بسم الله الرحمن الرحيم
الخطبة الأولى:
أما بعد:
فإن البدع قبل أن يفتح العلماء أفواههم لدفعها بالحجج، كانت كنار الجحيم تتأجج، وعمّ ضلالها الأقاليم، وما أحد قال فيها: هذا عذاب أليم، بل بعض يحبّذ ويحسّن، وبعض يقول: هذا أمر هيّن، حتى كثر شرّها وظهر ضرها، فقام العلماء الذين هم ورثة الأنبياء حقا فتداركوا الأمر فأطفأوا بنور العلم نارها، وأزالوا بسيف الحجة عن الأمة عارها، وحاربوها في عقر دارها، واقتلعوها من أسّ جدارها، فذهب أهلها يعثرون في أثواب الخجل، ويلوكون ألسنة العجز والفشل، وشعارهم: إنا وجدنا آباءنا على أمة، وإنا على آثارهم مقتدون، وطالما عد الناس هذه البدع سننا، وحسِبوا نقمتها عليهم مناًّ، إلى أن عم الفساد سائر البلاد، وتوصلوا بذلك إلى ما حرم الله، وصار كل يتبع ما يهواه، ووقعوا في حيرة بعدما عميت منهم البصيرة، ولا ملجأ من الله إلا إليه، ثم أنقذهم بهذه الطائفة التي أخبر بها صاحب الحوض والشفاعة بقوله: ((لا تزال طائفة من أمتي على الحق ظاهرين، لا يضرهم من خالفهم، ولا من خذلهم حتى تقوم الساعة)).
وبقوله - عليه الصلاة والسلام -: ((يحمل هذا العلم من كل خلف عدوله، ينفون عنه تحريف الغالين، وانتحال المبطلين، وتأويل الجاهلين))، وقد جاءكم وفد العلماء، فكونوا لوعظهم سامعين، وأسألهم عن أمر الدين، فالسؤال شفاء من داء الجهل، وقد رزقكم الله بنعمة عظيمة ألا وهي العقل، لتسألوا عن الدين حتى لا يغرّنكم إبليس اللعين، فقد قال خير من علّمه ربه وعلّم: ((من يرد الله به خيرا يفقهه في الدين))، ((وإنما العلم بالتعلم))، وإن العلم لا يذهب إلا بذهاب العلماء، وبقاء جهال الرؤساء، فقد روى البخاري عن عبد الله بن عمرو بن العاص - رضي الله عنهما - قال: سمعت رسول الله يقول: ((إن الله لا يقبض العلم انتزاعا ينتزعه من العباد، ولكن يقبض العلم بقبض العلماء، حتى إذا لم يبق عالمٌ اتخذ الناس رؤوساً جهالاً فسُئِلوا فأفتوا بغير علم، فضلوا وأضلوا))، فشمّروا أيها المؤمنون عن ساعد الجد، تفوزوا مع الفائزين، وامتثلوا أمر ربكم، وانتهوا عما نهاكم عنه تكونوا من المتقين، في جنات ونهر في مقعد صدق عند مليك مقتدر.
أضف تعليق
هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها
تم الإرسال
ستتم إضافة التعليق بعد معاينته من قبل فريق عمل مداد