بسم الله الرحمن الرحيم
الخطبة الأولى:
أما بعد: فقد ركزنا الكلام على أن الجانب الرئيسي في معنى الإسلام هو الاستسلام التام والانقياد الكامل لله وحده لا شريك له. وذلك لأن هذا الجانب هو روح هذا الدين الذي بدونه يبقى جسدًا بلا روح ولأن أكثر المسلمين اليوم قد ضعفت هذه الروح عندهم فأصبح الدين عندهم مجرد طقوس وعادات يؤدونها بدون همة وانفعال ولا تأثر وتأثير، وربما كانت هذه الروح قد ماتت عند بعضهم فإذا بالدين عند هذا البعض مجرد تراث وتاريخ يتعامل معه كما يتعامل مع مقتنيات المتاحف حتى المسلسلات التليفزيونية والبرامج الإعلامية التي سلسلوا بها الناس فأصبحت من الواجبات اليومية عندهم لا تقدم للناس دينهم إلا على أنه تاريخ وتراث ليس روحًا يصبغ الحياة بأكملها.
أما إذا قدموا الحياة وما يتعلق بها من مشكلات فإنهم يقدمونها من وجهة نظر التغريب والفرنجة، من وجهة نظر أهل التغريب والفرنجة أهل التخريب والتدمير، الدين عند الإعلاميين الهدامين هو مجرد تاريخ يقدمونه للناس أحيانًا كما يقدمون لهم تاريخ الهنود الحمر، كما يقدمون لهم تاريخ انقرض أو أوشك على الانقراض هذا هو الدين عندهم بينما الدين روح يصبغ الحياة بأجمعها يصبغ الحياة بأكملها من أجل هذا الجهل، من جراء هذا الجهل بالمعنى الحقيقي للإسلام استحكم التناقض في حياتنا نحن المسلمين اليوم.
فنحن ندعى والحمد لله أننا مسلمون وأننا مجتمع إسلامي ونرتاد المساجد ونصوم رمضان وربما شددنا رحالنا إلى بيت الله الحرام لكن جل شئون حياتنا يناقض ذلك، فهذا الربا مستحكم في حياتنا الاقتصادية وهذا الإعلام الهدام الفاسد المفسد الذي يشيع الفاحشة ويدعو إلى التغرب والفرنجة متفشٍ, في حياتنا الاجتماعية، مستحكم متسلط على حياتنا اليومية، وهذه النظم الاجتماعية بل وتلك القوانين الوضعية فرنسية كانت أو إنجليزية بل وربما رومانية كما هو الحال في بعض بلاد المسلمين يأبون تحكيم ما أنزل الله على رسوله ويحكمون القوانين الفرنسية الإنجليزية وغيرها من شرقية أو غربية ومع ذلك يدعون أنهم مسلمون وأنهم مجتمع مسلم بينما القرآن قال بأبلغ عبارة وأوضح تقرير: \"فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجًا مما قضيت ويسلموا تسليمًا \" [النساء: 65].
تأمل يا مسلم هذا التعبير القرآني الواضح البليغ: ويسلموا تسليمًا فالإيمان تسليم والإسلام استسلام، تسليم واستسلام لله رب العالمين وحده لا شريك له. أتريدون أن تخدعوا الله يا مسلمون تعاملونه بإسلام اسمي مجرد واجهة وعنوان بينما حقائقكم وحياتكم تناقض الإسلام. حقائقكم وشئون حياتكم تناقض الإسلام، لقد وصف الله - تعالى - هذا الدين بأوصاف وكان مما سماه سماه روحًا وسماه نورًا فقال - تعالى -: \"وكذلك أوحينا إليك روحًا من أمرنا ما كنت تدري ما الكتاب ولا الإيمان ولكن جعلناه نورًا نهدي به من نشاء من عبادنا وإنك لتهدي إلى صراط مستقيم \"[الشورى: 52].
الإسلام يا مسلمون نور يضئ القلوب والنفوس ويصبغ الحياة بصبغة الله الإسلام روح يسري في النفوس وفي القلوب فيصبغها بصبغة الله.
إذا سرت هذه الروح في نفس الإنسان وانبثق هذا النور في قلبه تغير كيانه كله تغيرت حياته كلها، حصل له تغيير فوري وانقلاب فوري فأما إذا لم يحدث هذا التغيير وهذا الانقلاب في حياته وفي كيانه فمعناه أن إسلامه وإيمانه بلا روح، جسد بلا روح.
كان العربي من أسلافكم فكم يسمع القرآن من النبي إذا سمع القرآن من فم النبي فأسلم وآمن ينطلق حالاً للعمل وللجهاد[1] وينطلق فورًا للعمل وللجهاد لا وقت هناك للتردد ولا للتباطؤ ولا الانتظار ولا التسويف أليس المرام هو الجنة، أليست الجنة هي المراد وهي المآب فما هو أقصر طريق إلى الجنة.
جاء أعرابي إلى النبي والنبي راكب ناقته فأمسك بزمام ناقته وقال: يا رسول الله دُلني على عمل يقربني من الجنة ويباعدني من النار فأعجب النبي قول ذلك الأعرابي والتفت إلى أصحابه وقال: ((لقد وُفِّق لقد وفِّق ثم قال أن تعبد الله وحده لا شريك له وتقيم الصلاة وتؤتي الزكاة وتصوم رمضان وتؤدي الخمس من المغنم وتصل الرحم، دع الناقة دع الناقة))[2].
هكذا كان اهتماماتهم - رضوان الله عليهم أجمعين - ما هو أقصر الطريق إلى الجنة؟ ما هو الذي يباعدهم عن النار ويقربهم إلى الجنة، إنهم يسألون عن أقصر طريق إلى الجنة فإذا عرفوه سلكوه بغير تردد ولا تسويف.
ذلك الصحابي الجليل - رضي الله عنه -[3] وهو واقف بين صفى الجهاد سمع سيدنا رسول الله وهو يقول: ((من قاتل في سبيل الله فقُتل مقبلاً غير مدبر دخل الجنة)) فألقى ذلك الصحابي تمرات كانت في يده وقال: إنها لحياة طويلة إن أنا عشت حتى آكل هذه التمرات ثم انطلق بين الصفين يقاتل مع المسلمين حتى قُتل شهيدًا - رحمه الله - رضي الله عنه وأرضاه.
إنها حياة طويلة أن يعيش حتى يأكل تلك التمرات فماذا نقول نحن المسلمين اليوم في وصف حياتنا ليتها كانت بضع تمرات أو أصغر من ذلك ولكنها دنيا بأجمعها بكلكلها بأحمرها وأصفرها وبهارجها وشهواتها وآفاتها ومصائبها هجمت على قلوبنا وجثمت على نفوسنا حتى نسينا الجنة لقد أصبح إسلامنا اليوم في نفوسنا وفي مجتمعاتنا جسدًا بلا روح لأنه إسلام اسمي مجرد واجهة وعنوان إسلام بلا استسلام وإيمان بلا تسليم.
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: \"إنما أمرت أن أعبد رب هذه البلدة الذي حرمها وله كل شيء وأمرت أن أكون من المسلمين وأن أتلو القرآن فمن اهتدى فإنما يهتدي لنفسه ومن ضل فقل إنما أنا من المنذرين \"[النمل: 91-92].
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية:
الحمد لله رب العالمين والعاقبة للمتقين وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له. وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله اللهم صل وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه أجمعين.
أما بعد: الإعلام الهدام بضاعة يهودية صهيونية، يصدرها اليهود إلى سائر أنحاء العالم وإلينا نحن المسلمين على وجه الخصوص ومما يزيد في خطورة هذه البضاعة الخبيثة مما يزيد في خطورتها أن لها وكلاء بيننا من أبناء جلدتنا ويتكلمون بألسنتنا وكلاء لهذه البضاعة اليهودية الخبيثة إنهم الطابور الخامس المندس في صفوفنا يبث سمومه في صفوفنا وفي قلوبنا وفي بيوتنا وفي أولادنا وفي مجتمعاتنا يدعونا إلى التغريب والحداثة والتحديث وهم في الحقيقة يدعونا إلى التخريب والتدمير مع أنهم ثلة قليلة ضئيلة، أقلية خبيثة تمارس التخريب والتدمير في مجتمعنا ونحن الأكثرية، نحن سائر الأمة واقفون نتفرج عليهم مكتوفي الأيدي لا نتحرك أبدًا ولو في سبيل الدفاع عن أنفسنا وبيوتنا وآدابنا وديننا ومعتقداتنا.
الإعلام الهدام غزانا على أكتاف هؤلاء. هذا الطابور الخامس والله لو كان عمر بن الخطاب بيننا لما رضي أبدًا ولا هدأ أبدًا حتى يقطع رؤوس هؤلاء ويقطع أيديهم وأرجلهم من خلاف، ويصلبهم أو ينفيهم في الأرض إنهم هم المفسدون في الأرض، المفسدون الحقيقيون.
الإعلام الهدام كيف يحارب إسلامكم في أنفسكم وفي مجتمعكم وفي أبنائكم وبناتكم يا مسلمون يا نائمون على فراشكم الوثير، فراش الغفلة.
خذوا مثلاً لذلك المرأة كيف يقدمها هذا الإعلام الهدام يقدمها في برامجه الخبيثة المدمرة سافرة متبرجة متزينة متكشفة مائلة مميلة مختلطة بالرجال أو مختلية بالرجل وربما تصارحه الحب والغرام وتتفنن أمامه بأسباب الفجور أما المسلسلات التليفزيونية التي نتلقى جرعاتها كل يوم فالمرأة فيها دائمًا متمردة متمردة على البيت متمردة على الآداب الإسلامية متمردة على الزوج متمردة على الأب سافرة متبرجة.
يا مسلم يا نائم أبناؤك وبناتك يرون هذه الصور كل يوم بشكل خلاب مؤثر فعّال فتغسل أدمغتهم وتلوث نفوسهم وتخرب عقولهم.
أبناؤكم وبناتكم يتلقون هذه الجرعات الإعلامية الهدامة كل يوم دعك من أساليب التدمير الخلقي الأخرى الإعلامية التي تفلتت من سائر الضوابط وهي أشد فتكًا وخطرًا وتدميرًا وتخريبًا وهي أشرطة الفيديو التي تفشت وانتشرت بيننا وفُتحت مراكزها ومحلاتها في أسواقنا تحت سمعنا وبصرنا جميعًا.
تلك مدرسة يهودية أخرى أشد خبثًا وفتكًا يتعلم الناس منها كبارًا وصغارًا ذكورًا وأناسا يتعلمون منها شرب المسكرات وتعاطي المخدرات ومقارفة الفواحش والشذوذ ويتعلمون منها فنون الجريمة التي ما كنا نعرفها ولا نعهدها قبل اليوم، مدرسة يهودية إعلامية مدمرة.
هذه وتلك مدارس يهودية صهيونية مدمرة قل لي بربك يا مسلم كيف سنربي أبناءنا وبناتنا على الآداب الإسلامية في هذا الجو الموبوء إعلاميًا في هذا الجو الملوث إعلاميًا. ماذا يبقى في نفوس نسائنا وبناتنا من معانٍ, لقوله - تعالى -: \" وقرن في بيوتكن أي لا تتمردن على بيوتكن: ولا تبرجن تبرج الجاهلية\" الأولى [الأحزاب: 33].
ماذا يبقى في نفوس أبنائنا وبناتنا ورجالنا ونسائنا من معانٍ, لقوله - تعالى -: \"قل للمؤمنين يغضوا من أبصارهم ويحفظوا فروجهم ذلك أزكى لهم إن الله خبير بما يصنعون وقل للمؤمنات يغضضن من أبصارهن ويحفظن فروجهن ولا يبدين زينتهن \"[النور: 30-31].
قل لي بربك يا مسلم يا نائماً على فراش الغفلة الوثير ماذا يبقى في نفوس ناشئتنا وأهلينا ونسائنا وشبابنا من معانٍ, لسيدنا وقائدنا ومعلمنا رسول الله: ((ما خلا رجل بامرأة إلا كان الشيطان ثالثهما))[1].
أو قوله: ((أيما امرأة استعطرت فمرت بقوم ليجدوا ريحها فهي زانية))[2] ولو كانت متحجبة فقط استعطرت فضلاً عن أن تتزين وتتبرج وتسفر عن سائر زينتها وفتنتها أمام الرجال: ((فمرت بقوم ليجدوا ريحها فهي زانية وكل عين زانية)) صدق الصادق المصدوق.
قل لي بربك يا مسلم ماذا يفعل أبناؤنا وبناتنا وهم حائرون بين هذه الآداب الإسلامية التي يتلقونها مني ومنك ومن المدرسة ومن حلقات العلم إن كانوا يرتادون تلك الحلقات وبين تلك الجرعات الإعلامية الهدامة المدمرة الفعالة المؤثرة التي يتلقونها كل يوم إنهم يعيشون في وسط هذا التناقض المريع ممزقين حائرين فأوقفوا هذا الوباء الإعلامي هذه الكوليرا الإعلامية الخطيرة، أوقفوها على كل مسلم ومسلمة أن يسعى في سبيل مكافحة هذه الكوليرا الإعلامية اليهودية الصهيونية المدمرة التي هجمت علينا وتفشت بيننا وانتشرت بين أبنائنا وبناتنا.
أوقف الهدم والتخريب أولاً حتى تتمكن من بنائك حتى تستطيع أن تبني بيتًا سليمًا ونشأً مستقيمًا ومجتمعًا إسلاميًا نقيًا.
أما بعد: فإن خير الكلام كلام الله وخير الهدي هدي محمد وشر الأمور محدثاتها وكل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار.
وعليكم أيها المسلمون بالجماعة فإن يد الله على الجماعة ومن شذ شذ في النار.
واعلموا أن الجماعة هي التمسك بالكتاب والسنة ولو كنت وحدك على ذلك.
يا ابن آدم أحبب ما شئت فإنك مفارقه واعمل ما شئت فإن ملاقيه وكن كما شئت فكما تدين تُدان.
ثم صلوا على خاتم النبيين وإمام المرسلين فقد أمركم الله بذلك في كتابه المبين فقال جل من قائل: إن الله وملائكته يصلون على النبي يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليمًا [الأحزاب: 56].
وقال: ((من صلى علىّ واحدة صلى الله عليه بها عشرًا))[3].
اللهم صل على محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد وبارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد.
وارض اللهم عن الأربعة الخلفاء الأئمة الحنفاء أبي بكر الصديق وعمر الفاروق وذي النورين عثمان وأبي السبطين علىَّ وعن آل بيت نبيك الطيبين الطاهرين وعن أزواجه أمهات المؤمنين، وعن الصحابة أجمعين والتابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين وعنا معهم بمنك وكرمك وعفوك وإحسانك يا أرحم الراحمين.
-----------------
[1] رواه البخاري في صحيحه باب إسلام أبي ذر الغفاري رضي الله عنه (3/1401-1402).
[2] أخرجه الباري في صحيحه الأدب باب فضل صلة الرحم (5/2231).
[3] أخرجه البخاري في صحيحه في المغازي باب غزوة أحد (4/1487)، رواه مسلم في صحيحه كتاب الإمارة باب ثبوت الجنة للشهيد (3/1509-1510).
[1] أخرجه أحمد في مسنده (1/26) وابن ماجة (2363) وغيرها.
[2] أخرجه الترمذي (2786) وأبو داود (4173) والنسائي (8/153) وأحمد (4/414) وغيرهم.
[3] أخرجه مسلم في صحيحه في كتاب الصلاة باب الصلاة على النبي بعد التشهد (1/306) رقم (408).
أضف تعليق
هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها
تم الإرسال
ستتم إضافة التعليق بعد معاينته من قبل فريق عمل مداد