بسم الله الرحمن الرحيم
الجواب:
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أجمعين وبعد:
فإن النفس البشرية بطبيعتها تحتاج إلى الراحة بعد التعب، يحتاج إلى الترفيه واللهو المباح لتستجمّ به وتنشط إلى أداء أعمالها، وقد روي عن أبي الدرداء - رضي الله عنه - أنه قال:\" إني لأستجم نفسي بشيء من الباطل غير المحرم فيكون أقوى لها على الحق \". [ قضايا اللهو والترفيه – مادون رشيد ص132].
والدين الإسلامي العظيم الشامل لجميع جوانب الحياة، الملبي لجميع احتياجات النفس البشرية اشتمل على ما يحقق للنفس فوائد الترفيه واللهو المباح، ففي قصة يوسف - عليه السلام - ورد على لسان إخوته قوله - تعالى -:{أَرسِلهُ مَعَنَا غَداً يَرتَع وَيَلعَب وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ}، وقال القاضي أبو بكر بن العربي:\" اعلم وفقك الله أنه ليس في ذلك اللعب كبير مأخذ، فإن الرجل يلعب بفرسه وبأهله وبأسهمه حسبما ورد في الخبر، وفي الصحيح أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال لجابر حين تزوج ثيباً: (هلا بكراً تلاعبها وتلاعبك).. ولعب الإخوة إنما كان على وجهين: إما مسابقة على الأرجل وإما مسابقة بأسهم، لقوله - تعالى -:{إِنَّا ذَهَبنَا نَستَبِقُ} وليس في ذلك مأخذ بحال\" [نقلاً عن قضايا اللهو والترفيه – مادون رشيد ص72].
وفي السنة النبوية عن عائشة قالت:\" والله لقد رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقوم على باب حجرتي والحبشة يلعبون بحرابهم في مسجد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ويسترني بردائه لكي أنظر إلى لعبهم، ثم يقوم من أجلي حتى أكون أنا التي أنصرف، فاقدروا قدر الجارية الحديثة السن حريصة على اللهو \"[رواه مسلم، التربية الروحية في الإسلام – أحمد عبد العزيز أبو سمك ص 43 - 44]، وفي رواية المسند ورد قول النبي - صلى الله عليه وسلم - في آخر الحديث: (لتعلم اليهود أن في ديننا فسحة، وإني أرسلت بالحنيفية السمحة).
وقال ابن حجر في الفتح:\" وأخرج النسائي من طريق عامر بن سعد، عن قرظة بن كعب وأبي مسعود الأنصاريين قال: (إنه رُخِّص لنا في اللهو عند العرس) وصححه الحاكم. [ 9/226].
وقد ثبتت في السنة ألوان من الترفيه واللهو المباح كالمسابقة بالأقدام والخيول والمصارعة والرمي بالسهام والمداعبة والممازحة ونحو ذلك مما هو معلوم، ونستحضر هنا حديث النبي - صلى الله عليه وسلم - العظيم الذي يشمل التوازن في جوانب الحياة كلها في قول سلمان لأبي الدرداء:\" إن لنفسك عليك حقاً، وإن لربك عليك حقاً، وإن لضيفك عليك حقاً، وإن لأهلك عليك حقاً، فاعط كل ذي حق حقه \" فأقره النبي - صلى الله عليه وسلم - وقال: (صدق سلمان) رواه الترمذي.
وقد نص علماء المسلمين على أهمية جانب الترويح المباح وفائدته في التربية، فقد أشار الغزالي إلى ذلك بقوله:\" وينبغي أن يؤذن له – أي الصبي – بعد الانصراف من الكُتّاب أن يلعب لعباً جميلاً يستريح إليه من تعب الكتب بحيث لا يتعب في اللعبº فإن منع الصبي من اللعب وإرهاقه إلى التعلم دائماً، يميت قلبه، ويُبطل ذكاءه، وينغّص عليه العيش حتى يطلب الحيلة في الخلاص منه رأساً\".
وقال ابن مسكويه:\" وينبغي أن يؤذن له - أي الصبي - في بعض الأوقات أن يلعب لعباً جميلاً، ليستريح إليه من تعب الأدب ولا يكون في لعبه ألم ولا تعب شديد\".
وقال ابن جماعة: \"ولا بأس أن يريح نفسه – أي المتعلم – وقلبه وذهنه وبصره إذا أكل شيئاً من ذلك أو ضعف، بتنزه وتفرج في المتنزهات بحيث يعود إلى حاله ولا يضيّع عليه زمانه، ولا بأس بمعاناة المشي ورياضة البدن به، فقد قيل إنه ينعش الحرارة ويذيب فضول الأخلاط وينشّط البدن\"، [التربية الروحية في الإسلام – أحمد عبد العزيز أبو سمك ص 44 - 46].
ومع بيان أصل الحل والمشروعية في الترفيه واللهو المباح فإنه ينبغي معرفة جملة من الأمور وهي:
1 - أهمية الوقت والعمر:
إن العمر قصير، والوقت ثمين، والإسلام يجلي أهمية الوقت، ولزوم اغتنامه، ويحدد وجوه الانتفاع به، فالله - تعالى - يقول:{وهو الذي جعل الليل والنهار خلفة لمن أراد أن يذّكر أو أراد شكوراً}، وإذن فالحياة والعمر ينبغي أن يشغل بالذكر والشكر، والله - سبحانه - وتعالى - يقول:{وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون}، فهذه غاية الحياة التي ينبغي أن يستغل فيها الوقت ويستثمر، والمصطفى - صلى الله عليه وسلم - يكشف عن الخسارة الفادحة في تضييع الوقت بقوله: (نعمتان مغبون فيهما كثير من الناس، الصحة والفراغ) رواه البخاري.
ويأتي التذكير والتحذير منه - صلى الله عليه وسلم - فيما رواه أبو هريرة - رضي الله عنه - عن المصطفى - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: (أعذر الله إلى امرئ أخّر عمره حتى يبلغ الستين)، وكلنا يعلم أننا بين يدي الله موقوفون، وعن أوقاتنا وأعمالنا مسئولون كما قال - صلى الله عليه وسلم -: (لن تزولا قدما عبد يوم القيامة حتى يسأل عن أربع عن عمره فيما أفناه، وعن شبابه فيما أبلاه، وعن علمه ما عمل فيه، وعن ماله من أين اكتسبه وفيما أنفقه) رواه الترمذي.
فالوقت إذن أثمن من أن يضيع في غير ما ينفع.
2 - أهمية الجد والعمل:
والإسلام يحث على العمل فالحق - جل وعلا - يقول:{وقل اعملوا فسيرى الله عملكم ورسوله والمؤمنون}، ويبين أثر العمل في الجزاء بقوله: {هل تجزون إلا ما كنتم تعملون} وقوله:{هل جزاء الإحسان إلا الإحسان}، وما أكثر الآيات التي تقرن بين الإيمان والعمل الصالح، ويضاف إلى ذلك أن الجد في العمل وتحمل المسؤولية أمر مهم فالله - جل وعلا - يقول:{يا يحيى خذ الكتاب بقوة} ويقول: {خذوا ما آتيناكم بقوة}، والمصطفى - صلى الله عليه وسلم - يقول: (المؤمن القوي خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف) رواه البخاري، ويحث على الجدية والإتقان فيقول: (إن الله يحب إذا عمل أحدكم عملاً أن يتقنه) رواه البيهقي، ويبين استمرارية العمل إلى آخر لحظة في العمر فيقول: (إذا قامت وفي يد أحدكم فسيلة فإن استطاع أن لا تقوم إلا أن يغرسها فليغرسها) رواه البخاري، فالمسلم منقلب بين عمل دينه ودنياه في جد وعزم لأن الله - جل وعلا - يقول:{فإذا فرغت فانصب}.
3 - أهمية النفع والإنتاج:
المفهوم إسلامي يوضح أن الدنيا مزرعة الآخرة، وأنها ممر والآخرة مقر، وأن المسلم عليه أن يعمل لأخراه، وأن يحقق النفع في دنياه، وأن يحسن عمارة الدنيا وقيادة الحياة: {وسخر لكم ما في السماوات وما في الأرض جميعاً منه} {هو الذي جعل لكم الأرض ذلولاً فامشوا في مناكبها وكلوا من رزقه}، ورسول الله - صلى الله عليه وسلم - يحث على النفع العام فيقول: (ما من مسلم يغرس غرساً) فأمتنا الإسلامية اليوم متأخرة عن غيرها في العلم والعمل والإنتاجº لتفريطها في اغتنام الأوقات، والجد في الأعمال، فحري بكل مسلم أن لا يضيع وقته، أو يقصر في عمله، أو يقلل من إنتاجه.
وفي ضوء ما سبق فإن الترفيه واللهو إن كان مباحاً فينبغي أن يراعى فيه ما يلي:
1 - أن لا يشغل عن عبادة وطاعة واجبة بتضييعها أو تأخيرها.
2 - أن لا يستغرق أوقاتاً طويلة تضيع سدى دون فائدة.
3 - أن لا يتخذ ديدناً وعادة يفرغ لها وقت دائم ومنتظم.
4 - أن لا يشغل عما هو أولى منه وأكثر أهمية في تحقيق المصالح الدينية والدنيوية.
5 - أن لا يصاحبه محرمات كالرهان والقمار أو السباب والخصام ونحو ذلك.
وأما بالنسبة للسؤال عن الدومينو:
فإن كان المقصود بها اللعبة المشهورة باسم (الضومنة أو الدومنة) التي فيها قطع بيضاء كل واحدة مقسومة إلى قسمين فيها نقاط سوداء تبدأ من الصفر وتنتهي إلى ستة فهذه اللعبة على الطريقة المعتادة فيها ليست محرمة، وفيها بعض الذكاء للوصول إلى الفوز، كما أن فيها مع الذكاء التعاون للوصول إلى الفوز، في حالة لعب أربعة أشخاص كل اثنين منهم فريق.
وإما إن كان المقصود بالدومينو اللعبة التي فيها مربعات وقطع محددة ذات لونين لكل لاعب لون وتتحرك هذه القطع في مسار قطري يكون الفوز لصاحب القطع التي تأكل أو تخرج القطع الأخرى شيئاً فشيئاً حتى تخرجها جميعاً ففي هذه اللعبة ذكاء وتيقظ والذي يظهر أنه لا حرمة فيها.
وأما إذا اقترن باللعبة - على كلا المعنيين السابقين - رهان كأن يقال المهزوم يدفع كذا وكذا من المال فهذا حرام، أو تفرض أمور غير لائقة أو فيها ضرر كأن يقال المهزوم يخلع ثيابه أو يبقى واقفاً ونحو ذلك فهذا يدخل في دائرة المكروه لاشتماله على إيذاء المسلم أو إهانته، وكذلك إذا اشتملت اللعبة دائماً على نزاع وخصام وسب وشتم ونحو ذلك فالمنع لأجل هذه الأمور.
وعلى العموم فالمسلم صاحب الرسالة وحامل الأمانة ومبلغ الدعوة لا ينبغي أن ينشغل بهذه الألعاب ولا أن يضيع وقته فيها وعليه - إن كان ولا بد - أن يقتصر على أقل ما يمكن ليحصل له الترفيه ويقبل على العمل والجد والانشغال بمعالي الأمور وحمل همّ الأمة والحماس لإصلاح الأحوال.
وأخيراً نذكر بأن أعداءنا والمتأثرين بهم من أبنائنا قد بالغوا في الترفيه واللهو بتنويع وسائله وتكثير برامجه وتطويل أوقاته فضلاً عن اشتماله - في الغالب - على المحرمات الكثيرة، وأصبحت صناعة الترفيه - وخاصة في القنوات الفضائية - مالئة الدنيا وشاغلة الناس، فضيعت أوقاتهم وأفسدت أخلاقهم وبددت طاقاتهم، وقد تزايدت هذه الوسائل وتفننت في الإغراء والإغواء والابتكار الذي يجذب إليها ويشغل بها، والمسلم ينبغي له أن يجتنب كل محرم ويترفع على كل تافه من الأمور والاهتمامات.
والحمد لله رب العالمين ونسأل الله - جل وعلا - أن يهدي الجميع إلى سواء السبيل.
أضف تعليق
هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها
تم الإرسال
ستتم إضافة التعليق بعد معاينته من قبل فريق عمل مداد