بسم الله الرحمن الرحيم
الخطبة الأولى:
الحمد لله له الأسماء الحسنى، والصفات العلى. أحمده سبحانه خلق من الماء بشراً فجعله نسباً وصهرا ً، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله - صلى الله عليه وسلم - تسليماً كثيراً.
أما بعد... معشر المسلمين إن الزواج أو النكاح عقد بأركان وشروط، يحل للزوج الاستمتاع بزوجته وحكم النكاح مشروع، بقول الله - تعالى -: {وَأَنكِحُوا الأَيَامَى مِنكُم وَالصَّالِحِينَ مِن عِبَادِكُم وَإِمَائِكُم إِن يَكُونُوا فُقَرَاءَ يُغنِهِم اللَّهُ مِن فَضلِهِ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ(32)النور} والأيامى جمع أيّم، وهو من لا زوج له من رجل أو امرأة. ومعنى الآية -والله - تعالى - أعلم- زوجوا أيها المؤمنون من أحرار رجالكم، ونسائكم، والصالحين من عبادكم وإمائكم.
عباد الله: ومن لم يستطع النكاح فيجب على والده ثم قريبه أن يزوجه إذا كان يقدر على ذلك.
معشر المسلمين.. النكاح واجب على من قدر على مؤنته، وخاف على نفسه من الوقوع في الحرام، ومسنون لمن قدر عليه ولم يخف العنتº لقوله - صلى الله عليه وسلم -: (يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج فإنه أغض للبصر وأحصن للفرج. ومن لم يستطع فعليه بالصوم فإنه له وجاء).
معشر الشباب.. في النكاح مصالح دينية، ومصالح دنيوية.
أولاً: أنه وقاية للدين من غائلة الشهوة، ليغض المسلم بصره ويحفظ فرجه لقوله - صلى الله عليه وسلم-: (فإنه أغض للبصر وأحصن للفرج).
ثانياً: في النكاح التسبب بالتوصل إلى الولد، وذلك قربة وطاعة لله – تعالى - وتكثيراً للمؤمنين بالله. لما روى أبو داود، والنسائي عن معقل بن يسار - رضي الله عنه - قال: (جاء رجل إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال: إني أصبت امرأة ذات حسب وجمال وإنها لا تلد أفأتزوجها؟ قال:\"لا\". ثم أتاه الثانية فنهاه، ثم أتاه الثالثة فقال:\"تزوجوا الودود الولود فإني مكاثر بكم الأمم).
ثالثاً: في النكاح الطمع في دعاء الولد الصالح في الحياة وبعد المماتº لقوله - صلى الله عليه وسلم -: (إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاثة: صدقة جارية، أو علم ينتفع به أو ولد صالح يدعو له).
رابعاً: في النكاح خير متاع الدنيا، وحتى يتفرغ الرجل للعلم والتعليم والعمل. لقول الرسول - صلى الله عليه وسلم -: (الدنيا كلها متاع، وخير متاع الدنيا المرأة الصالحة) رواه مسلم.
وروى ابن ماجة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: (ما استفاد المؤمن بعد تقوى الله خيراً له من زوجة صالحة، إن أمرها أطاعته، وإن نظر إليها سرته، وإن أقسم عليها أبرته، وإن غاب عنها نصحته في نفسها وماله) ولأحمد نحوه.
خامساً: النكاح سبب من أسباب الغنى ورفع الفقر والحاجة. قال أمير المؤمنين عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - عجبت لمن ابتغى الغنى بغير النكاح والله - عز وجل - يقول: {إِن يَكُونُوا فُقَرَاءَ يُغنِهِم اللَّهُ مِن فَضلِهِ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ(32) النور}.
وقال الصديق أبو بكر - رضي الله عنه -: (أطيعوا الله فيما أمركم به من النكاح ينجز لكم ما وعدكم به من الغنى).
وقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (ثلاثة حق على الله عونهم -وذكر منهم- الناكح الذي يريد العفاف).
ففي هذا قطع لحجة الأولياء الذين يرفضون تزويج الفقير خشية أن يزيده النكاح بؤساً إلى بؤسه، وهذه النظرة المادية يكذبها الواقع أيضاً فكم من فقير أصبح بعد زواجه موفور النعمة، قرير العين.
وروى مسلم وأحمد - واللفظ لأحمد- عن أنس، قال: (خطب النبي - صلى الله عليه وسلم - على جُليبيب امرأة من الأنصار إلى أبيها، فقال: حتى استأمر أمها. فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -:\"فنعم إذاً\"، فانطلق الرجل إلى امرأته فذكر ذلك لها فرفضت. وفي رواية عند أبي يعلى قالت: لا لعمر الله لا تزوجه إذا ما وجد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلا جليبيباً، وقد منعناها من فلان وفلان. قال والجارية في سترها تستمع. قال: فانطلق الرجل يريد أن يخبر النبي - صلى الله عليه وسلم - بذلك فقالت الجارية: أتريدون أن تردوا على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أمره إن كان قد رضيه لكم فأنكحوه فكأنها جلت عن أبويها (أي كشفت وأوضحت أمراً خفي عليهما) وقالا: صدقت، فذهب أبوها إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال: إن كنت قد رضيته فقد رضينا قال: فإني قد رضيته فزوجها. ثم فزع أهل المدينة - نادى منادي الجهاد لأحد معارك المسلمين - فركب جليبيب، فوجدوه قد قتل، وحوله ناس من المشركين قد قتلهم.
وعن مسلم: \"فوجدوه إلى جنب سبعة قد قتلهم ثم قتلوه. فأتى النبي - صلى الله عليه وسلم - فوقف ثم قال:\"قتل سبعة ثم قتلوه هذا مني، وأنا منه هذا مني وأنا منه)، قال فوضعه على ساعديه ليس له سرير إلا ساعدا النبي - صلى الله عليه وسلم - قال فحُفر له، ووضعه في قبره، قال أنس: فلقد رأيتها - مراءه جليبيب - وإنها لمن أنفق بيت في المدينة.
وحدث إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة ثابتاً: قال هل تعلم ما دعا لها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: (اللهم صب عليها الخير صباً، و لا تجعل عيشها كدّاً كدّا). قال: فما كان في الأنصار أيم أنفق منها.
سادساً: من ذلك أن النكاح من سنن المرسلين، عن الحسن، عن سعد ابن هشام. أنه قال لعائشة - رضي الله عنها - إني أريد أن أسألك عن التبتل فما ترين فيه؟ قالت: فلا تفعل، أما سمعت الله - عز وجل - يقول: {وَلَقَد أَرسَلنَا رُسُلًا مِن قَبلِكَ وَجَعَلنَا لَهُم أَزوَاجًا وَذُرِّيَّةً (38)الرعد} فلا تبتل.
وروى البخاري عن سعيد بن جبير قال: قال لي ابن عباس - رضي الله عنه -هل تزوجت؟ قلت: لا، قال: تزوج فإن خير هذه الأمة كان أكثرهم نساءً، يعني رسول الله - صلى الله عليه وسلم -.
فاتقوا الله عباد الله وكونوا من أولي الألباب الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه والذين أثنى عليهم في محكم كتابه إذ يقول: {فَبَشِّر عِبَادِ (17)الَّذِينَ يَستَمِعُونَ القَولَ فَيَتَّبِعُونَ أَحسَنَهُ (18)الزمر}
بارك الله ولي ولكم في القرآن العظيم ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم... أقول قولي هذا واستغفر الله لي ولكم وسائر المسلمين.
ـــــــــــــــــــــ
الخطبة الثانية:
الحمد لله الحكيم في شرعه، العليم بمصالح عباده، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله. لا يكمل الإيمان إلا بمحبته والاهتداء بهديه. اللهم صل وسلم وبارك على عبدك ورسولك محمد وعلى آله وصحبه.
أما بعد.. معشر المسلمين.. حتى لا تكون الكبرياء حائلاً دون النكاح وباعثاً قوياً على شيوع الفواحش حينما يعجز الشباب عن أداء المهور، وتعجز البنات عن التبعات الثقيلة للجهاز فتندثر مقاصد النكاح وتبقى أوهام المظاهر الكاذبة.
عن عائشة - رضي الله عنها -أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: (من يمن المرأة تيسير خطبتها، وتيسير صداقها، وتيسير رحمها) رواه أحمد والحاكم وصححه وأقره الذهبي.
عباد الله: وقد كثر في هذا العصر عند بعض الناس ابتداع المغالاة في المهور والمغالاة في الجهاز. وهذا لا يساعد على النكاح فكيف بالفضول من مظاهر البذخ والإسراف التي أثقلت كاهل الغني فضلاً عن الفقير بل لقد جارى الفقراء فيها الأغنياء نزولاً على التقاليد فركبهم الدّين. والدّين ذل في النهار، وهم في الليل. وهيهات أن يسعد الذليل بعيشه، أو ينعم المهموم بلذيذ الأحلام.
إن كل ما زاد على النفقة المشروعة في النكاح فهو مما لا يقره الشرع، ولا يجوز فعله.
عباد الله: لقد ظهرت نتيجة هذه المغالاة، وهذا الإسراف وهي إما إضراب الشباب عن النكاح، وإما خروج المرأة من سترها الذي ضربه الله عليها إلى العمل لتستطيع الإسهام في تحقيق أوهام النفوس التي لا تمت إلى مقاصد النكاح بصلة من الصلات فكان الفساد الكبير.
عباد الله: ولنا في رسول الله أسوة حسنة فقد زوج ابنته فاطمة - رضي الله عنها -من علي بن أبي طالب - هي بنت من هي زوج من هي أم من - وهما من هما جلالة قدر ورفعة منصب في الدنيا والآخرة، ولمـّا لم يكن عليٌ غنيا فقد أمره رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن يدفع لها مهراً وهو درعه الحُطَمية وكان عمر ينهى عن المغالاة في المهور. ويقول: ما تزوج رسول الله - صلى الله عليه وسلم - و لا زوج بناته بأكثر من أربعمائة درهم وعلى هذا درج السلف من فضلاء الأمة علماً وأدباً وسلوكا، فقد زوج سعيد بن المسيب - أمام أهل السنة والجماعة في وقته - ابنته على درهمين ومازال المهر عندهم رمزاً لقوامة الرجل على المرأة لا مباهاة وفخراً تندثر عنده مقاصد النكاح.
أضف تعليق
هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها
تم الإرسال
ستتم إضافة التعليق بعد معاينته من قبل فريق عمل مداد