بسم الله الرحمن الرحيم
الخطبة الأولى:
ثم أما بعد:
فيا أيها المسلمون:
لاشك في أن كل واحد منا يسعى جهده من أجل أن ينجح ابنه ويفرح به متعلما مجتهدا، وعالماً مرموقاً، ويناله الكمد والحزن، إن لم يسعفه القدر، ولفظته مقاعد الدرس، هذا أمر طبيعي وتصرف راشد، لكن كان ينبغي أن نبدأ من البداية، حتى نوفر بإذن الله للنهاية السعيدة أسبابها المعقولة وأول ما ينبغي في اعتقادي تعويد التلاميذ والأبناء عليه، احترام معلمهم، وتوقيره، والقيام بحقه لا سيما إذا كان هذا المعلم صالحاً فاضلاً، هذا السلوك مبدأ إسلامي ثابت أكده نص الشرع وثبته، جاء في الحديث الذي رواه الطبراني في أوسطه: ((تعلموا العلم، وتعلموا للعلم السكينة والوقار وتواضعوا لمن تتعلموا منه)). فالتكبر على المعلم خلق لئيم، لا يمكن للمتعلم معه أن ينجح أو يفلحº وإلاستخفاف بالمعلم والاستهزاء به واحتقاره من خصال المنافقين والعياذ بالله جاء في الحديث الذي رواه الطبراني كذلك في كبيره: ((ثلاث لا يستخف بهم إلا منافق: ذو الشيبة في الإسلام، وذو العلم، وإمام مقسط)).
أيها المسلمون:
إن التواضع للمعلم باب من أبواب الفلاح، وسبب من أسباب التحصيل، هكذا يربينا الإسلام، وهكذا يرشدنا، وهو حق من حقوق المعلم على المتعلم، وعلى المجتمع كله أداء هذا الواجب إزاء العالم، أما إن قهر المعلم العالم، وهمش وأخر، فذلك لا يكون إلا في زمان ملعون أو في مكان ملعون وقد استعاذ النبي من زمان لا يحترم فيه المعلم، ودعا الله أن لا يدركه مثل هذا الزمان الذي يقع فيه مثل هذا المنكر؟ روى الإمام أحمد عن سهل بن سعد الساعدي: أن الرسول قال: ((اللهم لا يدركني زمان لا يتبع فيه العليم، ولا يستحيا فيه من الحليم)). وتأملوا يرحمكم الله تواضع سيدنا موسى وهو نبي من أولي العزم - عليهم السلام - مع معلمه الخضر - عليه السلام - كما قص القرآن الكريم علينا في سورة الكهف: قال ستجدني إن شاء الله صابراً ولا أعصي لك أمراً وهكذا هو سمت المتعلم، أن يعلم أن ذلّه لمعلمه هو عزّ له، وأن خضوعه فخر، وأن تواضعه رفعة، ورحم الله الشافعي القائل:
أهين لهم نفسي فهم يكرمونها *** ولن تكرم النفس التي لا تهينها
وقال أبو حامد الغزالي - رحمه الله -: لا يُنال العلم إلا بالتواضع.
وعلى هذا فقد قرر العلماء آداباً للمتعلم، منها ألا ينادي معلماً إلا نداء مقروناً بما يشعر بالاحترام والإجلال: كنداء سيدي أو يا معلمي، أو يا شيخي، أو يا أستاذي، ورحم الله شوقي حين يقول:
أعلمت أشرف أو أجل من الذي *** يبني وينشئ أنفسناً وعقولا
أيها المسلمون:
نؤكد على هذا لأننا سمعنا عن بعض منا يهينون المعلمين أمام أبنائهم، ويحتقرونهم، وربما يسبونهم، ويلحقون به كل المعايب ثم بعد ذلك ينتظر هؤلاء الآباء نجاحاً لأبنائهم، إن هذا لن يكون أبداً وقديما قال الشاعر:
إن المعلم والطبيب كلاهما *** لا ينصحان إذا هما لم يُكرما
فاصبر لدائك إن جفوت طبيبه *** واصبر لجهلك إن جوفت معلما
أقول قولي هذا وأستغفر الله الكريم العظيم لي ولكم فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية
الحمد لله حمداً يوافي نعمه ويزيد، - سبحانه - لا أحصي ثناءُ عليه هو كما أثنى على نفسه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن سيدنا محمداً عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد:
فيا أيها المسلمون:
مما قاله علي - رضي الله عنه - في تبيان حق العالم على المتعلم، في وصية جامعة مانعة: ((ومن حق العالم عليك أن تسلم على القوم عامة وتخصه بالتحية، وأن تجلس أمامه، ولا تشيرن عنده بيديك، ولا تغمز بعينيك غيره، ولا تقولن قال فلانٌ خلاف قوله، ولا تغتابن عنده أحداً، ولا تطلبن عثرته، وإن زل قبلت معذرته، عليك أن توقره لله - تعالى -، وإن كانت له حاجة سبقت القوم إلى خدمته، ولا تسارر أحداً في مجلسه، ولا تأخذه بثوبه، ولا تلح عليه إذا كسل، ولا تشبع من طول صحبته، فإنما هو كالنخلة ينتظر أن يسقط عليك منها شيء)).
رضي الله عن الإمام، لقد جمع في وصيته هذه ما فيه الكافية وما يشفي به الغليل، فهل نحن واعون.
اللهم احفظنا بما تحفظ به عبادك الصالحين، اللهم إننا نعوذ بك من عذاب جهنم ومن عذاب القبر ومن فتنة المحيا والممات، اللهم إنا نعوذ بك من المأثم والمغرم، وصلى اللهم وسلم على سيدنا محمد وآله وصحبه وسلم تسليماً.
أضف تعليق
هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها
تم الإرسال
ستتم إضافة التعليق بعد معاينته من قبل فريق عمل مداد