سبل إشاعة الاحترام


بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:

 

 شيوع الاحترام المتبادل بين الناس مطلب من أهم مطالب الحياة الإسلامية الراقية، وهو مظهر من مظاهر التقدم الحضاري الحقيقي، وذلك لأن الناس كلما درجوا في طريق التحضر تحسن مستوى إحساس بعضهم ببعض، وصاروا في الوقت نفسه يتوقعون من غيرهم أن يعاملوهم بتقدير ولطف أكبر. 

شيوع الاحترام يعني نوعا من الارتقاء في العلاقات، لأنه لا يسود في بيئة إلا بعد أن يتجاوز الناس العديد من مظاهر الجفاء والتجاهل والفوضى، والحقيقة أن لدينا في هذه المسألة ثلاث محاور: احترام الذات واحترام الآخرين وتربية الأبناء على احترام أنفسهم، ولعلي أدلى حول كل واحدة ببعض الملاحظات عبر الحروف الصغيرة التالية: 

1 - من المهم أن يحترم الإنسان نفسه، ويقدرها قدرها، لأن ذلك يساعده على الارتقاء بها، كما يساعده في التنزه عن السفاسف، وما يشكل جرحا للمروءة، أو خللا بالآداب الرفيعة، إن القرآن الكريم يحثنا على تزكية نفوسنا وتطهيرها، ويمتدح النفس اللوامة التي تملك ما يكفي من الحيوية واليقظة لمراجعة الأخطاء، كما أنه يحثنا على الابتعاد عن مديح النفس وإطرائها خشية الوقوع في الكبر والغرور، ولا يتنافى مع هذا وذاك أن يعرف الإنسان قدر نفسه، وأن يكون بصيرا بمزاياها ونقاط تفوقها، لأن هذا من الوعي الذاتي المطلوب والممدوح، إنه لشيء جيد أن ينقد الإنسان ذاته وأن يعرف سلبياته ونقاط ضعفه، لكن لا بد من الحذر من أن يتحول النقد إلى جلد للذات وإلحاق للتهم والعيوب وتكريس للاحتقار واليأس، إن الله - سبحانه - قد شرع التوبة، وجعل بابها مفتوحا على مصراعيه على امتداد الزمان والحياة حتى نغسل نفوسنا وقلوبنا من آثار المعاصي، ونطوي الملفات القديمة بكل تداعياتها السيئة، احترام الذات يعني شعور الإنسان بقدره وكرامته وشعوره بقدرته على عمل الأشياء التي يعملها أقرانه، وهو شعور بالكفاءة والجدارة والقدرة على المبادرة والقدرة على الممانعة والإحجام عن الأعمال التي يحجم عنها الأشخاص المحترمون، والتنزه عما لا يليق شرعا وعرفا وذوقا، إن كثيرا من المسلمين يعانون اليوم من اليأس والإحباط والشعور بانسداد الآفاق لأسباب عديدة، منها ما هو حقيقي، ومنها ما هو وهمي ومفتعل، ومع اليأس لا يكون هناك احترام للذات، ولا احترام للآخرين، وإنما يسود نوع من السأم الوجودي ونوع من الشك في كل شيء، ولهذا فإن احترام الذات يرتكز على التفاؤل والشعور بالتأنق الروحي، كما يرتكز على الشعور بالراحة والأريحية وعلينا أن نعمق هذه المعاني في النفوس والسلوك، ومن المهم القول: إن الافتقار إلى احترام النفس وتقديرها هو أصل كثير من الأمراض الشخصية والاجتماعية، ومن المهم أيضا القول إن احترامنا لأنفسنا ليس شيئا نرثه عن الآباء والأجداد ولا شيئا مبرمجا في التراث الجيني لبعض الناس دون بعض، وإنما هو شيء يتراكم في النفس عبر الإنجازات التي نسجلها وعبر الانتصارات المتتالية على الأهواء والشهوات والنزوات، احترام الذات شيء يولد من عمق الاستقامة على أمر الله - تعالى -ومن عمق التسامي على التوافه والمواقف المخجلة.

 

2 - أما احترامنا للآخرين، فإنه ينطوي في الحقيقة على درجة عالية جدا من الأهمية، حيث إن من أسس الفضيلة الراسخة البحث عن صيغ لطيفة مهذبة في مخاطبة الناس، ومعاملتهم على النحو الذي يشعرهم بالكرامة والنبل ونحن على المستوى النظري - على الأقل - متفقون على هذا، لكن الواقع العملي يشهد مفارقات كثيرة، والذي يحدث هو أن بعض الناس يعيشون في ظروف مأساوية بسبب النشأة في بيئة محطمة، وبعضهم فرض عليه المجتمع الكبير ذلك، كما حدث للسود حين جيء بهم من أفريقيا إلى أمريكا، وتلك الظروف تغمسهم في الذلة والمهانة غمسا، وتجعلهم ينظرون نظرة احتقار إلى أنفسهم ونظرة حقد نحود الآخرين، ويقابلهم المجتمع بنظرة مماثلة، وهنا يصبح الحديث عن الاحترام نوعا من السفسطة الخالية من أي مضمون، إن القرآن الكريم وجهنا إلى أن يكون أساس التفاضل والذي يقوم عليه بالتالي الاحترام هو التقوى: {إن أكرمكم عند الله أتقاكم} [الحجرات: 13] وذلك حتى لا نحكم المعايير العنصرية في نظرنا إلى بعضنا، وحتى نجد مخرجا من الحلقة المعيبة التي قد نجد أنفسنا ندور في داخلها، لنعامل الناس بنفس المستوى من الاحترام الذي نحب أن يعاملونا به، ولنعاملهم إلى جانب ذلك ليس على أساس ما هم فيه من أحوال وأوضاع ولكن على أساس ما نحب أن يكونوا عليه، أي لنتخذ من مبدأ المعاملة باحترام أداة للارتقاء بأنفسنا والارتقاء بإخواننا ومعارفنا وأبناء مجتمعنا، وهذه النقطة تشكل فاصلا بين الناس الذين صار احترام النفس البشرية جزءا من تكوينهم الشعوري العميق وبين الذين يتصنعون ذلك، كما يفعل بعض السوقة ومندوبي المبيعات!

 

3 - إذا أردنا للطفل أن ينظر إلى نفسه باحترام، وأردنا له أيضا أن يعاملنا ويعامل الناس باحترام، فإن هناك طريقا واحدا لذلك، هو أن نعامله نحن باحترام، ومعاملة الطفل باحترام تتطلب عددا من الأمور، منها:

-       استخدام الألفاظ المهذبة التي تعبر عن التعاطف والتقدير.

-       التقليل من الصراخ ورفع الصوت والتهديد والتحذير إلى أدنى حد ممكن.

-       الابتعاد عن الاستهزاء والنبز بالألقاب والاستخفاف بكل أشكاله.

-       عدم تذكير الطفل بأخطائه السابقة والتعامل معه على أساس قدرته على السمو والارتقاء.

-       تشجيعه على فعل الخير والنجاح وتقدير محاولاته بغض النظر عن النتائج.

-       البعد عن المقارنات السيئة التي تستهدف إشعاره بالدونية.

 

إن تدعيم النزعة الإنسانية لدينا يشكل مطلبا مهما للحيلولة دون الانزلاق نحو الهمجية والانحطاط حين تحل الظروف الصعبة وتنتشر الأنانية، وتستنفد طاقة التحمل والتجمل.

 

وصلى الله وسلم على نبينا محمد والحمد لله رب العالمين

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply