إنك في رحاب الحرم الآمن


 

 

بسم الله الرحمن الرحيم

 

الخطبة الأولى:

أما بعد: فأوصيكم ـ عباد الله ـ ونفسي بتقوى الله - عز وجل -، فاتقوه حقَّ التقوى، فهي الركن الأقوى، والذّخر الأبقى، والطريق الأنقى، وهي نعم المطية إلى جنّة المأوى.

أيها المسلمون، منذ القِدم والأزل كان الإنسان ولم يزَل يتطلّع إلى حياةٍ, آمنة مطمئنَّة على وجه هذه البسيطة، تستقرّ فيها نفسُه، ويهدأ خاطرُه، ويسلو فؤادُه، وهل يُرى الخائفُ الفزِع متلذّذا بشرابٍ, وطعام ومستمتِعاً براحة ومنام؟! وإن حياتَنا المعاصرةَ التي قطعت في ميدان الرقيّ الماديّ والحضاريّ شأوًا منقطعَ النظير لا تزال ترزَح تحت نير القلقِ والفزع، ولم تنفكّ ترسُف[1] في أصفاد الخوف والاضطراب وأوهاق[2] التسلّط والفوضى، وأيّ طعمٍ, للحياة تحت هذه المعاني القاتمة الكالحة؟!

ويومَ أن أشرقَت شمسُ الإسلام وظلّل الكونَ بأمنٍ, وارف وأمان سابغ المعاطف، لا يستقلّ بوصفه بيان، ولا يخطّه يراع وبنان، فالأمن مطلبٌ يرومه جميعُ الأفراد والمجتمعات، وتنشده كلٌّ الشعوب والحضارات في بعدٍ, عن منغّصات الجرائم، وفي منأًى عن جالبات القواصم.

يقال ذلك ـ أيها المسلمون ـ والأمةُ تتوجّه هذه الأيام نحو مِحورها الآمن الذي يجمعها، فالأعناق مشرئبّة والأنظارُ متَّجهة نحوَ قطبِ الأمن والأمان وركيزةِ الاستقرار والاطمئنان على ثرى هذا الكوكب الأرضيّ.

حجَّاج بيت الله الحرام، إنَّ من فضل الله على عباده ما اختاره - تعالى -لهم من الأمكنَة المباركَة والعرَصات المقدَّسة في أمِّ القرى والبيتِ الحرام والبلدِ الأمين الحرم الأزهرِ والثرى الأطهرِ والمقام الأنور خيرِ الأماكن وأجلّ البقاع على الإطلاق وأفضلِها باتفاق، كيفَ وقد أدام الله ذكرَها في قرآن يُتلى إلى يوم التلاق: {إِنَّمَا أُمِرتُ أَن أَعبُدَ رَبّ هَذِهِ البَلدَةِ الَّذِي حَرَّمَهَا} [النحل: 91]، وقد أقسم به الباري في موضعين من كتابه فقال - سبحانه -: {لاَ أُقسِمُ بِهَـذَا البَلَدِ} [البلد: 1]، وقال - عز وجل -: {وَهَـذَا البَلَدِ الأَمِينِ} [التين: 3]. وما ظنّك ـ أخي المسلم ـ بثرى أفيَح وأرضٍ, مباركة هي خيرُ أرضِ الله وأحبٌّ أرض الله إلى الله وإلى رسوله؟!

ومكةُ المكرَّمة ـ أدام الله أمنَها وشرفَها ـ بلدٌ حرام آمن إلى يوم القيامة، يقول جل شأنه: {وَمَن دَخَلَهُ كَانَ ءامِناً} [آل عمران: 97]. كما امتنَّ - سبحانه - على ساكني هذه الديار بنعمةِ الأمن والأمان فقال - جل وعلا -: {أَوَلَم يَرَوا أَنَّا جَعَلنَا حَرَماً ءامِناً وَيُتَخَطَّفُ النَّاسُ مِن حَولِهِم} [العنكبوت: 67]، على حين أنَّ العالم تتناوَشه حروبٌ عاصفة ورعودٌ بالخوف والفزع قاصفة، وتقضّ مضاجعَه أعمالُ الإرهاب والحوادث، وتنغِّص أمنَه أبشعُ الجرائم والكوارث.

ولم يكن الأمنُ في بالبلد الحرام قاصرًا على الإنسان وحدَه، بل تعدَّاه إلى الحيوانِ والنبات والزرع والشجر والمال والجماد، فهل بعد هذا من دليل على رعاية الإسلام الفائقةِ لحقوق الإنسان، وأنه دينُ الرحمة والرفق والحقّ والعدل والسلام؟! أخرج الشيخان من حديث ابن عباس - رضي الله عنهما - أن رسول الله قال يومَ فتح مكّة: ((إنَّ هذا البلدَ حرّمه الله يومَ خلق السموات والأرض، فهو حرام بحرمة الله إلى يوم القيامة، لا يُعضد شوكه، ولا ينفَّر صيده، ولا يلتقِط لقطتَه إلا من عرَّفها، ولا يُختلى خلاه))[3].

أمّةَ الإسلام، وحُرمة هذا البلد نافذة، وأمنُه ومكانتُه دائمة، من لدن إبراهيم وإسماعيل - عليهما السلام - إلى أن يرِث الله الأرضَ ومن عليها وهو خير الوارثين، وقد حَماه - سبحانه - من كلِّ كيد، وردّ دونَه أعتَى أيد، استغَزّوا بأضخَم حيوان، فأُبيدوا بحجارةٍ, لا تكاد تبدو للعيان، {أَلَم تَرَ كَيفَ فَعَلَ رَبٌّكَ بِأَصحَـابِ الفِيلِ} [الفيل: 1]؟!

وهذا البلدُ الآمن بحمد الله لم يعلُ فيه صوتٌ على صوتِ الحق، ولم تسَلَّ فيه رايةٌ غير راية التوحيد، ولم يُدَن فيه بدينٍ, غير الإسلام، ولم يرتفِع فيه شعارٌ يناهض الحنيفيةَ والإيمان.

 

هذا الأمنُ الذي امتدَّ مداه وعمّ أثرُه وسناه خاصُّ بالبلد الحرام من سوى الأرضِ أجمع، سابقٌ لكلّ المحاولات البشريّة في إيجاد منطقةٍ, حرام، يعمّ فيها الأمن والسلام، ويُلقى فيها السلاح، ويأمن فيها المتخاصمون، وتُحقن الدماء، ويلوذ بها كلّ ملهوف، ويؤمَّن فيها كلّ مخوف، تتساقط الشعاراتُ وتتهاوى الحضارات كأوراق الخريف، وتبقى مكة عبرَ التأريخ محفوظةً بحفظ الله، رمزاً للتوحيد، وموئلاً للعقيدة، ودوحةً للأمن والأمان بحمد الله.

أيّها الحجاج الأكارم، إنَّ من المسلّمات والثوابتِ أن قدسيَّة الحرمين الشريفين والتجافي عن كلِّ ما يعكّر أمنَهما عقيدةٌ راسخة، وقضيةٌ أزلية ثابتة، لا تغيِّرها السنون، ولا تبدّلها القرون، فحريّ بأهل الإيمان مراعاتُها والحفاظ عليها، لا سيما في زمن الفتن والتحدّيات والمحن والمتغيّرات.

يؤكَّد ذلك ـ أيها المسلمون ـ والأمةُ لا زالت تكتَوي بنار حملاتٍ, مسعورة تتبارى، وصيحاتٍ, مغرِضة تتعالى وتتجارى، ولم يعُد أحدٌ في تكذيبها يتمارى. ألسنةٌ بالبهت انطلقت، وبالحِقد الدفين اندلعت، وبالكيد المبطّن اندلقت، والذي يُقال لهؤلاء: اقرؤوا التأريخ إذ فيه العبر، فللبيت ربُّ يحميه، وإنَّ استحكامَ الأمن في البلد الحرام عقيدةٌ أصلُها ثابت وفرعها في السماء، إزاءَ ما يُعلم من حملاتٍ, ماكرة وهجماتٍ, سافرة ترفٌّ حولَ الإسلام وأهلِ الإسلام ومقدَّسات الإسلام من قِبل الصهيونية العالمية التي لا تنِي ولا تهدَأُ في التمهيد المبطَّن بل المعلن ضدَّ الإسلام والمسلمين، وما أفعالُها على ثرى فلسطين المجاهدة والمسجدِ الأقصى المبارك أُولى القبلتين ومسرى سيّد الثقلين ـ أقرّ الله الأعينَ بفكّ أسره وقربِ تحريره ـ إلا دليلٌ على الصَّلَف والرعونَة والإرهَاب ممَّا هو عظَة وعبرةٌ لأولي النهى والألباب، فالذي حفظ بيتَه وبلدَه الحرام وسدنتُه مشرِكون حافظُه بحوله وقوّته وسدنتُه موحِّدون، ولشرعه يحكِّمون، ولرضوانه يطلبون، ولضيوفِ حرمِه يبذُلون ويخدمون ويسهِّلون، جعله الله في موازين الحسنات وخالصاً لربّ البريات.

أمّة الإسلام، إنَّ الأمنَ العميمَ الذي ضَرب بجِرانه وأحاط بأركانهِ على بلاد الحرمين الشريفين ـ زادها الله توفيقاً ـ فآضت بحمد الله مضربَ الأمثال وواحةَ سلامٍ, واطمئنان عديمةَ المثال، لن تفلّ في شباتِه[4] أصواتٌ ببغاوية مغرِضة، ولن يلين من قناتِه أحداثُ النشاز عن الحقِّ والهدى معرضة.

فحينَ قام بالأمر من كان محتسِباً  ***  قرّ للأمن حِلُّ كـان مضطرِبـا

فأمَّنها بإذن الله من أرضِ زُلَّـقٍ,    ***   إلى عَدنٍ, مستسلماً كلٌّ مجـرِم

فالدار عامرةٌ والسٌّحب ماطـرةٌ    ***   والأرض زاهرة والأمن منتشر

فحمداً لله على آلائِه، وشكراً له على نعمائهِ، وتبًّا لكلّ يدٍ, آثمة معتديَة على أمنِ البلاد والعباد، متعطّشةٍ, لسفك الدماء وتناثُر الأشلاء وانتهاك حرمَة الأبرياء، في الحديث أن رسول الله قال: ((لزوال الدنيا أهونُ على الله من قتل رجل مسلم)) خرجه الترمذي والنسائي من حديث عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما[5]، وعند الترمذي أن رسول الله نظر إلى الكعبة فقال: ((ما أعظمَك وأعظمَ حرمتك، إلا أنَّ المؤمنَ أعظمُ عند الله حرمةً منك))[6].

أمة الإسلام، وهذا البلدُ الأمين ـ زاده الله تشريفاً وتكريماً ومهابة ـ وهذه البقاع المعظمة قد أحاطها الباري جلّ في علاه بحصنٍ, مشمخرٍّ, مكين من الوعيد والتهديد لمن أراده بسوء: {وَمَن يُرِد فِيهِ بِإِلحَادٍ, بِظُلمٍ, نٌّذِقهُ مِن عَذَابٍ, أَلِيمٍ,} [الحج: 25].

إخوة الإسلام، حجّاجَ بيت الله الحرام، تأسَّوا بمنهج السلف الكرام في تعظيم هذا البلد الحرام، يقول عبد الله بن عمرو بن العاص - رضي الله عنهما -: كنّا نعدّ \"لا والله\" و\"بلى والله\" إلحاداً في الحرم[7]، وقال بعضهم: إنَّ احتكارَ الطعام وظلمَ الخادم إلحادٌ في الحرم.

ألا ما أروَع هذا الأدَب مع بلدِ الله الحرام، وما أنبلَ هذا الأرب من حرم الله، كم يستبيك معظّمُو الحرم الحرام، وكم يستهويك موقِّرو هذه البقاعِ العظام، وتالله إنَّ ذلك لعنوانُ الصلاح والفلاح، وميسمُ التقوى في الخلوَة الجلوى، يقول - جل وعلا -: {ذالِكَ وَمَن يُعَظّم حُرُمَـاتِ اللَّهِ فَهُوَ خَيرٌ لَّهُ عِندَ رَبّهِ} [الحج: 30].

 

إخوتي الحجّاج الفضلاء، اللهَ اللهَ في المحافظةِ على هذه الأجواءِ الآمنة المطمئنَّة، وتوقير هذه المشاعر والبقاع الشريفة، فأنتم بإذن الرحمن رجالُ أمن وإيمان، فليكن كلُّ منكم عيناً ساهرةً على أمنِ بلاد الحرمين حرسها الله، فأمنُها أمنٌ لكلّ مستقبِل لقبلتِها، ولا يغيظُ بذلك إلا قلبُ كلّ جحودٍ, وضميرُ كلّ كنود.

أخي الحاجّ المبارك، وثمَّةَ لطيفةٌ ينبغي أن لا تعزب عن ذِهن قاصدِي بيتِ الله الحرام، وهي ذلك الارتباطُ الوثيق والاتصالُ العميق بين الأمن والإيمان، بين البيت والتوحيد، بين الحجِّ والعقيدة، {الَّذِينَ ءامَنُوا وَلَم يَلبِسُوا إِيمَـانَهُم بِظُلمٍ, أُولَـئِكَ لَهُمُ الأمنُ وَهُم مٌّهتَدُونَ} [الأنعام: 82]، {وَإِذ قَالَ إِبراهِيمُ رَبّ اجعَل هَـذَا البَلَدَ ءامِنًا وَاجنُبنِي وَبَنِي أَن نَّعبُدَ الأصنَامَ} [إبراهيم: 35]، {وَإِذ بَوَّأنَا لإِبراهِيمَ مَكَانَ البَيتِ أَن لاَّ تُشرِك بِي شَيئاً} [الحج: 26]. فهل يعي ذلك من يتعلّقون بالصخور والآثار، ويتمسَّحون بالجدران والأستار، ويتناسَون العزيزَ الغفار، {ءأَربَابٌ مٌّتَّفَرّقُونَ خَيرٌ أَمِ اللَّهُ الوَاحِدُ القَهَّارُ} [يوسف: 39].

فالتوحيد ـ يا عباد الله ـ أولاً وآخراً، والعقيدةُ ـ يا حجَّاج بيت الله ـ ابتداءً وانتهاء، فإذا وحَّدتِ الأمة ربَّها توحّدَت صفوفُها، {إِنَّ هَـذِهِ أُمَّتُكُم أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبٌّكُم فَاعبُدُونِ} [الأنبياء: 92]، وبذلك يتحقَّق الأمنُ والأمان والراحة والاطمئنان، والله وحده المستعان.

ألا فاتقوا الله عبادَ الله، وعظِّموا الشعائرَ والمشاعر، تحظَوا بالفضل العظيم في الدارين، والخير العميم في الحياتين، {ذالِكَ وَمَن يُعَظّم شَعَـائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِن تَقوَى القُلُوبِ} [الحج: 32].

نفعني الله وإياكم بالوحيين وبهدي سيّد الثقلين، أقول قولي هذا، وأستغفر الله العظيم الجليل لي ولكم ولكافة المسلمين من كل ذنب، فاستغفروه إنه كان غفاراً، وتوبوا إليه إنه كان تواباً.

 

الخطبة الثانية:

الحمد لله جعل بيتَه الحرامَ مثابةً للناس وأمنًا، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، حصّن بيتَه الحرام فجعله مباركاً وهدىً ويُمناً، وأشهد أن نبينا محمداً عبد الله ورسوله، كساه ربّه من حلل الإيمان ما بلَّغه من المراتب الأشرفَ والأسنى، صلى الله وسلم وبارك عليه، وعلى آله وصحبه الذين مدحهم ربّهم وأثنى، والتابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.

أما بعد: فيا أيها الحجاج الميامين، ويا ضيوفَ ربّ العالمين، اتقوا الله ربَّكم فهو بالتقوى قمين.

عباد الله، حجاجَ بيت الله، ها هي أيامُ الحجّ المباركة قد أظّلت، ولياليه الزّهر قد أهلَّت، وبواعثُ الشَّوق من مكانِها أهبّت، وأفئدةُ المسعَدين بهذا المكان قد وضعَت وخبّت، وها هي بلاد الحرمين الشريفين قد بدت برَّاقةَ المباسِم استبشاراً بكم يا وفدَ خير المواسم.

إخوتي الحجَّاج الكرام، يا من كابدتم من أجل هذه الفريضةِ العظيمة الشوقَ وضِرامَه، ومن أجل هذا البيت العتيق النوى[8] وسِقامَه، اشكُروا الله - عز وجل - على ما تنعَمون به من شرف المكان والزمان، فأنتم أمام قِبلة المسلمين ومدارِج الأنبياء والمرسَلين ومَهد الرسالة الغرّاء ومعارجِ الملائكة الأصفياء وندَى الصحب الكرماء، ذلكم ـ يا رعاكم الله ـ شرفُ المكان، أما شرف الزمان فحيث تعيشون شهراً حراماً، وتستقبلون أياماً عظاماً، تلكم هي العشرُ الأول من ذي الحجة، يقول في حديث ابن عباس - رضي الله عنهما -: ((ما مِن أيام العملُ الصالح فيها أحبّ إلى الله من هذه الأيام)) يعني أيامَ عشر ذي الحجة، قالوا: يا رسول الله، ولا الجهاد في سبيل الله؟ قال: ((ولا الجهاد في سبيل الله، إلا رجل خرج بنفسه وماله ثم لم يرجع من ذلك بشيء)) خرجه البخاري[9].

فاغتنموا ـ رحمكم الله ـ الأجورَ والعطايا، واجتنبوا الآثام والخطايا، {الحَجٌّ أَشهُرٌ مَّعلُومَـاتٌ فَمَن فَرَضَ فِيهِنَّ الحَجَّ فَلاَ رَفَثَ وَلاَ فُسُوقَ وَلاَ جِدَالَ فِي الحَجّ} [الحج: 197]، ويقول: ((والحج المبرور ليس له ثوابٌ إلا الجنة)) خرجاه في الصحيحين[10].

 

أخي الحاج المبارَك، ها قد أسعدَك الله بالوصول وحصول المأمول، وأمتَعك ببَرد اليقين، فسحّت عينُك الدمعَ السخين، خوفاً من الآثام والذنوب، واستغفاراً من المعاصي والحوب، فاحرص ـ وفَّقك الله ـ أن تكونَ نقيَّ الألفاظ، عضيض الألحاظ، آطراً نفسك على القربات والطاعات، صائناً قلبَك عن الهوى والدركات، مخلصاً لمن لبَّيتَ نداءَه بالحجّ، وليكن ذلك ديدنك في كلّ طريق وفجّ، متحلِّياً بحسن الأخلاق ونُبل الشمائل وكريمِ السجايا وأدبِ التعامل، وحفظِ الأمن والنِّظام، وتجنّب الإيذاء والزّحام، ولزومِ الهدوء والسكينة، والتأسِّي بالحبيب المصطفى والرسولِ المجتبى - عليه الصلاة والسلام -، فهو القائل: ((خذوا عني مناسككم))[11].

وإنَّ ما تنعَمون به من أجواءَ روحانيَّة وإيمانيّة عاليةٍ, في ظلِّ العناية الفائقة مع توفّر الإمكانات والخدمات الجليلةِ لخيرُ برهانٍ, على ما هيَّأ الله للحرمين الشريفين من رجالٍ, بررة وربّان مهرَة، وإنّهم لقمينون بدعواتِكم المخلصة بالتوفيق والثبات، والمزيد من الأعمال الصالحات، سائلين المولى - جل وعلا - قدرته أن يثبت ذلك في صحائف الأعمال، وأن يرزق الجميع الهدى والرشاد والتقى والسداد. كما نسأله جلت قدرتُه أن يتقبَّل من حجّاج بيته الحرام حجَّهم، وأن يجعَل حجَّهم مبروراً وسعيَهم مشكوراً وذنبَهم مغفوراً، وأن يعيدَهم إلى بلادهم سالمين غانمين مأجورين غيرَ مأزورين، إنَّه خيرُ مسؤول وأكرم مأمول.

ألا وصلوا وسلموا ـ رحمكم الله ـ على الهادي البشير والسراج المنير كما أمركم بذلك اللطيف الخبير فقال - تعالى -قولاً كريما: {إِنَّ اللَّهَ وَمَلَـائِكَـتَهُ يُصَلٌّونَ عَلَى النَّبِي يا أَيٌّهَا الَّذِينَ ءامَنُوا صَلٌّوا عَلَيهِ وَسَلّمُوا تَسلِيماً} [الأحزاب: 56].

اللهم صل وسلم وبارك على نبينا وحبيبنا وقدوتنا محمد بن عبد الله، وارض اللهم عن خلفائه الراشدين...

 

----------------------------------------

[1] رسَف يرسف أي: مشى مشياً بطيئاً بسبب القيد.

[2] جمع وهق، وهو الحبل الذي في طرفيه أنشوطة تطرح في أعناق الدواب حتى تؤخذ.

[3] أخرجه البخاري في الحج (1587، 1834)، ومسلم في الحج (1353).

[4] الشباة طرف السيف وحدٌّه.

[5] أخرجه الترمذي في الديات (1315)، والنسائي في المحاربين (3922)، وقال الترمذي: \"وفي الباب عن سعد وابن عباس وأبي سعيد وأبي هريرة وعقبة بن عامر وابن مسعود وبريدة\"، وأشار إلى أن وقفه أصح من رفعه، وكذا رجح وقفه البيهقي في الكبرى (8/22)، ورمز له السيوطي بالصحة، وصححه الألباني في غاية المرام (439).

[6] الذي في سنن الترمذي في كتاب البر (2032) أن هذا من كلام ابن عمر - رضي الله عنهما - موقوفا عليه، وصححه ابن حبان (5763)، وحسنه الألباني في غاية المرام (435). وأخرجه ابن ماجه بنحوه عن ابن عمر مرفوعا، قال البوصيري في الزوائد (4/164) عن إسناده: \"فيه مقال\"، وضعفه الألباني في ضعيف ابن ماجه (785).

[7] أخرجه ابن جرير في تفسيره (17/141).

[8] الغربة والبعد.

[9] أخرجه البخاري في الجمعة (969).

[10] أخرجه البخاري في العمرة، باب: وجوب العمرة وفضلها (1773)، ومسلم في الحج، باب: في فضل الحج والعمرة ويوم عرفة (1349) من حديث أبي هريرة - رضي الله عنه -.

[11] أخرجه مسلم في الحج (1297) من حديث جابر - رضي الله عنهما - بلفظ: ((لتأخذوا مناسككم، فإني لا أدري لعلي لا أحج بعد حجتي هذه)).

 

 

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply