رسالة إلى سجين


 بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، ولي الصالحين، والعاقبة للمتقين، ولا عدوان إلاّ على الظالمين، و الصلاة والسلام على أشرف الأنبياء المرسلين سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم أجمعين ثم أما بعد:

 

أخي السجين:

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد

وأسال الله العلي القدير أن يفرج همك، وينفس كربك، وأن يوسع عليك ضايقتك، وأن يخلفك خيراً في ما راح من عمرك خلف القضبان.

واسمح لي أن أشاركك معاناتك، وأن أقف بجانبك ولو لفترة قصيرة من الوقت، فأنت في النهاية أخي، ولك عليّ حق في أن أمدّ يد العون لك، ولي حق عليك في أن تقدّر هذا العون، وأن تجعله محط اهتمامك، ومحل نظرك، \" فالمؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضاً إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالحمى والسهر....الحديث\".

تبقى يا رعاك الله ذلك العضو الغالي على مجتمعه، والذي لا يستغنى ذلك المجتمع عنه مهما تطور أو ارتقى ولن يستغنى عنه بسهولة.

أكتب لك هذه الأحرف من داخل أعماق قلب ذكرك فأحبك فأرخص كل ثمين ليصلك.

أكتبها وأنا في جعبتي الكثير من مشاعر الحب لشخصك الأبي الفذ، وروحك الصابرة المحتسبة.

أكتبها ومعاني الإسلام السامية شعاري وشعارك، وهي عنوان لك ولي فلم أخلق أنا وإياك إلا لأجلها ومن أجلها، وأكتبها وأن أعلم بأنك تحاكي نفسك دائماً، وتجاهدها في لزوم الطاعة وترك المعصية.

أكتبها والندم يحيط بوجدانك، والحزن يظهر على محياك، والهم يصارع جوانحك.

أكتبها والأمل يقرب منك ويبعد، والفرج يسافر عنك ويعود، وسؤالك دائماً وأبداً متى أنطلق يا رباه؟ أكتبها وأنا أعلم بأنك تمر بتجربة مريرة صعبة، وتواجه ظروف قاسية نكده، وتشعر بالظلمة تحيط بك من كل مكان.

أكتبها لك وأن تشعر بخطاك، وتحس بجرمك، وتدرك بأنك في حاجة دائمة إلى عفو ربك وغفرانه.

أكتبها لك وأنا ولله الذي لا إله إلا هو أني ما قصدت من كتابتها إلاّ أني أحبك، وأريد أن تكون أفضل مما أنت فيه، رجلاً نافعاً لمجتمعك وناسك، باراً بربك وبوالديك وممن هم حولك، مؤثراُ تأثيراً إيجابياً على أصدقائك وجلسائك.

أكتبها لك مبيناً نعمة هذا السجن عليك، وفوائده التي لن تشعر بها إلاّ عندما تكون خارجه بإذن الله - تعالى -في أقرب وقت بشرط أن تكون التوبة طريقك، والعمل السامي خطتك، والجنة بإذن الله - تعالى -هدفك ومرادك الأخير.

 

وقد تقول وما هي فوائد السجن التي تتحدث عنها وليس فيه إلا الهم والتعب المرض والعزلة، و كيف لي أن أستخرجها أصلاً وأنا بين قضبان الحديد، وتحت أعين الجند، أي فوائد في السجن وأنت تعلم بأنه جدار حاجز بيني وبين العالم الخارجي، وكيف لي أن أستفيد من السجن وأنا أسير الهم، وحبيس الغم، ومشرد الأفكار والهواجس، وجليس الآهات، وصديق العبرات، ومقيد بزنزانة الندم التي لا أستطيع أن أحلها بسهولة لأنها أصبحت جزءاً من كياني المقعد، وجسمي المنهزم، وحالي الهزيل.

 

فوائد في السجن..... ؟؟؟....

هذا هراء لا يصدق، وكلام غير معقول، وتمتمة لا أحبها أرجوك....

أنتم كذلك أيها الناصحون، تهونون المصيبة لأنكم لا تصارعون مراراتها، تحاولون تهميش الحدث لأنكم لستم في قلبه.

 

وأقول لك أخي السجين..

يحق لك أن ترد عليّ بهذا الرد القوي، وأن تستغرب مما سمعته مني، وأن تنكر بعض ما سمعته وأن ترفض البعض الأخر، ولكن أرجوك لا تسبق الأحداث، ولا تستعجل النتائج، فخذ مني إلى الآخر، وأسمع ما أعددته لك حتى النهاية واحكم حينها وسأسمع منك......

 

إن أول فوائد السجن:

يا رعاك الله أنه يعلِّم المؤمن الصبر، ويلقنه الدروس اللازمة في الجلد والقوة، ومتى ما عرف السجين تلك الخصلة الحميدة فإنه يتوالد إلى قلبه الاطمئنان والراحة، وكذا يجب أن تكون، فليس لك إلا الصبر على واقعك وإن كان هذا الواقع صعب ولا يطاق، واحتسب الأجر تلقى المثوبة بإذن الله - تعالى -، قال - تعالى -: \".... وبشر الصابرين، الذين إذا أصابتهم مصيبة قالوا إنا لله وإنا إليه راجعون \"

ثم أعلم بأن مع العسر يسرا، وأن مع الضيق الفرج، وأن تلك اللحظة التي كنت تنتظرها، ستأتيك بإذنه - تعالى -ولابد أن ترى النور يوماً من الأيام.

ضاقت فلما استحكمت حلقاتها *** فرجت وكنت أظنها لا تفرج

 

ثاني الفوائد:

أن السجن مساحة للتأمل، والرجوع إلى الذات، والعودة إلى محاسبة النفس وهذه نعمة من نعم الله عليك أيها السجين أن تجد وقتاً واسعاً تتأمل فيه ما قدمت وما أخرت، وما أسررت وما أعلنت، وما بدر منك تجاه نفسك والآخرين ولا يعلمه إلا الله - تعالى -.

وقد لا يعايش هذه النعمة شخصاً آخر وهو مطلق لأنها ألهته دنياه، وغرته نفسه، واستحوذ عليه شيطانه، ومحاسبة النفس عبادة متى ما أخلصتها لله - تعالى -فحري بك متابعة هذه العبادة، والحرص عليها، قال - تعالى -: \" يأيها الذين آمنوا قووا أنفسكم و أهليكم ناراً....، وقال - تعالى -: \" يأيها الذين أمنوا عليكم أنفسكم لا يضركم من ضل إذا اهتديتم..... \"الآية، واجعل أيامك في هذا السجن خلوة مع الله - تعالى -تتذكر فيها ذنوبك ومعاصيك، وبهذا تستطيع أن تحلم بمستقبل مشرق تقرر منذ محاسبتك لنفسك أن تعمل لتحقيقه.

 

ثالث هذه الفوائد:

أن في السجن فرصه ذهبيه لأن يبني الإنسان ذاته، ويحدد مصيره الإيجابي، وأن يبدأ يخطط للأيام القادمة، فبالتوبة والندم والعزم على عدم العودة لما مضي من حياة بائسة عقيمة يستطيع السجين ذلك، ومن يمنعك أخي السجين من أن تبني ذاتك فالأمر بيدك، وأنت صاحب القرار، وهل ينتظر منك إلا ذلك؟، إذاً من الآن اسع لأن تكون صاحب تأثير وإبداع في حياتك القادمة، اجتهد في بناء ذاتك بناءاً لا تهده تلابيس إبليس، ولا إغراءات الدنيا، وأسس هذا البناء بتوبة صادقة ناصعة ناصحة واجعلها محاطة بالشعائر الحميدة، والصفات الجميلة، والأخلاق الإسلامية المجيدة، واعلم انه لابد أن تكون لك في هذه الحياة بصمة، وفي من حولك تأثير، ومن يدري قد نراك صاحب كلمة يوم من الأيام.

 

رابع فوائد السجن:

أن السجن مكاناً للدعوة، وموطناً لنشر الخير، ومحلاً للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فعند اجتماعك مع جوانحك وإصدار قرارك بالعودة إلي الله، فأصدر قرار آخر مع نفسك بأن تكون داعية لله تعالي في المكان الذي قدر الله أن تكون من أهله، فالسجن مجتمع لأصحاب الأخطاء، ومقر لمن ظلم نفسه بمعصية أو ذنب والسجناء أولي الناس بالنصيحة، وأكثر الناس رغبة في أن تحل مشاكلهم ومصائبهم، وهم الذين يبحثون دائماً عن من ينقذهم من متلاطمات هذه الدنيا الدنيئة عندها يتضح بجلاء أهمية دورك، وتدرك أنك تحمل رسالة يجب إيصالها، ويظهر لك بأن الفرصة قد جاءت حتى وصلت إلي يديك فأستغلها بإقامة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في السجن، وإشاعة العلم، وبث الإصلاح، وتأسيس حلقات القرآن الكريم ودورات للسنة الشريفة وغيرها، اعمل على التعاون مع المسئولين على السجن بعمل جداول وبرامج توعوية في السجن، ونشر المطويات النافعة والأشرطة الهادفة بين السجناء، عندها بإذن الله تكون عضواً نافعاً بين أقرانك، وتكون بذلك قد أوصلت الأمانة التي كلفت بها.

 

أخي السجين:

هذه مشاعر محب لك فاقبلها ولا تنساني من صالح دعائك.

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

 

 

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply

التعليقات ( 1 )

رسالة سجين من داخل السجن حقيقية

-

يمني اصيل

06:01:44 2023-11-29

الأمل المنتظر: رسالة من السجين محمد طاهر سموم رسالة مني انا السجين محمد طاهر سموم الى الوالد احمد حسين الحجيلي والى كافة بني الحجيلي أنا محمد أكتب لك رسالتي فارغة على حائط السجن الذي قضى عشرين عاما من عمره وهو ينتظر عفوك ربما تصلك رسالتي وأنا في الزنزانة وربما وأنا في القبر لكن لا فرق فكلاهما سجن أكتب لك بعيداً عن الخلافات والمحاكم ، بعيدا عن القضاء والمحامين ، بعيدا عن السن القانوني والطب الشرعي أكتب لك وأنا لا أخاف من الموت ، فما ذقت طعم الحياة من قبل حتى أرهب الموت. فأنا أبعث إليكم رسالتي من دخل السجن يا عمه مثل عمار ، ولافرق بيننا سوى أنكم دفنتموه في قبر ودفنتوني في سجن وهو أشد .فأنت لا تدري ياعم كيف يعيش السجناء وكيف يتمنون الموت أكثر من الحياة يحسدون الأحياء على الحرية يوما ، ويحسدون الموتى على الخلاص كل يوم .يأسهم يغلب أملهم ، وحزنهم يغلب فرحتهم ، وشقاؤهم يغلب سعادتهم ,