السحر في ثوبه الجديد


 

 

بسم الله الرحمن الرحيم

الخطبة الأولى:

الحمد لله ربّ الأرباب، ومسبب الأسباب، وخالق الناس من تراب، نشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيئ قدير، ونشهد أن محمداً عبده ورسوله، الصادق المتوكل الأواب، صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه وأتباعه إلى يوم المآب، أما بعد:

(يَا أَيٌّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللّهَ وَابتَغُوا إِلَيهِ الوَسِيلَةَ وَجَاهِدُوا فِي سَبِيلِهِ لَعَلَّكُم تُفلِحُونَ) [المائدة: 35]. يا مؤمنون: تقوى الله جُنَّة من النار، وسبب لدار القرار. يا مؤمنون اسلكوا رحمكم الله مسالك الأبرار، واحذروا مسالك الأشرار والفجار، واعلموا أن صلاح الجسد مرتبط بصحة وصلاح المعتقد. فمن قوي ارتباطه بالله - تعالى -قوي التوكل عليه والإنابة إليه وتفويض الأمور إليه - سبحانه - وبحمده. أما حين يضعف الإيمان ويختل ميزان الإعتقاد فحينئذٍ, تختلط العقائد والحقائق بالخرافة والخزعبلات والأوهام، ويفشوا الدجل والشعوذة والكهّان. وهاهي صحفنا المحلية وأخبارنا اليومية تكشف كل وقت وحين أوكاراً للسحرة والمشعوذين. ومع سرورنا وغبطتنا بيقظة رجال الأمن والمحتسبين، وحرص ولاة أمرنا على القضاء على الدجالين والسحرة والمشعوذين، إلا أننا نأسى مئات المرات، ونتساءل مالذي جعل حثالة الناس وكفرة الناس وأشرار الناس يتكاثرون وينتشرون، بل وفي القنوات الفضائية يجاهرون ويعلمون؟

 

ياللحسرة والشنار والعار! من أرض العقيدة والنقاء والرسالة أناس يتصلون ويبثون همومهم ومشاكلهم على هؤلاء السحرة والدجالين! والغريب في الأمر أنه في كثير من مجالسنا باتوا يتناقلون أخبارهم على سبيل التعجب والانبهار.

 

يامؤمنون والله ما كان لسوق السحرة والدجل أن ينتشر إلا لضعف الإيمان وقلة الوعي، وضعف التوكل على الله، وقلة الناصح، واتكاء كثير من المسلمين من أهل هذه البلاد على ترداد صحة المعتقد وسلامة المنهج ووعي الناس.

 

يامؤمنون: نحن بحاجة ماسة إلى تجديد إيماننا وتقويته كما قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (جدِّدوا إيمانكم وقولوا لا إله إلا الله) صحيح الجامع.

 

لقد انتشر سوق السحرة والمشعوذين في البلاد العربية والأوربية وبلاد العالم حتى صار أمراً مخيفاً ففي فرنسا أكثر من ثلاثين ألف ساحر وساحرة، وفي ألمانيا أكثر من ثمانثين ألف مشعوذ وفي بلاد المغرب العربي وشرق آسيا حدِّث ولا كرامة.

 

عباد الله اعلموا يارعاكم الله أن السحر حقيقة موجودة وله تأثير في واقع الناس. وقد عرَّفه العلماء: أنه عُقد ورقى وكلامٌ يتكلم به أو يكتب أو يعمل شيئاً يؤثر في بدن المسحور، أو قلبه أو عقله من غير مباشرة له، فمنه - حفظنا الله وإياكم - ما يقتل، وما يُمرض، وما يأخذ الرجل عن امرأته، وما يفرّق بين المرء وزوجه، وما يُحبّب بينهما حباً مفرطاً. السحر - عباد الله- كفرٌ بالله - تعالى -، واتباع وعبادة للشياطين، ولذا جاءت شريعتنا الغراء بوجوب قتل الساحر وتحريم كسبه، وتحريم الذهاب إليه، وأنه من أكبر الكبائر، ومن الموبقات المهلكات، فالساحر لا يمكن أن يكون ساحراً حتى يكفر بالله ويعبد الشياطين (وَلَا يُفلِحُ السَّاحِرُ حَيثُ أَتَى) [طه: 69]، (هَل أُنَبِّئُكُم عَلَى مَن تَنَزَّلُ الشَّيَاطِينُ) [الشعراء: 221]. ويقول - تعالى -: (وَاتَّبَعُوا مَا تَتلُوا الشَّيَاطِينُ عَلَى مُلكِ سُلَيمَانَ وَمَا كَفَرَ سُلَيمَانُ وَلَـكِنَّ الشَّياطِينَ كَفَرُوا يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحرَ) [البقرة: 102].

ورسولنا - صلى الله عليه وسلم - قال: (من سحر فقد أشرك) سنن النسائي. وهذا نص أن الساحر مشرك، إذ لا يتأتى السحر بدون الشرك.

 

الساحر يامؤمنون: أفسد الناس طبعاً وأظلمهم قلباً وأكذب الناس وأدجلهم قولاً، في الحديث المتفق عليه أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال عن الشيطان: (...فيلقيها على لسان الساحر أو الكاهن فيكذب معها مائة كذبةٍ,... ).

 

عباد الله: السحرة نقمة على المجتمعات، وضررهم محض وظلمات، لا يمكن أن يكونوا صالحين ولا مصلحين، بل والله إنهم أحلوا في المسلمين الشرك، وزعزعوا عقائدهم وأفسدوا أديانهم، وشتتوابيوتهم، وفرقوا الأسر، وجلبوا الهموم وابتزوا الأموال وأكلوا أموال الناس ظلما وسُحتاً. وأعظم خطر وأشنعه أنهم أخرجوا الناس من النور إلى الظلمات، ومن الهدى إلى الضلالة، ومن الإبصار إلى العمى، فلعنة الله على السحرة والمشعوذين، وغضب الله عليهم (وَلَا يَحِيقُ المَكرُ السَّيِّئُ إِلَّا بِأَهلِهِ) [فاطر: 43].

 

 الخطبة الثانية:

عباد الله: حققوا الإيمان بالغيب، فالغيب لا يعلمه إلا الله - تعالى -لا ملك مقرب ولا نبي مرسل فضلاً عن ساحر كذاب، (قُل لَّا يَعلَمُ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرضِ الغَيبَ إِلَّا اللَّهُ وَمَا يَشعُرُونَ أَيَّانَ يُبعَثُونَ) [النمل: 65]

يامؤمنون: حققوا صفات المؤمنين الصادقين (والَّذِينَ يُؤمِنُونَ بِمَا أُنزِلَ إِلَيكَ وَمَا أُنزِلَ مِن قَبلِكَ وَبِالآخِرَةِ هُم يُوقِنُونَ (4) أُولَـئِكَ عَلَى هُدًى مِّن رَّبِّهِم وَأُولَـئِكَ هُمُ المُفلِحُونَ [البقرة: 5]

ولقي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - رجلاً يقال له ابن الصياد كاهن وساحر ويدعي النبوة فقال له رسول الله- صلى الله عليه وسلم -: إني قد خبأت لك خبيئة، فقال ابن الصياد: هو الدخ، يريد الدخان لكن شيطانه لم يتمكن من معرفة الدخان فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (إخسأ فلن تعدو قدرك) صحيح سنن أبي داود.

والمشكلة الكبرى عباد الله أن بعض المرضى والمحتاجين إلى العلاج يذهبون إلى السحرة بحجة عجزهم عن طبيب معالج، أو أن هؤلاء السحرة أسرع فرجاً، وأنفع في الدواء، ويسوقون قصصاً تنال إعجاب السامع، بل إن بعض المخدوعين باع دينه بتصديق السحرة والمشعوذين، وقام بزيارتهم والاتصال عليهم هاتفياً، وتعجبوا من علم الساحر وإخباره عن بعض خصائص المتصل وأوصافه الاجتماعية والمالية وغيرها، كما يوجد الآن

في قنوات وهذه فتنة عظيمة حذرنا رسولنا - صلى الله عليه وسلم - من الانسياق والذهاب إليها وتصديقها. فقال-  صلى الله عليه وسلم -: (من أتى كاهناً فصدقه بما يقول فقد كفر بما أنزل على محمد) صحيح الترغيب والرهيب.

 هذا جزاء من يصدقه، أما مجرد الإتيان والاتصال والسؤال فعقوبته كما قال - صلى الله عليه وسلم -: (من أتى كاهناً فسأله عن شيء لم تقبل له صلاة أربعين يوماً) صححه الألباني.

يامؤمنون: الأمر جد خطير، الأمر إيمان أو كفر، تصديق بما أنزل الله أو تكذيب. الأمر جنة أو نار. يامؤمنون: (حد الساحر ضربة بالسيف) صححه الألباني. وقال عمر - رضي الله عنه -: (اقتلوا كل ساحر أو ساحرة) وقتل ثلاث سواحر.

وفي الحديث عن عمران بن الحصين - رضي الله عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: (ليس منا من تطير أ تُطير له أو تكهن أو تُكهن له أو سُحر له) صحيح الجامع.

 

يا مؤمنون: تعاونوا على البر والتقوى، اكشفوا وافضحوا أوكار السحرة والمشعوذين وتقربوا إلى الله بذلك، اقطعوا كل اتصال بهم وحذروا الأقارب، وحصنوا أنفسكم وأهليكم بصحة المعتقد وسلامة المقصد. (قُل لَّن يُصِيبَنَا إِلاَّ مَا كَتَبَ اللّهُ لَنَا هُوَ مَولاَنَا وَعَلَى اللّهِ فَليَتَوَكَّلِ المُؤمِنُونَ) [التوبة: 51]. (قُل أَفَرَأَيتُم مَّا تَدعُونَ مِن دُونِ اللَّهِ إِن أَرَادَنِيَ اللَّهُ بِضُرٍّ, هَل هُنَّ كَاشِفَاتُ ضُرِّهِ أَو أَرَادَنِي بِرَحمَةٍ, هَل هُنَّ مُمسِكَاتُ رَحمَتِهِ قُل حَسبِيَ اللَّهُ عَلَيهِ يَتَوَكَّلُ المُتَوَكِّلُونَ) [الزمر:38]. (وَإِن يَمسَسكَ اللّهُ بِضُرٍّ, فَلاَ كَاشِفَ لَهُ إِلاَّ هُوَ وَإِن يُرِدكَ بِخَيرٍ, فَلاَ رَآدَّ لِفَضلِهِ يُصَيبُ بِهِ مَن يَشَاءُ مِن عِبَادِهِ وَهُوَ الغَفُورُ الرَّحِيمُ)[يونس: 107].

 

-------------------------------------------------

 

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply