بسم الله الرحمن الرحيم
على نبينا محمد المصطفى المختار وعلى آله وصحابته الأطهار، أما بعد..سلام الله - تعالى -ورحمته وبركاته عليكم..
للإنسان أيا كان جنسه أو لونه رغبة شديدة في نيلِ السّعادة والعيش في أكنافها، ومِن المعلوم جَزمًا أنّ السعادة لا تُدرك بالمنصِب والجاه، ولا تُنال بالشّهوات ومُتَع الحياة، ولا بِجمال المظهَر ورقيق اللّباس، نعم.. لا تُنال السّعادة إلا بلباسِ التّقوى ورِداء الخُلُق الحسن، وما من أمّة نهضت وحضارة ازدَهرت إلا بفضل الله ثم بفضل أبنائِها الذين ملكوا نفوسًا قويّة وعزائمَ مضّاءة وهِممًا عالية وأخلاقًا زاكية وسِيَرًا فاضلة، وما سُمع عن أمة من الأمم في يوم من الأيام أنها سعُدت بكثرةِ أموالها وجمَال بنيانها.. أبدا، إنما كانت سعادتها وعزها في رجالها الذين تثقّفت عقولهم وحسُنت أخلاقهم وصحّت عقائدُهم واستقامت تربيّتهم واستنارت بصائرُهم، فكانوا بحق رجالَ الأخلاقِ والقوّة ومصدرَ العزّة والكرامة للأمة..
أيها الأحبة الكرام:
الأخلاق حُلَّة تقصُر دونها الحُلَل، وسِتر لا يُغني عنه سِتر، وهل افترق الإنسان عن حيوان الغابِ وسِباع الدواب إلا بالأخلاق؟! نعم.. تلك هي الأخلاقُ التي تمتزِج بتصرّفات الإنسان كلِّها، في سلوكه جميعِه وأحواله كلِّها، في جدِّه وهزلهِ، في فرَحه وحزنِه، في خطئِه وصوابِه، في سفره وحضره، في سَخَطه ورضاه، والإيمان والتقوى والصلاحُ والأخلاق عناصرُ متلازمةٌ متماسِكة لا يمكِن الفصل بينها، ولذلك فلا يتمارى اثنان ولا يتجادل عاقلان في كيفية هذا التلازم والتلاحُم بين السّلوك والأخلاق من جهة والاعتقاد والإيمَان والتقوى من جهة أخرى، لمه؟ لأن السّلوك الظّاهر مرتبطٌ بالاعتقاد الباطِن، والانحراف الواقع في السّلوك والأخلاق ناشئٌ عن نقصٍ, وخلل في الإيمان والباطن، وكثيرا ما يرد في الكتاب والسنة الجمع بين تقوى الله - عز وجل - والإيمان وبين السلوك حسن الخلق، فتقوى الله والإيمان شجرة وحسن الخلق ثمرة، وهما أساس وهو بناء، وهما سر وهو علانية، وحيث انتفى حسن الخلق انتفت التقوى ونقص الإيمان، يقول شيخ الإسلام ابن تيميّة - رحمه الله - مقررا هذا المبدأ \" إذا نقصَت الأعمال الظاهرةُ والباطنة كان ذلك لنقصِ ما في القلب من الإيمان، فلا يُتصوَّر مع كمال الإيمانِ الواجبِ الذي في القلب أن تُعدَم الأعمال الظاهرة الواجبة، بل يلزم من وجودِ هذا كاملاً وجودُ هذا كاملاً، كما يلزم من نقصِ هذا نقصُ هذا \" وقال - رحمه الله - \" فما يظهَر على البدنِ من الأقوالِ والأعمالِ هو موجَب ما في القلبِ ولازمُه \" وكثيرا ما يذكر الله - تعالى -المتقين في كتابه فيصفهم بأحسن الأخلاق وأنهم أهل البر والإحسان، ويبرئ ساحتهم من النفاق وسيء الأخلاق، وكان كثيراً ما يجمع بينهما في وصاياه وهاهو يوصى معاذاً - رضي الله عنه - فيقول: (اعبد الله ولا تشرك به شيئا) قال: زدني يا رسول الله، قال: (استقم ولتحسّن خلقك) وقال لأبي ذر: (أوصيك بتقوى الله في سرك وعلانيتك، وإذا أسأت فأحسن) وسئل ما أكثر ما يدخل الناس الجنة؟ قال: (تقوى الله وحسن الخلق) وقال لأبي ذر: (اتق الله حيثما كنت واتبع السيئة الحسنة تمحها، وخالق الناس بخلق حسن)، وسئل عن أكرم الناس فقال: (أتقاهم للرب وأوصلهم للرحم وآمرُهم بالمعروف، وأنهاهم عن المنكر)، وقال: (أحسنُ الناسِ إسلامًا وإيمانًا أحسنُهم خلقًا).
أيها الأخوة الكرام.. أيتها الأخوات العفيفات..
وإذا تأملنا في عبادات الإسلام الكبرى وأركانه العظمى، عجبنا من تلك الأواصِر العظيمة التي تجمع الخلُق والدّين والعبادةِ والأدب، فالصّلاة مثلا تنهى عن الفحشاءِ والمنكر، والزّكاة صدقةٌ تطهِّر المسلمَ وتزكّيه وفي الصيام: (من لم يدع قولَ الزور والعمل به والجهلَ فليس لله حاجةٌ في أن يدَع طعامه وشرابَه)، والحجّ أشهر معلومات: {فَمَن فَرَضَ فِيهِنَّ الحَجَّ فَلا رَفَثَ وَلا فُسُوقَ وَلا جِدَالَ فِي الحَجِّ} وفي حق الجار: (والله لا يؤمن، والله لا يؤمن، والله لا يؤمن مَن لا يأمَن جاره بوائقَه) (ومَن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرِم ضيفَه، ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقُل خيرًا أو ليصمت) (والحياء شعبة من الإيمان).
وأخيرا..
إذا لم يكن لك من عبادتِك ما يزكّي قلبك ويطهِّر نفسَك ويهذّب سلوكك ويُحسِّن خلقك وينظّم صلتَك بالله وبالنّاس فلتحاسِب نفسَك حتى لا تكونَ من المفلسين، ولتتعرف على أخلاقك بالنّظر في أحولك، في غضبِك وإذا خلوت وإذا احتاجت وإذا استغنيت وإذا قَدُرَت وإذا عجزت، حتى تأخذ من الأخلاق أحسنها، وتلتمس أكرمها، فتنال فضلها وخيرها، وإلى أن ألتقي بك في حلقة قادمة وموعدٍ, قريب ولقاء ماتع جديد، استودع الله دينك وأمانتَك وخواتيم أعمالِك وسلام الله - تعالى -ورحمته وبركاته عليكم.
أضف تعليق
هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها
تم الإرسال
ستتم إضافة التعليق بعد معاينته من قبل فريق عمل مداد