حقوق المرضى وآداب العيادة


 

بسم الله الرحمن الرحيم

 

الحمد لله المتوحد بالعظمة والجلال، والمتفرد بالبقاء والكمال، أحمده - سبحانه - وأشكره على جزيل الإنعام والإفضال، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، لا إله إلا هو الكبير المتعال. وأشهد أن سيدنا ونبينا محمد عبده ورسوله المنقذ بإذن ربه من الضلال، الداعي إلى كريم السجايا وشريف الخصال، صلى الله عليه وبارك عليه وعلى آله وصحبه خير صحب وآل، والتابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.. أما بعد أيها الأخوة المؤمنون: فلقد جاءت الشريعة الغراء ن بحفظ الحقوق، والحث على التواصل والتحابب، وأمرت بالقول الجميل، والصبر الجميل والصفح الجميل.. وفي بيان شيء من هذه الحقوق قال: \"حق المسلم على المسلم ست\"، قيل: وما هن يا رسول الله؟ قال: \"إذا لقيته فسلم عليه، وإذا دعاك فأجبه، وإذا استنصحك فانصح له، وإذا عطس فحمد الله فشمته، وإذا مرض فعده، وإذا مات فاتبعه \" رواه مسلم. ولقد كان من أدب السلف أنهم إذا فقدوا أحداً من إخوانهم سألوا عنه، فإن كان مسافراً دعوا له، وخلفوه في أهله بخير، وإن كان حاضراً زاروه، وإن كان مريضاً عادوه. وفي عيادة المريض - أيها الإخوة - حفظ لحقه، وتخفيف لألمه، وهو حبيس المرض وقعيد الفراش، وفي عيادة المريض فضل عظيم عند الله - تعالى -.. أخرج الإمام مسلم عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: \"إن المسلم إذا عاد المسلم لم يزل في خرفة الجنة حتى يرجع \" قيل: يا رسول الله وما خرفة الجنة؟، قال: \"جناها، أي ثمارها \". وقال - صلى الله عليه وسلم -: \"وما من مسلم يعود مسلما غدوة إلا صلى الله عليه سبعون ألف ملك حتى يمسي، وإن عاده عشية إلا صلى عليه سبعون ألف ملك حتى يصبح وكان له خريف من الجنة \" أخرجه الترمذي. وقال - صلى الله عليه وسلم -: \" من عاد مريضاً لم يزل يخوض في الرحمة حتى يجلس، فإذا جلس انغمس فيها \" رواه الإمام أحمد ورواته ثقات. وقال - صلى الله عليه وسلم -: \"من عاد مريضاً ناداه مناد من السماء: طِبتَ وطاب ممشاك، وتبوأت من الجنة منزلاً \". أخرجه الترمذي وحسنه. أيها الأحبة في الله: وكان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يعود من مرض من أصحابه، بل لم يكتف بزيارة مرضى المسلمين فإنه عاد غلاماً مريضاً من أهل الكتاب وعرض عليه الإسلام فأسلم، وعاد عمه وهو مشرك. ومن أدب الزيارة أن يقف عند رأسه ويضع يده على جبينه أو على مكان الألم ويقول: لا بأس طهور إن شاء الله، فقد كان نبيكم محمد - صلى الله عليه وسلم - يفعل ذلك. وينبغي أن يجتهد الزائر في الدعاء للمريض، عن ابن عباس - رضي الله عنهما - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: \"من عاد مريضاً لم يحضر أجله فقال عنده سبع مرات: أسأل الله العظيم رب العرش العظيم أن يشفيك، إلا عافاه الله من ذلك المرض \" رواه الترمذي وأبو دواد وهو صحيح. وكان يقول: \"اللهم رب الناس أذهب البأس أشف أنت الشافي لا شفاء إلا شفاؤك، شفاء لا يغادر سقماً \" متفق عليه. وينبغي على الزائر - أيها الإخوة الكرام - أن يحتسب خطواته إلى المريض في ميزانه يوم القيامة. اعتلَّ المسور بن مخرمة t فجاءه ابن عباس يعوده في نصف النهار مع اشتداد الشمس فقال المسور: يا أبا عباس لو وجدت ساعة أبردَ من هذه لا تشقّ على نفسك من أجلنا، فقال ابن عباس: إن أحب الساعات إلي أن أؤدي فيها الحق أشقها علي \" عيون الأخبار. وكتب أحدهم إلى صديق له عليك: نبئت أنك معتل فقلت لهم نفسي الفداء له من كل محذور يا ليت علته بي غـير أن له أجر العليل وأني غير مأجـور ومن آداب الزيارة: ألا يطيل الجلوس عند المريض، ولا يثقله بكثرة المساءلة، ولا يذكر أهله وأولاده إلا بخير، لأن في ذلك كله إثقالاً على المريض. دخل رجل على عمر بن عبد العزيز يعوده في مرضه، فسأله عن علته فأخبره، فقال الزائر: إن هذه العلة اشتدت على فلان، ومات منها فلان، فقال عمر: إذا عدت مريضاً فلا تنعَ إليه الموتى، وإذا خرجت عنا فلا تعد إلينا. وقال سفيان: حماقة العائد أشد على المرضى من أمراضهم، يجيئون من غير وقت، ويطيلون الجلوس. مع العلم - أيها الإخوة - أن طباع المرضى تختلف، وأعراضهم تتنوع، فقد يحب بعضهم تكرارَ الزيارة وجلوس الناس عنده، خاصة بعض أصدقائه و أصحابه فهذا لا بأس به وقد جعل الله لكل شيء قدراً. وهذه الأسقام والبلايا كفارات للذنوب ومواعظ للمؤمنين يرجعون بها عن كل شر كانوا عليه، قال الفضيل بن عياض: إنما جعلت العلل ليؤدب بها العباد. وإذا يئس العائد من حال المريض ذكره بالله ورغبه فيما عنده، وحسن ظنه بربه، ومن أحب لقاء الله أحب الله لقاءه.. ومن كان آخر كلامه من الدنيا: لا إله إلا الله دخل الجنة، ويذكره بكتابة الوصية فإنها لا تقرب الأجل، ولا تعجّل الموت وإنما تحفظ بها الحقوق، وتقضي الديون.. دخل ابن عباس - رضي الله عنهما - على شهيد المحراب عمر بن الخطاب لما طعن فلما رأى حاله أراد أن يحسن ظنه بربه - تعالى - يبشره بخير فقال: يا أمير المؤمنين، ولئن كان ذاك، لقد صحبت رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فأحسنت صحبته، ثم فارقته وهو عنك راض، ثم صحبت أبا بكر فأحسنت صحبته، ثم فارقته وهو عنك راض. رواه البخاري ألا فاتقوا الله أيها المسلمون و احفظوا لإخوانكم حقوقهم و ارحموا أقواماً حبسوا عن الجمعة والجماعات، والمجالس والمنتديات، سكنتهم أمراض ودوا لو فارقوها أو فارقتهم لزمتهم ملازمة الغريم، وجالستهم مجالسة الكلب لأصحاب الرقيم، حتى صار الموت لبعضهم من أعظم الأماني. كفى بك داء أن ترى الموت شافياً وحسب المنـايا أن يكـن أمانياً يلتفت أحدهم حوله فلا يرى من إخوانه مواسياً، ولا من خلانه مجالساً، دخلت بنفسي على أحدهم راقداً على سريره في المستشفى فسألته عن حاله وإخوانه وخلانه، بل عن أولاده وبناته، فإذا العين تدمع والفؤاد يتصدع ويقول: أبر أبنائي يسكن في الحي المجاور للمستشفى وما زارني منذ سنتين، ثم لما رأى دهشتي قال: لكنه يتصل هاتفياً في الأعياد. أي مشاغل.. تشغل أبناء عن آبائهم، وإخواناً عن عيادة إخوانهم، وأقارباً وصحاباً عن زيارة ذويهم. ووالله لو كان لأحدهم حاجة أو مطمع عند هذا المريض لزين له العبارات، وكرر الزيارات. مرض أحدهم فلما رأى قلة المواسين والعائدين مع اشتداد علته، قال لصديق زاره بعد حين، يا فلان قد ترى ما حل بي من شدة المرض، ولا أعلم أحداً أغلى إلى نفسي منك، وها أنا أموت ليس لي وارث، فإذا أنا مت فاعمد إلى هذه الزاوية فاحفرها واستخرج كنزاً ادخرته للحياة وها هو الموت يعاجلني قبل أن صرف منه درهماً. فلما سمع هذا الزائر ذلك ابتهج وهش وجعل يخرج ويجمع أصحابه ويذكرهم بزيارته ويتعاهده بالطعام واللباس، فلما مات اشترى له كفنا بثلاثمائة درهم و أحسن جهازه. ثم عاد إلى تلك الزاوية وحفرها، بل حفر داره كلها ولم يجد درهماً، فعرف مقصود صاحبه. اللهم اشف مرضانا، وارحم موتانا، واغفر لنا حوبنا. وخطايانا يا رب العالمين.. أقول قولي هذا واستغفر الله العظيم من كل ذنب، فاستغفــروه وتوبوا إنه هو الغفور الرحيم. الخطبة الثانية الحمد لله ربط بين المؤمنين برابطة الإيمان فكانوا إخوة متحابين، يشد بعضهم بعضاً كالمرصوص من البنيان، أحمده - سبحانه - وأشكره، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.. أما بعد: فاتقوا الله معاشر المسلمين، واعلموا أن زيارة المريض مستحبة ولو كان مغمى عليه، فقد زار النبي - صلى الله عليه وسلم - وأبو بكر جابر بن عبد الله ووجداه مغمى عليه، وفي مثل هذه الزيارة جبر الخاطر أهله مع ما يرجى من إجابة الدعاء. ومما يلاحظ كل عاقل متأمل: أنه لو مرض رجل من علية الناس و مرض ولده أو أخوه لرأيت الناس في المستشفى أفواجاً من كل فج عميق. وأما المسكين المتعفف فلا يكاد يزار. مرض عبد الله بن مصعب، فلما رأى قلة الزائرين كتب إلى بعضهم يعاتبه.. عيون الأخبار ما لي مرضت فلم يعدني عائد منكـم ويمرض كلبكم فأعود ومما ينبه إليه في هذا المقام أيها الأخوة الكرام أن بعض الناس يثقلون على أنفسهم فيحملون إلى المريض هدايا وغيرها، وقد يحملون أموراً من عادات غير أهل الإسلام وهذا تكلف ظاهر، ومجاملات ثقيلة، وتقليد أعمى، وقد يدفع من لا قدرة لهم إلى التقاعس عن الزيارة، وحاجة المريض إلى الدعاء والملاطفة أو إلى من هذه المحمولات. أما ما كان من كتاب نافع أو شريط مفيد أو كان صدقة لفقير، أو مساعدة لمحتاج فهذا له شأن آخر. اللهم العافية لنا وللمسلمين في الدنيا والآخرة.. اللهم نسألك العفو والعافية في ديننا ودنيانا.. اللهم استر عوراتنا وأمن روعاتنا.. اللهم احفظنا من بين أ يدينا ومن خلفنا وعن أيماننا وعن شمائلنا، ونعوذ بعظمتك أن نغتال من تحتنا.. اللهم تب على التائبين، واقض الدين عن المدينين، واشف مرضانا ومرضى المسلمين.. اللهم أصلح أحوال المسلمين في كل مكان، الله أجمع كلمتهم وأصلح ذات بينهم اللهم وفق ولاة أمور المسلمين عامة، وولي امرنا خاصة لما تحبه وترضاه من الأقوال والأفعال يا رب العالمين.اللهم صل وسلم وبارك على عبدك ورسولك محمد وأرض الله عن جميع صحابته، ومن تبعهم إلى يوم الدين، عباد الله إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء.

 

 

 

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply