الولاء و البراء في الدين


 

بسم الله الرحمن الرحيم

 

الخطبة الأولى:

أما بعد أيها الأخوة المؤمنون:

مازال حديثنا موصولاً عن منهج الوقاية في الإسلام، وحديثنا متتابع في حماية التوحيد والإيمان، وسلامة المعتقد والمبدأ.

وقفنا مع الحاجز والساتر الأول في منع الزندقة، وحكم الردة.. ونظرنا وتأملنا مع السياج الثاني في منع البدعة والتحذير من الابتداع.

ونقف اليوم مع موضوع خطير كثر ضرره وعظم خطره، واتسعت به الفتنة، وعظت فيه المحنة، وكثرت فيه الرزية، واستشرت فيه البلية، ودخل إلى عقول كثير من المسلمين، وتسلل إلى قلوب كثير منهم أيضاً ذلكم هو:

الولاء لأعداء الله

والفتنة بهم والمحبة لهم والقرب منهم والنصرة لجهودهم، والمتابعة لطريقهم مما يسلخ المسلم المؤمن من دينه وإيمانه أو يجعله مسخاً مشوهاً لا يعود إلى أصل تميز الإيمان، ولا إلى فخر اعتزاز الإسلام، ولا يعود من القوم في اعتقادهم وديانتهم نسأل الله - عز وجل - السلامة.

 

قضية الموالاة والمعاداة أو الولاء و البراء قضية مهمة جعل لها الدين الإسلامي حسماً واضحاً، وحزماً جازماً وتدرجاً ووقاية عظيمة لما يكون فيه وبسببه من الفتنة العظيمة و الزيغ الكبير في شأن العقيدة والإيمان.

فمعنى الولاء أو الموالاة تدور معاني هذه الكلمة في اللغة على المحبة والقرب والنصرة والمتابعةº فإن فلاناً يوالي فلاناًº أي يحبه ويقترب منه وينصره إذا حزبه أمر ويتابعه في رأيه ويوافقه في عمله.

فهذه الموالات حث الله - سبحانه وتعالى- أهل الإيمان والإسلام أن يبذلوها لأحد إلا للمؤمنين المسلمين الطائعين كما وصف ذلك وبينه وجسده رسول الهدى - صلى الله عليه وسلم - في حديثه المشهور: (مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم كمثل الجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى).

وكما بين - عليه الصلاة والسلام - قوة الرابطة وعظمت الآصرة في قوله - صلى الله عليه وسلم -: (المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضاً).

والنهي جاء واضحاً والتحذير جاء كاملاً من أن يبذل الولاء، أو أن تصرف المحبة أو أن يكون هوى وميل القلب إلى أعداء الله - سبحانه وتعالى-.. ولماذا كل هذا التشديد؟ ولماذا هذه المناهي؟ لأنها تتصل بأصل الإيمان ومبدأ الاعتقاد فتنال منه تشكيكاً وتشويها أو زعزعة أو نقضاً.

 

لنستمع إلى المعاني التي أشرنا إليها في آيات القران:

استمع إلى معنى الولاء بالنصرة في قوله - جل وعلا -: {إنما ينهاكم الله عن الذين قاتلوكم في الدين وأخرجوكم من دياركم وظاهروا على إخراجكم أن تولوهم ومن يتولهم فأولئك هم الظالمون} أي أن تناصروهم.

ويقول الله - سبحانه وتعالى-: {الله ولي الذين آمنوا} أي ناصرهم - سبحانه وتعالى-.

ويقول الحق - جل وعلا -: {والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض} أي بعضهم محبون لبعض وناصرون لبعض.. وهكذا نرى الآيات في هذا واضحة من حيث المعنى والدلالة.

 

وأول أمر ننبه له هو أن قضية المحبة والبغض وقضية الولاء و البراء ليست قضية اجتماعية تمليها ظروف المعاشرة والمخالطة، وليست قضية شخصية تفرضها المصالح والمفاسدº بل هي:

قضية عقدية إيمانية وهذا الأمر هو مفتاح فهم هذا الموضوع وخطورتهº فإن بعض الناس قد يقع في كثير من الانحراف و الزيغ في شأن الولاء والبراء وهو لا يدرك أن هذا له صلة بالاعتقاد ويظنه من أمور المعاش ومن متطلبات المجاملات ومن ظروف الحياة ونحو ذلك والأصل غير هذا.

هذا المصطفى - صلى الله عليه وسلم - يقول لنا في الحديث الصحيح: (إن أوثق عرى الإيمان الحب والبغض في الله)، فهذا الحب والبغض هو رابطة عظيمة ومعقد مفصل كبير في الإيمان بل مرتبة عالية فيه لا ينبغي أن يكون خاضعاً للأهواء ولا للظروف وإنما منبثق و مرتبط وعائد إلى الإيمان فهو الذي يجعل الإنسان يحب من يحب، ويبغض من يبغض وبقرب ممن يقترب ويبتعد ممن يبتعد ويناصر من يناصر ويعادي من يعادي وسنرى هذه المسألة في الآيات الكثيرة.

 

وابن القيم - رحمه الله - يبين أن حقيقة التوحيد هو كلمة \" لا إله إلا الله \" تشتمل هذا المعنى و تشتمل على هذا المعنى اشتمالاً كلياً أصلياً فيقول - رحمه الله - في كلمة التوحيد إنها مركبة من معرفة ما جاء به الرسول - صلى الله عليه وسلم - علماً، والتصديق به عقداً، والإقرار به نطقاً، والانقياد له محبة وخضوعاً، والعمل به ظاهراً وباطناً، وتنفيذه والدعوة إليه بحسب الإمكان وكماله - أي كمال ذلك كله - في الحب في الله والبغض في الله والعطاء لله والمنع لله، وأن يكون وحده إلهه و معبوده والطريق إلى ذلك هو تجريد متابعة النبي - صلى الله عليه وسلم - ظاهراً وباطناً، و تغميض عين القلب عن الالتفات إلى سوى الله ورسوله - صلى الله عليه وسلم -.

 

ما معنى أن توحد الله؟

أي أنك تعظمه وتحبه، وتتابع أمره.. ومن أمره أن تحب من يحب، ومن آمن به وأطاعه، وأن تبغض من كفر به وجحده - سبحانه وتعالى-.

وهذه المسألة من المسائل الظاهرة في كتاب الله وسنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم -º حتى قال بعض أهل العلم: \" ليس في كتاب الله حكم فيه من الأدلة أكثر ولا أبين من هذا الحكم - أي حكم الولاء و البراء - بعد توحيد الله - سبحانه وتعالى- \".

 

وسنرى كم هي الآيات كثيرة وعديدة ومتنوعة في أبواب مختلفة وفي صيغ ومجالات من الحياة متنوعة تحذرنا من الوقوع في هذا الولاء لغير المؤمنين، وتبين لنا المخاطر في قليل الأمور ويسيرها مما قد يغيب عن الإنسان خطره، أو لا يلتفت إليه نرى ونستمع إلى الكثير والكثير من آيات الله - عز وجل - تبين لنا ذلكº لأن القضية متسلسلةº ولأن مثل هذا الأمر خفيº لأن تعلقه كثير وكبير بالقلب والنفس.. فقد يكون للإنسان هوىً مع أهل الكفر محبة لهم وتعظيماً ورغبة في نصرتهم وإن لم يفعل شيئاً لظروف أخرىº فإنه بذلك يكون قد وقع في الخطر بمجرد هذه المشاعرº لأن الإيمان محله القلبº ولأن مصدره وأصله في الاعتقاد وفي المشاعر المتولدة عنهما قال بعض أهل العلم: \" أصل المولاة الحب وأصل المعادة البغض ينشأ عنهما من أعمال القلب والجوارح ما يدخل في حقيقة المعاداة والموالاة كالنصرة والأنس والمعاونة والجهاد والهجرة ونحو ذلك من الأعمال \".

 

انتبه إلى التحذيرات القرآنيةº لنرى أن هناك منهجاً متكاملاً عظيماً يحول بيننا وبين الوقوع في هذا الولاء لأعداء الله والفتنة بهم، والتعظيم لهم، والموافقة لهم، والنصرة لهم.. يقول الحق - عز وجل - مبيناً في نصوص صريحة واضحة: {ود كثير من أهل الكتاب لو يردونكم من بعد إيمانكم كفاراً حسداً من عند أنفسهم من بعد ما تبين لهم الحق}، وهذا نص قرآني يخبرنا عن حقائق ما في قلوب القوم {ود كثير من أهل الكتاب} يودون من أعماق قلوبهم و مشاعرهم أن يردوكم كفارا، وأن لا يجعلوا لكم تميزاً مثل التميز الذي أشرنا إليه في حقيقة الإيمان والإسلام وحفظ القرآن وختم النبوة برسولنا - صلى الله عليه وسلم -، وما أكرم الله به هذه الأمة من كمال الدين وشموله لما يكون للمسلمين هذا التميز وهم على غير ذلك لما يكون لهم هذه المناهج التي تقيهم شرور الحياة وتجعلهم متقدمين فيها وقائدين لها وهم على غير ذلك.

 

استمع أيضاً {يا أيها الذين آمنوا إن تطيعوا فريقاً من الذين أوتوا الكتاب يردوكم بعد إيمانكم كافرين}، وهذا تحذير يتصدر بنداء الإيمان {يا أيها الذين آمنوا إن تطيعوا} الطاعة والموافقة والمتابعة ولو في بعض الأمور من أمور الاعتقاد أو من أمور الشرائعº لأن بعض الناس يدخل في هذا الباب وهو لا يشعر \" فريقاً منهم \" وليس كلهمº فإن ذلك مآله في آخر الأمر إلى أن يقع المؤمن في الارتداد والخروج من الدين والملة نسأل الله - عز وجل - السلامة {إن تطيعوا فريقاً من الذين أوتوا الكتاب يردوكم بعد إيمانكم كافرين}.

 

واستمع إلى قوله: {يا أيها الذين آمنوا إن تطيعوا الذين كفروا يردوكم على أعقابكم فتنقلبوا خاسرين}هذه تحذيرات وتأتينا حقائق أخرى حقائق يخبرنا به رب الأرباب علام الغيوب - سبحانه وتعالى-، وليس بعد خبر الله - عز وجل - خبر، وليس بعد حكم الله - عز وجل - حكم، وليس بعد ما يجيء في القرآن من آيات اجتهادات وآراءº سيما في النصوص الواضحة القاطعة.

 

استمع إلى هذه الآية {ولن ترضى عنك اليهود ولا النصارى حتى تتبع ملتهم قل إن هدى الله هو الهدى ولئن اتبعت أهوائهم بعد الذي جاءك من الحق مالك من الله من ولي ولا نصير} خطاب للمصطفى - صلى الله عليه وسلم - ولأمته {ولن ترضى} \" لن \" عند أهل اللغة للتأبيد كما يقولون {لن ترضى عنك اليهود ولا النصارى حتى تتبع ملتهم قل إن هدى الله هو الهدى} هو الإسلام والإيمان الذي أكرم الله به أمة محمد - صلى الله عليه وسلم - {ولئن اتبعت أهوائهم بعد الذي جاءك من العلم} كأنك في شك منه أو كأنك مستقلاً له أو كأنك غير قابل به {مالك من الله من ولي ولا نصير} لن تكون من أولياء الله، ولن تكون من اتباع دين الله - عز وجل -، ولن تكون من اتباع رسول الله - صلى الله عليه وسلم -.

 

ليست القضية هينة، وليست مسألة عارضة.. إنها قضية من أخطر القضايا ومن أجلها وأكثرها ضرراً وخطراً.

 

واستمع أيضاً إلى صور أخرى يحذرنا القرآن الكريم منه، ويبين لنا خطورتها، وإن كنا قد لا نظن ذلك لأول وهلة {لا يتخذ المؤمنون الكافرين أولياء من دون المؤمنين ومن يفعل ذلك فليس من الله في شيء}، قال ابن جرير في تفسيره: \" فقد برئ منه الله - عز وجل - مولاة بالمحبة في التعظيم حتى وإن لم يتلفظ بذلك أو يفعل شيئاً يدل عليه \" فإن القضية قلبية إيمانية.

 

{ولا يزالون يقاتلونكم حتى يردوكم عن دينكم إن استطاعوا} والآية القرآنية بصيغة المضارع {لا يزالون} فعل المضارع يدل على الاستمرار أي مع تغير الزمان واستمراره وتبدل الظروف وتغير الأحوال {لا يزالون يقاتلونكم حتى يردوكم عن دينكم} والقتال قد يكون قتالاً عسكرياً في الميادين القتالية وقد يكون قتالاً بصور شتى في غزو فكري وفي زعزعة وعولمة وغير ذلك مما قد أشرنا إليه من قبل.

 

واستمع أيضاً إلى صور أخرى يذر منها القرآنº لأنها تفضي إلى غيرها {يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا بطانة من دونكم لا يألونكم خبالا ودوا ما عنتم قد بدت البغضاء من أفواههم وما تخفي صدورهم أكبر} قال أهل التفسير: \" خاصة لكمº يعني يكونون من المقربين المخصوصين بالأمور القريبة التي لا يطلع عليها غيرهم والتي لا يستشار بها غيرهم.

{لا تتخذوا بطانة}º البطانة نعرف أنها الشيء الباطن الذي يكون أقرب ما يكون إلى الإنسان {لا تتخذوا بطانة من دونكم} هذا تحذير وقع ونبه عليه القرآن.

 

وللفاروق - رضي الله عنه - موقف حسن يذكر في مثل هذا المقام.. لما ولى أبو موسى الأشعري الكوفة كان من صنيعه - رضي الله عنه - أن اتخذ كاتباً نصرانياً له - كاتب يكتب ما يمليه عليه ويأمره به ليس من الخواص ولا من المستشارين وإنما كاتب - ومع ذلك كتب له ولامه في ذلك الفاروق، فراجعه أبو موسى الأشعري، فكتب له عمر رضي الله عنه كتاباً فيه كلمات معدودات قال: \" مات النصراني والسلام \" اعتبر أنه مات، وهل ستتعطل مصالح الأمة لأجل رجل واحدº لأن التاريخ ينبئنا أن مثل هذا كان له أثر، ومن شاء فليقرأ وليرجع إلى مواطن الضعف العظيمة والانهيار الكبير الذي وقع في تاريخ المسلمين ليرى أن السبب الأكبر والأظهر في ذلك هو التسلل إلى البطانة التي تفسد وتضل.. نسأل الله - عز وجل - أن يقينا وأن يقي أمة الإسلام والمسلمين من ذلك.

 

والله - عز وجل - أيضاً يحذرنا تحذيراً خطيراً يجعل فيه من يدخل هذا الباب قريناً وشبيهاً بالمنافقين الذين يبطنون الكفر ويظهرون الإيمان {بشر المنافقين بأن لهم عذاباً أليما * الذين يتخذون الكافرين أولياء من دون المؤمنين أيبتغون عندهم العزة فإن العزة لله جميعاً} فعل المنافقين من فعله فهو مثلهم وهو مشابه لهم، وهو سائر في طريقهم.. نسأل الله - عز وجل - السلامة.

بل أمر أيسر من ذلك يحذرنا منه القرآنº لأن الأمور تبدأ كما يقولون:

أول الغيث قطر ثم ينهمر *** ومعظم النار من مستصغر الشرر

كل هذا يشتمل على منهج الوقاية.

 

استمع لقوله - عز وجل - {وَقَد نَزَّلَ عَلَيكُم فِي الكِتَابِ أَن إِذَا سَمِعتُم آيَاتِ اللّهِ يُكَفَرُ بِهَا وَيُستَهزَأُ بِهَا فَلاَ تَقعُدُوا مَعَهُم حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ, غَيرِهِ إِنَّكُم إِذاً مِّثلُهُم إِنَّ اللّهَ جَامِعُ المُنَافِقِينَ وَالكَافِرِينَ فِي جَهَنَّمَ جَمِيعاً}، وكم نسمع اليوم - والعياذ بالله - من يكفر ويستهزئ بآيات الله، ويستهزئ بالمعجزات القرآنية، ويستهزئ بشخص رسول الله - صلى الله عليه وسلم -.. وتجد بعض الناس يقول: وماذا في ذلك؟ لماذا نحجر على حرية الفكر.. ولماذا و لماذا؟ إلى آخر ما أشرنا إليه {فلا تقعدوا معهم} لأن هذا الاستماع يلقي في النفس ما يلقي، ولأن السكوت عن الإنكار في مثل هذا الموقف قد يدل على إقرار، ولأنه فتنة يقع بها الزيغ لصاحبها أو للآخرين من حوله {لا تقعدوا معهم إنكم إذن مثلهم} والقرآن ألفاظه صريحة واضحة لا تحتمل تأويلاً في مثل هذه المواقف الحاسمة والمعاني الفاصلة {إنكم إذن مثلهم إن الله جامع المنافقين والكافرين في جهنم جميعا}.

 

واستمع إلى النهي من بعد ذلك في آيات كثيرة نهي واضح ساطع بين {يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا الذين دينكم هزواً ولعبا من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم والكفار أولياء}، {يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا آبائكم وإخوانكم أولياء إن استحبوا الكفر على الإيمان}، {يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا عدوي وعدوكم أولياء تلقون إليهم بالمودة} ومن هنا قال من قال من أهل العلم: إن هذه المسألة ليس هناك مسألة بعد التوحيد وتحريم ضده فيها من الأدلة ما هو أكثر ولا أبين ولا أوضح من ذلك.

 

وهذا رسولنا - صلى الله عليه وسلم - يبين ويوضح ويعلم أصحابه رضوان الله عليهم كما روى النسائي بسند صحيح من حديث جرير بن عبد الله رضي الله عنه أنه قال للنبي - صلى الله عليه وسلم -: يا رسول الله جئت مسلم أبايعك فبايعني على ما تريد فإنك أعلم، فقال: (أبايعك على أن تعبد الله وتقيم الصلاة وتؤتي الزكاة و تناصح المسلمين وتفارق المشركين) تفارقهم معنوياً وحسياً، إن كانت المفارقة الحسية واجبة كأن يكون في بلد كفر وينبغي ويجب عليه أن يخرج إلى أهل الإيمان والإسلام إن لم يكن له نصرة في بلد الكفر وإن لم يكن قادراً على أداء العبادة والحفاظ على إيمانه.

 

وهذا أيضاً حديث النبي - صلى الله عليه وسلم - يقول: (كل مسلم على مسلم حرام أخوان نصيران لا يقبل الله من مشرك بعدما أسلم عملاً حتى يفارق المشركين إلى المسلمين) وانظر إلى منهج القرآن والإسلام وهو كما قلنا منهج وقائي يحذرنا من القليل لا تستمع إلى كلام الاستهزاء ولا تجلس إليه لا تمل بقلبك ولا محبته لا توافق في أدنى الأمور لأنه قد يكون لها ما بعدها

 

{يا أيها الذين آمنوا لا تقولوا راعنا وقولوا انظرنا واسمعوا و للكافرين عذاب أليم} نهي المسلمون على أن يوافقوا أهل الكفر في ألفاظ الكلمات حتى لا يكون ذلك مؤدياً إلى موافقة أخرى أجل أو أعظم وهذا هو التدرج المهم.

 

ومن ذلك أيضاً النهي عن التشبه فقد ورد عن النبي - صلى الله عليه وسلم -: (من تشبه بقوم فهو منهم) ووردت نصوص كثيرة في النهي عن التشبه بالكفار حتى في الصور و المظاهر لماذا؟ لأن الله - عز وجل - هو العالم بالخلق {ألا يعلم من خلق وهو اللطيف الخبير} إن الموافقة في شيء تلقي في النفس شيء من التوافق والتجانس وتبث في القلب شيئاً من الميل والمحبة، ثم تقود إلى غير ذلك قد توافق إنساناً في لباسه لماذا توافقه في لباسه؟ لأي شي توفقه فيه وتقلده فيه؟ أليس لاستحسانك له أو لمحبتك لذلك الشخص أو لاعتقادك أنه من يقتدي به أليست هذه معانٍ, نفسية قلبية تقع في النفس والقلب ويعظم أثرها من بعد ذلكº ومن هنا نهي عن التشبه ونهي أيضاً عن التقدير والتعظيم لأهل الكفر ونهي أيضاً عن الركون إليهم {ولا تركنوا إلى الذين كفروا فتمسكم النار} ونهي أيضاً عن التوسع في التعامل من غير حاجة في بعض جوانب الأمور إن كان هناك ما يغطي أو يقوم مقامها عند أهل الإسلام والمسلمين.

 

إن القضية قضية إيمان واعتقاد ومن هنا جاء منهج القرآن وهدي الرسول صلى الله عيه وسلم منبهاً ومحذراً ومانع من الأمور اليسيرة القليلة لئلا تؤدي منبهاً ومحذراً ومانع من الأمور اليسيرة القليلة لئلا تؤدي إلى الأمور الكثيرة العظيمة.. نسأل الله - عز وجل - أن يحفظ علينا إيماننا.

 

الخطبة الثانية:

أما بعد أيها الأخوة المؤمنون:

إن من أهم وأعظم أسباب تحصيل التقوى الولاء لله و البراء من أعداء الله - سبحانه وتعالى- وهذه المسألة باب من أبواب الوقاية لسلامة الإيمان والاعتقاد ينبغي أن لا يتساهل فيه الناس خاصة في مثل هذه الأعصر التي جاءت فيها أسباب كثيرة من الاتصال والتواصل و الامتزاج والتقارب لئن ذاب المسلمون فلم يتميزوا بإيمانهم ولم يكونوا مختلفين عن الآخرين باعتقادهمº فإن ذلك لا يجعل ثمة فرق بين الإيمان والإسلام الدين الكامل وبين ما عليه القوم من كتب محرفة و ديانات أدخلوا فيها ما ليس منها وكفر صريح دلت عليه نصوص القرآن والسنة.

 

ووقفة أخيرة في هذا الموضوع - وإن كان مثله جديراً بأن يطول الحديث عنه - وإنما نحن نذكر كل باب من كل باب ما هو مشير إلى مدلوله وإلى خطورته وإلى التحذير منه ونهج الإسلام في الوقاية منه:

ما هي أسباب هذا الولاء لأعداء الله؟

وبعض صوره نراها ونعرفها بعض صوره تصل إلى الكفر الصريح الواضح البين الذي لا شك فيه من يأخذ قوانين من الشرق أو الغرب من أهل الكفر ويراها أفضل أكمل وأشمل وأليق بالعصر من شريعة الله - عز وجل -، يقبل بقلبه ويطبقها على نفسه ويعممها على مجتمعه.. وذلك كفر صريح واضح، وهذه موالاة أخرجته من دين الإسلام إلى دين الكفر - والعياذ بالله - مادام بذلك راضياً وله معتقداً، وبه عاملاً، وإليه داعياً.. فأي شيء له من الإسلام بعد ذلك؟

 

ومثله صور أخرى قد تقل في مثل هذا من تعظيم وتوقير وظن وكلام يقوله بعض الناس: إن أردت الحياة فهي حياة أولئك القوم.. إن أردت أن تعرف كيف ينبغي أن تكون في هذه الدنيا فانظر إلى القوم.. كأنما يقول منهجهم وطريقتهم هي تلك الأمور!

 

وكذلك ما يفعله بعض الناس حتى في الصور التي أدخلت علينا في كثير من الجوانب.. فهذا يشجع لاعباً أو يشجع مصارعاً أو يشجع كذا فيدعو ويقول: \" اللهم انصر دينه \" وهو دين الكفر أو دين المجوسية - والعياذ بالله - ونحو ذلك مما هي صور مختلفة من هكذا وكذا سببها أمور كثيرة:

أولها: ضعف الإيمان واليقين

وهو سبب لكل انحراف وبلاء نسأل الله - عز وجل - السلامة.

 

والسبب الثاني - وقد يكون مقدماً عليه - هو: الجهل بالدين

عدم معرفة أن بين يدينا كتاب لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، وأن الله أكرمنا برسول هو - عليه الصلاة والسلام - خاتم الرسل والأنبياء وأكملهم وسيدهم - عليه الصلاة والسلام -، وأن الله رضي لنا هذا الدين وأكمله وجعله صالحاً لكل زمان ومكان إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها، فهذا الجهل وعدم المعرفة بالدين وعدم القراءة للقرآن عدم الفقه للسنة هو الذي جعل الناس يذهبون يمنة ويسرة، كأنه لا رابط له ولا منهج واضح عندهم.. وهذه هي من الأمور المشكلة.

 

السبب الثالث: المصالح

وما أدراك ما المصالح! فبعض الناس يربطهم بالقوم مصالح دنيوية وأموال وشهوات لأجلها يبيعون دينهم ويغيرون مبادئهم ويلغون تاريخهم، وينسلخون من أمتهم - والعياذ بالله - وهذا من أعظم الفتنة.. نسأل الله - عز وجل - السلامة.

 

والسبب الرابع: خلط في المفاهيم بين سماحة الإسلام وبين الدعوة إلى الله - عز وجل - وبين مسألة تأليف القلوب

جعل الله - عز وجل - من أموال زكاة المسلمين تنفق على بعض الكافرين لتأليف قلوبهم، وبين قضية الولاء و البراء، وأن منها حسن المعاملة وهي أصل من أصول الإسلام، ودعوة غير المسلمين مبدأ ومطلوب من كل مسلم، وتأليف القلوب غاية يحرص عليها الإسلام.. لكن ذلك كله ليس على حساب أن تحب أولئك القوم أو تناصرهم هذا أمر في الطريقة التعامل وفي طريقة الغاية التي تقصدها من هذا التعامل بالدعوة أو إظهار محاسن الإسلام، وفرق بين انسلاخ من الدين واتباع للكافرين وتعظيم لهم، وتقديس لهم وإظهار أنهم هم الذين يفقهون ويفهمون ويعرفون وهذه مسائل وأسباب وغيرها كثير..نسأل الله - عز وجل - أن يحفظ علينا إيماننا، وأن يزيد يقيننا، وأن يجعلنا بكتابه مستمسكين، وبسنة نبيه صلى الله عيه وسلم معتصمين.

 

 

 

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply