بسم الله الرحمن الرحيم
الخطبة الأولى:
أمّا بعد:
فأوصيكم ـ أيّها النّاس ـ ونفسي بتقوى الله - عز وجل -، فاتَّقوا الله يحفظكم، واذكروه يذكركم، واشكروه يزِدكم، كم ذنبٍ, قد غفره، وكم عيبٍ, قد ستره. لا يتلذّذ بحلاوة الذّكر من اشتغل قلبه بوسواسِ الفِكر. مَن أحبّ شيئًا أكثرَ ذكرَه، ومَن أجلَّ أمرًا أعظم قدرَه، فاذكروا اللهَ ذكرَ المحبّين، وعظّموه تعظيمَ الموحِّدين. من اشتغل بذكرِ الله لم يجِد الشيطان إلى إغوائِه سبيلاً، ومَن عمر عُمرَه بطاعة الله لم يزَل شيطانه ذليلاً، يا أَيٌّهَا الَّذِينَ ءامَنُوا اذكُرُوا اللَّهَ ذِكراً كَثِيراً وَسَبّحُوهُ بُكرَةً وَأَصِيلاً [الأحزاب: 41، 42].
أيّها المسلمون، حينَ تقِف القافلة حائرةً على مفترَق الطّرق تعلمُ أنَّ مصيرَها مرتبِط بمسِيرها، ونجاتها رهنٌ بصحّة اختيَارها، وحينئذٍ, عليها أن تبذُلَ غايةَ جهدِها في التّحرّي والنّظر لتضَع أقدامَها على الطّريق الصحيح، فتصلَ إلى غايتِها ولو طال المَسير.
وإنَّ أمَّة الإسلام ـ وهي تعيش هذه الأيّام مواقفَ امتِحان بل مواقفَ صراع وابتلاء ـ لعلّها تقِف موقفَ صِدق ومقامَ محاسبة، تقِف مع نفسِها، وتتفحّص مسيرَها، وتنظر في خَطوِها.
إنَّ الأمَّة حين تحُلّ عليها محنٌ وتنزِل بها نوازِل تبدو عليها انعكاسَات، وتظهَر فيها تصرّفات، تدلّ على مسارها وتشير إلى مواقِع أقدامِها، ماذا رسمَت لنفسها؟ أو ماذا رُسِم لها؟
أيّها الإخوة، ومن أجلِ محاسبةٍ, جادّة فإنّ إزالة أسبابِ الخذلان مقدّمٌ على إزالة آثار العُدوان، وبقَدر ما الأمّة تتعنّى تنال ما تتمنّى، وقبل التطلٌّع إلى القمّة لا بدّ من التّربية على علوّ الهمّة.
أيّها المسلمون، إنَّ كتابَ ربّنا أوضح لنا المحجّةّ، وبيّن أسبابَ القوة وأسبابَ الضعف، وشخّص الأمراض، ووَصف العلاجَ، ليس تقريرًا سياسيًا يتلوّن بألوانِ المناهج والأهواء، وليس بحثًا اجتماعيًا تتعثّر استنتاجاتُه، ولا تحليلاً نفسيًا تضطرِب إحصاءاته، ولكنّه كتاب هدايَة ونور، لا تشوب حُكمَه الشّبهات، ولا تضِلّ دليلَه الشهوات، فهو حقٌّ اليقين وعين اليقِين وعلمُ اليقين من ربِّ العالمين.
أيّها الأحبّة، وعلى ضوءِ آي القرآن والسّنن الربانيّة والنواميس [الإلهيّة] وما شهِد به تاريخُ الأمّة وتاريخ الأمَم تتَّصِل الأسبابُ بمسَبّباتها، وترتبِط النتائج بمقدّماتها، وتعرَف الغايات من وسائلِها. إنّها نتائجُ محتومة لأسبابٍ, معلومة، وزحفُ الأعداء لا يوقِفه إلاّ الإسلام، وميل الميزان لا يعدّلُه إلاّ القرآن.
إنَّ الخطرَ العظيم في النّكبة أن لا تعرِفَ معنَى النكبة، ولا تفقهَ أسبابَها ومداها، ثمّ بعد ذلك لا تدري أينَ المخرجُ منها.
أيّها المسلمون، لقد وضعتِ الحربُ على العراق أوزارَها، وهي تحمِل نُذُرَ سوء أورثت قلقًا، وولَّدت لدى كثيرين إحباطًا، آثارٌ يُخشَى أن تمتدَّ إلى ما وراءَ العراق. في مثل هذه الظروف الحوالِك والأوقاتِ المدلهمّة تحتاج الأمّة إلى أن تقِف موقفَ تأمّل ونظرٍ, في سُنن الله ونظرٍ, في تأريخ دينِ الله ورُسل الله.
لقد مرّت بأمّة الإسلام مِحنٌ ونكبات في تأريخها الطّويل، صنوفٌ من العدوان الخارجيّ من كفّار وصليبيّين ومشركين ووثنيّين ابتُلِي بهم المسلمون، وزُلزِلوا زلزالاً شديدًا. ولكن الإسلام بقي ثابتًا، والمسلمون ثابتون لم يذهَبوا، بل إنَّ كثيرًا من هذه الابتلاءات والمزلزِلات كانت سببًا من أسبابِ اليقظةِ والعودَة لدين الله.
انتصَر الأعداء فيما مضى ماديًّا وعسكريًّا، ولكنّهم كانوا خواءً في الرّوح، بل كانوا مهزومين في دواخلهم، فسرعانَ ما غزتهم قِيَم المجتمعِ المسلم، فأسلم التّتار وهم المنتصِرون، واندَحر الصليبيّون وهم الغالِبون، كلّ ذلك على أيدِي المسلمين وقد كانوا هم المهزومين.
انهزَم المسلمون ماديًّا وعسكريًّا، ولكن لم تُهزَم قِيمهم ولا مبادِئهم، ولم تنهزِم روحُهم ولا إيمانهم، وتحوّلت هزيمة الأمّة إلى نصر.
ومن أجل مزيدِ إيضاح تأمّلوا هذا المنهجَ من كتاب ربكم: وَلَقَد سَبَقَت كَلِمَتُنَا لِعِبَادِنَا المُرسَلِينَ إِنَّهُم لَهُمُ المَنصُورُونَ وَإِنَّ جُندَنَا لَهُمُ الغَـالِبُونَ [الصافات: 171-173]. \"رسُل الله هم المنصورون، وجند الله هم الغالبون\" كلمةٌ من الله سبقت ووعدٌ من الله لا يُخلَف، على الرّغم من جميع العوائق، وعلى الرّغم من كلّ صوَر التكذيب والتّشكيك. حضاراتُ أهلِ الدّنيا تسود ثمّ تبيد، لها صولتها ثم تندثر، وتبقى عقائد المرسَلين هي الأظهَر وهي الأبقى وهي الأكمَل. إنّها متحقِّقة في كلّ دعوة لله مخلِصة، وفي كلّ دعاةٍ, لله صادقين، غالبة منصورة مهما رصَد لها الباطل من قوى الحديد والنّار وقوى الدّعاية والافتراء وقوى الحرب والمقاومة. معاركُ تقوم بين أهلِ الحقّ والباطل ولكنّ نتائجَها تختلِف حتى تنتهيَ إلى وعد الله الحقّ الذي وعد رسلَه وأولياءه وجندَه، وهو وعدٌ لا يُخلَف ولو قامت في طريقه كلٌّ قوى الأرض، سنّةٌ من الله ماضية، غيرَ أنَّ هذه السّنن مرهونة بتقدير الله، يحقِّقها حين يشاء وكيف يشاء، وقد تُبطئ آثارها الظاهرة بالقياس في أعمارِ البَشر القصيرةِ المحدودة، ولكنّها لا تُخلَف أبدًا ولا تتخلّف أبدًا، بل قد تتحقّق في صورةٍ, لا يدركها البَشر لأنّهم يطلبون المألوفَ من صوَر النّصر والغلبة، ولا يدركون تحقٌّقَ السّنّة في صورةٍ, غيرِ مألوفة إلاّ بَعد حين. قد يريد البَشžَر صورةً معيّنة من صُور الغلبة والنّصر، ويريد الله صورةً أخرى أكمَل وأتمّ وأبقى، فيكون ما يريد الله ولو تكلّف جندُ الله من المشقّة وطول الأمَد أكثرَ ممَّا ينتظرون، وَتَوَدٌّونَ أَنَّ غَيرَ ذَاتِ الشَّوكَةِ تَكُونُ لَكُم وَيُرِيدُ اللَّهُ أَن يُحِقَّ الحَقَّ بِكَلِمَـاتِهِ وَيَقطَعَ دَابِرَ الكَـافِرِينَ لِيُحِقَّ الحَقَّ وَيُبطِلَ البَـاطِلَ وَلَو كَرِهَ المُجرِمُونَ [الأنفال: 8].
النّاس يقصُرُون معنى النّصر في حدودٍ, معيّنة معهودةٍ, قريبة الرّؤى لأبصارهم، ولكن صور النّصر شتّى. كم من شهيدٍ, ما كان يملِك أن ينصُر دينَه ودعوته ولو عاش ألفَ سنَة كما نصرَها باستشهاده، وما كان يملِك أن يودِعَ القلوبَ مِن المعاني الكبيرة ويحفِز الألوفَ إلى الأعمال العظيمة بمثل هذه الخطّة التي خطّها بدمِه، فتبقى حافِزًا محرِّكًا للأبناء والأحفاد، بل ربّما كانت محرِّكا لخُطى التاريخ كلِّه على مدى أجيالٍ, وأجيال.
أيّها المسلمون، إنّه اليقين بموعودِ الله، فالأزمات مهما اشتدّت والخطوب مهما ادلهمّت فإنّ دينَ الله سيبقى عزيزًا منصورًا، بعزِّ عزيزٍ, أو بذلِّ ذليل، والأرض لله يورِثها من يشاء من عباده، ويَرثُها عباد الله الصالحون. نعم وربّ الكعبة، سيبقى دينُ الله عزيزًا، وستبقى العزّة للمؤمنين. العزة عزّة مبادئ وعزّة قيَم، لا عزّة جماعات ولا فِئات، فالهزيمة بحقٍّ, هي هزيمة الأمّة حين تتخلّى عن قيَمها وتبتعِد عن مبادئها، فالمنتصِر هي القيَم وليس الأشخاص.
ولتقريرِ هذه الحقيقةِ تأمّلوا قولَ الله - عزّ شأنه -: مَن كَانَ يُرِيدُ العِزَّةَ فَلِلَّهِ العِزَّةُ جَمِيعاً [فاطر: 10]، تلكم هي حقيقةٌ ثابتة، لا تتغيّر ولا تتبدّل، حقيقةٌ كفيلة بتعديل القيَم والموازين، وتعديل الحُكم والتقدير، وتثبيت المواقف، وتعديل المنهَج والسّلوك، وضبط الوسائل والأسباب. وإذا استقرّت هذه الحقيقةُ في قلبِ المؤمن وثبتت في يقينه ورسخت وقَفَت به أمامَ الدّنيا كلِّها عزيزًا كريمًا ثابتًا غيرَ متزعزِع، وحينئذ لن يحنيَ رأسَه لمخلوقٍ, متجبّر، ولا لعاصفة طاغية، ولا لحدَث جلَل، ولا لمصلحةٍ, مهما كانت، فالحقّ غايتُه، والعدلُ مبتَغاه، والباطل خصمُه، والظالم عدوّه.
ومع هذا الوضوحِ في مبدَأ العزّة فهي ليسَت عنادًا مستكبرًا، وليست طغيانًا فاجرًا، وليست اندفاعًا باغيًا يخضَع لنزوةٍ, أو يذلٌّ لشهوة، وليست قوّةً عمياء تبطِش بغير حقّ وتسير بغير عَدل.
العزّة استعلاءٌ على شهوَة النّفس ورفضٌ للقيد والذّلّ وارتفاع عن الخضوع لغيرِ الله، بل هي خضوعٌ لله وخشية منه وتقوى ومراقبة في السّرّاء والضّرّاء، وفي هذا الخضوع ترتفِع الجِباه، ومن هذه الخشيَة تمتنع عن كلّ ما يأباه، ومن هذه المراقبة لا تبتغي إلا رضاه.
أيّها المسلمون، ذلكم هو نصرُ المرسَلين وغلبةُ جندِ الله المخلصين، وتلكم هي العزّة في حقيقتِها ووسيلتِها.
أمّا النّتاج الماديّ والمكتشفات في العلوم والتقنيّات والآلات والمخترعات فكلّ ذلك لا انتماءَ له، وميراثٌ لا جنسيّة له، يستحقّه كلٌّ مُجِدّ، ويناله كلٌّ من أخَذ بالأسباب على وجهِها. أمّا القيَم والمبادئ فهي تراثٌ خاصّ تنهض به الأمّة صاحبة الرّسالات وارثةُ الأنبياءِ وحفيدة الراشدين. إنّ حضارةَ الأمم لا تُقاس بالقوى الماديّة وحدَها، ولكنّها تقاس بمبادئها في أخلاقها ونُظُمها وإقامةِ العدل واحترام الحقّ، فالإنسان لا قيمةَ له بجنسه أو عِرقه، ولكن قيمته بإيمانِه وأخلاقِه وصحّة معتقدِه.
وإنّ لكم من دروسِ أيّامكم هذه في محنتِها وفتنتِها ما يجلِّي لكم ذلك كلَّ الجلاء، لقد نزَع الخصومُ الزّيفَ الذي كانوا يتقنّعون به من قيَمِ التّحضّر وموازين العدلِ والإنصاف وحقوقِ الإنسان، لقد تجلّت الرّغبة الجامِحة العارِمة في نهبِ الثّروات ومحاصرة الأمَم والتحكّم في المصائر، لقد ظهَر جليًّا أنّ تلك القيَم كانت انتقائيّة، والمبادئ كانت دعائيّة، لا تصمُد أمام تحدّيات الأطماعِ وصِراع المصالح والأنانيّات. نعم أيّها المسلمون، كم في طيّات المِحن من مِنح، فلعلّ من الخير أن تنبّه كثيرون من المخدوعين من أبناء الأمّة، فصاروا يراجِعون مواقفَهم ويتحوّل إعجابُهم بالآخر إلى صدمةٍ, عنيفة.
أظهرت هذه المحنُ خبايا المنافقين ممَّن كان يضمِر للأمّة ودينِها، فكشفتهم الأزَمات، وأبانت مكنوناتِهم المثُلات.
أليست هذه من بشائر الانتصار ومظاهرِ العزّة؟! لقد أفاق كثيرٌ من المسلمين، وتقشّعت عنهم سحُب الغفلة، لقد بعثت هذه المحَن روحًا كانت قد خبَت أو كادت، أصبحت الأمّة تتحدّث بقوّة عن عزّتها وكرامتِها وعن حقوقِها رَغم أحوالِ الصَّعاب والاستضعاف، لقد بدأتِ الأمّة تنظر بيقظةٍ, وتنبّه إلى الإحساس بخطورَة أعدائِها وعِظَم مخطّطاتهِم في مجالات وميادين لم تُعطِها حقَّها من الاهتِمام في المناهِج والمرأة والأسرَة التّراث والأصالة وغيرها.
وبعد: أيّها المسلمون، فكلٌّ هذه الدروس والعبَر والعظات والكواشف تؤكِّد على الأمّة تمسّكَها بركنَيها الرّكين وقناتَيها العظيمتَين: التوكّل والأسباب، فالتّوكّل على الله عبوديّة القلب، والأخذُ بالأسباب طاعةُ الجوارِح. الإسلامُ دين الحقّ، وما الحقّ إلا أن يتَّحِد أهلُ الإسلام، وما الحقّ إلا أن ينبذوا الخلافَ والتخاذل، وما الحقّ إلا أن توزَن الأمور بموازينها، فعلى الغافلين أن يستيقِظوا، وعلى المذنبين أن يُقلِعوا، وعلى القانطين والمستيئسين أن يستبشِروا ويتفاءلوا، وعلى الطائِعين المستقيمين أن يثبُتوا.
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: يَـا أَيٌّهَا الَّذِينَ ءامَنُوا إِن تُطِيعُوا الَّذِينَ كَفَرُوا يَرُدٌّوكُم عَلَى أَعقَـابِكُم فَتَنقَلِبُوا خَـاسِرِينَ بَلِ اللَّهُ مَولَـاكُم وَهُوَ خَيرُ النَّـاصِرِينَ [آل عمران: 149، 150].
نفعني الله وإيّاكم بالقرآن العظيم، وبهدي محمّد، وأقول قولي هذا، وأستغفر الله العظيم الجليل لي ولكم ولسائر المسلمين من كلّ ذنب فاستغفروه، إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية
الحمد لله المعروف بآياتِه، المتفرّد بأسمائِه وصفاتِه، المشكور على عظيم عطاياه وجزيل هباتِه، تفرّد بالخلق والتّدبير، وتوحّد بالألوهيّة فهو نعمَ المولى ونعم النصير. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، لا نعبد إلا إيّاه، ولا نتعلَّق بأحدٍ, سواه، وأشهد أن سيّدنا ونبيّنا محمّدًا عبد الله ورسوله وخليله ومصطفاه، صلّى الله وسلّم وبارك عليه، وعلى آله وأصحابه ومن والاه.
أمّا بعد: فلا بدّ للهمّة العالية أن تنال مطلوبَها، ولا بدّ للعزائم المتوثِّبة أن تدركَ مرغوبَها. المواقِف مع الأعداء مواقف دينٍ, ووجود لا معارك أرضٍ, وحدود، معارك دين واعتقاد وليست معاركَ سياسة واقتصاد. لا بدّ من ردّ قضايا الأمّة إلى مدارها الإسلاميّ بكل آفاقه وأعماقه، لا بدّ من نبذِ كلّ أعلام التبعيّة ورايات الإلحاد حتى يتبوّأ الإسلام مكانَه ويأخذَ القرآن موقِعَه، تُرفَع راية القرآن، وتسير الأمّة بنور كلماتِه، تُرَدّ القضايا إلى خطّها الأصيل حتى تصبحَ قوّةً تتأبّى على الوأد والاحتواء والترويض والتّدجين، القوّة الإسلاميّة لا بدّ أن تُستنفَر للذّود عن المقدّسات بعد أن أفلَست كلّ الدعوات الادّعاءات.
انظروا وتأمّلوا، بيتُ المقدس فتحَه أميرُ المؤمنين عمر بن الخطاب المسلم العربيّ، وحرّره السلطان صلاح الدين الأيّوبيّ المسلم الكرديّ، وحافظ عليه السّلطان عبد الحميد العثمانيّ المسلم التّركيّ، فمن ـ يا تُرى ـ يُسعده الله فيحرّره التحريرَ الثاني من أيّ إخوانِنا من هذه الشّعوب المسلمة فمرحبًا به وأهلاً، والأمّة من ورائه شعارُها التّهليل ونداؤها التّكبير.
أيّها المسلمون، لقد كشفتِ الأيام وتكشّف في الأحداثِ أنّ الصراع يُسفِر يومًا بعد يوم عن وجهِه الحقيقيّ.
على الأمّة أن تنتصرَ لقضاياها قبلَ أن تطلبَ من الآخرين الوقوفَ معها، عليها أن تقِف بكلّ طاقاتها قبلَ أن تناشدَ الآخرين معاونَتَها، فنصرةُ القضايا واسترداد الحقوقِ لن يتمَّ بجهود يبذلها الآخرون، يجبُ أن تعلنَها الأمّة ولاءً لله ولرسوله وللمؤمنين، جهادٌ على الأصعِدة كافّة، جهادٌ بالقلم، وجهادٌ بالسّياسة، وجهاد بالنّفوذ، وجهاد بالاقتصاد والمال، وجهاد بالقوّة والعدّة.
ألا فاتَّقوا الله رحِمكم الله، واستمسِكوا بكتابِ ربّكم، والزَموا سنّة نبيّكم، ينجز لكم ما وعدَكم، عزًّا في الدنيا، وحسنَ ثوابٍ, في الآخرة.
ثم صلّوا وسلّموا على الرسول المصطفى والنّبيّ المجتبى، فقد أمركم بذلك المولى - جل وعلا - فقال عزّ قائلاً عليمًا: إِنَّ اللَّهَ وَمَلَـائِكَـتَهُ يُصَلٌّونَ عَلَى النَّبِيّ يا أَيٌّهَا الَّذِينَ ءامَنُوا صَلٌّوا عَلَيهِ وَسَلّمُوا تَسلِيماً [الأحزاب: 56].
اللهم صلِّ وسلِّم وبارك على عبدك ورسولك محمّد ذي الوجه الأنور والجبين الأزهر والخلق الأكمل، وعلى آله الطيّبين الطاهرين، وعلى أزواجه أمّهات المؤمنين، وارضَ اللهمّ عن الخلفاء الأربعة الراشدين...
أضف تعليق
هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها
تم الإرسال
ستتم إضافة التعليق بعد معاينته من قبل فريق عمل مداد