ضرر المخدِّرات


 

بسم الله الرحمن الرحيم

 

الخطبة الأولى:

 أيٌّها المسلمون، هل بلغكم الخبر؟ هلعٌ أصاب نفوسنا وخلَع قلوبنا، وهمُّ نغّص علينا العيش حين فاجأنا الخبر الذي تنامى إلى أسماعنا في بيوتنا من قبل الوسائل الرسميَّة أنَّ نصف مجتمعنا أو قريبًا من ذلك مهدَّدٌ بالانقراض من جراء إدمان شبابنا وأبنائنا المخدرات!!!

 

أمَّا أنا فما كنت أتوقَّع هذا البلاء بهذا الحجم في ديارنا ديار الإسلام، وإنَّما كنت أحسبه في ديار الكفر والضلال، التي لا يحكم الناس فيها وازع من دين ولا رادع من خلق ولا مسكة من عقل.

 

فتلك أممٌ مهما تقدَّمت بهم التكنولوجيا وأساليب الترف والبذخ فهم حضاريًّا منحطٌّون في أخسِّ المراتب وأسفل الدركات، بعد الأنعام، لا بل بعد الضباع والقردة والخنازير، إلاَّ قليلا منهم.

 

أيٌّها المسلمون، إنَّ آفة المخدرات عنوان النهاية في الشر والفساد وانحطاطِ الإنسان من مرتبة الإنسانية إلى أسفل مراتب الحيوان. هذه الحشيشة المخدِّرة واللقمة الملعونة المفترة، متى فشت في أمَّة فكبِّر عليها تسعا، وبشِّرها بالدمار والهلاك، وقل: لا آسى على القوم المجرمين، لكنَّها إذا فشت في طائفة من المسلمين فقد وجب إعلان الحرب عليهم.

 

أرأيتم هذه الخمر؟ هذه الخمر فمع كلّ ما تعلمونه من خبثها وإثم شاربيها ومروِّجي بضاعتها فإنَّ الحشيشة المخدرة واللقمة الملعونة المفتِّرة هي أخطر من الخمر جرما وأعظم إثما وأشدٌّ مقتًا وأسوأ سبيلا وأقبح مآلا.

 

وقد انعقد إجماع الأئمَّة على أنَّ كلَّ طائفة مدمنة للخمور والمسكرات لا تنتهي بعد الزجر فإنَّه يجب إعلان الحرب عليهم وقتالهم. وإذا كان هذا حكمَ كلِّ طائفة لا تنتهي عن الخمر، فأهل المخدرات من مهربين ومتعاطين ومروِّجين أولى بذلك وأشقى.

 

هذه المخدرات والمسكرات والمفترات أيًّا كان نوعها وشكلها، شرابًا يتجرَّع، أو حقنة بالإبرة أو بخارًا يشم أو لقمة تؤكل، فحكمها في دين الله التحريم الشديد، سواء في ذلك تناولها وشراؤها وبيعها وحملها وإهداؤها وغرسها وسقيها وحصادها وإنتاجها وتهريبها وتخزينها، بالإجماع، ولا دليل أقوى من الإجماع.

 

إنَّ إقبال شبابنا على هذه الآفة الخطيرة، وجرأتهم على تناول هذه الحشيشة المخدِّرة أو الجرعة المفتِّرة يدلٌّ على ضعف الوازع الديني من نفوسهم. وخلوِّ قلوبهم من ملكة التقوى التي تحجزهم عن مساخط الله - تعالى -.

 

وضعف الوازع الديني في شبابنا يرجع إلى أسباب من الجهل والظلم واتباع الهوى ولكن سبب الأسباب هو إبعاد الإسلام وزحزحته عن مكانه اللائق به في مجتمعنا.

 

ويتحمَّل قسطًا من الإثم ومن أسباب انتشار هذه الآفة كلٌّ من عمل على إبعاد الإسلام عن مواقع الترشيد والتوجيه، وأقصاه من مراصد المراقبة والتحسس، وألغاه من محاكم القضاء، وأدناه من مجالس التشريع، وفصله عن شؤون الحياة العامَّة والخاصَّة، في مجال التربية والإعلام والثقافة والترفيه وسائر المجالات الحيويَّة.

 

ويتحمَّل قسطًا من الإثم من بنى للشباب النوادي الليلية المنتشرة على جنبات الطرق، وتقاربها أيضًا كثيرٌ من مقاهي شبكة الإنترنت، التي كثير منها ما هي إلاَّ صورة مصغرة من النوادي الليلية، بدلاً من أن تكون محطات تزويد بالمعلومات المفيدة، والاتصالات الجماعية النافعة. فمن هذه الأوكار تنتشر هذه الآفات.

 

ومهما يكن من أسباب انتشار هذه الآفة فالمسؤول الأوَّل والآخر عن تحصين الأبناء منها هم الآباء والأمهات.

 

إنَّكم ـ أيٌّها الآباء ـ مسؤولون عن أبنائكم يوم القيامة، فاتقوا الله فيهم، مراقبةً ومعاقبة، وتحذيرًا ومتابعة.

 

الخطبة الثانية:

 هذه النبتة الخبيثة تسمَّى الحشيشة، و تسمَّى الغبيراء، ويسمِّها سفلة الناس بالغبرا، ويزعمون أنَّ ذلك يطلق على أجود أنواعها كما قال ابن تيمية.

 

أوَّل ما ظهرت هذه الحشيشة في بلاد المسلمين على يد الزنادقة الملاحدة الذين عرفوا باسم الباطنيَّة أو الإسماعيليَّة، الذين ينكرون الصلاة والزكاة والحج والقرآن، ولهم مقدساتهم وكتبهم الخاصَّة، وكانت لهم دولة الفاطميين بمصر.

 

وقد بدأت دعوة هؤلاء الحشاشين بقيادة ذلك الخبيث المسمَّى الحسن بن محمد بن علي الصباح الحميري عام 483هـ، بعدما جاء إلى مصر، واجتمع بالحاكم الفاطمي، فانتشرت هناك دعوتهم، وقوي نشاطهم، وأرهبوا العباد وأكثروا من النهب والسبي والفساد، وكانوا يعمدون إلى الاغتيال لتحقيق أغراضهم، فيغتالون كلَّ من يجهر بالإنكار عليهم من العلماء والسلاطين، ولم ينج من بطشهم حتىَّ النساء والصبيان.

 

وكانت لهم في الأزمان الغابرة سلطة وقوة حتَّى إنَّ أكبر سلاطين المسلمين قي زمانه وهو صلاح الدين الأيوبي اضطرَّ إلى مهادنتهم ليتفرَّغ لقتال الصليبيين، وكانت لهم قلاع بأصبهان والشام والجزيرة وديار بكر والأنضول وخراسان وغيرها.

 

وكانوا يبطنون مذهبهم ويخفونه، ولذلك يسمون الباطنيَّة، ولا يزال لهم وجود إلى الآن في جنوب جزيرة العرب وفي مدينة سلمية وغيرها من شمال سوريا وفي مدينة بمبي وغيرها من بلاد الهند وفي أوربا، ويسمَّون الآن في الهند بالأغاخان، ولا تزال فيهم الإمارة إلى اليوم، وآخر أمرائهم عبد الكريم خان أو ابنه، ولعلَّه لا يزال حيا. وقد شاركوا مع الاستعمار الغربي ضد المسلمين، وهم يدَّعون أنَّهم مسلمون.

 

فهؤلاء كانوا منذ القرن الخامس يستعملون هذه الحشيشة لتخدير الأعضاء، ثم يحملونهم إلى حدائق جميلة ليوهموهم أنَّهم في الجنَّة.

 

ثمَّ انتشرت على أيدي بعض المتصوِّفة وهو حيدر صاحب الطريقة الحيدريَّة في بداية القرن السابع، ثمَّ على يدي القلندري صاحب الطريقة القلندرية، وكان لهذه الفرقة زاوية في مدينة القاهرة بمصر، وبعد ذلك كان ظهور التتار وغزوهم للمسلمين.

 

إنَّ من يمعن النظر في تاريخ ظهور هذه الحشيشة الخبيثة يتبيَّن له أمران مهمان:

أحدهما: أنَّ ظهورها إرهاص بين يدي الغزاة المستعمرين، لإضعاف النفوس عن المقاومة، وذلك لما تحدثه هذه المخدرات من إماتة الشعور بالكرامة والعزة والنخوة والغيرة على النفس والأهل والعشيرة والوطن، ومن ثمَّ تتولَّد في نفس المدمن قابليَّة الاستعمار والإذلال. ولذلك كان أوَّل ظهورها في بلاد المسلمين في نهاية القرن السادس وبداية السابع على يد التتار، فهجموا على ديار المسلمين بهذه الحشيشة قبل هجومهم عليهم بالسيف مدَّة سنين، قال ابن تيمية: \"إنما حدثت في الناس بحدوث التتار، أو من نحو ظهور التتار، فإنَّها خرجت وخرج معها سيف التتار\".

 

وكذلك فعل المستعمر البريطاني والفرنسي حين عزم على غزو بلاد المسلمين واستعمارها واستعباد أهلها، مهَّد لمجيئه بنشر هذه الحشيشة المخدِّرة إنتاجًا وتسويقا وترويجًا، في البلاد التي يريد غزوها، وذلك عن طريق حلفائهم من الباطنيين وبعض المنتسبين للصوفية والطرقية، ومن هنا انتشرت في بلاد المسلمين.

 

وقد ذكرت لكم من قبل أنَّ من شرِّ آثار هذه المخدرات على الإنسان أنَّه يصير عديم الغيرة حتَّى على نفسه، ويصير بعد مدَّة بليد الفكرة ديوثا لا يغار على عرضه.

 

الأمر الثاني: اقترانها بقصد إضلال العقول حتَّى تقبل كلّ ضلالة تناقض الإسلام، وحتَّى يَضعف الوازع الديني من النفوس، فيرتفع سلطان الخوف من الله وحاجز التقوى، فيصير العبد قابلاً لكلِّ ما يملى عليه من الضلالات، وراضيًا بالإذلال والمهانة والاستعمار، ولذا نجد بعض الطرق الصوفية المشرقية كالحيدرية والقلندرية تأمر أتباعها بتناول هذه الحشيشةº لأنَّ العقل إذا ضعف بها تقبَّل أوامر شيوخ الضلالة، والعياذ بالله.

 

 

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply