بسم الله الرحمن الرحيم
ليس أغيظ للأعداء من أن يروا المسلمين المؤمنين متآلفين متآخين، وقد كان تماسك المجتمع الإسلامي الأول مما أغاظ المنافقين الحاقدين، وهذا دأب أعداء الإسلام في كل زمان ومكان، ولذلك مَنّ الله - سبحانه وتعالى - على رسوله بأن جمع قلوب المسلمين فقال: (وألف بين قلوبهم لو أنفقت ما في الأرض جميعا ما ألَّفت بين قلوبهم ولكن الله ألَّف بينهم إنه عزيز حكيم) [1] إن نظرة إلى الساحة الإسلامية اليوم لابد أن ترينا ضعف العلاقات الأخوية، وما يترتب عليها من انحسار الآمال وقلة المردود.
كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - شديد الحرص على الأخوة بين الصحابة، لا يحب أن يعكر صفوها أو يضعفها كلمة جارحة، أو كلمة تُنقل، وقد علّم المسلمين قاعدة في العلاقات الأخوية مخافة أن تقطع، فقال: « لا يبلغني أحد منكم عن أحد من أصحابي شيئاً، فإني أحب أن أخرج إليكم سليم الصدر ».
ومن حرصه - صلى الله عليه وسلم - على هذه الأخوة ما قاله لأبي بكر - رضي الله عنه - في كلمة بدرت منه لبعض الصحابة، فقد حدث أن مرّ أبو سفيان بن حرب بطائفة من المسلمين فيهم صهيب وبلال، فقالوا: (ما أخذت السيوف من عدو الله مأخذها، فقال لهم أبو بكر: أتقولون هذا لسيد قريش؟ وذكر أبو بكر ذلك للنبي -صلى الله عليه وسلم- فقال له: « لعلك أغضبتهم، لإن كنت أغضبتهم لقد أغضبت ربك »، فقال لهم أبو بكر: يا إخوتي، هل أغضبتكم؟ قالوا: لا، يغفر الله لك يا أبا بكر).
ويعلق ابن تيمية على هذا الحديث فيقول: لأن أولئك إنما قالوا ذلك غضباً لله، لكمال ما عندهم من الموالاة لله ورسوله، والمعاداة لأعداء الله ورسوله [2].
إن حقوق الأخوة كثيرة، ومنها: أن لا يكون في قلب الأخ سخيمة على أخيه، ولا يفشي له سراً، ولا يُماريه أو ينافسه، وأن لا ينقل له قدح غيره فيه وأن يقضي حوائجه، قال بعض السلف: « إذا استقضيت أخاك حاجة فلم يقضها، فذكّره ثانية فلعله أن يكون قد نسي، فإن لم يقضها فكبّر عليه واقرأ هذه الآية (والموتى يبعثهم الله).
ولا يكثر من العتاب، فإن كثرة العتاب سبب للقطيعة، كما أن قلته دليل على قلة الاكتراث وكذلك الزيارة، فإن قلتها تعقب الجفوة، وتحل عقدة الإخاء.
إن تراكم الأخطاء في هذه العلاقات مما يشحن النفوس، ويوغر الصدور، ولذلك قال بعض علماء النفس المعاصرين: إن العقد النفسية ليست من داخل الفرد وإنما من العلاقات بين الأفراد.
فلماذا لا نحافظ على الأخوة في الله التي تذكرنا بالآخرة، والتي تخفف كثيراً من أعباء هذه الحياة الدنيا؟!
ــــــــــــــــــــ
(1) سورة الأنفال:62.
(2) الفتاوى، 10/58.
أضف تعليق
هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها
تم الإرسال
ستتم إضافة التعليق بعد معاينته من قبل فريق عمل مداد