ الحقّ بتأخير حقِّه، فيقول: ((مطلُ الغني ظلمٌ يحِلّ عرضَه وعقوبتَه))[18]، وقال: ((ليٌّ الواجِدِ ظلمٌ))[19]، فلا يجوزُ لمن عَليه الحقٌّ المماطَلَة بحقوقِ الناس، ولا من له الحقّ أن يؤذيِ الغرماءَ، بل كلُّ يلتَزِم العدلَ في الحقّ الذي له أو الحقّ الذي عليه.

 

أيّها المسلم، وفي بابِ الأسرةِ جاءت الشريعة بالعدلِ وتحريم إلحاقِ الضرَر بالزوجة، فيجِب على الرجلِ أن يعاشرَ امرأتَه بالمعروف لأنَّ الله يقول: (وَلَهُنَّ مِثلُ الَّذِي عَلَيهِنَّ بِالمَعرُوفِ)[البقرة: 228].

فمِنَ الإضرارِ بالمرأة أن يسيءَ عشرتَها ويعاملَها بالسوء من غير خلَل أو نقصٍ, حاصلٍ, منها، لكن لآمَةُ نفسِه وقِلّة مروءَته وحيائِه جعله يضارّ بهاº لكي تفتَدِي نفسَها من جحيمِه الملتهِب وأخلاقِه الشّرِسَة وتعامله السيّئ، قال - تعالى -: (يَا أَيٌّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا يَحِلٌّ لَكُم أَن تَرِثُوا النِّسَاءَ كَرهًا وَلا تَعضُلُوهُنَّ لِتَذهَبُوا بِبَعضِ مَا آتَيتُمُوهُنَّ)[النساء: 19]، وقال: (وَلا يَحِلٌّ لَكُم أَن تَأخُذُوا مِمَّا آتَيتُمُوهُنَّ شَيئًا إِلاَّ أَن يَخَافَا أَلاَّ يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ)[البقرة: 229]، فإذا كانَتِ الزّوجةُ مستقيمةً في أخلاقِها مستَقِيمة في دينِها وتعامُلها، ولكن لم يقَع في قلبِك ودُّ لها فحَرامٌ عليك أن تضارَّ بها لأجل أن تستَرجِعَ المهرَ الذي دفعتَه، فهو حقّ ملكَته، فأخذُك إيّاه ظلم، وكم يُتَقَّى شرّ بعض الناس والعياذ بالله، وتتحمَّل المرأةُ وأولياؤها دفعَ المهر له اتِّقاء مِن شرِّ لسانه وقِلّة حيائه وضعفِ مُروءته.

ومِنَ الإضرار بالمرأة أن تطلِّقَها ثمّ تراجعها في آخرِ أيّام عدَّتها إلحاقًا للضّرر بها. كانوا في الجاهلية يفعلون هذا، يطلِّقون فإذا قربَتِ المدّة راجعوا لتبقَى المرأة في ضرَرٍ, متواصل، فجاء الشّرع فجعَل الطلاقَ ثلاثًا، وحرَّم عليه أن يراجِعَها لقصد الضّرَر، قال - تعالى -: (وَإِذَا طَلَّقتُم النِّسَاءَ فَبَلَغنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمسِكُوهُنَّ بِمَعرُوفٍ, أَو سَرِّحُوهُنَّ بِمَعرُوفٍ, وَلا تُمسِكُوهُنَّ ضِرَارًا لِتَعتَدُوا)[البقرة: 231]، وقال: (وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقٌّ بِرَدِّهِنَّ فِي ذَلِكَ إِن أَرَادُوا إِصلاحًا)[البقرة: 228]. ومِنَ الضرَر أن تميلَ مع واحدةٍ, دون أخرَى، فتهجُر أخرَى وتقدِّم أخرى من بابِ الهوَى والميل، وهذا أمرٌ لا يجوز لك.

 

أيّها المسلم، ومن الضرر أن تُضارّ بالكاتب والشاهدِ، فمِن الضررِ بكاتب الحقّ والعدل أن يضرَّ بمن يكتب له، فيميل مع بعضِهم، وربما سجَّل عباراتٍ, يكون فيها إلحاقُ ضررٍ, بالآخرين، فإنَّ الله يقول: (وَلا يُضَارَّ كَاتِبٌ وَلا شَهِيدٌ)[البقرة: 282]، وأمر الكاتب أن يكتبَ بالعدل ويبتَعِد عن الضرر، ولا يضارَّ الكاتِب فيحمَلُ على ما يريد، والشاهد يَنبغي له أن يشهدَ بالحقّ، فلا نضِرّ شَخصًا بأن نحمِّله شهادةً لا يريد حملَها، أو نضارّ به بأن نحمِلَه على شهادة الزورِ والبهتان، فإنَّ هذا إلحاقُ ضررٍ, بالآخرين. ومن الأضرار الدَّعاوَى الكَيديّة المقامَة بلا حقٍّ, ولا برهان، لكن لتأخٌّر معامَلات الناس والإضرارِ بهم.

فليتَّقِ المسلم ربَّه، وليجتنِبِ الضررَ، وليكن داعيةَ خيرٍ, ينضح بالخير في أقواله وأعماله، أسأل الله أن يوفِّقَني وإيّاكم لصالح العمَل.

 

بارَك الله لي ولَكم في القرآنِ العَظيم، ونفعَني وإيّاكم بمَا فيه من الآياتِ والذّكر الحكِيم، أقول قَولي هذا، وأستَغفِر الله العظيمَ الجليلَ لي ولَكم ولسائِر المسلمين من كلِّ ذنبٍ,، فاستغفِروه وتوبُوا إليه، إنّه هو الغفور الرحيم.

 

----------------------------------------

[1] أخرجه البخاري في الإيمان (13)، ومسلم في الإيمان (45) عن أنس بن مالك - رضي الله عنه -.

 [2] أخرجه البخاري في الإيمان (10)، ومسلم في الإيمان (40) من حديث عبد الله بن عمرو - رضي الله عنهما -.

 [3] أخرجه أحمد (3/453)، وأبو داود في الأقضية (3635)، والترمذي في البر (1940)، وابن ماجه في الأحكام (2342) من حديث أبي صرمة - رضي الله عنه -، وقال الترمذي: \"هذا حديث حسن غريب\"، وحسنه الألباني في صحيح سنن أبي داود (3091). وفي الباب عن أبي سعيد الخدري - رضي الله عنه - أخرجه الدارقطني (3/77)، والبيهقي (6/69)، وصححه الحاكم (2345).

 [4] أخرجه البخاري في الحيل (6954)، ومسلم في الطهارة (225) عن أبي هريرة - رضي الله عنه -.

 [5] أخرجه الإمام أحمد (3048)، وأبو داود في الطهارة (337)، وابن ماجه في الطهارة (572)، والدارمي في الطهارة (752)، من حديث عطاء عن ابن عباس - رضي الله عنهما - مرسلاً، وله شاهد من حديث جابر بن عبد الله - رضي الله عنهما - في سنده مقال، وقد حسّنه بمجموع طرقه الألباني في تمام المنة (131)، وانظر: السنن الكبرى للبيهقي (1/227)، والتلخيص الحبير لابن حجر (1/394، 395).

 [6] أخرجه الطيالسي (547)، ومن طريقه الترمذي في الطهارة (57)، وابن ماجه في الطهارة (421)، وابن خزيمة (122)، والحاكم (578)، والبيهقي في الكبرى (1/197) وغيرهم عن أبي بن كعب - رضي الله عنه -، وقال الترمذي: \"حديث غريب، وليس إسناده بالقوي عند أهل الحديث، لأنا لا نعلم أحدا أسنده غير خارجة، وقد روي هذا الحديث من غير وجه عن الحسن قوله، ولا يصح في هذا الباب عن النبي شيء، وخارجة ليس بالقوي عند أصحابنا، وضعفه ابن المبارك\"، قال ابن سيد الناس كما في الفيض (2/503): \"لا أدري كيف دخل هذا في الصحيح\"، والحديث ضعفه أبو حاتم وأبو زرعة وابن عدي والبيهقي والنووي وابن الجوزي وابن القيم وابن حجر وغيرهم، وذكروا أن رفعه منكر، وهو في ضعيف سنن الترمذي (9).

 [7] أخرجه البخاري في الجمعة (1117) عن عمران بن حصين - رضي الله عنه -، وليس فيه: ((فإن لم تستطع فمستلقيا)).

 [8] أخرجه البخاري في الأذان (702، 704)، ومسلم في الصلاة (466) عن أبي مسعود - رضي الله عنه - نحوه.

 [9] أخرجه البخاري في التمني (7241)، ومسلم في الصيام (1104) عن أنس - رضي الله عنه - بمعناه.

 [10] مسلم في الإيمان (101) من حديث أبي هريرة - رضي الله عنه -.

 [11] أخرجه البخاري في البيوع (2079)، ومسلم في البيوع (1532)، من حديث حكيم بن حزام - رضي الله عنه -.

 [12] أخرجه بتمامه البيهقي في الكبرى (5/347) من طريق أبي الزبير عن جابر - رضي الله عنهما -، وأخرج الجزء الأول منه مسلم في البيوع (1522) من طريق أبي الزبير عن جابر أيضا.

 [13] أخرجه أبو داود في البيوع، باب: في الشركة (3383)، والدارقطني (3/35)، والبيهقي (6/78) من حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - بلفظ: ((فإذا خانه خرجت من بينهما))، وليس فيه ((وجاء الشيطان))، وهي زيادة عند رزين. والحديث صححه الحاكم (2322)، وأعله الدارقطني بالإرسال، وضعفه الألباني في الإرواء (1468).

 [14] أخرجه البخاري في الأدب (6019) عن أبي شريح - رضي الله عنه -، ومسلم في الإيمان (47) عن أبي هريرة - رضي الله عنه -.

 [15] أخرجه البخاري في الأدب (6016) من حديث أبي شريح بلفظ: ((والله لا يؤمن، والله لا يؤمن، والله لا يؤمن، الذي لا يأمن جاره بوائقه))، وأخرج مسلم في الإيمان (46) عن أبي هريرة - رضي الله عنه - مرفوعًا: ((لا يدخل الجنة من لا يأمن جاره بوائقه)).

 [16] أخرجه البخاري في الجنائز (1296)، ومسلم في الوصية (1628) من حديث سعد - رضي الله عنه -.

 [17] أخرجه أحمد (5/267)، وأبو داود في الوصايا (2870) وفي البيوع (3565)، والترمذي في الوصايا (2120)، وابن ماجه في الوصايا (2713) من حديث أبي أمامة - رضي الله عنه -، وقال الترمذي: \"حديث حسن صحيح\"، وصححه ابن الجارود (949)، قال الحافظ في الفتح (5/372): \"في إسناده إسماعيل بن عيّاش، وقد قوّى حديثه عن الشّاميّين جماعة من الأئمّة منهم أحمد والبخاريّ، وهذا من روايته عن شرحبيل بن مسلم وهو شاميّ ثقة، وصرّح في روايته بالتّحديث عند التّرمذيّ\"، وصححه الألباني في صحيح سنن أبي داود (2494). وله شاهد من حديث عمرو بن خارجة عند أحمد (4/186، 187، 238)، والتّرمذيّ في الوصايا (2121)، والنّسائيّ في الوصايا (3641، 3643)، وقال الترمذي: \"حسن صحيح\". وشاهد ثان من حديث أنس عند ابن ماجه في الوصايا (2714)، والدارقطني (4/70)، والبيهقي (6/264)، وصححه الضياء المقدسي (2144، 2145، 2146)، وقال البوصيري في المصباح (3/144): \"إسناد صحيح، رجاله ثقات\". وعن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جدّه عند الدّارقطنيّ (4/98). وعن جابر عند الدّارقطنيّ (4/97) أيضا وقال: \"الصّواب مرسل\". وعن آخرين قال الحافظ في الفتح (5/372): \"ولا يخلو إسناد كلّ منها عن مقال، لكن مجموعها يقتضي أنّ للحديث أصلا، بل جنح الشّافعيّ في الأمّ إلى أنّ هذا المتن متواتر فقال: وجدنا أهل الفتيا ومن حفظنا عنهم من أهل العلم بالمغازي من قريش وغيرهم لا يختلفون في أنّ النّبيّ قال عام الفتح: ((لا وصيّة لوارث))، ويؤثرون عمّن حفظوه عنه ممّن لقوه من أهل العلم، فكان نقل كافّة عن كافّة، فهو أقوى من نقل واحد\".

 [18] هذا النص مركَّب من حديثين: الأول قوله: ((مطل الغني ظلم)) أخرجه البخاري في الحوالات (2287)، ومسلم في المساقاة (1564) من حديث أبي هريرة - رضي الله عنه -. والثاني قوله: ((ليٌّ الواجد يحِلّ عرضه وعقوبته)) علقه البخاري في الاستقراض، باب: لصاحب الحقّ مقال، ووصله أحمد (4/389)، وأبو داود في الأقضية (3628)، والنسائي في البيوع (4689، 4690)، وابن ماجه في الأحكام (2427) من حديث الشريد بن سويد - رضي الله عنه -، وصححه ابن حبان (5089)، والحاكم (4/102)، ووافقه الذهبي، وحسنه الحافظ في الفتح (5/62)، والألباني في الإرواء (1434).

 [19] انظر: تخريج الحديث السابق.

 

الخطبة الثانية

الحمدُ لله حمدًا كثيرًا طيّبًا مباركًا فيه كمَا يحبّ ربّنا ويرضَى، وأشهَد أن لا إلهَ إلا الله وحدَه لا شريكَ له، وأشهَد أنّ محمّدًا عبده ورسوله، صلَّى الله عليه وعلى آله وصحبِه، وسلّم تسليمًا كثيرًا إلى يوم الدين.

أمّا بعد: فيا أيّها النّاس، اتقوا الله - تعالى -حقَّ التقوى.

عبادَ الله، مِن أنواعِ الضرَرِ إلحاقُ الأذَى مِن بعض مَن عَندهم مَسؤوليةُ الجمهور ومِن بَعض من يُراجعهم المراجعون، فيكون هذا المسؤول يلحِق الضرر بالآخرين، وصوَرُ ذلك أنّه لا يَقضي حاجةَ المحتاج، ولا ينفِّذ المعاملةَ، يضَعها في دُرجِ مَكتبه أيامًا وشهورًا وصاحِبُ الحقِّ متعلِّقةٌ نفسُه بحقّه، كلّما راجع ذلك الإنسانَ قال: العملُ متأخِّر والمعامَلَةُ متأخّرَة وإلى ذلك، تسويفٌ ووعود كاذِبة وهي في درج مكتَبِه ما يتّقي الله في المسلِم، يساوِمُهم على حقوقِهم، ويساوِمهم على إعطاءِ حقوقهم، ويحمِلهم على الرّشوة والطرُق السيّئة، وهذا كلٌّه عين الخطَأ وإلحاق الضرَر بالأمّة، فواجب كلِّ مسؤول أن يتَّقِيَ الله وينفِّذَ الأمورَ المنَاطَةِ به تقوًى لله، في الحديث: ((الخازِنُ المسلم الأمين الذي يؤدِّي ما أمِرَ بأدائه طيّبةً بها نفسُه أحَدُ المتصدِّقين))[1]. فكيف بمن يسعَى بالضرَر ويؤخِّر معاملاتِ الآخرين ويماطِل بها، إن يكن له فيها مصلَحَة أو لقريبٍ, أو صديق مصلَحة أنجِزَت المعاملة في يومٍ, واحد، وإلاّ موطِل بذلك الإنسان ليُحمَل على الأمورِ الرديئَةº إمّا على رِشوةٍ, يدفعها فيستَمرِئ الباطلَ، وهذا الآخِذ لها يأخذُها بغيرِ حقّ، وهو ملعون في أخذهº لأنه عصَى الله وأخذ مالاً بغير حقٍّ,، نسأل الله السلامة والعافية.

 

ومِن الإضرار بالمسلمين الإضرارُ بهم في طُرقاتهم ووضع الأذى في طرُقاتهم ومنتَزَهاتهم، والنبيّ يقول: ((اتّقوا اللاّعِنَين، الذي يتخلَّى في طريق النّاس أو ظلِّهم))[2]، وما يفعله البعض من إلقاء الزجاجةِ وهو سائرٌ في الطريق أو إلقاء زجاجة الماء أو أيّ مشروب، ويلقيها والسيّارة مسرِعة، فربما سبَّبت إلى ضررٍ, يلحق بالإنسان. ومن الضرَرِ أيضًا ما يفعَله بعض المتهوِّرين في سياقاتِهم من تجاوُز الحدود وإِرباك السّير بطرُقٍ, سيّئة، دليلٌ على ضعف البصيرة وقِلّة احترام الغير.

 

ومِن الضرر ـ أيّها المسلم ـ نقلُ الأخبار التي لا صحّةَ لها على وجهِ تُريد بها إلحاقَ الضرر بالمسلم وتعطيلَ حقِّه أو السعي في إلحاق الضرَر به بلا حجّةٍ, شرعية، لكن تنتقِم منه لهواك، فتنقُل عنه وتنسب إليه أمرًا هو بريءٌ منه لأجل الانتقام منه، لا سيّما نقلها إلى من يملِك بعضَ الأشياء، فلا يجوز للمسلِم أن يسعَى في الفساد بنميمةٍ, ووِشاية وأكاذيبَ واختراعِ كلِمات سيّئة وأمور لا حقيقةَ لها.

 

ومن [الواجب] ـ أيها المسلم ـ أن تجتَنِب الضررَ بنفسِك، فتسعى في خلاصِها من عذاب الله، ولا تعرِّضها للهلاكِ، والله يقول: (وَلا تَقتُلُوا أَنفُسَكُم إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُم رَحِيمًا)[النساء: 29]، فقتل الإنسان نفسَه كبيرةٌ من كبائر الذنوب، وتعاطيه أيَّ شيء يضرّ عليه في صحّته أو يقطع نسلَه أو نحو ذلك وتعاطيه المسكرات والمخدِّرات وأنواع الإجرام ضرَرٌ على نفسه، وإن مدَّها لغيره تحمَّل السوءَ، (لِيَحمِلُوا أَوزَارَهُم كَامِلَةً يَومَ القِيَامَةِ وَمِن أَوزَارِ الَّذِينَ يُضِلٌّونَهُم بِغَيرِ عِلمٍ, أَلا سَاءَ مَا يَزِرُونَ)[النحل: 25].

 

ومِنَ الإضرار كتابةُ بعض الكتّاب وتحدّثهم عن قضايا الأمة بما لا يتَّفق مع شريعةِ الإسلام، مثل من يقدحون في القضاءِ الشرعيّ، ويحاولون تشويهَ القضاءِ الشرعيّ ونسبةَ الأخطاء إلى القضاء الشرعيº لأنَّ في قلوبهم مرضًا، يريدون الأمّةَ أن تحكمَ بقوانين وضعيّة وأنظمة بشريّة بعيدة عن الدين وتعاليمه. ومن إلحاق الضرر بالأمّة ما يكتبه البعضُ في تشويهِ سُمعةِ الإسلام وسمعةِ المنتسبين إليه والأقوال الباطلة والأكاذيب المفتَراة، فعلى كلِّ مسلم أن يتَّقيَ الله فيما يقول ويفعل.

أسأل الله لي ولكم الثبات على الحقِّ والاستقامةَ عليه، إنّه على كلِّ شيءٍ, قدير.

واعلَموا ـ رحمكم الله ـ أنّ أحسنَ الحديثِ كتاب الله، وخير الهديِ هدي محمد، وشرّ الأمور محدثاتها، وكلّ بدعةٍ, ضلالةٌ، وعليكم بجماعةِ المسلمين، فإنّ يدَ الله على الجماعة، ومن شذَّ شذَّ في النّار.

 

وصَلّوا ـ رحمكم الله ـ على نبيّكم محمّد كما أمَركم بذلك ربّكم قال - تعالى -: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلٌّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيٌّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلٌّوا عَلَيهِ وَسَلِّمُوا تَسلِيمًا)[الأحزاب: 56].

اللهمَّ صلِّ وسلِّم وبارِك على عبدِك ورسولِك محمّد، وارضَ اللهمّ عن خلَفائه الراشدين...

 

----------------------------------------

[1] أخرجه البخاري في الزكاة (1438)، ومسلم في الزكاة (1023) عن أبي موسى - رضي الله عنه - بنحوه.

 [2] أخرجه مسلم في الطهارة (269) عن أبي هريرة - رضي الله عنه - بلفظ اللّعّانين، وهذا لفظ أبي داود في الطهارة (25).

 

 

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply