بين يدي عام دراسي جديد


بسم الله الرحمن الرحيم

 

الخطبة الأولى:

الحمد لله رب العالمين وأشهد أن لا إله إلا الله ولي الصالحين وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله الهادي إلي طريق رب العالمين، أما بعد:

 فيقول الله - تعالى - في محكم كتابه العزيز: \"اقرَأ بِاسمِ رَبّكَ الَّذِي خَلَقَ* خَلَقَ الإِنسَـانَ مِن عَلَقٍ,* ?قرَأ وَرَبٌّكَ الأَكرَمُ* الَّذِي عَلَّمَ بِالقَلَمِ* عَلَّمَ الإِنسَـانَ مَا لَم يَعلَم \" (العلق: 1- 5).

أيها المسلمون، يقف أبناؤنا الطلاب في هذه الأيام على أعتاب عام دراسي جديدº إذ يتوجهون بعد أيام قليلة إلى مدارسهم، ويلتحقون بجامعاتهم للانخراط في طلب العلم في عام جديد من الدرس والتحصيل والاستزادة من العلم الذي ينفعهم في دينهم ودنياهم، فقد حث إسلامنا الحنيف على طلب العلم، وحسب العلم شرفًا أن تكون أول سورة من القرآن الكريم المنزل على قلب رسولنا الأكرم - صلى الله عليه وسلم - تحث على القراءة والكتابة والعلم، وهما من أهم الوسائل الموصلة إلى المعرفة والثقافة وتكوين العلوم وحفظ المعارف المختلفة، وقد بيَّنت الآيات الكريمة أن الغاية من العلم وطلبه هو الإيمان بالخالق - سبحانه وتعالى-: \"قرَأ بِاسمِ رَبّكَ الَّذِي خَلَقَ\"  (العلق: 1)، وبهذا تتضح غاية العملية التربوية والتعليمية التي أرادها الإسلام لأبناء المسلمين، بل لكل بني البشر، فالآيات القرآنية والأحاديث النبوية الشريفة تربط طلب العلم بغاية نبيلة وهدف هو الإيمان بالخالق- جل علاه.

أيها المسلمون، إن المسيرة التعليمية تحتاج إلى تضافر كل الجهود المخلصة لإنجاحها وتقدمها واستمرارها، فلا تقع المسئولية على عاتق الهيئات التدريسية وحدها، على انتظام العام الدراسي الجديد، بل يشاركها المسئولية البيت والمجتمع وكل من له علاقة بعملية التربية والتعليمº إذ لا تقوم المجتمعات المتقدمة إلا على أسس العلم والاستفادة من طاقات العلماء.

 

أيها المسلمون، لقد أدرك سلفنا الصالح غايات المنهاج التربوي، فعملوا على تحقيقها وتطبيقها في حياتهم، فنشأ أبناؤهم على الإيمان القوي والعلم النافع والعمل الصالح والقيم الفاضلة، لقد طبقوا التوجيه التربوي في آيات القرآن الكريم على أنفسهم وأبنائهم، ومن ذلك ما حكاه القرآن الكريم عن لقمان الحكيم، وهو يعظ ولده: \"وَإِذ قَالَ لُقمَانُ لابنِهِ وَهُوَ يَعِظُهُ يا بُنَىَّ لاَ تُشرِك بِاللَّهِ إِنَّ الشّركَ لَظُلمٌ عَظِيمٌ* وَوَصَّينَا الإِنسَـانَ بِوالِدَيهِ حَمَلَتهُ أُمٌّهُ وَهنًا عَلَى وَهنٍ, وَفِصَالُهُ فِي عَامَينِ أَنِ اشكُر لِي وَلِوالِدَيكَ إِلَىَّ المَصِيرُ* وَإِن جَـاهَدَاكَ عَلَى أَن تُشرِكَ بِي مَا لَيسَ لَكَ بِهِ عِلمٌ فَلاَ تُطِعهُمَا وَصَـاحِبهُمَا فِي الدٌّنيَا مَعرُوفًا وَاتَّبِع سَبِيلَ مَن أَنَابَ إِلَىَّ ثُمَّ إِلَىَّ مَرجِعُكُم فَأُنَبّئُكُم بِمَا كُنتُم تَعمَلُونَ* يا بُنَىَّ إِنَّهَا إِن تَكُ مِثقَالَ حَبَّةٍ, مّن خَردَلٍ, فَتَكُن فِي صَخرَةٍ, أَو فِي السَّمَـاواتِ أَو فِي الأرضِ يَأتِ بِهَا اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ لَطِيفٌ خَبِيرٌ* يا بُنَىَّ أَقِمِ الصَّلَوةَ وَأمُر بِالمَعرُوفِ وَانهَ عَنِ المُنكَرِ وَاصبِر عَلَى مَا أَصَابَكَ إِنَّ ذَلِكَ مِن عَزمِ الأمُورِ* وَلاَ تُصَعّر خَدَّكَ لِلنَّاسِ وَلاَ تَمشِ فِي الأرضِ مَرَحًا إِنَّ اللَّهَ لاَ يُحِبٌّ كُلَّ مُختَالٍ, فَخُورٍ, \" (لقمان: 13- 18)، وفي الحديث الشريف عن النبي قال: \"ما نحل والدٌ ولدًا أفضل من خلق حسن\".

 

إن هذه النصوص الكريمة تأسس لمنهاج تربوي شامل يجدر بكل المربين أن يطبقوه، وهم يباشرون عملية التربية والتعليم لأبناء هذه الأمة، فأول معالم هذا المنهاج التركيز على تثبيت العقيدة والتوحيد في نفوس الأبناء: \" يا بُنَىَّ لاَ تُشرِك بِاللَّهِ?، وثانيها: العبادات بمعناها الواسعº حيث شحن النفس بطاقات الإيمان والصبر ومراقبة الله بالسر والعلن: \" يا بُنَىَّ أَقِمِ الصَّلَوةَ?º إذ من أقام الصلاة التزم بسائر الطاعات، وثالثها: الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وهي قاعدة شاملة لكل أنواع الخير، والبعد عن أسباب الشر والفساد، ورابعها: التحلي بمكارم الأخلاق والرفض القاطع لكل مظاهر التكبر والتجهر والفجور: \"وَلاَ تَمشِ فِي الأرضِ مَرَحًا إِنَّ اللَّهَ لاَ يُحِبٌّ كُلَّ مُختَالٍ, فَخُورٍ, \" (لقمان: 18).

على هذا المنهاج العظيم نشّأ سلفنا الصالح أبناءهم، فكانوا سادة الدنيا وقادتها في جميع ميادين العلم والفضل والمعرفة، ولقد أصاب القائل:

 

وينشأ ناشئ الفتيان منا *** على ما كان عوَّده أبوه

 

ما دان الفتى بحجى ولكن *** يُعوِّده التديـن أقربوه

 

أيها المسلمون، أيها المربون والمعلمون، إن مسئولية تربية الأجيال وتوعيتهم وإزالة الغشاوة عن قلوبهم وعقولهم تقع عليكم، فنوروا عقولهم بالمعارف الإسلامية، وبثٌّوا في نفوسهم الأمل بمستقبل هذه الأمة.. احرصوا على التزام الأبناء بالإسلام دينًا ودولة، وبالقرآن دستورًا ينظم الحياة والأحياء، وبالثقافة الإسلامية روحًا وفكرًا، وبدعوة الإسلام حركة وجهادًا، بينوا أن الإسلام مصحف وبندقية، ومحراب وقيادةº وهو الدين الذي له ملكة الشمول والخلود والبقاء للزمن المتحضر والحياة المتطورة.. ابعثوا هذه القيم فكرًا حيًّا في عقول وقلوب الأبناء الطلابº حتى ينشأ على حب الإسلام ومكارم الأخلاق، ويحملوا مشعل الهداية لصياغة مستقبل الأمة على أسس العلم والتقوى والعزة والوحدة، الذي طالما افتقدته الأمة منذ زمن بعيد، وراح الكافر المستعمر يقطع أوصال الأمة، وينفرد بشعوبها، وينهب خيراتها، ويملي إرادته عليها، وينفذ مخططاته في السيطرة على مقدراتها كما هو جارٍ, في دنيا العروبة والإسلام في أيامنا هذه، مع أننا نملك من أسباب القوة وعوامل الوحدة ما يجعل أمتنا في مقدمة ركب الأمم: \"وَكَذلِكَ جَعَلنَـاكُم أُمَّةً وَسَطًا لّتَكُونُوا شُهَدَاء عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيكُم شَهِيدًا \" (البقرة: 143)، \"وَلِلَّهِ العِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلمُؤمِنِينَ وَلَـكِنَّ المُنَـافِقِينَ لاَ يَعلَمُونَ \" (المنافقون: 8).

 

فاعتبروا يا أولي الألباب، وادعوا الله، وأنتم موقنون بالإجابة.

 

 

الخطبة الثانية:

الحمد لله الهادي إلى الصراط المستقيم، والصلاة والسلام على سيدنا محمد المبعوث رحمة للعالمين - صلى الله عليه وسلم - وعلى آله وأصحابه أجمعين، ومن اقتدى واهتدى بهداه إلى يوم الدين، وبعد:

فيأيها المسلمون، إن النهوض بالعميلة التربوية والتعليمية مسئولية خاصة وعامة، تبدأ في البيت والمدرسة والجامع والجامعة، فاحرصوا على التصدي لكل المظاهر السلبية التي تتفشى بين الطلاب وتفتك بقيمهم وأخلاقهم وثقافتهم، فلا تفسحوا للتسيب مجالاً، ولا تسمحوا للأفكار الوافدة أن تسيطر على أذهان الجيل، اكشفوا لهم عن المخططات المعادية التي تستهدف تدمير الأبناء ونشر الانحلال من خلال المخدرات والإسقاط في براثن الفساد والمفسدينº ليكون الأبناء بعد هذا لقمة سائغة للمستعمر الطامع لأرضكم ومقدراتكمº إذ كيف يمكن للمرابطين أن يصمدوا في أرضهم إن لم يكونوا محصنين بالتقوى وقوة الإيمان وحسن الخلق والوعي والمعرفة؟

فالأخلاق حصن منيع لا يمكن لعوائد الدهر اقتحامه، وإن ما يدعو للأسف في هذه الديار المباركة ويؤلم كل نفس أبية أن نرى الرذيلة قد زحفت على مواقع الفضيلة، فاختلت القيم الإيمانية والاجتماعية.. اليوم تشيع الفاحشة التي تهيأت أسبابها من الاختلاط الفاضح، وتبرج فاق تبرج الجاهلية الأولى، وتشبه الرجال بالنساء وتشبهت النساء بالرجالº فكثرت المترجلات وازداد المتخنثون، وحلت الميوعة مكان الرجولة، وغابت المروءة والنخوة، فأصبحت ترى شبابًا يجوبون شوارع وأزقة المدينة، همٌّهم التعرض لبنات شعبهم، وكأنهم ليسوا من أبناء الشعب الذي يقع على عاتقهم حماية أخلاق وقيم وشرف هذا الشعب، فهلاَّ نهض المربون بمسئولياتهم، وأدركوا أن أجيال الأمة أمانة في أعناقهم؟ فهم يحملون أشرف رسالة تقود إلى أنبل غاية اطلع بها العظماء من المربين والفضلاء من المعلمين الذين وهبوا- وما زالوا يهبون- حياتهم في سبيل نهضة أمتهم وبعث حضارتهم، أمَا آنَ الأوان لأن تنفض الأمة غبار التخلف والهزيمة والضياع لتأخذ بزمام العودة الصادقة إلى الإسلامº منهاج حياة يعيد للبشرية المنكوبة كرامتها وإنسانيتها.

إننا ندعو كل مسئول إلى بذل المزيد من الجهد والعطاء في سبيل نجاح مسيرة العلم وتأمين كل الوسائل اللازمة التي تهيئ جو العطاء للمعلم والطالب والمربي والناشئ، واعلموا أيها الناس أن الله سائل كل راعٍ, عما استرعاهº حفظ، أم ضيع؟

 

اللهم أعنا على أداء الأمانة، وارزقنا الإخلاص في القول والعمل، إنك سميع مجيب.

 

 

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply