التقصير في تربية الأولاد مظاهره ، علاجه


 

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله العلي العظيم الحليم الكريم، الغفور الرحيم، الحمد لله رب العالمين، الرحمن الرحيم، مالك يوم الدين، أظهر خلق الإنسان من سلالة من طين ثم جعله نطفة في قرار مكين ثم أنشأه خلقاً آخر فتبارك الله أحسن الخالقين. فسبحان من تفرد بملك السماوات والأرض يخلق ما يشاء(يهب لمن يشاء إناثاً ويهب لمن يشاء الذكور) وتبارك العلي العظيم الحليم الكريم (هو الذي يصوركم في الأرحام كيف يشاء لا إله إلا هو العزيز الحكيم) وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له واشهد أن محمدا عبده ورسوله. أما بعد أيها الأخوة الكرام: فالأولاد أمانة في أعناق الوالدين، وهما مسئولان عنهم يوم القيامة \" كلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته\" وينشأ الأولاد على ما يعودهم آباؤهم من أخلاق حسنة أو قبيحة. قال ابن القيم - رحمه الله - \" وكم ممن أشقى ولده وفلذة كبده في الدنيا والآخرة بإهماله، وترك تأديبه، وإعانته على شهواته، ويزعم أنه يكرمه وقد أهانه، وأنه يرحمه وقد ظلمه، ففاته انتفاعه بولده، وفوت عليه حظه في الدنيا والآخرة، وإذا اعتبرت الفساد في الأولاد، رأيت لما فيه من قبل الآباء \" (التحفة 146).

ولقد تظاهرت النصوص الشرعية من الكتاب والسنة آمرة بالإحسان إلى الأولاد وحفظ الأمانة منهم. قال - تعالى -: (يا أيها الذين آمنوا قوا أنفسكم وأهليكم ناراً) وقال: (يا أيها الذين آمنوا لا تخونوا الله والرسول وتخونوا أماناتكم).. وقال - صلى الله عليه وسلم -: (كفى بالمرء إثماً أن يضيع من يعول).

 

أيها المسلمون: والتقصير في تربية الأولاد له مظاهر عديدة، فمن أول المظاهر:

- تنشئة الأولاد على الجبن والخوف، فمن الملاحظ أن الطفل إذا بكى أو أراد شيئاً خوفته أمه أو أبوه من الحرامي، أوالعفريت أو الجن.. أو تهديده بالأستاذ، أو الطبيب، ليسكت عن بكائه فينشأ الطفل جبانا يفرق من ظله. ومن أشد ما يغرس الخوف في نفس الطفل أن نجزع إذا وقع على الأرض، أو سال الدم من وجهه أو يده أو ركبته. فبدلاً من أن تبتسم الأم وتهدئ من روعه وتشعره أن الأمر هين فإن بعض النساء تظهر الجزع والهلع أمامه، وهذا خطأ.

- ومن الأخطاء في تربية الأولاد: تربيتهم على سلاطة اللسان وسرعة الرد على الآخرين وتسمية ذلك شجاعة، وهذا خلل. إذ الأصل أن يربى الطفل على مقابلة السيئة بالحسنة والترفع عن الرد على الكلام البذيء.

- بسط الترف والنعيم والبذخ، وهذا يؤدي بالولد إلى الميوعة والفوضى. فتجد الابن يطلب من أبيه ريالاً لغرض معين يحتاجه فيعطيه أبوه الخمسين دفعة واحدة. ومن ذلك إعطاء الأطفال الصغار ما يريدون إذا بكوا بحضرة الوالد وهذا خطأ. ومن إترافهم شراء السيارات لهم وهم صغار، إما لأن الابن ألح على والده، أو لأن الوالد يريد التخلص من كثرة طلبات المنزل. وقد جعلنا الله - تعالى - أمة وسطاً. ولا تك فيها مفرطاً أو مفرطا كلا طرفي قصد الأمور ذميم نعم من الأخطاء أن يفرط في إغداق المال على الأولاد.

- كذلك من الخطأ التقتير عليهم فيلجأ الولد للبحث عن المال بما يرجع عليه بالضرر. ولا شك أيها المسلمون - أن العبد مأجور على ما ينفقـه على أولاده. وقد قال - صلى الله عليه وسلم -: \"درهم تنفقه على عيالك، ودينار تنفقه على مسكين، ودرهم تنفقه في سبيل الله.. \" قال بشر الحافي وكان زاهداً عزباً منشغلاً بالعبادة، قال للإمام أحمد: نِعم أنتَ يا إمام لولا أنك ذو أولاد يعني فتنشغل بطلب المعيشة لهم عن العبادة فقال الإمام أحمد: والله لبكاء ولدي بين يدي يريد كسرة خبز أحب إلى الله - تعالى - من عبادتك سنة كاملة. ونُشر قبل أيام تقريرٌ عن ارتفاع نسبة قتل الأطفال وتعذيبهم في أمريكا وذُكر أن من الأسباب استثقال الآباء صرف المال على هؤلاء الأطفال الذين يذهبون ويتركونهم بعد البلوغ مباشرة. فتجد الأب يربي ولداً وولدين وثالثهم كلبهم. ويكون الكلب أغلى عنده منهم.

- ومن الأخطاء في تربية الأولاد: حرمانهم من العطف والشفقة والحنان، أو الشدة والقسوة عليهم أكثر من اللازم. فتجد بعض الآباء يضرب أولاده ضرباً مبرحاً عند أول خطأ، أو تجده لا يلاطفهم ويمازحهم، أو يتعصب لرأيه دائماً ولا يتنازل عنه لأجلهم خاصة إن كانوا مراهقين، أو كباراً. دخل الأقــرع بن حابس - رضي الله عنه - على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فوجده يقبل الحسن أو الحسين فصاح قائلاً: تقبلون صبيانكم!! والله إن لي عشرة من الولد ما قبلت واحداً منهم. فقال - صلى الله عليه وسلم -: (أَوَ أملك لك أن نزع الله الرحمة من قلبك؟!) ومع أن القسوة والشدة أكثر من اللازم هي من الأخطاء كذلك اللين الدائم والحلم والتجاوز مكروه وخطأ، لأنه يُسقِط هيبة الوالد وشخصيته. إذا قيل حلم قل فللحلم موضع وحلم الفتى في غير موضعه جهل فكن حليما لكن لك غضبةٌ يتّقونها.

ولا خير في حلم إذا لم يكن له   غَضُوب يراعي صفوه أن يكدرا

- ومن الأخطاء أيضاً، المبالغة في إحسان الظن بالأولاد. فتجد بعض الآباء لشدة إحسانه الظن بأولاده لا يسأل عنهم ولا يتفقد أحوالهم. ولا يعرف شيئاً عن أصحابهم. بل لو قال له قائل: إن ولدك فعل كذا وكذا من المنكرات كالتدخين أو غيره لما صدّق بل وقد يتهم هذا الناصح بالتهويل والمبالغة أو التدخل فيما لا يعنيه. وضد ذلك أيضاً المبالغة في إساءة الظن بهم. فتجد بعض الآباء يتهم بناته وأولاده. ويشعرهم أن يراقبهم في كل صغيرة وكبيرة، ولو تأخر الولد قليلاً اتهمه بالذهاب لمكان مشبوه أو أنه تخاصم مع أصحابه. فعلى الأب أن ينزل الأمور منازلها. فإذا وجدت قرينة تدعوك إلى إساءة الظن كأن تشم منه رائحة الدخان، أو تأتيه في الهاتف اتصالات مريبة، أو له اهتمامات دنيئة، فعندها تؤدبه بحسب ذلك.

- ومن الأخطاء في تربية الأولاد: احتقار الأولاد وقلة تشجيعهم ومن ذلك: إسكاتهم إذا تكلموا أو السخرية بما يقولون. مما يجعل الولد عديم الثقة بنفسه، بل عود ولدك على أن يتكلم معك، اسأله عن مدرسته، أسأله عن زملائه. في السيارة أطلب منه أن يسمعك سورة من القرآن، أو يسمعك أنشودة حفظها في المدرسة. ومن احتقار الأولاد: التشنيع على الأولاد إذا أخطؤوا ومن ذلك: أن بعض الآباء إذا وقع ولده في خطأ حفظه عليه ولم ينسه أبداً ويذكره به دائماً، فلو سرق الولد مرة ناداه باسم السارق، ولو كذب عليه مرة لم يزل يكرر عليه أنه كذاب. فالأب العاقل بل الرجل الشهم الكريم هو الذي لا يتتبع زلات الناس وأخطاءهم، فيكون كالذباب الذي لا يقع إلا على القبائح، بل عليه أن يتغافل، وكذلك المدرس وكذلك الرئيس في العمل.

ليس الغبي بسيد في قومه *** لكن سيد قومه المتغابي

بل إذا علمت أن ولدك يعمل شيئاً معيناً كالتدخين مثلاً لكنه يتخفي عنك، فلا تواجهه به مباشرة وإنما أرسل له من ينصحه أو انصحه بأسلوب غير مباشر، بحيث يظن أنك لم تعلم بما يقع فيه، وذلك حتى لا تهتك حجاب الحياء بينك وبينه.

أسأل الله - تعالى - أن يصلح نياتنا وذرياتنا. أقول ما تسمعون وأستغفر الله - تعالى - لي ولكم ولسائر المسلمين فاستغفروه وتوبوا إليه إنه هو الغفور الرحيم.

 

الخطبة الثانية:

الحمد لله الكبير المتعال، أحمده وأشكره فهو مستحق الحمد، والشكر واجب له على كل حال، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، صلى الله وسلم عليه وعلى آله وصحبه ومن سلك سبيله إلى يوم الدين. أما بعد أيها الأخوة الكرام:

- ومن الأخطاء في تربية الأولاد والتعامل معهم: تربية الأولاد على عدم تحمل المسئولية. فالأب هو الذي يسدد الفواتير، وهو الذي يشتري المواد الغذائية للمنزل، وهو الذي يصلح أعطال السيارة، ويذهب بالمريض إلى المستشفى و… إلى غير ذلك. مع أن بالإمكان الاعتماد على الولد في كثير من ذلك:

أولاً: ليشعر بقيمته ورجولته.

وثانياً: أنك إن لم تشغله بهذه الأمور انشغل بغيرها من المنكرات أو نحوها. وعلى الأب أيها الأخوة الكرام: أن يراعي المراحل التي مر بها ولده.

فلا يعامل ولده معاملة واحدة منذ أن كان في مهد الطفولة حتى يتخرج من الجامعة، بل يعامله في كل مرحلة بما يصلح له. ويترتب على هذه المراحل: تقدير العقاب الذي يصلح للولد إذا أخطأ. فالضرب مثلاً يصلح مع الصغير ويؤدبه، وقد يؤدب أحياناً بمجرد رفع الصوت عليه ونهره وتهديده. أما المراهق فمن أكثر ما يؤدبه الكلام العاطفي. كان تقول له الأم أو الأب: يا ولدي أنت قد كبرت، أو أنا قد كبرت سني وأريدك أن تكون رجلاً لأزوجك وأرى أولادك قبل أن أموت. ونحو ذلك. أما الكبير فقد يفيد معه الهجر أحياناً والزعل عليه. وقد بقي للموضوع زيادة بيان وتوضيح نكملها في الخطبة القادمة إن شاء الله - تعالى -.

أسأل الله - تعالى - أن يصلح نياتنا وذرياتنا. ربنا هب لنا من أزواجنا وذرياتنا قرة أعين واجعلنا للمتقين إماماً. اللهم أصلح أنفسنا ونساءنا وأولادنا وبناتنا. اللهم أصلح شباب المسلمين، وانفع بهم البلاد والعباد والدين، اللهم صل وسلم على عبدك ورسولك محمد، وارض اللهم عن جميع صحابته ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.عباد الله إن الله يأمر بالعدل والإحسان.

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply