أسباب الهداية والضلال


 

بسم الله الرحمن الرحيم

الخطبة الأولى

أما بعد: فاتقوا الله حق التقوى، واستمسكوا من الإسلام بالعروة الوثقى، فمن تمسك بها فاز وسعد، ومن أعرض عنها خاب وخسر.

عباد الله، لقد رحم الله - تعالى - البشرية، فأرسل إليها الرسل عليهم الصلاة والسلام مبشرين ومنذرين في كل أمة، وأنزل معهم الكتاب بالحق، ليحكم بين الناس فيما اختلفوا فيه، وختم الأنبياءَ بسيد البشر محمدٍ, وصلى الله وسلم على النبيين أجمعين، فلا نبي بعد محمد - عليه السلام -، وأنزل الله عليه أفضلَ كتاب يُتلى ويُعمل به إلى يوم القيامة، وجعل شريعتَه ناسخةً للشرائع التي قبلها كلِّها، ولا يقبل الله من أحد دينا غير الإسلام، قال الله - تعالى -: ( وَمَن يَبتَغِ غَيرَ الإسلَـامِ دِينًا فَلَن يُقبَلَ مِنهُ وَهُوَ في الآخِرَةِ مِنَ الخَـاسِرِينَ ) [آل عمران: 85].

جاء سيدُ البشر محمدٌ والرسل قبله عليهم الصلاة والسلام بالحق، ودعَوا إليه بأفضل الوسائل وأبين الحجج، بعزمٍ, شديد وإخلاص عظيم، وحذَّروا من الباطل أشدَّ التحذير، ونهوا عن الشرور والمحرمات بأنواع الدلالات والبيِّنات، قال الله - تعالى -: ( رٌّسُلاً مٌّبَشّرِينَ وَمُنذِرِينَ لِئَلاَّ يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعدَ الرٌّسُلِ وَكَانَ اللَّهُ عَزِيزاً حَكِيماً )  [النساء: 165]، فاستجاب للحق والهدى المؤمنون السعداء، وأعرض عن الحق الكفار الذين كتب الله عليهم الشقاء، قال الله - تعالى -: ( فَأَمَّا مَن أَعطَى وَاتَّقَى وَصَدَّقَ بِالحُسنَى فَسَنُيَسّرُهُ لِليُسرَى وَأَمَّا مَن بَخِلَ وَاستَغنَى وَكَذَّبَ بِالحُسنَى فَسَنُيَسّرُهُ لِلعُسرَى )   [الليل: 5-10]، وقال - تعالى -: ( وَكَذلِكَ حَقَّت كَلِمَةُ رَبّكَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّهُم أَصحَـابُ النَّارِ  )  [غافر: 6]. فما الذي جعل البشرية أمام الهدى ودين الحق إلى فريقين: فريق آمن بقلبه وعمل صالحا بجوارحه، وفريقٍ, كفر بقلبه وعمل الشر؟! لا مِرية أن الملك القدوس القدير العليم الحكيم سبقت مشيئته أن يكون فريق في الجنة وفريق في السعير لحِكمٍ, عظيمة وغايات جليلة، لا يحيط بها إلا علام الغيوب، قال الله - تعالى -:(  لاَ يُسأَلُ عَمَّا يَفعَلُ وَهُم يُسـئَلُونَ )   [الأنبياء: 23]، لكمال عدله وحكمته وعلمه ورحمته وقدرته، وقال - تعالى -: ( وَلَو شِئنَا لآتَينَا كُلَّ نَفسٍ, هُدَاهَا وَلَـكِن حَقَّ القَولُ مِنى لأملانَّ جَهَنَّمَ مِنَ الجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجمَعِينَ  )  [السجدة: 13].

ولكن التفكٌّر والنظر في أسباب الهداية والضلال ومعرفة طرق الغيّ والرشد والحق والباطل يزيد المؤمن إيماناً، ويدفع الكافرَ العاقل المتجرّد من الهوى إلى الإيمان، ويحمله عليه إذا أسعفه توفيقُ الله ومنٌّه.

فمن أسباب الهداية والإيمان ما سبق في علم الله - تعالى - أن المؤمن يشكر الله على الإيمان، ويحمد ربَّه، ويُثني على مولاه الذي هداه للإسلام، ومن رحمة الله وكرمه أنه يتفضّل ويمنّ على المؤمنين بما سبق في علمه أنهم أهل للهداية من غير أن يستحقَّ أحدٌ على الله شيئاً، قال الله - تعالى -:(  وَرَبٌّكَ يَخلُقُ مَا يَشَاء وَيَختَارُ مَا كَانَ لَهُمُ الخِيَرَةُ سُبحَـانَ اللَّهِ وَتَعَـالَى عَمَّا يُشرِكُونَ وَرَبٌّكَ يَعلَمُ مَا تُكِنٌّ صُدُورُهُم وَمَا يُعلِنُونَ [القصص: 68، 69]، وقال - تعالى -: اللَّهُ أَعلَمُ حَيثُ يَجعَلُ رِسَالَتَهُ )   [الأنعام: 124]، وقال - تعالى -:(  وَكَذلِكَ فَتَنَّا بَعضَهُم بِبَعضٍ, لّيَقُولوا أَهَـؤُلاء مَنَّ اللَّهُ عَلَيهِم مّن بَينِنَا أَلَيسَ اللَّهُ بِأَعلَمَ بِالشَّـاكِرِينَ )   [الأنعام: 53].

فاشكر الله ـ أيها المسلم ـ على دينك يزدك الله ثباتاً وخيراً. ولكن الله لا يعذّب أحدا لما سبق في علمه حتى يقع من العبد الذنب.

ومن أسباب الهداية الحرص على معرفة الحق وأتباعه، والتجرد من الهوى، قال الله - تعالى -: ( وَالَّذِينَ جَـاهَدُوا فِينَا لَنَهدِيَنَّهُم سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ المُحسِنِينَ )   [العنكبوت: 69].

ومن أسباب الهداية والإيمان براءة القلب وتواضعه لله - تعالى -، وطهارته من الكبرياء والحسد والمكر والخديعة والخبث والنفاق والغش، قال - تعالى -:(  يَومَ لاَ يَنفَعُ مَالٌ وَلاَ بَنُونَ إِلاَّ مَن أَتَى اللَّهَ بِقَلبٍ, سَلِيمٍ,  )  [الشعراء: 88، 89].

ومن أسباب الهداية والإيمان حب كلام الله - تعالى- وتلاوته والخضوع له والخشية والوجل عند سماعه، وحب سنة رسول الله، قال الله - تعالى -: ( اللَّهُ نَزَّلَ أَحسَنَ الحَدِيثِ كِتَـاباً مٌّتَشَـابِهاً مَّثَانِيَ تَقشَعِرٌّ مِنهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخشَونَ رَبَّهُم ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُم وَقُلُوبُهُم إِلَى ذِكرِ اللَّهِ ذَلِكَ هُدَى اللَّهِ يَهدِى بِهِ مَن يَشَاء )   [الزمر: 23]، وقال - تعالى -: ( قُل إِن كُنتُم تُحِبٌّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِى يُحبِبكُمُ اللَّهُ وَيَغفِر لَكُم ذُنُوبَكُم وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ )   [آل عمران: 31]، إلى غير ذلك من الأسباب.

وأما أسباب الضلال وبغض الحق ومحاربته والإعراض عنه، فمن ذلك اتباع الهوى والشهوات، قال - تعالى -: ( أَفَرَأَيتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَـاهَهُ هَوَاهُ وَأَضَلَّهُ اللَّهُ عَلَى عِلمٍ, وَخَتَمَ عَلَى سَمعِهِ وَقَلبِهِ وَجَعَلَ عَلَى بَصَرِهِ غِشَـاوَةً فَمَن يَهدِيهِ مِن بَعدِ اللَّهِ أَفَلاَ تَذَكَّرُونَ )   [الجاثية: 23]، وقال - تعالى -:(  فَخَلَفَ مِن بَعدِهِم خَلفٌ أَضَاعُوا الصلاة وَاتَّبَعُوا الشَّهَواتِ فَسَوفَ يَلقَونَ غَيّاً )   [مريم: 59]، وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - أن رسول الله قال: ((حفت النار بالشهوات، وحفَّت الجنة بالمكاره)) رواه البخاري ومسلم واللفظ لمسلم[1].

ومن أسباب الصدّ عن الحق والإيمان خطيئة الكبر، فإذا تنجَّس القلب بالكبر قسى وترفَّع عن قبول الحق، وحُرم التوفيق وأدركه الخذلان، قال الله - تعالى -: ( سَأَصرِفُ عَن ءايَـاتِي الَّذِينَ يَتَكَبَّرُونَ فِي الأرضِ بِغَيرِ الحَقّ وَإِن يَرَوا كُلَّ ءايَةٍ, لاَّ يُؤمِنُوا بِهَا وَإِن يَرَوا سَبِيلَ الرٌّشدِ لاَ يَتَّخِذُوهُ سَبِيلاً وَإِن يَرَوا سَبِيلَ الغَىّ يَتَّخِذُوهُ سَبِيلاً ذالِكَ بِأَنَّهُم كَذَّبُوا بِـئَايَـاتِنَا وَكَانُوا عَنهَا غَـافِلِينَ )   [الأعراف: 146]، وسئل رسول الله عن الرجل يحبّ أن يكون ثوبه حسنا وأن يكون نعله حسنا، أذلك من الكبر؟ فقال: ((لا، الكبر بطَر الحق وغمط الناس))[2]، أي: دفع الحق وردّه، واحتقار الناس، وفي الحديث عن النبي: ((لا يدخل الجنة من كان في قلبه مثقال ذرة من كبر))[3].

ومن أسباب كراهة الحق والإيمان وأهله الحسدُ، فهو يُعمي ويصمّ، ويحمل صاحبه على كل معصية إذا استحكم في صاحبه، قال الله - تعالى -: ( وَدَّ كَثِيرٌ مّن أَهلِ الكِتَـابِ لَو يَرُدٌّونَكُم مِن بَعدِ إِيمَـانِكُم كُفَّارًا حَسَدًا مّن عِندِ أَنفُسِهِم مِّن بَعدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الحَقٌّ فَاعفُوا وَاصفَحُوا حَتَّى يَأتِىَ اللَّهُ بِأَمرِهِ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلّ شَىء قَدِيرٌ )   [البقرة: 109]، فكم صدَّ الحسد عن الحق والإيمان، واعتبِر ذلك بحال إبليس لعنه الله الذي حسد آدم - عليه السلام -.

قالت صفية بنت حيي بن أخطب اليهودي - رضي الله عنها -: قدم أبي وعمّي أبو ياسر إلى رسول الله في أول النهار، ثم رجعا في آخر النهار متوامِتَين كسلانين، فهششت لهما ـ وكنت جارية صغيرة وأحبَّ أولادهما إليهما ـ فلم يلتفتا إليّ، وسمعت عمي يقول لأبي: أهو هو؟ قال حيي بن أخطب: إي وربِّ موسى، إنه هو النبي بصفته، قال عمي: كيف تجده؟ قال حيي: عداوته ما بقيتُ[4]، وصدق الله - تعالى -إذ يقول: (  الَّذِينَ آتَينَـاهُمُ الكِتَـابَ يَعرِفُونَهُ كَمَا يَعرِفُونَ أَبنَاءهُم وَإِنَّ فَرِيقًا مّنهُم لَيَكتُمُونَ الحَقَّ وَهُم يَعلَمُونَ )  [البقرة: 146].

ومما يصدّ عن الحق والإيمان قرينُ السوء وصاحبُ الشر، قال - تعالى -: ( وَيَومَ يَعَضٌّ الظَّـالِمُ عَلَى يَدَيهِ يَقُولُ يالَيتَنِى اتَّخَذتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلاً ياوَيلَتَا لَيتَنِى لَم أَتَّخِذ فُلاَناً خَلِيلاً لَّقَد أَضَلَّنِى عَنِ الذّكرِ بَعدَ إِذ جَاءنِى وَكَانَ الشَّيطَـانُ لِلإِنسَـانِ خَذُولاً  )  [الفرقان: 27، 29].

ومما يصدّ عن الحق والإيمان اتباعُ العادات الجاهلية، وتقليد الآباء والأجداد فيها، قال - تعالى -: ( إِنَّهُم أَلفَوا ءابَاءهُم ضَالّينَ فَهُم عَلَى ءاثَارِهِم يُهرَعُونَ )   [الصافات: 69، 70].

ومن الأسباب للصد عن الحق والإيمان منافعُ الدنيا وزينتها، وابتغاءُ جاهها وعزِّها وحطامِها، قال - تعالى -: وَوَيلٌ لّلكَـافِرِينَ مِن عَذَابٍ, شَدِيدٍ, الَّذِينَ يَستَحِبٌّونَ الحَيَوةَ الدٌّنيَا عَلَى الآخِرَةِ وَيَصُدٌّونَ عَن سَبِيلِ اللَّهِ وَيَبغُونَهَا عِوَجًا أُولَـئِكَ في ضَلَـالٍ, بَعِيدٍ, [إبراهيم: 2، 3]، ولمَّا جاء كتاب رسول الله إلى هرقل عظّمه وعرض على قومه الإسلام، وجعل بينه وبينهم أبوابا، فكادوا يقتلونه، وذهبوا إلى الأبواب، فوجدوها مغلقة فقال: إنما أردتُ أن أختبر صلابتكم في دينكم، فرضوا عنه وسجدوا له[5]، فضنّ الخبيث بملكه ولم يسلم.

ومن أسباب الموانع عن الحق العناد، قال الله - تعالى -: ( أَلقِيَا في جَهَنَّمَ كُلَّ كَفَّارٍ, عَنِيدٍ,  )  [ق: 24].

ومن أعظم الأسباب للصدِّ عن الحق والإيمان والنور، ومن أعظم أسباب إلباس الباطل بالحق الإعلامُ المضلِّل، فهو يغزو عقولَ جمهور الناس، ويلبّس عليهم الحقائق، ويوجّههم من حيث يشعرون أو لا يشعرون إلى ما رُسم له وقُصد له هذا الإعلام.

ولكلِّ زمان إعلام بحسب الوسائل الممكنة في الأزمنة، وأوّل إعلامي ضالٍّ, مضلّ يكره الحقَّ وينفّر منه ويزيِّن الباطلَ هو إبليس لعنه الله، قال الله - تعالى -عنه وعن آدم - عليه السلام -: ( فَوَسوَسَ إِلَيهِ الشَّيطَـانُ قَالَ يـئَادَمُ هَل أَدُلٌّكَ عَلَى شَجَرَةِ الخُلدِ وَمُلكٍ, لاَّ يَبلَى  )  [طه120]، ( وَقَالَ مَا نَهَـاكُمَا رَبٌّكُمَا عَن هَـذِهِ الشَّجَرَةِ إِلا أَن تَكُونَا مَلَكَينِ أَو تَكُونَا مِنَ الخَـالِدِينَ وَقَاسَمَهُمَا إِنّي لَكُمَا لَمِنَ النَّـاصِحِينَ فَدَلَّـاهُمَا بِغُرُورٍ, فَلَمَّا ذَاقَا الشَّجَرَةَ بَدَت لَهُمَا سَوءتُهُمَا )   [الأعراف: 20-22].

ثم قام بالدعوة إلى الباطل وتزيينه والصدّ عن الحق والإيمان والتنفير منه كلٌّ أفَّاك أثيم، قال الله - تعالى -: ( وَكَذَلِكَ جَعَلنَا لِكُلّ نِبِىّ عَدُوّاً شَيَـاطِينَ الإِنسِ وَالجِنّ يُوحِى بَعضُهُم إِلَى بَعضٍ, زُخرُفَ القَولِ غُرُوراً وَلَو شَاء رَبٌّكَ مَا فَعَلُوهُ فَذَرهُم وَمَا يَفتَرُونَ )   [الأعراف: 112]، قال الطفيل بن عمرو الدوسي - رضي الله عنه -: قدمتُ مكةَ فما زالت بي قريش حتى جعلت في أذني كرسفاً ـ أي: قطنًا ـ لئلا أسمع من محمد - عليه الصلاة والسلام -، ثم قلت: أنا عاقل، أعرفُ مواضع الكلام، فجئته فتلا القرآن ودعاني للإسلام، فأسلمت مكاني، ورجعت إلى قومي أدعوهم[6].

وإن بعضَ وسائل الإعلام الغربية التي تقوم بهجمةٍ, شرسة وحنَق محترق ضدَّ المملكة العربية السعودية هي من الإعلام المضلِّل، تقصد بذلك الطعنَ في الإسلام، وتشويهَ صورته أمام العالم الغربي، وأمام غير المسلمين، وتقصد هذه الوسائلُ الإعلامية الحاقدة التنفيرَ من الدين الحق، والنكايةَ من المسلمين واستفزازهم، وتريد هذه الوسائل الصهيونية الماسونية المفسدة أن تجعل الأخطاءَ التي تقع من بعض المسلمين دليلا على الإسلام للتنفير منه وصدّ الناس عنه، وتسخر من شريعة هذه البلاد وأخلاقها الإسلامية، ولكن إذا عُرف السبب زالت الغرابة.

وإننا نحمد الله - تعالى -أن أهل هذه البلاد حكامًا وعلماء ومواطنين وقفوا صفًّا واحداً أمام هذا الهجوم الظالم الماسوني المفسد، بل والمسلمون في مشارق الأرض ومغاربها وهم خمس سكان العالم سخروا من هذا الإعلام السفيه الذي خرج عن أصول الإعلام، وغيَّر الحقائق وافترى، وتناول حتى سيدَ البشر بالسخرية، فالله- تبارك وتعالى -ينتقم ممن وراءه، ويردّهم خائبين.

خادع هذا الإعلام ولبّس في الوقت الذي تيسَّرت فيه وسائل معرفة الحقيقة كما هي لا كما يصوّرها الإعلام الماسوني الغربي.

وإن الوقوفَ في وجه الإعلام الذي يستهدف دينَنا وبلادَنا وتمسّكَها بشريعتها واجب على الجميع، بل واجب على كل مسلم في الأرض أن يقفَ في وجه هذا الإعلام المفسِد، كلُّ بحسب استطاعته، دفاعاً عن الإسلامº لأن لهذه البلاد حقا على كل مسلم، قال الله - تعالى -:(  لَتُبلَوُنَّ في أَموالِكُم وَأَنفُسِكُم وَلَتَسمَعُنَّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الكِتَـابَ مِن قَبلِكُم وَمِنَ الَّذِينَ أَشرَكُوا أَذًى كَثِيراً وَإِن تَصبِرُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ ذلِكَ مِن عَزمِ الأمُورِ  )  [آل عمران: 186].

بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم، ونفعنا بهدي سيد المرسلين وبقوله القويم، أقول قولي هذا، وأستغفر الله العظيم لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.

 

----------------------------------------

[1] أخرجه البخاري في الرقاق (6487)، ومسلم في صفة الجنة (2823).

[2] أخرجه مسلم في الإيمان (91) من حديث ايبن مسعود - رضي الله عنه -.

[3] أخرجه مسلم في الإيمان (91) من حديث ايبن مسعود - رضي الله عنه -، وهو نفس الحديث السابق.

[4] أخرجه ابن إسحاق كما في السيرة النبوية (3/52)، قال: حدثني عبد الله بن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم قال: حدِّثت عن صفية بنت حيي بن أخطب أنها قالت:...وذكر القصة بنحوها.

[5] أخرجه الطبري في تاريخه (2/130)، والطبراني في الكبير (8/19) من طريق ابن إسحاق عن الزهري قال: حدثني أسقف للنصارى أدركته في زمان عبد الملك بن مروان أنه أدرك ذلك في أمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأمر هرقل وعقله... وذكر نحو القصة، وأخرجها أيضا أحمد (3/441)، وابنه في زوائده (4/74-75) من طريق سعيد بن أبي راشد عن التنوخي رسول هرقل إلى رسول الله، قال الهيثمي في المجمع (8/236): \"رواه عبد الله بن أحمد وأبو يعلى ورجال أبي يعلى ثقات، ورجال عبد الله بن أحمد كذلك\"، لكن سعيد بن أبي راشد مجهول لم يرو عنه إلا راو واحد.

[6] انظر قصة إسلامه في السيرة النبوية (2/226)، والسير (1/345).

 

 

الخطبة الثانية

الحمد لله المعزِّ من أطاعه واتقاه، ومذلِّ من خالف أمرَه وعصاه، أحمد ربي وأشكره على ما أولاه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، لا إله سواه، وأشهد أن نبينا وسيدنا محمداً عبده ورسوله، اصطفاه ربه واجتباه، اللهم صل وسلم وبارك على عبدك ورسولك محمد، وعلى آله وصحبه ومن والاه.

أما بعد: فاتقوا الله معشر المسلمين، فبتقواه تُغفَر الذنوب، وتفرَّج الكروب.

عباد الله، إن الكلمةَ الطيبة التي تُقال عبرَ وسائل الإعلام وغيره كشجرة طيبة، ينتفع الناس من ثمارها، ويستظلون بوارف ظلالها، ويجب أن تُقال وقتَ حاجتها، قال الله - تعالى -:(  أَلَم تَرَ كَيفَ ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً كَلِمَةً طَيّبَةً كَشَجَرةٍ, طَيّبَةٍ, أَصلُهَا ثَابِتٌ وَفَرعُهَا في السَّمَاء تُؤتِى أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ, بِإِذنِ رَبّهَا وَيَضرِبُ اللَّهُ الأمثَالَ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُم يَتَذَكَّرُونَ وَمَثلُ كَلِمَةٍ, خَبِيثَةٍ, كَشَجَرَةٍ, خَبِيثَةٍ, اجتُثَّت مِن فَوقِ الأرضِ مَا لَهَا مِن قَرَارٍ, )   [إبراهيم: 24-26]، والنبي يقول: ((والكلمة الطيبة صدقة))[1].

وإن الإعلام الذي يوجَّه ضدَّ المسلمين عامةً وضدَّ هذه البلاد خاصَّة يجب أن يُصَدّ شرّه ويدفع ضرره بإعلام يُضادٌّه، بإعلاء كلمة الحق، وبيان محاسن الإسلام، ودحض الباطل وتعريته، وقد قال النبي لحسان - رضي الله عنه -: ((اهجُ المشركين وروح القدس يؤيدك، فوالذي نفسي بيده لشعرُك أشدّ عليهم من وقع النبل))[2]، وهذا نوع من الإعلام الحق.

وإن على وسائل الإعلام العربية والإسلامية أن تنطلقَ من عقيدة الأمة ودينها وأخلاقها ومصالحها، لتنصر الحقَّ، وتدعوَ إليه، وتدحضَ الباطل، وتحذِّر منه، وتبني أخلاق الأجيال بناءً سليما صالحاً، وتدحضَ مفتريات الإعلام المعادي، وأن تحذّر من الهدم للأخلاق وانحراف الأفكارº فإن رصيدَ الأمة شبابُها الذين هم على نهجها ودينها، ليدافعوا عن دينهم وأوطانهمº لأن من انحرف فكره وفسدت أخلاقه بالإعلام المضلل لا يُرجى منه أن يدافع عن دين أو عن وطن.

عباد الله،(  إِنَّ اللَّهَ وَمَلَـائِكَـتَهُ يُصَلٌّونَ عَلَى النَّبِىّ ياأَيٌّهَا الَّذِينَ ءامَنُوا صَلٌّوا عَلَيهِ وَسَلّمُوا تَسلِيماً )   [الأحزاب: 56]، وقد قال: ((من صلى عليَّ صلاة واحدة صلى الله عليه بها عشراً)).

فصلوا وسلموا على سيد الأولين والآخرين وإمام المرسلين.

اللهم صل على محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد...

 

----------------------------------------

[1] أخرجه البخاري في الجهاد (2989)، ومسلم في الزكاة (1009) من حديث أبي هريرة - رضي الله عنه -.

[2] أخرجه البخاري في المغازي (4124)، ومسلم في فضائل الصحابة (2486) من حديث البراء - رضي الله عنه - بنحوه، وليس فيه الجملة الأخيرة، والذي ورد أن النبي قالها لعبد الله بن رواحة - رضي الله عنه - لما تهدَّد المشركين بشعره في عمرة القضاء، أخرج ذلك الترمذي في الأدب (2847)، والنسائي في المناسك (2873) من حديث أنس - رضي الله عنه -، وقال الترمذي: \"هذا حديث حسن صحيح غريب من هذا الوجه\"، وصححه ابن خزيمة (2680)، وابن حبان (5788)، وعزاه الحافظ في الإصابة (4/85) لأبي يعلى وحسن إسناده، وهو في صحيح الترمذي (2283).

 

 

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply