معركة الأشباح


 

 

بسم الله الرحمن الرحيم

إن من الأسباب الكبرى لكثير من الانحراف والضلال الواقع في حياة الناس التباس الحق بالباطل، ولذلك فقد نهى الله- تبارك وتعالى - عن التلبيس والتدليس والغش الذي يظهر الحق باطلاً أو الباطل حقاً وكرر النهي عن ذلك، فقال الله- تبارك وتعالى -: (وَلا تَلبِسُوا الحَقَّ بِالبَاطِلِ وَتَكتُمُوا الحَقَّ وَأَنتُم تَعلَمُونَ) (البقرة: 42)، وقال - تعالى -: (يَا أَهلَ الكِتَابِ لِمَ تَلبِسُونَ الحَقَّ بِالبَاطِلِ وَتَكتُمُونَ الحَقَّ وَأَنتُم تَعلَمُونَ) (آل عمران: 71).

وإن هذا الالتباس وذلك الاشتباه ترتفع أسهمه وتكثر ضحاياه عندما يقل العلم بكتاب الله وسنة رسوله - صلى الله عليه وسلم -. فمن رغب في السلامة من طوفان هذا التلبيس والتضليل فليستمسك بالكتاب المبين الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه.

وإن كلمة الإرهاب نالت حظاً وافياً من التلبيس والخلط المتعمد وغير المتعمد. ولكشف ذلك الخلط وبيانه فإن نظرة عجلى لكتاب الله - تعالى - يتبين بها أن الإرهاب وهو الإخافة والإزعاج وسيلة استعملها أعداء الله للصد عن سبيل الله، وكذلك استعملها أولياؤه لحماية الدين والذب عن حياضه. فمن الأول ما ذكره الله - تعالى -  في قصة موسى وفرعون عند قول سحرة فرعون: ( قَالُوا يَا مُوسَى إِمَّا أَن تُلقِيَ وَإِمَّا أَن نَكُونَ نَحنُ المُلقِينَ قَالَ أَلقُوا فَلَمَّا أَلقَوا سَحَرُوا أَعيُنَ النَّاسِ وَاستَرهَبُوهُم وَجَاءُوا بِسِحرٍ, عَظِيمٍ,)(لأعراف: 115- 116). أي: أفزعوهم وأخافوهم وأرهبوهم إرهاباً شديداً، وهذا النوع إرهاب مذموم محرم لما ينتج عنه من الصد عن سبيل الله وإضلال عباده. ومن الثاني ما أمر الله - تعالى -بإعداد المستطاع من القوة لتحصيله كما في قول الله - تعالى -: ( وَأَعِدٌّوا لَهُم مَا استَطَعتُم مِن قُوَّةٍ, وَمِن رِبَاطِ الخَيلِ تُرهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُم وَآخَرِينَ مِن دُونِهِم لا تَعلَمُونَهُمُ اللَّهُ يَعلَمُهُم وَمَا تُنفِقُوا مِن شَيءٍ, فِي سَبِيلِ اللَّهِ يُوَفَّ إِلَيكُم وَأَنتُم لا تُظلَمُونَ) (الأنفال: 60). فإن أخذ الأمة بما أمرها الله به من الإعداد للعدو الساعي في هلاكها وإبطال دينها من أعظم ما يحفظها ويصونها. وإن المنهج الرصين في مثل هذه الألفاظ المجملة التي يختلف حكمها باختلاف المقصود منها أن تفصل وتفسر تحصينا من الإشكال ووقاية من مغبة الإجمال.

ولهذا فإنه ليس من المناسب إطلاق ذم الإرهاب دون تفصيل وبيان. فإن الحكم على الإرهاب مدحاً وذماً حرمة وحلاً مرهون بآلياته ومقاصده وما يفضي إليه.

وهذا يؤكد ضرورة ترك الإطلاقات في هذا الموضوع الكبير الحساس، بل الواجب توفير الهمم وتكثيف الجهود لبيان معالم الإرهاب المحرم المذموم وتجلية حدوده وكشف أوصافه إذ من غير الممكن أن يعالج ذلك أو أن يبحث له عن حلول في ظل ضبابية المعاني والتباسها.

ومما يؤكد ضرورة بيان وتوضيح معنى الإرهاب أنه ليس هناك اتفاق بين الأمم والدول على معناه ولا يوجد له تعريف شامل واضح، بل هناك وجهات متباينة في تحديده وتعريفه بين مشرق ومغرب فما يسميه البعض إرهاباً يصفه آخرون بأنه نضال وجهاد.

ومما يؤكد ضرورة البيان والتوضيح في هذا الموضوع الشائك أن محاربة الإرهاب أصبحت ذريعة يبرر بها الظالمون عدوانهم على الأمم والشعوب وتسلطهم وإملآتهم وتدخلهم في خصائصهم فيصفون كل من طالب بحقه أو دافع عن دينه ووطنه ومصالحه بالإرهاب، بل إن الأمر تجاوز ذلك فأصبح كل من يشتم منه رائحة التوجس من المخططات الأمريكية أو المعارضة لها فإنه حري بأن يربط بالإرهاب على أي وجه كان.

وفي هذا السياق ظاهر ملموس من مساعي غلاة اليمين الأمريكي والحركة الصهيونية الحثيثة لإلصاق صفة الإرهاب بالمسلمين والعرب على وجه العموم لا لشيء سوى أنها أمة تستعصي على الذوبان في النموذج الغربي.

إن ترك الأمر بهذه الضابيبة يصير محاربة الإرهاب غطاء يفيد منه أطراف عديدة معتدية كأمريكا وإسرائيل في تبرير ألوان من الإرهاب العسكري والسياسي والاقتصادي والإعلامي والفكري الذي تمارسه هذه الجهات في إطار ما تسميه الدفاع عن النفس أو حماية الأمن القومي. وفي الوقت نفسه فإن عدم الوضوح في تحديد معنى الإرهاب يصير المعركة المعلنة ضده أشبه ما تكون بمعركة مع الأشباح.

 

 

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply