مفاهيم قرآنية لأسباب النصر ( 2 - 2 )


بسم الله الرحمن الرحيم

 

عرض الكاتب جزاه الله خيراً في الجزء الأول من دراسته حاجة الأمة للأخذ بأسباب النصر، وأكد على أن النصر من عند الله تعالى وأنه قريب، وكيف يطلب منه، وأسبابه الحقيقية، وفي هذا الجزء يكمل بقية أسباب النصر من خلال الآيات القرآنية، مع ذكر آداب معينة على النصر. الجندي المسلم.

 

السبب الرابع: طاعة الله عز وجل ورسوله صلى الله عليه وسلم:

الطَّوعُ: الانقياد. والطاعة: تقال في الائتمار لما أُمر، والارتسام فيما رسم.

وقد طاع له يطوع إذا انقاد له، فإذا مضى لأمره فقد أطاع، فإذا وافقه فقد طاوعه(1).

وهناك تلازم بين الإيمان والطاعة، فلا إيمان إلا بطاعة، ولا طاعة إلا بإيمان، فالطّاعة دليل على الإيمان، كما أن الإيمان أصل تقوم عليه الطاعة(2).

وطاعة الله عز وجل ورسوله صلى الله عليه وسلم متعينة على أهل الإيمان، كما قال الكريم الرحمن: ( يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول ولا تبطلوا أعمالكم (33)) { محمد: 33}.

قال الإمام الطبري رحمه الله: \"يقول تعالى ذكره: يا أيها الذين آمنوا بالله ورسوله، أطيعوا الله وأطيعوا الرسول في أمرهما ونهيهما، ولا تبطلوا أعمالكم. يقول: ولا تبطلوا بمعصيتكم إياهم وكفركم بربكم ثواب أعمالكم، فإن الكفر بالله يحبط السالف من العمل الصالح\"(3).

بل رتب المولى سبحانه الفوز العظيم، والأجر الجزيل على من حقق الطاعة له سبحانه ولرسوله صلى الله عليه وسلم كما قال عز وجل: ومن يطع الله ورسوله فقد فاز فوزا عظيما 71) { الأحزاب: 71}.

وقال سبحانه: ومن يطع الله ورسوله يدخله جنات تجري من تحتها الأنهار 13) { النساء: 13}.

والمطيعون لله عز وجل ورسوله صلى الله عليه وسلم داخلون في رحمة الله عز وجل، كما قال سبحانه: وأطيعوا الله والرسول لعلكم ترحمون 132) { آل عمران: 132}. وقال سبحانه وتعالى: ويطيعون الله ورسوله أولئك سي رحمهم الله 71) { التوبة: 71}.

بل من أسباب دخول النار، والخزي والبوار، عدم طاعة الله عز وجل ورسوله صلى الله عليه وسلم كما قال الباري سبحانه: يوم تقلب وجوههم في النار يقولون يا ليتنا أطعنا الله وأطعنا الرسولا 66 وقالوا ربنا إنا أطعنا سادتنا وكبراءنا فأضلونا السبيلا 67) { الأحزاب: 66، 67}.

لذلك كان في طاعة الكثير من أهل الأرض، الضلال البعيد، لما في طاعتهم من المخالفة لطاعة الله عز وجل ورسوله صلى الله عليه وسلم: وإن تطع أكثر من في الأرض يضلوك عن سبيل الله116) { الأنعام: 116}.

وقال سبحانه: (ومن يعص الله ورسوله فقد ضل ضلالا مبينا 36) { الأحزاب: 36}.

وفي التنزيل الحكيم الأمر بطاعة الله عز وجل ورسوله صلى الله عليه وسلم حال القتال كما قال تعالى: يا أيها الذين آمنوا إذا لقيتم فئة فاثبتوا واذكروا الله كثيرا لعلكم تفلحون 45 وأطيعوا الله ورسوله ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم واصبروا إن الله مع الصابرين 46) { الأنفال: 45، 46}.

قال ابن كثير رحمه الله: \"فأمر تعالى بالثبات عند قتال الأعداء والصبر على مبارزتهم إلى أن قال: وأن يطيعوا الله ورسوله في حالهم ذلك. فما أمرهم الله تعالى به ائتمروا، وما نهاهم عنه انزجروا..\"(4).

وكتب أمير المؤمنين عمر بن الخطاب إلى سعد بن أبي وقاص، ومن معه من الأجناد رضي الله عنهم: \"أما بعد: فإني آمرك ومن معك من الأجناد بتقوى الله على كل حال، فإن تقوى الله أفضل العدة على العدو، وأقوى المكيدة في الحرب، وآمرك ومن معك أن تكونوا أشد احتراساً من المعاصي منكم من عدوكم، فإن ذنوب الجيش، أخوف عليهم من عدوهم، وإنما ينصر المسلمون بمعصية عدوهم لله، ولولا ذلك لم تكن لنا بهم قوة، لأن عددنا ليس كعددهم، ولا عدتنا كعدتهم، فإن استوينا في المعصية كان لهم الفضل علينا في القوة، وإلا ننصر عليهم بفضلنا، لم نغلبهم بقوتنا، واعلموا أن عليكم في سيركم حفظة من الله، يعلمون ما تفعلون، فاستحيوا منهم، ولا تعملوا بمعاصي الله، وأنتم في سبيل الله، ولا تقولوا: إن عدونا شر منا، فلن يسلط علينا وإن أسأنا، فرب قوم سلط عليهم شر منهم، كما سلط على بني إسرائيل لما عملوا بمساخط الله، كفرة المجوس فجاسوا خلال الديار وكان وعدا مفعولا 5) { الإسراء: 5} واسألوا الله العون على أنفسكم، كما تسألونه النصر على عدوكم، أسأل الله ذلك لنا ولكم\"(5).

قال أبو الحسن البقاعي رحمه الله عند قوله تعالى: (يا أيها الذين آمنوا إذا لقيتم فئة 45) { الأنفال: 45}. قال: \"وهذه الجملة جمع فيها كما قال الإمام شمس الدين محمد بن قيم الجوزية في آخر كتاب الفروسية المحمدية(6): تدبير الحروب أحسن جمع على أتم وجه، فأمر فيها بخمسة أشياء ما اجتمعت قط في فئة إلا انتصرت، وإن قلت في جنب عدوها، وخامسها: ملاك ذلك وقوامه وأساسه وهو الصبر، فعلى هذه الدعائم الخمس تبني قبة النصر، ومتى زالت أو بعضها، زال من النصر بحسبه، وإذا اجتمعت قوى بعضها بعضاً، وصار لها أثر عظيم، لما اجتمعت في الصحابة رضي الله عنهم لم تقم لهم أمة من الأمم، ففتحوا البلاد شرقاً وغرباً، ودانت لهم العباد سلماً وحرباً، ولما تفرقت فيمن بعدهم وضعفت، آل الأمر قليلاً إلى ما ترى فلا قوة إلا بالله والجامع لذلك كله، طاعة الله ورسوله، فإنها موجبة لتأييد المطيع بقوة من هو في طاعته، وذلك سر قول أبي الدرداء رضي الله عنه الذي رواه البخاري في باب: \"عمل صالح قبل القتال\": \"إنما تقاتلون الناس بأعمالكم\"(7). وهو شرع قديم... \"(8).

وعن عمرو بن العاص رضي الله عنه  قال: \"خرج جيش من المسلمين أنا أميرهم حتى نزلنا الإسكندرية، فقال عظيم منهم: أخرجوا إليّ رجلاً أكلمه ويكلمني، فقلت: لا يخرج إليه غيري، فخرجت معي ترجماني، ومعه ترجمان، حتى وضع لنا منبران. فقال: من أنتم؟ قلت: نحن العرب، ومن أهل الشوك والقرظ(9)، ونحن أهل بيت الله، كنا أضيق الناس أرضاً، وشره عيشاً، نأكل الميتة والدم، ويغير بعضنا على بعض، كنا بشرِّ عيشٍ, عاش به الناس، حتى خرج فينا رجل، ليس بأعظمنا يومئذ شرفاً ولا أكثرنا مالاً، قال: أنا رسول الله إليكم، يأمرنا بما لا نعرف، وينهانا عما كنا عليه، فشنفنا له(10)، وكذبناه، ورددنا عليه، حتى خرج إليه قوم من غيرنا، فقالوا: نحن نُصدّقك، ونقاتل من قاتلك، فخرج إليهم، وخرجنا إليه، وقاتلناه، فظهر علينا، وقاتل من يليه من العرب، فظهر عليهم، فلو تعلم ما ورائي من العرب ما أنتم فيه من العيش، لم يبق أحد إلا جاءكم، فضحك، ثم قال: إن رسولكم قد صدق، وقد جاءتنا رسل بمثل ذلك، وكنا عليه حتى ظهرت فينا ملوك، فعملوا فينا بأهوائهم، وتركوا أمر الأنبياء، فإن أنتم أخذتم بأمر نبيكم، لم يقاتلكم أحد إلا غلبتموه، وإذا فعلتم مثل الذي فعلنا، فتركتم أمر نبيكم، لم تكونوا أكثر عدداً مناً ولا أشد منّا قوة(11).

 

السبب الخامس: عدم التنازع:

التَّنازعُ: التخاصمُ والمجادلةُ. وتنازع القوم: اختصموا(12).

ولقد لفت المولى سبحانه أنظار المؤمنين إلى أهمية وحدتهم واتفاقهم، وعدم افتراقهم وتنازعهم، بقوله سبحانه وتعالى: وأطيعوا الله ورسوله ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم 46) { الأنفال: 46}(13).

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply