بسم الله الرحمن الرحيم
الخطبة الأولى:
أما بعد: فيا أيها الناس، اتقوا الله- تبارك وتعالى - حق التقوى، وراقبوه في السر والنجوى، واعلموا أنكم ملاقوه وإليه الرجعى، حاسبوا أنفسكم، وزنوا أعمالكم، وتزينوا للعرض الأكبر على الله، {يَومَئِذٍ, تُعرَضُونَ لاَ تَخفَى مِنكُم خَافِيَةٌ} [الحاقة: 18].
عباد الله، يقول الله - عز وجل- : {وَمَا كَانَ المُؤمِنُونَ لِيَنفِرُوا كَافَّةً فَلَولاَ نَفَرَ مِن كُلّ فِرقَةٍ, مّنهُم طَائِفَةٌ لّيَتَفَقَّهُوا فِي الدّينِ وَلِيُنذِرُوا قَومَهُم إِذَا رَجَعُوا إِلَيهِم لَعَلَّهُم يَحذَرُونَ} [التوبة: 122].
إخوة الإسلام، لقد رفع الله - تعالى - شأن العلم وأهله، وبين مكانتهم، ورفع منزلتهم، فقال - سبحانه وتعالى- : {يَرفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ ءامَنُوا مِنكُم وَالَّذِينَ أُوتُوا العِلمَ دَرَجَـاتٍ, وَاللَّهُ بِمَا تَعمَلُونَ خَبِيرٌ} [المجادلة: 11]. ولم يأمر الله - تعالى - نبيه - صلى الله عليه وسلم - بالاستزادة من شيء إلا من العلم، فقال له - سبحانه وتعالى -: {وَقُل رَّبّ زِدنِي عِلماً} [طه: 114]، وما ذاك إلا لما للعلم من أثر في حياة البشر، فأهل العلم هم الأحياء، وسائر الناس أموات.
العلم يجلو العمى عن قلب صاحبـه *** كما يجلي سواد الظلمة القمر
فلـولا العلم ما سـعدت نفـوس *** ولا عرف الحلال و لا الحرام
فبالعلـم النجـاة مـن المخـازي *** وبالجهـل المذلـة والرَّغـام
ولقد منع الله - سبحانه - المساواة بين العالم والجاهل، لما يختص به العالم من فضيلة العلم ونور المعرفة، {قُل هَل يَستَوِي الَّذِينَ يَعلَمُونَ وَالَّذِينَ لاَ يَعلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الألبَـابِ} [الزمر: 9].
فالعلم شرف لا قدر له، ولا يجهل قدر العلم وفضله إلا الجاهلون. قال عبد الملك بن مروان لبنيه: \"يا بَنِيَّ! تعلموا العلم، فإن كنتم سادة فُقتم، وإن كنتم وسطاً سدتم، وإن كنتم سوقة عشتم\".
فمن لم يذق مر التعلم ساعة *** تجرع ذل الجهل طول حياته
ومن فاته التعليم حال شبابه *** فكبر عليـه أربعـاً لوفاتـه
عباد الله، إن طلب العلم خير ما ضُيعت فيه الأعمار، وأُنفقت فيه الساعات، فالناس إما عالم أو متعلم، أو هَمَجَ رَعاع {مٌّذَبذَبِينَ بَينَ ذلِكَ لاَ إِلَى هَـؤُلاء وَلاَ إِلَى هَـؤُلاء وَمَن يُضلِلِ اللَّهُ فَلَن تَجِدَ لَهُ سَبِيلاً} [النساء: 143].
ولقد جاءت نصوص الكتاب والسنة منوهة بفضل العلم وأهله، والحث على تعلمه وكسبه، فقد شرف الله - تعالى -هذه الأمة، حيث جعلها أمة العلم والعمل معاً، تمييزاً لها عن أمم الظلم والجهل.
وجاءت الصيحة الأولى المدوية التي أطلقها الإسلام في أنحاء المعمورة لتنوه بقيمة العلم والعلماء، وتسمو بقدره، وتجعل أول لبنة في بناء الأفراد والشعوب، وكيان الأمم والمجتمعات، القراءة والكتابة.
عن أبي الدرداء - رضي الله عنه - قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: ((من سلك طريقاً يطلب فيه علماً سلك الله به طريقاً من طرق الجنة، وإن الملائكة لتضع أجنحتها رضاً لطالب العلم، وإن العالم ليستغفر له من في السموات ومن في الأرض، والحيتان في جوف الماء، وإن فضل العالم على العابد كفضل القمر ليلة البدر على سائر الكواكب، وإن العلماء ورثة الأنبياء، وإن الأنبياء لم يورثوا ديناراً ولا درهماً، ورَّثوا العلم فمن أخذه أخذ بحظ وافر)) رواه أبو داود.
عباد الله، بالعلم تُبنى الأمجاد، وتشيد الحضارات، وتسود الشعوب، وتبنى الممالك، بل لا يستطيع المسلم أن يحقق العبودية الخالصة لله - تعالى - على وفق شرعه، فضلاً عن أن يبني نفسه كما أراد الله - سبحانه -، أو يقدم لمجتمعه خيراً، أو لأمته عزاً ومجداً ونصراً إلا بالعلم. وما فشا الجهل في أمة من الأمم إلا قَوَّض أركانها، وصدَّع بنيانها، وأوقعها في الرذائل والمتاهات المهلكة.
وإن كبير القوم لا علم عنده *** صغير إذا التفت عليه المحافل
ومن سلك طريقاً يظنه الطريق الموصل إلى الله - تعالى - بدون علم، فقد سلك عسيراً ورام مستحيلاً، فلا طريق إلى معرفة الله - سبحانه وتعالى -، والوصول إلى رضوانه إلا بالعلم النافع الذي بعث الله به رسله، وأنزل به كتبه، فهو الدليل عليه، وبه يهتدى في ظلمات الجهل، وشبهات الفساد والشكوك.
والعلم الشرعي: وهو العلم بكتاب الله وسنة نبيه - صلى الله عليه وسلم -، هو القاعدة الكبرى التي تبنى عليها سائر العلوم، وحملة العلم الشرعي هم ورثة الأنبياء والأمناء على ميراث النبوة، ومتى ما جمعوا بين العقيدة الصحيحة والعلم الشرعي، المتوج بالأدلة الشرعية مع الإخلاص لله - سبحانه -، والتأدب بآداب العلم وأهله فهم الأئمة الثقات، والأعلام الهداة.
مثلهم في الأرض كمثل النجوم يُهتدى بها، قال - صلى الله عليه وسلم - والحديث في إسناده ضعف: ((إن مثل العلماء في الأرض كمثل النجوم في السماء، يهتدى بها في ظلمات البر والبحر، فإذا انطمست النجوم أوشك أن تضل الهداة)).
قال الحافظ بن رجب عليه رحمة الله: \"وهذا مثل في غاية المطابقة، لأن طريق التوحيد والعلم بالله وأحكامه وثوابه وعقابه لا يدرك إلا بالدليل، وقد بين الله ذلك كله في كتابه، وعلى لسان رسوله، فالعلماء بما أنزل الله على رسوله هم الأدلاء الذين يُهتدى بهم في ظلمات الجهل والشبه والضلال، فإذا فُقدوا ضل السالك\".
العلماء بالله - تعالى - وبشرعه هم أهل خشية الله، وشهداء الله في أرضه، وخلفاء الرسول في أمته، فمن كان بالله أعرف كان منه أخوف، لأنه كلما كانت المعرفة للعظيم الكريم، الموصوف بصفات الكمال، والمنعوت بالأسماء الحسنة، كلما كانت المعرفة به أتم، والعلم به أكمل كانت الخشية له أعظم، وأكثر.
قال ابن عباس - رضي الله عنهما -: (العالم بالرحمن من عباده: من لم يشرك به شيئاً، وأحل الحلال، وحرم الحرام، وحفظ وصية الله، وأيقن أنه ملاقيه، ومحاسبه بعمله).
فالخشية: هي التي تحول بين العبد وبين معصية الله، وتدعوه إلى طاعته والسعي في مرضاته. قال الحسن البصري - رحمه الله -: \"العالم من خشي الرحمن بالغيب، ورغب فيما رغب الله فيه، وزهد فيما سخط الله فيه\"، ثم تلا قول الله - تعالى -: {إِنَّمَا يَخشَى اللَّهَ مِن عِبَادِهِ العُلَمَاء إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ غَفُورٌ} [فاطر: 28].
وهذا هو العلم الحقيقي الذي ينفع صاحبه، فإن العلم ليس عن كثرة المعرفة والحفظ، ولكن العلم عن كثرة الخشية، فهو نور يجعله الله في القلب، ولقد أحسن من قال:
لا تحسبن العلم ينفع وحده *** ما لم يتـوَّج ربه بخَلاق
فالعالم بغير ورع ولا طاعة كالسراج يضيء البيت بنوره، ويحرق نفسه، وماذا يفيد العلم جماع القول المُصِرِّين على معاصيهم وأخطائهم، الذين يستمعون القول ولا يتبعون أحسنه.
روى عبد الله بن وهب عن سفيان: أن الخضر قال لموسى - عليهما السلام -: يا ابن عمران! تعلم العلم لتعمل به، ولا تتعلمه لتحدث به، فيكون عليك بوره، ولغيرك نوره.
وقال أبو الدرداء - رضي الله عنه -: (أخوف ما أخاف إذا وقفت بين يدي الله أن يقول: قد علمت فماذا عملت).
وفي منثور الحكم: لم ينتفع بعلمه من ترك العمل به. فثمرة العلم أن يعمل به، لأن العلم يهتف بالعمل فإن أجابه وإلا ارتحل. وخير العلم ما نفع، وخير القول ما ردع، ومن تمام العلم استعماله، ومن تمام العمل استقلاله، فمن استعمل علمه لم يخلُ من رشاد، ومن استقل عمله لم يقصر عن مراد.
وإن القلب ليعتصره الألم اعتصاراً حينما يرى بعض من طرقوا أبواب العلم الشرعي، فلم يرفعوا بذلك رأساً، تعلموا من العلوم والأحكام الكثير، ولكن الأثر مفقود.
وإن المرء ليتساءل! أين العلم الشرعي ممن أضاعوا الصلوات، وتَبِعوا الشهوات، وأين العلم الشرعي ممن أسبلوا الثياب، وحلقوا اللحى، وتعاملوا بالربا، وهجروا الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ووقعوا في المعاصي، مع أنهم يعلمون يقيناً أن هذه كلها محرمة ممنوعة على المسلم. فالله المستعان.
وقد أثر عن الصحابة وجماعة من السلف، أنهم كانوا لا يتجاوزن عشر آيات من كتاب الله - تعالى -، حتى يتعلموا ما فيها من العلم ويعملوا به. قال بعض السلف: \"كنا نستعين على حفظ العلم بالعمل به\". فترك العمل بالعلم من أقوى الأسباب في ذهابه ونسيانه.
قال علي - رضي الله عنه -: (يا حملة العلم اعملوا به، فإن العالم من عمل بما علم، فوافق عمله علمه، وسيكون أقوام يتعلمون العلم لا يجاوز تراقيهم، يخالف عملهم علمهم، وتخالف سريرتهم علانيتهم، يجلسون حِلَقاً، فيباهي بعضهم بعضاً، حتى إن الرجل ليغضب على جليسه إذا جلس إلى غيره وتركه، أولئك لا تصعد أعمالهم في مجالسهم تلك إلى الله - عز وجل -).
ولقد ضرب المصطفى - صلى الله عليه وسلم - مثلاً لطلاب العلم، وأحوالهم في الاستفادة مما تعلموا، فقال: ((إن مثل ما بعثني الله - عز وجل - به من الهدى والعلم كمثل غيث أصاب أرضاً، فكانت منها طائفة طيبة قبلت الماء، فأنبتت الكلأ والعشب الكثير، وكان منها أجادب أمسكت الماء، فنفع الله بها الناس، فشربوا منها وسقوا ورعوا، وأصاب طائفة منها أخرى إنما هي قِيعان لا تمسك ماء ولا تنبت كلأ، فذلك مثل من فقه في دين الله، ونفعه ما بعثني الله به فعلم وعلم، ومثل من لم يرفع بذلك رأساً، ولم يقبل هدي الله الذي أرسلت به)) رواه مسلم.
ثم اعلموا ـ رحمكم الله ـ أن من آفات العلم، وأسباب محق البركة عنه أن تطلب به الرئاسة على الخلق، والتعاظم عليهم، وأن يريد طالبه بعلمه أن ينقاد له الناس، ويخضعوا له، وأن يصرفوا إليه وجوههم، فيظهر للناس زيادة علمه على العلماء ليعلو به عليهم، ونحو ذلك، فهذا موعده النار ـ عياذاً بالله منها ـ فقد قال المصطفى - صلى الله عليه وسلم -: ((من طلب العلم ليجاري به العلماء، أو ليماري به السفهاء، ويصرف به وجوه الناس إليه، أدخله الله النار)) رواه الترمذي.
وفي رواية لابن ماجه: ((لا تعلموا العلم لتباهوا به العلماء، ولا لتماروا به السفهاء ولا تخيروا به المجالس، فمن فعل ذلك فالنار النار)). قال الحسن البصري - رحمه الله -: \"ولا يكن حظ أحدكم من علمه أن يقول له الناس: عالم\".
كما أن عليه أن يخلص في طلب العلم لله - تعالى -، وأن يصبر فيه وعليه ويصابر، ويحذر من الاستعجال في الحصاد، فإن البداية مزلة، ومن تصدر قبل حينه، فضحه الله في حينه.
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعنا بما فيه من الآيات والذكر الحكيم، أقول ما تسمعون، وأستغفر الله فاستغفروه، وتوبوا إليه إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية:
أما بعد: فيا أيها الناس، اتقوا الله واشكروه وأطيعوه وراقبوه، ولا تعصوه، فإن التقوى هي أساس العلم، ومفتاح الفهم، {وَاتَّقُوا اللَّهَ وَيُعَلّمُكُمُ اللَّهُ وَاللَّهُ بِكُلّ شَيء عَلِيمٌ} [البقرة: 282].
عباد الله، يستعد الأبناء في هذه الأيام لاستقبال عام دراسي جديد، يقضونه بين أروقة المدارس والمعاهد والجامعات، لينهلوا من مناهل العلم والمعرفة، على حسب مستوياتهم واتجاهاتهم، ويشجعهم على ذلك ويدفعهم أولياء أمورهم والقائمون على تدريسهم، من مربين ومدرسين، والذين يقع عليهم العبء الأكبر في تربية الناشئة التربية الإسلامية الهادفة، التي تعود عليهم بالنفع في دنياهم وآخرتهم، ولا يتم ذلك إلا بالتعاون الجاد بين البيت والمدرسة، وقيام كل منهما بما له وما عليه تجاه أبناء المسلمين.
فليعلم كل من اشتغال بالتدريس: أن أقل ما يُنتظَر من المعلم أن يكون مظهره إسلامياً، وأن يتقي الله - سبحانه وتعالى - في قوله وفعله وسلوكه، وأن يكون ذلك كله متفقاً مع شرع الله، في التعامل مع الطلاب، والتخاطب معهم، وأن يروا فيه القدوة الصالحة التي تحتذى.
وما اختلت موازين الأمة، وفسد أبناؤها ـ يا عباد الله ـ إلا حينما ضاع الأبناء بين أب مفرط، لا يعلم عن حال أبنائه، ولا في أي مرحلة يدرسون، ولا مع من يذهبون ويجالسون، ولا عن مستواهم التحصيلي في الدراسة، وبين مدرس خان الأمانة، وتهاون في واجبه، ولم يدرك مسؤوليته.
وهذا الحكم ليس عاماً، فإن بين صفوف المدرسين أتقياء بررة، ومربين أوفياء وهم كثير بحمد الله - تعالى -، وإن المنصف ليدرك دون شك جهد ذلك الجندي المجهـول ـ المعلم المخلص ـ في تعليم الأجيال، وتربيتهم، وتقويم سلوكهم، وإن واجب الأمة نحوه: أن تشكر جهوده، وتؤدي إليه بعضاً من حقه، وأن تعرف له قدره واحترامه وفضله.
إن المعلم والطبيـب كليهمـا *** لا ينصحان إذا هما لم يكرمـا
فاصبر لدائك إن أهنت طبيبـه *** واصبر لجهلك إن جفوت معلماً
عباد الله، تعلموا رحمكم الله العلم النافع، وعلموه، فمن يرد الله به خيراً يفقهه في الدين، فإن العلم منه ما هو واجب على كل مسلم ومسلمة، لا يقدر أحد على تركه، إذ تركه مُخِلٌ بحياته ودينه، كأحكام العقيدة، والطهارة، والصلوات، والزكاة، والصوم، والحج، فالواجب على المسلم أن يسأل عن ذلك، ويتعلم أحكام دينه، فإنما شفاء العِيّ السؤال.
وكم هو شديد الوقع على النفوس ـ يا عباد الله ـ: أن يرى الناس مَن شاب رأسُه، ورقَّ عظمُه، وهو يتعبد الله على غير بصيرة، ولقد يصلي بعض الناس أربعين سنة، أو عشرين سنة، أو أقل أو أكثر وهو لم يُصَلِّ في الحقيقة، لأن صلاته ناقصة الأركان، أو مختلة الشروط والواجبات. ومع ذلك لا يحاول تعلم أحكامها، بينما يُرى حريصاً على دنياه.
ويكفي هذا دليلاً على أن الله - سبحانه وتعالى - لم يُرِد به خيراً، ولو تعلم العلوم الدنيوية، وتبحر فيها، لأنها علوم معاشية فقط، لا تستحق مدحاً ولا ذماً. وقد وصف الله - تعالى - أصحابها بقوله - تعالى -: {يَعلَمُونَ ظَاهِراً مّنَ الحَيَوةِ الدٌّنيَا وَهُم عَنِ الآخِرَةِ هُم غَـافِلُونَ} [الروم: 7]، {بَلِ ادرَكَ عِلمُهُم في الآخِرَةِ بَل هُم في شَكّ مّنهَا بَل هُم مّنهَا عَمُونَ} [النمل: 66].
قال ابن كثير - رحمه الله -: \"فهؤلاء ليس لهم علم إلا بالدنيا، وأكسابها، وشؤونها، وما فيها، فهم حذاق أذكياء في تحصيلها، ووجوه مكاسبها، وهم غافلون عن أمور الدين، وما ينفعهم في الدار الآخرة، كأن أحدهم مُغَفَّلٌ لا ذِهنَ له، ولا فكرة\".
وقال الحسن البصري: \"والله ليبلغ أحدهم بدنياه أنه يقلب الدرهم على ظفره، فيخبرك بوزنه، وما يحسن أن يصلي\".
وقال ابن عباس - رضي الله عنهما - في الآية: (والمراد بذلك الكفار، يعرفون عمران الدنيا، وهم في الدين جُهال).
ثم اعلموا ـ رحمكم الله ـ: أن بقاء العلم الشرعي مرهون ببقاء حملته، فإذا ذهبوا وقع الناس في الضلال، حيث يكثر الجهل بعلوم الشريعة، وهذا من علامات الساعة، فحقيق بكل مسلم أن يحرص على طلب العلم، تعلماً، وتعليماً، وتطبيقاً. قال - صلى الله عليه وسلم -: ((إن من أشراط الساعة أن يُرفع العلم، ويَثبُتَ الجهل، ويُشرَب الخمر، ويظهر الزنا)) رواه مسلم.
وارتفاع العلم إنما يكون بموت العلماء، حيث يموت علمهم معهم.
فعن عبد الله بن عمرو بن العاص - رضي الله عنهما - قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: ((إن الله لا يقبض العلم انتزاعاً ينتزعه من الناس، ولكن يقبض العلم بقبض العلماء، حتى إذا لم يترك عالماً اتخذ الناس رؤوساً جهالاً، فسئلوا، فأفتوا بغير علم، فضلوا وأضلوا)) رواه مسلم. والمراد بقبض العلم: هو موت العلماء، وذهاب الفضلاء والفقهاء، فقد جاء في تفسير قوله - تعالى -: {أَوَلَم يَرَوا أَنَّا نَأتِي الأرضَ نَنقُصُهَا مِن أَطرَافِهَا وَاللَّهُ يَحكُمُ لاَ مُعَقّبَ لِحُكمِهِ وَهُوَ سَرِيعُ الحِسَابِ} [الرعد: 41]. عن عطاء - رحمه الله - قال: \"هو موت العلماء وذهاب الفضلاء وفقهاء الأرض وخيار أهلها\". وقال ابن عباس - رضي الله عنه -: (لا يزال عالم يموت، وأثر للحق يندرس، حتى يكثر أهل الجهل، ويرفع العلم).
فاتقوا الله أيها المسلمون، واحرصوا على تعلم العلم الشرعي، وتعلموا له السكينة والوقار، وهذبوا به أخلاقكم، وقوِّموا به أفعالكم وأقوالكم. ثم صلوا وسلموا على من أمركم الله - تعالى -بالصلاة والسلام عليه في قوله عز من قائل: {إِنَّ اللَّهَ وَمَلَـائِكَـتَهُ يُصَلٌّونَ عَلَى النَّبِي يا أَيٌّهَا الَّذِينَ ءامَنُوا صَلٌّوا عَلَيهِ وَسَلّمُوا تَسلِيماً} [الأحزاب:56].وقال - صلى الله عليه وسلم -: ((من صلى عليّ واحدة صلى الله عليه عشراً)) رواه مسلم.
أضف تعليق
هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها
تم الإرسال
ستتم إضافة التعليق بعد معاينته من قبل فريق عمل مداد