القدس قضية الأمة


 

بسم الله الرحمن الرحيم

 

الخطبة الأولى

أما بعد أيها الإخوة المؤمنون:

حديثنا اليوم نجدد به أحاديث سلفتº لأنه لا بد أن يكون حاضراً في الأذهان، حيّاً في القلوب لما له من ارتباط وطيد بحقائق الأيمان والإسلام من جهة، وبوحدة المسلمين ورابطة المؤمنين من جهة أخرى..

ولأنه كذلك يمثل قضية الوجود الإسلامي الإيماني في مواجهة العدوان الإجرامي الظالمº ولأنه من جهة ثالثة ورابعة يمثل محور الصراع بين الحق والباطل..بين الشر والخير.. بين المعاني والقيم الفاضلة وبين الأضاليل والجرائم الفظيعة.

حديثنا مرةً أخرى عن أرض الإسراء.. عن قلب أمتنا الإسلامية النابض بالمقاومة والجهاد، في مرور الذكرى الرابعة للانتفاضة الجهادية المباركة.. لاشك أن حدثاً مثل هذا أحسب أنه قد مرّ على الآذان و الأذهان مرور الكرام، لم يُربط بحقائق الأيمان، لم يستدل عليه بآيات القران، لم يكن له صلة واضحة بما كانت غليه سيرة وسنة المصطفى العدناني صلى الله عليه وسلم.

كثيرة هي الأمور التي تمرّ بنا، وننظر إلى جانبها المظلم دون المشرق، وإلى حقائقها الدنيوية المادية دون حقائقها الإيمانية المعنوية.. كم نحن في حاجة إلى أن تكون قلوبنا حية بالإيمان فلا تفقه إلا فقهه، ولاتزن إلا بميزانه، ولا تنظر إلا بعينه بدلاً من أن نكون مستسلمين لذلك الكمّ الهائل من القول الإعلامي الزائف الذي ليس في مجمله مرتبطا بالإيمان والقران والإسلام إن لم يكن محايداً وبعيداً عن ذلك فهو يرجف بالقول الذي يعارضه، ويلقي بالتهم التي تنقضه.

ومن هناº فإن حديثنا هذا ــ ولو تجدد ولو تكرر، وإن كنا قد انقطعنا عنه فترة من الزمن ــ فإنه جديرٌ دائماً وأبداً ألا يرتبط بخطبة أو محاضرة أو حادثة، لأن فعل اليوم المتكرر في كل ساعة ودقيقة وثانية.. ما الذي تسمعه؟ جرّت هذه المقاومة الويلات والنكبات على أبناء فلسطين أوصلتهم كما يقول بعض المحللين من أبناء العرب بل من أبناء فلسطين إلى ارتفاع نسبة الفقر من 15% و20% قبل هذه المقاومة الجهادية إلى 40و50% أوصلتهم إلى أرواح أزهقت، وبيوت هدّمت، وأسر شتت.. وغير ذلك، ثم ماذا بعد هذا؟

ثم إنها أوجدت الذرائع والأسباب والمبررات للعدو لكي يجد مسوّغاً عالمياً، ومنطقاً دولياً فيما يقوم به من الإجرام والعدوان ولست أدري وقد تكرر مثل هذا القول عبر ليس سنة و سنتين، ولا عقداً ولا عقدين، بل أكثر من ذلك لم يعد أحد يفقه مثل هذا القول ويقبله إن كان حيّ القلب يقض الضمير راشد العقل عالي الهمة حراً في نفسه لا يقبل بالذل والظيم.

لننظر إلى الجانب الآخر لننظر إلى الحقائق ولأبدأ معكم ببعض الومضات من الحقائق القرآنية في الآيات القرآنية التي تكشف لنا صوراً أخرى غير ذلك الوهم المسيطر على قلوب الخائفين والدنيويين وغير ذلك.. الوهم المسيطر على المتاجرين من السياسيين وغير ذلك.. الوهم المسيطر على الغافلين الدنيويين الراكنين إلى حياتهم.

{إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم}.

سنة ربانية ماضية، آية قرآنية، أو شطر آية حقيقتها ثابتة.. أين نراها اليوم لننتقل إلى هناك إلى أرض العزّة والقوة والمقاومة والجهاد، في زمن ــ كما أسلفت مراراً ــ ران وغلب على كثير من المسلمين الذلة والخنوع والخوف والاستسلام.. لماذا حقق أهلنا وإخواننا في فلسطين معادلة غريبة شاذة لا تُفهم إلا بمقياس الإيمان؟ لماذا ومن أين جاءوا بهذه الشجاعة والقوة والبطولة؟ وكيف تسنى لهم هذا الثبات رغم قوة البطش وشدة العدوان، وتوالى الجرائم، ومع ذلك يقفون برؤوس مرفوعة، وصدور مشرعة، وأقدام ثابتة، وكلمات تعبر عن معاني القوة والعزة؟

إنها الآية القرآنية والسنة الربانية، قال تعالى: {إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم}.

لقد وقع التغير هناك تغير حقيقي يظهر في صور شتى، بدءاً من الارتباط بالقرآن حفظاً لآياته وتلاوة لها، وتدبراً لمعانيها، ومروراً بتربية المساجد التي تعلّقت بها قلوب الشباب قبل الشيب، والصغار قبل الكبار.. وانتهاءاً إلى التربية العظيمة للأمهات الفاضلات المربيات المجاهدات.

وقد سمعت خلال الأيام الماضية، ورأيت مقابلات بقدر ما فيها من حزن وألم، بقدر ما فيها من عظمة واستعلاء..

أم فلسطينية، لها سبعة أبناء ليس عندها واحد منهم مطلقاًº واحد منهم مضى شهيداً، وستة في الأسر، وهي تقول: \" بقيت واحدةً مفردةً، لكني لا أضعف ولا ألين، بل أفتخر وأعتز بهم \".

ثم تلتفت إلينا وإلى الجميع لتقول: أين المسلمون؟ وأين العرب منا؟ بل تلتفت إلى ما هو أدنى إليها وأقرب منها: أين المسئولون عنا في بحثهم عن معاناتنا، ووقوفهم إلى جانبنا وغير ذلك كثير وكثير.

ثم ننظر كذلك إلى القدوات التي صارت تعلوا هناك وترتفع.. إنها ليست قدوات المغنين والمغنيات، أو الراقصين والراقصات، أو اللاعبين واللاعبات! إنها قدوات الاستشهاديين والاستشهاديات.. إنها قدوات اليوم يتحدث بها الصغير في سن السادسة والسابعة من عمره.. لقد أصبحت البطولة شغفاً عظيماً، وأملاً كبيراً، وروحاً تسري في الدماء والعروق.

لقد صار القوم على غير ما نحن عليه في ترفنا وغفلتنا، وانشغالنا بدنيانا، واستسلامنا الضعيف الخانع لواقعنا، ورضوخنا وذلتنا لهيمنة أعدائنا..

لقد كسروا الطوق البشري، وتعلقوا بالطوق الرباني.. لقد نظروا إلى الحقائق في ضوء الإيمان فعرفوا أن الظواهر لا تغني شيئاً، وأن الحقائق وراء هذه الظواهر تكشف أن العاقبة للمتقين، وأن جند الله لهم الغالبون، وأن ذلك يُرَى رأي العين لمن كان في قلبه يقينٌ راسخٌ، وإيمانٌ صادق..

إنها كذلك عِبر إسلامية.. نظرة في كل أمرٍ, من الأمور، ليس هناك من الأسباب المادية، ولا من الحقائق الدنيوية ما يمكن أن يفسر شيئاً من ذلك! ولذلك هم يفسّرونه بالمعاني الإيمانية، والسنن الربانية، والحقائق المعنوية.. وذلك ما نراه في واقع ذلك التضييق.

وانظروا إلى كثرة الناس في المساجد، ودروس العلم ومسيرات البيارق في المسجد الأقصى، وعناية الناس بالعمل الخيري، وتكاتفهم وتعاطفهم مع كل شهيد يُستشهد، كيف يخلف في أهله رغم شدة الظروف وقسوتها وعظمة الفقر وسعته.

لقد تغيرت الصورة إلى صورة لن نقول إنها نموذجية، لكنها تحقق حداً من المعاني الإيمانية والإسلامية في صدق الإيمان، وفي قوة اليقين، وفي التعلق بالله عز وجل، وفي الارتباط بمنهجه، وفي الاقتداء بسيرة نبيه صلى الله عليه وسلم º حتى تجددت عندنا معاني غائبة في واقع حياتناº من إيثار الآخرة على الدنيا، ومن التضحية والفداء في ميادين المعارك والجهاد، وذلك أمرٌ آخرٌ ينبغي الالتفات له، وفي مقابل ذلك أيضاً جاء التغيّر عند القوم الذين يعادونهم، عند شذّاذ الأرض وأفاعيها وأفاكيهاº من اليهود الغاصبين ــ عليهم لعائن الله ــ لقد كانت أجيالهم الأولى أشد ارتباطاً بعقيدتها منهم وأكثر تضحية، وجاءت الأجيال المتتالية والمهاجرون الذين وعدوا بالنعيم والترف والثراء فتغيروا، ولم يعد حالهم كحالهم الأوائل. وجاء ذلك أيضاً بسنة الله عز وجل فيما هم عليه.

ونحن إنما نشير إشارات ونضيء إضاءاتº لعلنا نعتبر وندّكر.. أنتقل إلى آيات أخرى:

قال تعالى: {هُوَ الَّذِي أَخرَجَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِن أَهلِ الكِتَابِ مِن دِيَارِهِم لِأَوَّلِ الحَشرِ مَا ظَنَنتُم أَن يَخرُجُوا وَظَنٌّوا أَنَّهُم مَّانِعَتُهُم حُصُونُهُم مِّنَ اللَّهِ فَأَتَاهُمُ اللَّهُ مِن حَيثُ لَم يَحتَسِبُوا وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ الرٌّعبَ يُخرِبُونَ بُيُوتَهُم بِأَيدِيهِم وَأَيدِي المُؤمِنِينَ فَاعتَبِرُوا يَا أُولِي الأَبصَارِ}.

يخاطبنا الله فيقول: {فاعتبروا يا أولي الأبصار} يا أصحاب العقول انتبهوا، والتفتوا إلى الحقائق..

أمر عجيب.. جيش هو الخامس في العالم، وشراذم من حيث الناحية المادية والعددية، قليلة لا تملك من أسباب القوة المادية شيئاً يذكر بالمقارنة لعدوها! وما هي النتيجة؟!

انظروا إلى هذه الآيات تصف لنا حال فئة من اليهود في عهد النبي صلى الله عليه وسلم، بعد أن نقضوا العهود، وطعنوا المسلمين في ظهرهم، وأرادوا ارتكاب الجريمة العظمى بمؤامرتهم على قتل المصطفى صلى الله عليه وسلم، وقد بنو الحصون وعندهم الأموال الطائلة.. هذه الآيات تصف ما كانوا عليه من أوهام الدنيا التي يعيشون فيها، بل إن القرآن يخاطب أهل الإيمان {مَا ظَنَنتُم أَن يَخرُجُوا} ما كان أحد يتصور ذلك! مقام طويل، ومال وفير، وعدد غفير، ومجتمع مترابط منعزل عن غيره!

قال تعالى: {مَا ظَنَنتُم أَن يَخرُجُوا وَظَنٌّوا أَنَّهُم مَّانِعَتُهُم حُصُونُهُم مِّنَ اللَّهِ} أخذوا أسباب القوة المادية بأعظم وأعلى صورها {فَأَتَاهُمُ اللَّهُ مِن حَيثُ لَم يَحتَسِبُوا}

إن قدر الله غالب، وإن سنته ماضية، وإن نصره لعباده متحقق، وإن العاقبة للمتقين.. ذلك ما تكشف عنه هذه الحقائق ونحن ننظر إلى المواجهة غير المتكافئة.. فماذا نرى؟

يأتينا كثير من الناس ليرينا الجانب المظلم.. كم قتل من أبناء فلسطين، كم هدّم من بيوتهم.. وكأنهم يمكن للناس أن يأخذوا حقوقهم من غاصبيها، وأن يستعيدوا كرامتهم من مهينها دون أن يدفعوا ضريبة! ولكن يكفيهم أن يجلسوا على الطاولات، وأن يعقدوا المؤتمرات، وأن يأكلوا أشهى الوجبات، ثم يصدروا البيانات وفي آخر الأمر يحققون الانتصارات!

مَن مِن المغفلين يصدّق إن هذا يمكن أن يقع في واقع الحياة! وكيف استطاع أولئك الشذاذ المجرمون المغتصبون لهذه الأرض أن يصلوا إلى ما وصلوا إليه؟

لقد بذلوا أموالهم، وسفكوا في أول الأمر دماءهم، وتعاظمت معهم المعونة من قبل أولياءهم وحلفاءهم، ولا بد أن نوقن بأنه لا يمكن أن يكون تغيير ذلك بغير ذلك!

لكننا ننظر إلى الجانب الآخر.. إلى جانب العدو الذي تكبّد خسائر لم يتكبد مثلها في الحروب التي خاضها كلها مع جيوش ودول كاملة ومنظّمة.

يكفينا أن نشير إلى بعض الإحصاءات المذكورة خلال هذه الفترة القصيرة: ثلاثة عشر ألف وخمس مائة عملية جهادية منوعة، أوقعت ألفاً وسبعة عشر قتيلاً، وأكثر من خمسة آلاف جريح، وأوقعت فيهم بعد ذلك ما هو أفظع و أنكى وأشد.. إنه ما أشارت إليه الآية في قوله تعالى: {وقذف في قلوبهم الرعب}.

إنهم يعيشون خوفاً دائماً، وهلعاً فضيعاً، أقضّ مضاجعهم، وأذهب نومهم، وملأ العيادات النفسية بالمراجعين منهم.. إن قضايا النصر لا تبدو في صورها المادية النهائية، بل هي بالحقيقة متدرجة، تبدأ بالقلق والخوف ثم تمرّ بالحيرة والاضطراب، ثم تنتهي إلى الخور والاستسلام، وتلك المراحل هي التي تمرّ بها كل معركة ومواجهة.

لننظر إلى حالهم وواقعهم.. لننظر إلى الحقائق والأرقام، وقد سئل بعض اليهود فأجاب بما لا يجيب به بعض أبناءنا من العرب والمسلمين.. قيل له: ولكننا نقتل منهم أكثر مما يقتلون! قال: \" إن الأعداد في مثل هذه المواجهة غير موضوعية، لقد قُتل من الأمريكان خمسون ألفاً وقتلوا من الفيتناميين ثلاثة ملايين، وخرجوا خاسرين، وقُتل من الفرنسيين بضعة آلاف، وكان شهداء الجزائر نحو مليون، ولكنهم كانوا منتصرين! \".

وهكذاº فإن القضية ليست قضية الأعداد والأرقام، ولكنها قضية القوة والمعنوية والثبات وما في النفوس من طمأنينة، تراها رغم كل هذا الهول في نفوس إخواننا الذين تركوا تعلقهم بالناس، وربطوا حبالهم برب الناس.

إنهم لم يعودوا ينتظرون اليوم منا حتى دعم مادي، وقد انقطع ذلك إلا ما رحم الله.. لم يعودوا ينتظرون منا اليوم دعماً سياسياً، ولم تعد هناك إلا البيانات والبيانات.. لم يعودوا ــ فضلاً عن ذلك ــ ينتظرون أن يقف أحد إلى جوارهم في خندقهم، ولذلك ننظر إلى هذه المعالي، وننظر إلى قادة الكبار عند الأعداء وهم يقرون بأن المعضلة كبيرة.

أما الاقتصاد فهو في تدهور مستمر، وأما البطالة فهي في زيادة مضطربة، وأما السياحة فقد صارت أثراً بعد عين، وأما الأمن فإنه لم يعد متوفراً في أي شبر في تلك الأرض وأي بقعة منها.. ولذلك نرى هذه الصورة صورة واضحة، تؤيدها اللفتة القرآنية الثالثة:

قال تعالى: {إن تكونوا تألمون فإنهم يألمون كما تألمون وترجون الله ما لا يرجون}

جرحٌ هنا وجرٌح هناك.. قتلٌ هنا وقتلٌ هناك.. لكن هنا إيمان، واحتساب وأجر، وتكفير سيئات: (ما يصيب المسلم من همٍ,ّ ولا غمٍ, ولا نصب ولا وصب حتى الشوكة يشاكها إلا كفر الله بها عنهم خطاياه) ذلك ما يؤمن به إخواننا..

وهنا قتيل وهناك قتيل.. لكن هذا شهيد، وذاك إلى جهنم وبئس المصير.

يقين لا بد أن يكون راسخاً في نفوسنا وقلوبنا، بموجب آيات ربنا، وأحاديث نبينا صلى الله عليه وسلم، وتلك قضية واضحة ظاهرة في قضايا الألم الذي يشعر به الطرف الآخر، والعناء الذي يقاسيه، والخوف الذي يسيطر عليهº حتى إنه قد ارتفعت نسب المراجعين للعيادات النفسية بنسبة 50% في كل عام عن الذي قبله، وتزيد نسبة البطالة بنسبة 4. 18 % في كل عام عن الذي قبله، وتزيد نسب أخرى كثيرة توجع العدو، ولولا ما يلقاه من دعم ويصب له من مالٍ,، ويقع له من خياناتٍ,، وتقدّم له من معلومات لكان الأثر أكثر وأعظم ولكنها إرادة الله سبحانه وتعالى.

وها هم يعترفون بذلك، والأرقام تشهد به، والحقائق تدل عليه.. لقد أصبحوا ــ كما يقول بعضهم –: \" في دائرة دموية مفرغة، لا يمكن الخروج منها.. الناس لا يخرجون من بيوتهم خوفاً من العمليات الاستشهادية، الجمهور متعب ومرهق ومتشائم، وإسرائيل وقوتها لا تستطيع أن تفعل شيئاً! \".

\" إن طريقة مواجهة أجهزة الأمن الإسرائيلية للانتفاضة لم تخفق فقط، بل إنها أدت إلى انتقال حمى العمليات الاستشهادية إلى فصائل لم تتبنها من قبل، وحصلت إسرائيل على عكس النتائج التي راهنت على تحقيقها \".

تلك أقوالهم في صحفهم ــ ومن قبل خبرائهم ــ والروح المعنوية مختلفة تماماً 50% زيادة استهلاك المهدئات والأدوية النفسية، والصدمة في كل حادث من تلك الحوادث والعمليات الجهادية يكون عدد المصابين أربعة أضعافهم، مصابون بما يعرف بالصدمة والخوف والهلع، ويراجعون المستشفيات، ويُحملون في الإسعافات مثل الذين أصيبوا بالجراحات..

معدل الخوف رصد من خلال الدراسات العلمية في أشهر ثلاثة متتالية ــ ليس في هذا العام بل فيما قبله ــ وكانت النسب 57%، ثم 68%، ثم 78%

والمال معبود اليهود كما قال الله جل وعلا: {ولتجدنهم أحرص الناس على حياة} هذا المال وهذا الاقتصاد الذي يضعف ويشتد بعضه، يؤذن بأمور كثيرة لصالح إخواننا في أرض فلسطين، وكأننا نرى في ذلك ما قاله الله سبحانه وتعالى: {وَانظُر إِلَى إِلَهِكَ الَّذِي ظَلتَ عَلَيهِ عَاكِفاً لَّنُحَرِّقَنَّهُ ثُمَّ لَنَنسِفَنَّهُ فِي اليَمِّ نَسفاً}، إله اليهود كان عجل من ذهب، ويوشك هذا أن يتفجر فلا يبقى حينئذٍ, أمر يبقيهم في ديارهم أو أرضهم، كما سنذكر وكما هو حال واقعهم في هذه الوقائع.

وما نرى من جهة أخرى كيف هي النظرة التي تتغير حتى كما يقولون عالمياً والرأي العام والعالمي، ونرى كيف تنظر الشعوب اليوم وتتكشف لها الحقائق، ويتكلم من كان صامتاً بأمور تكشف هذه الحقائق عن اليهود وظلمهم، وبفيهم رغم ما يحاصر به كل معترض ومنتقل في كل بقعة من الأرض.

هذه حادثة وقعت قبل يومين، في إطلاق الصواريخ على اليهود:

إحدى الساكنات في مغتصبة من هذه المغتصبات، تقول: \" نحن ندرس بجدية فكرة هجرة هذه البلدة، وكنا في السابق نقول هذا بيتنا ولن نتركه! أما الآن فنحن نفكر بالأولاد والتعليم والعمل.. لقد تغير كل مجرى حياتناº نحن نعيش في رعب دائم لا ندري متى سيسقط الصاروخ الثاني وأين؟ \".

وعجيب هذا الأمر لتنظروا كيف هي رعاية الله.. كيف يستطيع أولئك في ظل الظروف الأمنية والإرهابية والعدوانية أن يصنعوا صاروخاً حتى ولو كان صاروخاً صغيراً، وانظروا كيف أقضّ المضاجع، وقد أطلقت نحو خمسمائة صاروخ خلال هذه الفترة من الانتفاضة، وأقضت المضاجع!

وانظروا إلى التطور العجيب الذي هو بالمقياس الواضح توفيق وإعانة من الله عز وجل.. انتفاضة من الحجر إلى مسدس أو إطلاق نار إلى الصواريخ والقدرة على تدمير الدبابات الإسرائيلية المحصنة.. ما الذي يدلنا ذلك يدلنا ذلك على تحقيق موعود الله عز وجل: {إن تنصروا الله ينصركم ويثبت أقدامكم}

من كان مع الله فالله معه.. من اعتمد على الله عز وجل فإن الله جاعل له مخرجاً وفرجاً، ومثبتٌ قلبه، ومطمئنٌ نفسه، وجاعلٌ له في كل مواجهة ما يعينه بها، ويثبته فيها.. وهذا أمره واضح وكثير..

إننا لو مضينا مع هذه الحقائقº لوجدنا أننا نحن الضعفاء الذين نحتاج إلى قوة، ونحن الذين نحتاج أن نراجع معاني العزة في نفوسنا.. نحن الذين نحتاج أن ننظر إلى الآيات القرآنية أن نقرأ السيرة النبوية.. أن نعيد مرةً أخرى ارتباطنا بكتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم.. أن نفقه الدنيا وحقائقها في واقع وضوء القرآن وثوابته.

إن الإرجاف الإعلامي اليوم جعلنا على إحدى صور كلها لا نريدها لأنفسنا: إما أننا لم يعد يعنينا شيء، ولم نعد نلتفت إلى الأمر كله، وإلى القضية بقضها أو قضيضها.. كما شغلنا بذلك أمور أخرى كثيرة، أو أننا ننظر إلى الجانب الذي تكرّسه بعض وسائل الإعلام العربية والإسلامية.. أولئك قومٌ قد هُدّمت بيوتهم، وأزهقت أرواحهم، وأُسر آبائهم.. فما بالهم يصنعون ذلك؟ لماذا يختارون الطريق الشاق؟ لماذا يسيرون في هذه الأشواك؟ لماذا وليس هناك قدرة على النصر؟ لماذا لا يغيرون؟ لماذا لا يتوقفون؟ لماذا لا يؤثرون حياتهم الدنيا على هذا الجحيم الذي لا يطاق؟

ونحن نقول ذلك، واليهود المعادون يقولون غيره، ويقولون إن المقياس لصالح أهل الأرض ضد المغتصبين والمحتلين، وإما أننا نكتفي بالحوقلة، وننسى أن نكون بقلوبنا ودعائنا ومالنا وقدرتنا في كل جانب من الجوانب، ولو أن نبقي هذه المعاني حية فإنها محور الصراع.

نسأل الله عز وجل أن يثبت إخواننا في أرض الإسراء..

 

الخطبة الثانية:

أما بعد أيها الأخوة المؤمنون:

وإنه لا بد لنا أن نحقق أخوتنا الإيمانية..

قال تعالى: {إنما المؤمنون إخوة}

وأن نحقق رابطتنا الإسلامية: (المسلم أخو المسلم) ولا بد لنا في الحقيقة أن نحقق ذاتيتنا وعقيدتنا بالنظر والتأمل والتدبر وفق حقائق القرآن وثوابت الإيمان، دون أن نتأثر بهذه الوقائع وما يتلوها من الأوهام والتحليلات.

ولعلي أشير أيضاً إلى جانب آخر:

إن الذين يكثرون القول علينا من المآسي والنكبات التي يقولون إنها حلت بإخواننا، ويُبدون حزنهم على ذلك أو تأثرهم به، ثم يدعون إلى ترك المقاومة وكأن تركها سيجعل العدو يقدم الورود بدلاً من الرصاص!

نقول بدلاً من ذلك: اجعلوا هذه المأساة محركة للآخرين.. أين نحن من بيوت هدّمت؟ أين نحن من أسر لم يعد لها عائلٌ إما هو أسير أو شهيد؟ أين نحن من أي جانب من الجوانب؟ أين الدول العربية؟ أين الجيوش؟ أين السياسات؟ أين القيادات؟

لِمَ لا يقال ذلك؟ لِمَ يكون الحل هو عند أولئك الضعفاء الذين لا يملكون شيئاً من أسباب الحياة الدنيوية والمادية سياسية أو مالية أو عسكرية؟ لِمَ لا نجعل ذلك وهذا الذي نريده أن يكون لنا تواصل وصلة نحقق بها هذا الفهم الصحيح.. نحقق بها تلك الأخوة الصادقة.. نحقق بها تلك الرابطة الإيمانية الوثيقة.. وننتظر ونوقن بأن النصر مع الصبر، وأن سنة الله الماضية جاعلة للمتقين فرجاً، وجاعلة للمؤمنين نصراً {إن الله يدافع عن الذين آمنوا}.

وأعلم كذلك أن بعضاً منا قد يقول ــ وهو ممن نَفَسُه قصير ــ قد طال الأمر، وتوالت السنون، وتجاوزت نصف قرنٍ,!

ونقول مرةً أخرى كما بينت لنا آيات القرآن شدة الأمر وصعوبته وطوله، وأنه مرهون بسنة الله عز وجل.. قال تعالى: {حتى يقول الرسول والذين آمنوا معه متى نصر الله ألا إن نصر الله قريب}.

ونحن نوقن بهذا القُرب، لا نعرف أمده ولا مدّته، لكن الناظر رأي العينº فضلاً عن فقه القلب و يقينه يرى أن الأمور سائرة في طريقها المحتوم، وأن العاقبة للمتقين.. وكلنا يوقن بأن الظلم والعدوان في سنة الله عز وجل بالمقياس الإنساني والإسلامي والإيماني عاقبتها وخيمة، وكما أخبرنا الحق بذلك سبحانه وتعالى: {ولتعلمن نبأه بعد حين}

وكما قال جل وعلا: {وكذلك أخذ ربك إذا أخذ القرى وهي ظالمة إن أخذه أليم شديد}.

وكما قال المصطفى صلى الله عليه وسلم: (إن الله لا يمهل للظالم حتى إذا أخذه لم يفلته).

ولكنها برهان لا بد أن يقدم من أهل الإيمان.. ولكنها قيمة وثمن لا بد أن يدفعه أهل الإيمان، وأهلنا هناك يدفعونه ويلقون أجره من الله عز وجل دنيا وأخرى.. ولعلنا نجتهد أن ندفعه بكل وسيلة من تحقيق انتمائنا لإسلامنا، والتزامنا بديننا، وترابطنا مع إخواننا، وتصحيح مفاهيمنا، وتبديل وجهات نظرنا بما يتفق مع قرآننا وهدي نبينا صلى الله عليه وسلم.

نسأل الله جل وعلا أن يردنا إلى دينه رداً جميلاً..

 

 

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply