بلايا الخطايا


 

بسم الله الرحمن الرحيم

 

الخطبة الأولى:

 

أما بعد أيها الإخوة المؤمنون:

بلايا الخطايا.. أمر ينبغي أن تلتفت له الأذهان، وأن يعطى حقه من العناية والاهتمامº فإن شيوع المعاصي، وذيوع الخطايا وتوسع دائرتها يؤذن - كسنة ماضية من الله - جل وعلا - بعظيم البلايا، وجليل الرزايا التي لا تقتصر على موات القلوب، وكدر النفوس، وضعف الإيمان وزيغ الأهواء وغير ذلك.. بل تتعداها إلى الأضرار والأخطار المادية الملموسة.

 

ولعلي - وأنا أريد أن ألفت الأنظار، وأن أجعل كل أحد ينتبه من غفلته ويُرعِ هذا الحديث سمعه - أبدأ بأن أقول إن خطيئة واحدة قد حصدت في عام واحد - هو العام الذي انصرم - ثلاثة ملايين من البشر!

فهل ترون مثل هذا الرقم الخطير المفزع أمراً هيناً؟ وهل ترونه عقوده ليست مرئية أو ملحوظة؟ وأزيدكم لأقول: إن جريرة يكاد كثير من المسلمين عموماًº بل ومن الحاضرين في هذا المسجد وفي غيره خصوصاً يلمون بها ويقترفونها ويمارسونها كل يومٍ, وليلةٍ, - ليست مرةً واحدة بل مراراً عدة - هذه الخطيئة حصدت في عام 2000 - أي قبل نحو أربعة أعوام - خمسة ملايين من البشر!

 

ولعلكم الآن تتساءلون وأنا أيضاً أقول: بأيهما أبدأ، وهما اثنتان وغيرهما من الخطايا فيها العظيم والجليل من البلايا والرزايا؟!

هل تصدقون - وهذا بموجب إحصائيات علمية معتمدةٍ, معتبرةٍ, من منظمة الصحة العالمية - أن قتلى التدخين في عام 2000 بلغ خمسة ملايين إنسان! وأنه بموجب المعدل الإحصائيات المتزايدة من كل عشرة وفيات من الرجال والنساء واحد أو واحدةٌ سببها المباشر هو التدخين، وأن هذه النسبة ترتفع في الرجال ليكون كل خمسةٍ, يموتون منهم، وواحدٌ سبب موته المباشر هو التدخين؟

 

وكذلكم انتقل بكم إلى الموضوعº لنعود إلى هذه القضية مرةً أخرى يكثر الحديث اليوم في وسائل الإعلام صحفاً وإذاعاتٍ, وقنوات عن ما ينتظر أو يرتقب مما يعرف باليوم العالمي للإيدز.. مرض نقص المناعة التي فتك بملايين البشر.

وتقول الإحصاءات أن المصابين بهذا المرض والحاملين له بلغ اليوم خمسة وأربعين مليون إنسان، وأن العدد يتزايد بكثرةٍ, مذهلة مخيفة متعبة، وأنه قد حصد في العام الماضي ثلاثة ملايين نفس، وأن هذه الإحصاءات يتبعها إحصاءات فلكية يصعب أن تحدد أرقامها، وهي إحصاءات المبالغ المالية المنفقة على الأبحاث والمختبرات وتحليل الدم والعلاج والعزل الصحي وغير ذلك.. الذي فاق ليس مئات ولا آلاف بل بلغ عشرات ومئات الآلاف من الملايين التي تهدر في مثل هذا الباب التي سببه الخطايا والفواحش!

 

هذه الإحصاءات تقول: إن العام الحالي الذي سينصرم بموجب التاريخ الميلادي قريباً قد سجّل فيه وحده خمسة ملايين حالة جديدة مصابة وحاملة للمرض، وإذا كان هذا يشكّل نحو عشر الذي مضى وقد اكتشف المرض من عام ألفٍ, وتسعمائة وتسعة وسبعين.. إذاً فهذا العام كأنما ينذر بأن الأمر قد وصل مبلغاً عظيماً خطيراً فتاكاًº يوشك أن يكون من أعظم - بل هو في الحقيقة أعظم بلايا هذا العصر - ولعلنا نتساءل: لم يُتحَدث عن هذا ونحن بحمد الله - عز وجل - في بلاد الإسلام وبلاد الحرمين؟

فنقول: إن الشر يعم ولا يخص، وإن مثل هذا البلاء قد غزى كل دارٍ, وبلاد..

 

إحصاءات المسئول الرسمي في وزارة الصحة السعودية تقول: إن عدد الحالات المسجلة لهذا المرض في المملكة العربية السعودية يصل إلى أقل من 8000 حالةº منها أكثر من 1500 لمواطنين وأخرى لقادمين أو راحلين.

ويعطينا مؤشراً فيقول: إن 90% من أسباب هذا المرض في العالم كله هو الاتصالات الجنسية - أي المنحرفة والشاذة - ويسميها أهل الحضارة المعاصرة \" الاتصالات غير الآمنة \" ويريدون أن يعلموا الناس كيف يقوم ويمارس الحرام والفاحشة ولكن بطرقٍ, صحية آمنة!

 

والله - عز وجل - يخبرنا في شطر آية أن هذا أمرٌ بعيد المنالº لأنه قد قال - جل وعلا -: {ومن أعرض عن ذكري فإن له معيشة ضنكا}.

ويخبرنا الحق - سبحانه وتعالى -: بأن للسيئات آثار وخيمة مادية ملموسة محسوسة {فأصابهم سيئات ما كسبوا والذين ظلموا من هؤلاء سيصيبهم سيئات ما كسبوا وما هم بمعجزين}.

كل سيئة وشذوذٍ, وانحرافٍ, وفاحشة لا بد لها من عقوبةٍ, دنيوية معنوية وماديةٍ,º فضلاً عما هو أعظم وأفظع من العقوبات الأخروية.

 

وتأتينا الإحصاءات في المملكة لتقول: إن 45% من أسباب الحالات المسجلة اتصالاتٌ جنسية، و20% نقل لدمٍ, ملوث في خارج المملكة، و6% جناية أمهاتٍ, مصابات على أجنة بريئة، و2% من أسباب إدمان المخدرات وتبادل الحقن الملوثة، و27% أسباب مجهولة غير معروفة.

 

وأما الأعمار المصابة فهي ما بين 15 إلى 45 من العمر.. زهرة الشباب وبداية الرجولة، تلك التي تحصدها هذه الأمراض الخطيرة.

قال - تعالى -: {الشيطان يعدكم الفقر ويأمركم بالفحشاء والله يعدكم مغفرةً منه وفضلا}.

وقال: {قل إن الله لا يأمر بالفحشاء أتقولون على الله ما لا تعلمون} اليوم يكثر حديث في ديار الإسلام عموماً عن ما يسمى بـ \" حرية المرأة \" وعن تخفيف قيود التقاليد البالية، وعن إلغاء عوامل الكبت وإطلاق سبل الترقي والتحضر، وكأن القوم عميٌ لا يبصرون، صمٌ لا يسمعون قد أصابهم جنون فهم لا يعقلون.

 

إن هذه المقالات وتطبيقاتها العملية هي التي أدت بالمجتمعات الغربية، وبعض المجتمعات الإسلامية والعربية إلى أن بلغت مبلغاً عظيماً في آثار هذه الفواحش.

واستمعوا إلى مقالة رجلٍ, يهوديٍ, أسس لانحراف البشرية وقعد له، بعد أن ذكرت لكم ما قد يقال من الأقوال: يقول فرويد - عالم النفس الشهير اليهودي -: \" إن الإنسان لا يحقق ذاته بغير الإشباع الجنسي، وكل قيدٍ, من دينٍ, أو أخلاق أو تقاليد هو قيد باطل، ومدمر لطاقة الإنسان، وهو كبت غير مشروع \".

قال ذلك وسار القوم على خطاه، وانتهى الأمر بهم إلى أن يمارسوا الفاحشة مع البهائم.. بعد أن فشا فيهم شذوذ بممارسة الفواحش بين الرجال والرجال والنساء والنساءº بل قد وجدت مجموعات من هؤلاء الشاذين في بلاد العرب والمسلمين، وكلما تركنا ما أسماه قيد الدين والأخلاق أو التقاليد كلما فتحت أبواب الشر، وتسهّلت أسباب الفساد، وعظم ارتكاب الفواحش، وزاد الخنا والزنا والفسق والفجور، وزاد معه ما في هذه البلايا من رزايا.

 

ولعلنا ننتبه إلى أمور أخرى أحب أن أربطها بهذا الِشأنº فإن الذي يقال وربما يردد من هذه الأمور التي يدعى فيها حرية المرأة، والتي يدعى فيها توسيع دائرة دورها في أمورٍ, نحن نعلم كيف بدأت؟ وإلى أين انتهت؟ وفي أمورٍ, لو أنها كانت قائمةً على أحكام الشرع ومنضبطة بضوابطهº لعلمنا يقيناً أن خواتيمها ليس فيها ضرر غير أنها تبدأ - كما يقال - بأول الغيث قطر ثم ينهمر.. نظرةٌ فابتسامة فسلام فكلام فموعد فلقاء.. وذلك ما نشهده في كل حال دنيا الناس، وما نشهده في آحاد الأفراد.

 

انظروا إلى من انحرف أو انغمس في بعض الشهوات والملذات.. هل تراه بدأ بالفواحش الكبرى؟ وهل تراه بدأ بالكبائر التي قد عظم الله - عز وجل - ارتكابها؟

إنه بدأ بأمور يسيرة، وبتجاوزات خفيفة.. بدأ بنظر آثم، وترخص في حديثٍ, واختلاطٍ, مغرٍ,، وانتهى إلى خلوة محرمة، ومشى إلى أمور انتهت به إلى ما نحن نوقن بأن بدايته ستكون هذه نهايته.. قال - تعالى -: {ولا تقربوا الزنا إنه كان فاحشة وساء سبيلا} \" لا تقربوا \" أي لا تأتوا دواعيه، ولا تدعوا بمقدماته، ولا تتساهلوا في أي أمرٍ, يتصل به.

قال - تعالى -: {قل للمؤمنين يغضوا من أبصارهم ويحفظوا فروجهم ذلك أزكى لهم} والخطاب كذلك: {وقل للمؤمنات يغضضن من أبصارهن ويحفظن فروجهن}.

 

وإذا جئنا إلى السمع نجد قول الحق - سبحانه وتعالى - في خطاب أمهات المؤمنين العفيفات المؤمنات: {ولا تخضعن بالقول فيطمع الذي في قلبه مرض وقلن قولاً معروفاً}.

إمالة القول سبب لفتنة القلبº فكيف بما هو أعظم من ذلك من الضحك والحديث والملاعبة والأحاديث الإيحائية الإغرائية وغير ذلك.. بل الأنف حتى جاء عن النبي - صلى الله عليه وسلم - في الحديث الصحيح: (أيما امرأةٍ, خرجت متعطرة ليجد الرجال ريحها تلعنها الملائكة حتى ترجع).

لأن لذلك تأثيراً، وكل الجوارح والحواس مفضية إلى القلب ومؤثرةٌ فيه..

 

وكنت متى أرسلت طرفك رائداً *** لقلبك يوماً أتعبتك المناظر

رأيت الذي لا كله أنت قادر *** عليه ولا عن بعضه أنت صابر

 

النظرة سهم من سهام إبليس (العينان تزنيان وزناهما النظر) وكل جارحةٍ, لها زناهاº وحينئذٍ, وبعد هذا البيان القرآني الرباني.. هل ينكر علينا وعلى كل مؤمن غيور أن يذمّ، وأن ينتقد، وأن يحرم بتحريم الله - عز وجل - وتحريم رسوله - صلى الله عليه وسلم - ما يبث على الفضائيات من الغناء والرقص والتبجح والعري، الذي أجزم يقيناً أنه من الأسباب المؤدية إلى الوقوع في هذه الفواحش والداعية إليها، والمرغبة فيها المؤججة للغرائز والمشاعر نحوها والمسهلة على ارتكابها والمهونة لشأنها، والتي تعرضها كأنه ليس فيها آياتٍ, محرمة، ولا أحاديث مؤثمةº بل تعرضها على أنها من صور التحضر والفنون الراقية.

 

وأقول هذا لأخاطب إخواني المؤمنين لينتبهوا لأنفسهم، ولأبنائهم، ولبناتهمº فإن أول الغيث قطرٌ ثم ينهمر.

ولأن أول الخطايا والفواحش إنما هي صغائر، لا يكاد المرء يلتفت إليها..

لا تحقرن من الذنوب صغيرةً *** إن الجبال من الحصى

ونحن نقول هذا، ويأتينا من يقول: إن مثل هذا القول تشددٌ في غير محله بل بعضه يعده تطرفاً عن الاعتدال والوسطية التي يفهمونها فهماً غير صحيح، بل ربما يرجم بعضهم رجماً أعظم فيقول: إن قائل هذا من أهل الإرهاب والغلو.. ونحوه. فأي شيء يريدون أن يبقوا لنا من ديننا ومن عفة وحياء بناتنا، ومن شرف ورجولة أبناءنا، ومن حصانة ورقي وحفظ مجتمعاتنا..

 

إنها السدود التي تبدأ بخرم صغير يتسرب منه الماء قليلاً، ثم يتشعب وينصدع ذلك السد، ثم لا يلبث - عياذاً بالله أن يفرق فيه خرقاً يتسع على الراقع ويوشك من بعد أن ينهد السد وأن يفيض الطوفان فيغرق كل أحدٍ, حتى من لم يكن سبباً في ذلك، ولنستحضر حديث أم المؤمنين - رضي الله عنها - عندما تعجبت وسألت سيد الخلق - صلى الله عليه وسلم -: أنهلك وفينا الصالحون؟ قال: (نعم إذا كثر الخبث).. قول الصادق المصدوق - صلى الله عليه وسلم -.

ويوم يقول المؤمنون ذلك في هذه الأيام، ويوم يربطون بينما يحصل من البلاء وما يقع من المعاصي يتهمون بأنهم حمقى ومغفلون!!

ها هو سيد الخلق - صلى الله عليه وسلم - يبين هذه المخاطر ويقول: (والله لتأمرن بالمعروف ولتنهون عن المنكر، ولتأخذن على يد الظالم، ولتأطرنه على الحق أطرى أو ليسلطن الله عليكم شرركم فيدعوا خياركم فلا يستجاب لكم).

 

أوليس قد ذكر ذلك رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أوليس القرآن قد نص عليه بقوله - جل وعلا -: {ظهر الفساد في البر والبحر بما كسبت أيدي الناس} فهل تعليل القرآن، وتحليل المصطفى النبي العدنان - صلى الله عليه وسلم - باطل ولغو؟ حاشا لله - عز وجل - أن يكون كذلك فتنبهوا لمثل هذا!

وانظروا إلى تشريع الإسلام الحكيم الضابط في كل جانب من هذه الجوانب، وكيف جعل بين الحلال وبين الحرام أموراً تكون بمثابة الوقاية والحماية..

 

وكلكم يحفظ حديث النعمان بن بشير - رضي الله عنه - عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (الحلال بين والحرام بين وبينهما أمور مشتبهات فمن اتقى الشبهات فقد استبرأ لدينه وعرضه، ومن وقع في الشبهات يوشك أن يقع في الحرام كالراعي يرعى حول الحمى يوشك أن يرتع فيه).

 

ابحث في حياتك كل أمرٍ, من المعاصي الواضحة ارتكبته فانظر إلى الخلف قليلاًº فإنك واجدٌ أمورٌ من المشتبهات، وأمور مما فيه قليل أو يسيرٌ من المحرمات كان هو طريقك إلى هذا فقطع الطريق من أوله واقطع على الشيطان وسواسه فإن ذلك بما هو أخطر.

ولعلي وأنا أذكر ذلك استحضر حديث الرسول - صلى الله عليه وسلم - الذي رواه ابن ماجة في سننه منفرداً به، ورواه الحاكم وصححه في قوله - عليه الصلاة والسلام -: (خمس إذا ابتليتم بهن - وهو يخاطب المهاجرين - وأعوذ بكم أن تدركوهن... لم تظهر الفاحشة في قومٍ, قط حتى يعلنوا بها إلى فشا فيهم الطاعون والأوجاع التي لم تكن في أسلافهن) وهذا هو الواقع ينطق ويشهد فيما أخبر به سيد الخلق - صلى الله عليه وسلم -.

 

ولا شك أن كل معصية ومخالفة هي سبب لحصول سخط الله - عز وجل - وغضبه، وما أدراكم ما غضب الحق - جل وعلا - في قصة موسى - عليه السلام - مع فرعون لما طغى وبغى وتجبر وتكبر.. قال الله - جل وعلا - في شأنه وشأن من تبعوه: {فلما آسفونا انتقمنا منهم فأغرقناهم أجمعين فجعلناهم سلفاً ومثلاً للآخرين}.

وهذا هو الأمر الذي يتعرض له ويعرض كل أحدٍ, له نفسه إذا تعرض لسخط الجبار.

 

ويكفينا كذلك ما جاء في القرآن في قصة قوم لوط، وفي أوصافهم فيما ارتكبوه من الشذوذ الذي فشا في دنيا الناس اليوم - والعياذ بالله - كل مسلم قبيح وكل سمة رذيلة ذكرت عن هؤلاء في القرآن.. قال - تعالى -: {بل أنتم قومٌ تجهلون}، {بل أنتم قومٌ عادون}، {بل أنتم قومٌ مسرفون} وفي دعاء لوط - عليه السلام -: {رب انصرني على القوم المفسدين} وفي قوله كذلك: {فانظر كيف كان عاقبة المجرمين}.

وعنهم قال الحق - جل وعلا -: {لعمرك إنه لفي سكرتهم يعمهون} وخاطبهم لوط فقال: {أليس منكم رجل رشيد}.

 

الفاعلون لهذه الفاحشة قومٌ عادون، مفسدون مجرمون، في الغي ثابرون، ليس لهم عقل ولا رشد!

وتأتينا العقوبات والحدود الإلهية من جلد الزان غير المحصن، ورجم الزاني المحصن، وقتل من يفعل فعل قوم لوط.. فيقولون لنا: \" إن هذه عقوبات ليست إنسانية، وتتعارض مع حقوق الإنسان! \".

ولا يدركون أنهم يقتلون الإنسان بالملايين، ويفعلون ذلك عن صدق علمٍ, وإصرار كما يقال حتى بلغت الوفيات بمثل هذه الأعداد المذهلة وأسبابها كما يقررونها علمياً أنها الأسباب المباشرة لهذه الجرائم والفظائع والفواحش.

 

وهكذا نجد أن الله - عز وجل - قد آتانا في الإيمان وفي الإسلام، وفي الشرائع والأحكام ما يحفظ نقاء القلوب، وشرف النفوس، ورشد العقول، وسلامة الجوارح، وطهارة المجتمع، وعفة ورفعة الأخلاق، فإذا تنكبنا نهج ربنا وخالفنا هدي رسولنا، فلنؤذن بما قدره الله - عز وجل - من البلاء والهلاك.. نسأل الله - عز وجل - السلامة.

 

الخطبة الثانية

 

أما بعد أيها الأخوة المؤمنون:

وإن من أعظم التقوى اجتناب الفواحش ما ظهر منها وما بطن، والمباعدة عن الحرام والتوكل من الشبهاتº ولعل هذه الخطايا ذات البلايا كثيرة ليست في هذه الفواحش وليست في التدخين وإنما كذلك في المخدرات وغيرها، ولسنا هنا في هذا المقام غير أني وقد ذكرت شيئاً عن هذا المرض الخطير.. قد يقول بعضكم: \" نحن بعيدون عنه وفي منأى منه، لكني مرةً أخرى أعود بكم إلى التذكير، وإلى الإضافة في شأن التدخين، وما أدراكم ما التدخين؟

لعلي أستطيع أن أقول: إن هذا الجمهور الكريم فيه نسبة قطعاً من المدخنين - ولتكن عشرةٌ بالمائة أو عشرون أو أكثر أو أقل - أقول مرةً أخرى: إن الإحصاءات قد أثبتت لنا أن قتلى التدخين أكثر بل قد يصلون إلى ضعفين قتلى الإيدز، فإذا كنا ولا بد نفكر وندرك ونحللº فإننا ندرك أن هذا الخطر أعظم وأن أثره أكبر، وأن مصيبته وبليته أجلى وأظهر وتقول الدراسات.. إن أعظم الأسباب التي تنتج بها الوفاة بعد قدر الله - عز وجل - من أسباب التدخين أمراض القلب والأوعية الدموية ويليها مرض سلطان الرئة التي يتلفها ويحرقها التدخين حتى تصل بصاحبها إلى الوفاة، وأن الوفيات تراوحت الأعمار فيها ما بين الثلاثين من العمر إلى تسعة وستين، وأن هذه الأعداد في تزايد مستمر.

 

وأنتقل مرةً أخرى إلى إحصاءاتٍ, تخصنا في بلادناº لنقول: إن الإحصاءات وبموجب قراءات رسميةٍ, كانت في عام أربعة وثمانين من الميلادية تجعل المملكة ثالث دولة مستوردة للدخان في العالم كله، وأن الذي انفق من الأموال والاستيراد في عام تسعين - على سبيل المثال - كان متجاوزاً لمليار ريال -أي ألف ومليون من الريالات -.

 

وهنا للمقارنة البسيطة نقول إن مسئول الصحة عن مرض الإيدز أخبر: أن وزارة الصحة قد أنفقت أربعة وعشرين مليون في مسائل الإيدز وعلاجه والفحص الدم وغيره.

انظروا إلى ألف مليون في عام تسعين، ثم زادت في عام واحد وتسعين إلى ألف وأربع مائة مليون ريال، ثم هي في تزايد مستمر حتى قدرت الإحصاءات في أعوامٍ, قريبة ماضية بأن الاستهلاك يصل إلى خمسة وعشرين مليار سيجارة وبحسابات عملها بعض الباحثين أثبتوا فيها أنه لو كان عدد السكان خمسة عشر مليوناً وأن ثلثهم يدخنونº فإن نصيب كل واحدٍ, في العام خمسة آلاف سيجارة، وأن نصيبه في اليوم الواحد أربع عشرة سيجارة، وهذا معدل واقعيٌ موجود، وأن النتيجة بعد ذلك وبعد كل إهدار هذه الأموال هي الأمراض الفتاكة والقاتلة.

 

ثم يأتينا من بعد مدخنون أو غير مدخنين ويقولون: \" من قال إن الدخان محرم؟! \".

فأمرٌ يفتك بالصحة قطعاً ويؤدي إلى الهلاك حتى الموت إثباتاً علمياً طبياً ويتلف كل هذه الأموال ويسبب ما يسبب من أضرار أخرى اجتماعية وغير اجتماعية.. ثم بعد ذلك نقول إنه حلال زلال! أو نقول إنه مفيد ونافع! أو إنه يمكن أن يدل على الرجولة أو البطولة!

 

ولو أردنا أن نكون واقعيين فلنسأل كل أبٍ, مدخنٍ,: هل ترضى أو تحب أو لا تمانع على الأقل أن يصبح أبناؤك مدخنين؟ لقال بصوت عالٍ,: كلا! ولرفض ذالك.. فلو كان فيه خير أو كان فيه شيء من منفعة أفلا تحبه لأبنائك.

وأعجب وقد قلت ذلك - ونحن بعد الشهر الكريم المنصرم - أعجب من المدخنين يعلمون كل ذلك ثم لا يمتنعون عن التدخين! ويدخلون إلى شهر رمضان ويصومونه كله ويمتنعون في نهاره - وإن طال - عن التدخين، ثم يعوذون إليه!

وقد لقيني في أول أيام العيد أحد المصلين، ولحقني إلى الباب وهو يقول: \" إنني مدخن منذ اثنان وأربعون عاماً، وأبشرك بأنني مع رمضان امتنعت عن التدخين \" ويطلب الدعاء لكي لا يعود إليه.

فتصوروا كم أنفق من الأموال في أعوامه الأربعين، ولو أنه ادخر هذا المال وأنفقه في سبيل الله، وأطعمه لعياله لكان له في ذلك خير وأجر أعظم وأكبر وأفضل.

 

ولا شك أننا أيها الإخوة نحتاج إلى أن نكون صرحاء في مثل هذا الأمر، ولعلنا ونحن في مقامٍ, بيت من بيوت الله، وفي يوم جمعة أغر أن ندعو الجميع من المدخنين في هذه اللحظة أن يعقدوا في أنفسهم العزم، وأن يقولوا في أنفسهم عهداً مع الله - عز وجل - أنهم بهذه اللحظة وعند خروجهم من هذه الجمعة سيقاطعون التدخين إلى الأبدº لأنهم يعلمون مضرتهم ويعلمون ما ينفقونه ويهدرونه فيه من مال، وما يسببه لهم من إحراج اجتماعي.. فنسأل الله - عز وجل - لهم أن يعينهم على ذلك، وأن نكبت أعدائنا بأن لا نستهلك هذه السموم التي يصدرونها لنا.

 

تقول الإحصاءات مؤخراً أن أمريكا والعالم الغربي عموماً يقل فيه التدخين في الأعوام الأخيرة في كل عامٍ, 10% وأنه يزداد في دول العالم الثالث في كل عامٍ, ما بين 7 إلى 8 % إذاً هم يتركون ونحن نأخذ ما يتركونه، وهم يصنعون ونحن ندفع الأموال لحرق قلوبنا ورآنا ولإهلاك صحتنا..نسأل الله - عز وجل - السلامة.

 

 

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply