انتهاك الحرمات والمقدسات


 

بسم الله الرحمن الرحيم

 

 الخطبة الأولى:

 أيها المسلمون، أيها المرابطون في المقدس وأكناف بيت المقدس، أيّ مقدٍّ,س من مقدّسات المسلمين لم يدنس؟! وأية حرمة من حرماتهم لم تنتهك؟! في الوقت الذي تسفك فيه دماؤهم بالتعلل وبغير سبب لإرواء ظمأ الحاقدين عليهم وعلى دينهم والساعين لإطفاء جذور هذا الدين ونوره المبين بأفواههم.

 

إن ما تتناقله وسائل الإعلام في الآونة الأخيرة وما نشرته هذه الوسائل على ألسنة شهود عيان، خرجوا من معتقلات المحتلين في العراق وفي سجن غوانتانامو، من قيام المحققين والجنود الأمريكان بتدنيس المصحف الشريف. إن هذه الجريمة النكراء بحق كتاب الله العزيز منكر وعار، توضع على جبين من يزعمون رعاية حقوق الإنسان وينادون ـ زورا وبهتانا ـ بتحقيق العدالة بين شعوب العالم.

 

إن هذه الأفعال المشينة التي ترفضها كل شريعة إلهية وتمجّها الأعراف الإنسانية تسجّل على أصحابها المستوى الهابط الذي وصلت إليه أخلاقهم، وتشير إلى مدى الحقد على هذه الأمة وعلى كتابها الكريم وقرآنها العظيم الذي يرى فيه أعداء أمتكم عنواناً لعزتكم ودستوراً ينهض بهذه الأمة إن هي أقبلت عليه وعملت وفق تعاليمه وطبقت أحكامه.

 

أيها المسلمون، إن من يقترفون هذه الأعمال النكراء وبحق كتاب كريم أنزله الله على رسول البشرية جمعاء إنما يكشفون عن الوجه الحقيقي لحضارتهم وتربيتهم التي تقوم على استعباد الشعوب والسيطرة على مقدراتهم والمس بمقدساتهم، إمعانا في العداوة التي تبدو من أفواههم، وما تخفي صدورهم أكبر، وهي استمرار للمعركة بين الحق والباطل، \"وَلا يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُم حَتَّى يَرُدٌّوكُم عَن دِينِكُم إِن استَطَاعُوا\" [البقرة:217].

 

أيها المسلمون، يا إخوة الإيمان في كل مكان، إن من يستعرض تاريخ هذه الأمة مع أعدائها يجد على مدار التاريخ مثل هذه المواقف المشينة، فقد جرب الفرنجة أثناء غزوهم لبلاد المسلمين المسّ بحجاج بيت الله الحرام، والمس بالمسجد النبوي الشريف، بالوصول إلى ضريح المصطفى، ولكن العناية الإلهية ثم النخوة الإسلامية حالت دون ذلك، ووقع أرناط الصليبي أسيراً بيد المسلمين ليقتل بسيف الناصر صلاح الدين.

 

هذا البطل والقائد المسلم الذي أعاد للمسلمين عزتهم، وللمقدسات حرمتها ورونقها، وعفا عن الغزاة وقبل منهم مغادرة بلاد المسلمين، ولم يعاقبهم بمثل ما اقترفوا من مجازر وسفك دماء المسلمين.

 

وقد جاء موقفه هذا من سماحة هذا الدين، ومن أحكام هذا القرآن العظيم الذي نالته يد العدوان بالتدنيس في غزوات المغول الذين فعلوا مثل أفعال أسلافهم التتار وأكملوا القتل في رقاب الشعوب الإسلامية في العراق وفي أفغانستان، وتركوا للعابثين الحبل على الغارب يعيثون فسادا بالحضارة التي تمثلها المتاحف والجامعات ودور الكتب.

 

وبعد كل هذه الممارسات المشينة تذر وسائل أعلامهم الرماد في العيون، بأنهم جاؤوا لإنقاذ الشعوب من حكامهم المتجبرين، ولكي يعالجوها بأنظمة العدالة والحرية التي تمثلها عدالتهم المزعومة وشعاراتهم الخادعة.

 

وليت أمتنا عادت إلى هذا الكتاب العظيم والدستور الحكيم لتقرأ فيه: \"إِنَّ هَذَا القُرآنَ يَهدِي لِلَّتِي هِيَ أَقوَمُ وَيُبَشِّرُ المُؤمِنِينَ الَّذِينَ يَعمَلُونَ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُم أَجرًا كَبِيرًا\" [الإسراء:9]، ويقرؤون قول الله تعالى ويطبقونه في واقعهم: \"وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُستَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلا تَتَّبِعُوا السٌّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُم عَن سَبِيلِهِ ذَلِكُم وَصَّاكُم بِهِ لَعَلَّكُم تَتَّقُونَ\" [الأنعام:153]، وصدق الله العظيم: \"وَهَذَا كِتَابٌ أَنزَلنَاهُ مُبَارَكٌ فَاتَّبِعُوهُ وَاتَّقُوا لَعَلَّكُم تُرحَمُونَ\" [الأنعام:155]، والرسول عليه الصلاة والسلام قال: ((إن هذا القرآن طرفه بيد الله وطرفه بأيديكم، فتمسكوا به، فإنكم لن تضلوا ولن تهلكوا بعده أبدا)).

 

الخطبة الثانية:

 وبعد: أيها المسلمون، لم يكتف مغول هذا العصر بما اقترفوه من جرائم الحرب بحقّ الشعوب الإسلامية في العراق وأفغانستان، فكم من بيت لا بل مدينة أو قرية دمّرت على رؤوس سكانها، وكم من حفل فرح حولوه إلى مأتم دون مراعاة لقدسية الحياة وحرمة الأحياء، ما دام العدوان ضد شعوب لا تدين دينهم ولا تسير في ركب مخططاتهم وخدمة أهدافهم.

 

وتسفك كل هذه الدماء البريئة وتنتهك الحرمات والمحرمات جميعها تحت حجج واهية، بزعم تحرير الشعوب من سطوة حكامها وجلب الحريات لهم ليعيشوا في ظلال العولمة ورحاب الديمقراطية الزاحفة بأساطيلها وجيوشها وآلات دمارها وشركاتها الناهبة لثروات الشعوب، خاصة ثروة الطاقة المتمثلة بالذهب الأسود.

 

أيها المسلمون، يا إخوة الإيمان في كل مكان، لقد جاءت جريمة انتهاك حرمة المصحف الشريف بعد كل الانتهاكات لكرامة الإنسان وحرمة دمه في الأقطار العربية والإسلامية التي خصصت مباشرة للاحتلال والاستعمار الجديد أو أخضعت بواسطة أعوان الاستعمار من الحكام الذين لا همّ لهم إلا البقاء في السلطة والحكم ولو كلف ذلك دمار شعوبهم، كما هي الحال في أوزبكستان التي يواجه المسلمون فيها القتل على أيدي حاكمها وأعوانه من الظالمين، وكما هي الحال في الشيشان التي تشنّ عليها الحرب من أبنائها الموالين للاتحاد الروسي وبمعونة جيشه.

 

أيها المسلمون، أيتها البشرية المنكوبة، ويقتل أبناء المسلمين في كثير من بقاع الأرض، ويزج بهم في السجون، ويلاحقون بأدنى شبهة، وتقول قوانين الهجرة والدخول إلى كثير من أقطار العالم بزعم حماية العالم من خطر الإرهاب الذي يلصق في الغالب بأبناء المسلمين، أو يطلق رديفا لدين الإسلام لتشويه حقيقة هذا الدين وإخفاء معاني الرحمة والسماحة والعدالة والكرامة التي ضمنها هذا الدين للمسلمين وغير المسلمين، فالله يقول: \"وَلَقَد كَرَّمنَا بَنِي آدَمَ\" [الإسراء:70]، ويقول: \"مَن قَتَلَ نَفسًا بِغَيرِ نَفسٍ, أَو فَسَادٍ, فِي الأَرضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا وَمَن أَحيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحيَا النَّاسَ جَمِيعًا\" [المائدة:32].

 

 فكم هي النفوس التي أزهقت وقتلت ولا ذنب لها إلا إفساد المفسدين وفسادهم، وكم هي النفوس التي انتهكت كراماتها في السجون وخارج السجون، وما جرائم سجن أبو غريب وانتهاك حرمة الإنسان فيها ببعيد عن سمع وبصر العالم المتمدين اليوم.

 

عالم الأمم المتحدة إعلان حقوق الإنسان والمعاهدات الدولية التي ترعى حقوق المدنيِّين في السلم وفي الحرب، إنه العجب العجاب الذي ينحدر سريعا بالبشرية إلى شريعة الغاب، \"فَلا تَحسَبَنَّ اللَّهَ مُخلِفَ وَعدِهِ رُسُلَهُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ ذُو انتِقَامٍ,\" [إبراهيم:47].

 

أيها المسلمون، يا أبناء ديار الإسراء والمعراج، وهنا في الأرض المباركة في أرض الرباط والصبر والمصابرة حيث الاستمرار في اغتصاب الأرض ومصادرتها من أجل تسمين وتوسيع المستعمرات الإسرائيلية وإطباق الطوق حول مدينة القدس لتهويدها في إجراءات احتلالية تقود إلى تنفيذ مخططات الاحتلال بالضم وفرض الأمر الواقع على المدينة ومكانها.

 

وفي هذا السياق تأتي المخططات الإجرامية للنيل من المسجد الأقصى والمس بقدسيّته من قبل عصابات المتطرفين والمستوطنين اليهود الذين أصبحوا يصرّحون على الملأ بأنهم يستهدفون المسجد الأقصى، ويدعون إلى مهاجمته واقتحامه لإقامة طقوسهم الدينية وإعادة بناء الهيكل المزعوم على أنقاضه.

 

ورغم كل هذه الأخطار التي تهدد بها هذه المنظمات المتطرفة تطلق السلطات الإسرائيلية سراح من اعتقلته منهم بحجة عدم كفاية الأدلة، في الوقت الذي يحذر فيه المسؤولون الأمنيون من احتمال قيام أفراد أو جماعات بالاعتداء على المسجد الأقصى عن بعد، بتوجيه بعض القذائف الصاروخية للمس بالمسجد الأقصى.

 

إن مثل هذا العدوان على المسجد الأقصى ـ لا سمح الله ـ يحمل في طياته خطر حريق لا يمسّ المسجد وأهله فحسب، بل سيحرق مشعليه وينشر شرره إلى خارج المنطقةº لأنه المساس بالمقدسات والعقائد الدينية ورموز التوحيد في هذه الأرض.

 

 

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply