عيد الفطر


بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:

الخطبة الأولى:

 أما بعد:

 فاتقوا الله عباد الله، وَاتَّقُوا يَومًا تُرجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلٌّ نَفسٍ, مَّا كَسَبَت وَهُم لاَ يُظلَمُونَ.

 أيها المسلمون، إن أعظم نعمة وأجلها نعمة الإسلام، رضيه الله لنا دينا وأتم به علينا النعمة، ارتضاه دينًا محكمًا وتشريعًا كاملاً صالحًا لكل زمان ومكان، منتظمًا عبادات خالصة وأخلاقًا كريمة ومبادئ عالية ومعاملات حسنة، كل ذلك في نظام متكامل مشتمل على الفضيلة بجميع أنواعها وشتى كمالاتها ووسائلها اليَومَ أَكمَلتُ لَكُم دِينَكُم وَأَتمَمتُ عَلَيكُم نِعمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإسلام دِيناً، إنه دين اختار الله لتبليغه صفوة خلقه محمد.

 كان الناس قبل مبعثه في جاهلية جهلاء وضلالة عمياء، مجتمعات متفككة وأهواء متناثرة، تعلق بغير الله - جل وعلا - حتى أذن الله سبحانه ببزوغ شمس الإسلام فأنقذ الله به البشرية كافة، ودخل في هذا الدين من شرح الله صدره ونور قلبه حتى كان الإسلام لهم حياة بعد موت، وهدى بعد ضلال، ونورًا بعد ظلم، وسعادة بعد شقاء، زكت به نفوسهم واجتمعت من أجله قلوبهم أَوَ مَن كَانَ مَيتًا فَأَحيَينَـاهُ وَجَعَلنَا لَهُ نُورًا يَمشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَن مَّثَلُهُ فِي الظٌّلُمَاتِ لَيسَ بِخَارِجٍ, مّنهَا.

 تمسك بالإسلام سلف هذه الأمة وحكّموه في شئونهم كلها ثم دعوا إليه حاملين رسالته مجاهدين في سبيله بكل غال ونفيس، عطروا التأريخ بسيرهم وجملوه بأخبارهم وطرزوه بأعمالهم، تأصل هذا الدين في نفوسهم فآثروه على كل شيء، فحقق الله لهم قيادة الأمم ومكن لهم في الأرض وفتح لهم الأسماع والقلوب، فقادوا بالإسلام العالم قرونًا طويلة سلكوا فيها في البشرية الصراط المستقيم دخل الناس في الإسلام أفواجًا وعلت رايته خفاقة في كل مكان، وفتح الله لهم بصدق الإيمان الممالك والأمصار، وقامت بهم دولة الإسلام ذات الصولة التي لا تبارى والجولة التي لا تجارى والهيبة التي لا تقارع.

 وكانت فتوحاتهم فتوحات تمكن للبلاد وإصلاح للعباد، حتى قال المنصفون من المؤرخين ما عرف التأريخ فاتحًا أعدل ولا أرحم من المسلمين، ذلكم أنها حققت للإنسانية كلها الأمن والرخاء في إخوة سامية ومواساة راحمة ومساواة عادلة وحرية حقة استنارت بها القلوب ونمت فيها المدارك.

 ألا فليستيقظ المسلمون من غفلتهم ويستلهموا العبر من سيرة أسلافهم فإنه ما من أمة تقوم وتسود إلا إذا أحكمت الصلة بماضيها واستمدت منه القوة لبناء حاضرها وازدهار مستقبلها، وبذا تحصل الأمة اليوم على المقامات العالية والمطالب الرفيعة والنصر على الأعداء.

 النصر والسعادة والتمكين في كل زمان ومكان لأهل هذا الدين متى تمسكوا بدينهم إيمانًا كاملاً وعقيدة صافية وأملاً صالحًا ونصحًا لله ولرسوله وللمؤمنين وحكمًا وتحاكمًا لشريعة رب العالمين وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ ءامَنُوا مِنكُم وَعَمِلُوا الصَّـالِحَاتِ لَيَستَخلِفَنَّهُم في الأرضِ كَمَا استَخلَفَ الَّذِينَ مِن قَبلِهِم وَلَيُمَكّنَنَّ لَهُم دِينَهُمُ الَّذِي ارتَضَى لَهُم وَلَيُبَدّلَنَّهُم مّن بَعدِ خَوفِهِم أَمناً يعبدونني لاَ يُشرِكُونَ بي شَيئاً، وكلما ضعف الإيمان والأمل في الإسلام اضطربت الأحوال واختل الأمن وتفكك المجتمع ودب الضعف وساءت الأمور، وما عاق الأمة اليوم وما حاق بها من لأواء في كثير من مواطنها وفي أوضاعها إلا أنها اختارت غير ما اختار الله لها، ومن رام برهانًا ساطعًا ودليلاً محسوسًا فليقرأ في تأريخ هذه البلاد، كانت مسرحًا للحروب لا تعرف كبيرًا من الأمن والرخاء، عمت الفوضى في مجتمعاتها، وأصبحت شمس الإسلام في أفول، وظلمة الشرك إلى امتداد وشمول، وغشيت الدين غاشية سوداء بسبب الضلالات والفتن.

 فلما منَّ الله على المسلمين بمن يجدد لهم أمر دينهم ويظهر سنة نبيهم محمد قام الإمام محمد بن عبد الوهاب - رحمه الله - داعيًا إلى الله - جل وعلا - وإخلاص العبادة له سبحانه، مناديًا بإقامة سنة المصطفى ومنتهجًا نهج الصحابة والتابعين ساعيًا للإصلاح ومحاربًا كل فساد، وقيد الله - عز وجل - له حينئذ الإمام الفذ محمد بن سعود - رحمه الله - فقبل دعوة الشيخ وتبايعا على نشر هذا الدين وتناصرا على الدعوة إلى اتباع سنة سيد الأنبياء والمرسلين، فطلعت حينئذ شمس الهدى والرشد، وفاح في الأرض طيب التوحيد، وعلت كلمة الإسلام الحق حتى عطرت العالم بأسره، وتأسست دولة ذكَّرت الناس بعهد الراشدين.

 ثم سار على نهجهما الإمام الملك عبد العزيز - رحمه الله - حرصًا على التمسك بالإسلام تطبيقًا لشريعة الملك العلام، فأعانه الله وأيده، وجمع به كلمة المسلمين وصارت هذه البلاد ولله الحمد والمنة مضرب المثل في اتباع السنة والهدى والابتعاد عن البدع والأهواء، فعم أمنها واستقر أمرها ورغد عيشها، نسأل الله - جل وعلا - أن يحفظها على الإسلام وسائر أقطار المسلمين وأن يرزق الجميع التوفيق والهدى والثبات عليه.

 الله أكبر الله أكبر لا إله إلا الله، والله أكبر الله أكبر ولله الحمد.

 إخوة الإيمان، أصل الأصول كلمة التوحيد وشعار الإسلام وعلم الملة لا إله إلا الله، كلمة تثبت العبادة لله وحده لا شريك له، وأنه لا معبود بحق سواه وتقتضي البراءة مما يعبد من دون الله - جل وعلا - قُل إِنَّ صلاتي وَنُسُكِى ومحياي ومماتي للَّهِ رَبّ العَـالَمِينَ لاَ شَرِيكَ لَهُ ألا فأخلصوا لله القصد والأمل وتمسكوا بعرى دينكم واقتدوا بسنة رسولكم فتلكم سفينة الإنقاذ وحبل النجاة، افهموا الإسلام فهمًا مطابقًا لفهم صحابة رسولكم إسلامًا خالصًا من الشوائب والزوائد ومن الفضول والبدع، تمسكوا بالإسلام نظام حياة متكاملة ودستور إصلاح شامل لكل شئون الحياة، من قضاء الحاجة إلى نظام الحكم، من أدب المائدة إلى كبرى الشئون.

 فيوم تكون الأمة هكذا تكون فيها الخيرية المطلقة ويكون لها عظيم الشأن وكبير المقام.

 أمة الإسلام، ما أحوج الأمة في مثل هذه المناسبة إلى وقفة تأمل، لتتذكر أن من المسلمين من استبدل تحكيم شريعة الإسلام بأنظمة بشرية وقوانين مختلطة، فماذا صنعت تلك الأنظمة بهم إنها لم تجنِ منها إلا تفككًا اجتماعيًا واضطرابًا اقتصاديًا وفسادًا خلقيًا، استبدادًا وظلمًا، خوفًا وقلقًا.

 إن من رام رخاءً واستقرارًا ورقيًا وهناءً فليحكم شرع الله، كلاً لا بعضًا أَفَحُكمَ الجَاهِلِيَّةِ يَبغُونَ وَمَن أَحسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكماً لّقَومٍ, يُوقِنُونَ.

 إخوة الإسلام، لقد كانت الأعياد معروفة لدى المجتمعات تُظهر فيها زينتها، وتعلن سرورها، وتسري عن نفسها مما يصيبها من مشاق الحياة ولأوائها، قدم النبي المدينة ولهم يومان يلعبون فيهما في الجاهلية، فقال: ((قدمت عليكم ولكم يومان تلعبون فيهما في الجاهلية وقد أبدلكم الله بهما خيرًا منهما يوم النحر ويوم الفطر)) حديث صحيح.

 فأقر أصل الفكرة وحصر أعياد الإسلام في هذين العيدين، لا عيد في الإسلام جائز سواهما.

 أمة الإسلام، العيد يوم سرور وفرح وابتهاج واستبشار، يسرٌّ به المسلمون مكملين فرطهم آملين رحمة ربهم، راجين قبول طاعتهم قُل بِفَضلِ اللَّهِ وَبِرَحمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَليَفرَحُوا هُوَ خَيرٌ مّمَّا يَجمَعُونَ.

 إخوة الإيمان، للمسلم أن يفرح إذا نال نعمة أو حقق أمنية، فرح الأقوياء الأتقياء، فينعم ويتمتع ويبتهج بلا بغي وزيغ ولا انحراف وتأسف، يعمر فرحته بذكر ربه وحمده وشكره، ثم يعلم أن الفرحة حق الفرحة أن ينهض بما وجب عليه نحو خالقه وأن يبلغ في ذلك الغاية المثلى والدرجة العليا إذ من شأن العيد أن يأتي على قوم قد عملوا وبذلوا وناضلوا ليستحقوا أن يقطفوا ثمرة وأن يحسوا فرحة وأن يرددوا لربهم حمدًا ويرجوه في قابل أيامهم فلاحًا وهدى ومجدًا.

 أيها المسلمون، من الناس من يتخذ من الأعياد مواسم يعُبُ فيها من اللهو عبًا بلا تحرز من حرام أو تباعد عن باطل، وهذا ضلال وانحراف في التصور والاتجاه، فما كانت الأعياد في الإسلام إلا واحة فيحاء يجد عندها المسلم وارف الظل ونمير الماء ورحيق الهواء، لهوًا طيبًا مباحًا، وتعبدًا صالحًا حميدًا بعزائم ناشطة إلى الخير ونفوس متفتحة بآمال واسعة في فضل الله ورحمته.

 أخي المسلم، إذا رأيت الناس صبيحة العيد خارجين من بيوتهم في أحوال وأشكال مختلفة وألبسة متفاوتة فاذكر بذلك تفاوت أهل القيامة، المؤمن الطائع يأتي فرحًا مسرورًا، والكافر يدعو ويلاً وثبورًا، والعاصي يتحسر على تضييعه أجرًا عظيمًا، تذكر من كان معك في مثل هذا اليوم، أتاهم هادم اللذات وقاطع الشهوات ومفرق الجماعات، فهم في بطون الإلحاد صرعى لا يجدون لما هم فيه دفعا، ولا يملكون لأنفسهم نفعًا ولا ضرًا، بل ينتظرون يومًا الأمم فيه تأتي إلى ربهم تدعى، وَنُفِخَ فِي الصٌّورِ فَجَمَعنَـاهُم جَمعاً.

 أمة الإسلام، في هذا اليوم يجتمع المسلمون على العبادة فرحين مبتهجين يتبادلون التهاني، ويتقارضون الطيب من الأماني، تبسم منهم الشفاه، وتضئ منهم الجباه، فما أحسنها من حال وما أروعها من لحظة، ولكن تمر أعياد المسلمين والفرحة غير كاملة والسرور ليس بتامٍ, والأمة تعاني في بعض أبنائها آلامًا، وتقاسي في بقاع منها مآسي وأحزانًا.

 قالوا عجبنا مـا لشعـرك باكيًا  **** في العيد ما هذا بشأن مُعيِّد

 ما حيلة العصفور قصوا ريشه **** ورموه في قفص وقالوا غرد...

 وإنما تفرح الأمة المحمدية بعيدها كل الفرحة وتبتهج به غاية البهجة يوم تعلو كلمتها ويعز شأنها وتزول آلامها وجراحها وتنجلي كل مآسي أبنائها حال كونها عامرة بالإيمان مزدانة بالتمسك بالإسلام، مجتمعة كلمتها على السنة والقرآن.

 أمة الإسلام، الأعياد واحات سرور وبهجة وسط صحراء الحياة الجادة اللاهبة، يقف عندها ركب الحياة المجد ليستريح من وعثائه، واحات وارفة تستقبلها الأمم كما تستقبل القافلة المتعبة ظلال الواحات وماءها العذب الفرات، تطفئ ظمأها وتجدد نشاطها وتتهيأ لغدها وتقبل بعزم جديد ونفس راضية وروح منشرحة طيبة على المرحلة الجديدة من حياتها.

 ومن هنا، فآن للأمة الإسلامية التي تستوحي من هذا العيد ما يجدد في النفوس الأمل ويقوي الرجاء لتحقيق ما تؤمن به من أهداف وغايات عالية نحو دينها ودنياها، مستمدة ذلك بصدق وإخلاص من خالقها معتمدة عليه، مهتدية بقرآنها وسنة نبيها وَقُلِ اعمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُم وَرَسُولُهُ والمُؤمِنُونَ.

 أيها المسلمون، شأن الأمة المؤمنة المشاركة بالخير والنعمة والمساندة في حال البأساء والشدة ((المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضًا)) وإن من أبناء أمة محمد وفي أماكن شتى، في فلسطين وبورما، في كشمير وكوسوفا وفي البوسنة وغيرها من يعاني مشاق الحياة ومتاعب العيش، يذوقون من البؤس ألوانًا، ويتجرعون من العلقم كيزانًا، كم من يتيم ينشد عطف الأب ويلتمس حنان الأم، وكم من أرملة فقدت راعيها وعائلها، فقر مدقع ومطالب قاسية يأتي العيد عليهم حسرة في القلوب ودموع تنهمر على الخدود، فكونوا أيها المؤمنون أهل عطف وإحسان وكرم وجود، امسحوا بأيديكم الناعمة دموع أولئك الحيارى، وقدموا لهم خيرًا وإحسانًا وَمَا تُقَدّمُوا لأَنفُسِكُم مّن خَيرٍ, تَجِدُوهُ عِندَ اللَّهِ هُوَ خَيراً وَأَعظَمَ أَجراً.

 إن واجب المسلمين نحوهم عظيم من حيث المعونة والدعم ومن حيث المناصرة والوقوف مع قضاياهم بذل كل الجهود والوسائل لحل مشكلاتهم ووضع نهاية لمآسيهم، ولنعلم أن تشاكي الهموم لا ينفع، وتذاكر الغموم لا يشفي، فلا بد من خطوة للإمام ولا بد من إيجابية بدل السلبية، فعند الطبراني ((من لم يهتم بأمر المسلمين فليس منهم)).

 ومن مقتضيات النصيحة الواجبة لعامة المسلمين ما وضحه علماء الشريعة من وجوب نصرهم على عدوهم ودفع كل أذى ومكروه عنهم وسد حاجاتهم، قال الفضيل - رحمه الله -:\"ما أدرك عندنا من أدرك بكثرة الصلاة والصوم وإنما أدرك عندنا بسخاء الأنفس وسلامة الصدور والنصح للأمة\".

 الله أكبر الله أكبر لا إله إلا الله، والله أكبر الله أكبر ولله الحمد.

 أيها المسلمون، قضية فلسطين قضية كل مسلم فالاستيلاء على أولى القبلتين ومسرى سيد الثقلين مصيبة كبرى ورذية عظمى في جبين الأمة كلها، ولن تأتي الأمة بالأعاجيب ولن تتحرك حركاتها القاهرة للأعداء إلا بالإيمان الصادق والإسلام الكامل.

 

ومما يسلي المؤمن أن نصر الله قادم ووعده صادق متى قام المسلمون منتصرين للإسلام معتمدين على الملك العلام، والأمور بيد الله يقلبها كيف شاء، جاء في المسند وغيره: ((لا تزال طائفة من أمتي على الدين ظاهرين، لعدوهم قاهرين، لا يضرهم من خالفهم إلا ما أصابهم من لأواء حتى يأتي أمر الله وهم على ذلك)) قيل يا رسول الله، وأين هما قال: ((ببيت المقدس وأكناف بيت المقدس)).

 والناظر للتأريخ الإسلامي في المد والجزر في النصر والهزيمة، في القوة والضعف يجد أن العزةَ والسؤدد والرخاء والازدهار يكون للمسلمين يوم يقربون من الإسلام، بينما يجد الضعف والهوان والتخبط واللأواء يوم يبتعدون عن تعاليم الإسلام.

 

الله أكبر الله أكبر لا إله إلا الله، والله أكبر الله أكبر ولله الحمد.

 

اللهم تقبل منا صالح الأقوال والأعمال واغفر الذنوب إنك أنت الغفور الرحيم.

 

الخطبة الثانية:

 الحمد لله وفق من شاء لطاعته فكان سعيهم مشكورًا، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك وأشهد أن نبينا محمدًا عبده ورسوله صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.

 

الله أكبر خلق الخلق وأحصاهم عددًا وكلهم آتيه يوم القيامة فردًا، والله أكبر ما تلي قارئ كتاب الله فتدبر، الله أكبر ما بذل محسن وشكر، وابتلي عبد فصبر.

 أما بعد:

فاتقوا الله أيها المسلمون فمن اتقاه حفظه ويسر له ما تعسر.

 

أيها المسلمون، في العيد تتقارب القلوب وتسمو الأخلاق وتنبل المشاعر، ألا وإن هذه الأمة تبلغ خيراتها وتنال ثمراتها كلما أزهقت روح الشقاق والفرقة بيد التجمع والوفاق وَاعتَصِمُوا بِحَبلِ اللَّهِ جَمِيعاً وَلاَ تَفَرَّقُوا.

 

وشياطين الإنس والجن يثيرون بين أبناء الأمة أنانية هنا وأحقادًا هناك، ومعوقات للوحدة هنالك، ألا فلتظلل ألوية التضامن على الخير والهدى جميع المسلمين إرضاءً للخالق وإنشادًا للصالح الخاص والعام، وليس إلا الإسلام جامعًا ومؤلفًا، والسنة المحمدية موفقًا وهاديًا.

 

أيها الفضلاء، أثمن ما في الأمة شبابها، هم بعد الله عمادها وذخيرة مستقبلها، فيا شباب الإسلام، تمسكوا بدينكم وتعلموا ما يقودكم لحسن العمل، وإياكم والاغترار بعمر الزهور واكتمال القوى، واحذروا من إضاعة الأوقات سدى، والغفلة عن الغد فمن وصايا المصطفى ((اغتنم خمسًا قبل خمس)) وذكر منها ((وشبابك قبل هرمك))، ثم كن يا رعاك الله ملتزمًا منهجًا وسطًا بعيدًا عن الإفراط والتفريط واللغو والتقصير وَكَذالِكَ جَعَلنَـاكُم أُمَّةً وَسَطًا.

 

عباد الله، بالمكاسب المحرمة تحل الآثار السيئة فأطيبوا كسبكم والتزموا منهج ربكم يااَيٌّهَا الَّذِينَ ءامَنُوا كُلُوا مِن طَيّبَاتِ مَا رَزَقنَـاكُم وَاشكُرُوا للَّهِ.

 

ألا وإن أعظم الخبائث الكسب بالربا ففيه تنزع البركات وتفشو الآهات وتحل الكوارث وتنزل الأزمات المالية المستحكمة وتكثر البطالة والظلم والشؤم ياأَيٌّهَا الَّذِينَ ءامَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِىَ مِنَ الرّبَوا إِن كُنتُم مٌّؤمِنِينَ فَإِن لَّم تَفعَلُوا فَأذَنُوا بِحَربٍ, مّنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ، فيا من يحارب الله أنت على خطر عظيم من سقوط البناء، وسلب الأمن والرخاء، وقدوم الفقر والفاقة، وانعدام سبل النجاح والتوفيق، ولن يفشو الربا في مجتمع إلا وهو على شفا جرف هار من الآفات الجائحة والرزايا القاتلة والبلايا المؤلمة والذل المعجز والخراب العام.

فلا أحد أخسر ممن حاربه الله ورسوله.

يا رجال الإعلام، الإعلام سبيل الكلمة، به تُصور الحقائق صدقًا أو زورًا، وعن طريقه تنشر الفضائل أو تضمر، فمتى ضعفت الأمانة في هذا الباب كثر النفاق واستعان الشيطان بالإعلام حينئذ على الفتنة والتحريش بين المسلمين، ومن ثم يأتي في الإعلام بتفسيرات باهتة ونظريات باطلة وتنسج من خلاله خرافات وخيالات، تسَود بها الصحائف، ويفتن بها ضعاف العقول ويصير حينئذ للمسموع والمقروء والمنظور باع في الشر طويل، أقوال ذميمة وأمور بذيئة ونشر للفاحشة.

فيا أهل الإعلام من المسلمين، صيروا الإعلام لما يصلح العقول ويغذي الأرواح وفق تعاليم الإسلام وأخلاقه العالية، أبرزوا الإعلام بمنظور إسلامي، توعية صادقة في قضايا المسلمين ومعالجة لمشكلاتهم توضيحًا للأهوال ودفاعًا عن الحقوق وبعدًا عن التبعية لإعلام الأعداء ((كلكم راع، وكلكم مسئول عن رعيته)) ليجنب الإعلام عن أن يكون مسرحًا لأرض الإفك ومرتعًا له ولعظائم الفتن والمضللات، أو أن يكون سبيلاً للإشغال عن المسئوليات والواجبات نحو الخالق والأمة والمجتمع إِنَّ الَّذِينَ يُحِبٌّونَ أَن تَشِيعَ الفَـاحِشَةُ فِي الَّذِينَ ءامَنُوا لَهُم عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدٌّنيَا وَالآخِرَةِ وَاللَّهُ يَعلَمُ وَأَنتُم لاَ تَعلَمُونَ.

أمة الإسلام، التربية لباس يفصل على قامة الشعوب منبثقًا من عقائدها منسجمًا مع غاياتها، ومن هنا يجب أن تكون مناهج التربية والتعليم في بناء المسلمين قائدة إلى الإيمان الصحيح، قاصدة إلى إصلاح النفوس وتهذيب الأخلاق مصلحة للدين والدنيا، وحينئذ تنتج التربية رجالاً أمناءً وشبابًا أوفياءً ذوي نصح وإخاء، ويوم تصاغ مناهج التربية وتصير أصول التعليم بعيدًا عن صياغتها في قوالب عقيدة الأمة ومنهاج حياتها، حينئذ تنقلب المفاهيم وتختل الموازين ويحدق في مستقبل الأمة الخطر، فما أقبح الآثار الناجمة عن المعارف الفاسدة والثقافات المستوردة.

دعاة الإسلام، أنتم أحسن الناس قولاً، دعاة إصلاح وصلاح، وقادة للهدى والفلاح، ألا فليكن من أولويات دعوتكم الاهتمام بتوحيد الخالق والتحذير من الشرك والبدع، فتلكم المنهجية النبوية في إرسال الدعاة كما دل عليه حديث معاذ في بعثه لليمن، ثم انطلقوا راشدين بعد ذلك لبيان حقائق الدين العظمى وأخلاقه العليا ومحاسنه الكبرى، كل ذلك محاط بسياج إرشادات القرآن، ومربوط برباط سيرة سيد الأنبياء والمرسلين محمد، وكونوا يا رعاكم الله في حذر من التعصب المخيف والانحياز المذموم، ويا من رزقه الله علمًا وهدى إياكم وتلمس المعايب للبرءاء وتشهي إلصاق التهم، واحذروا من أن ينقلب الاختلاف في وجهات النظر عنادًا شخصيًا وانتصارًا مذهبيًا وعداءً خاسرًا، قال الشافعي - رحمه الله - :\"ما ناظرت أحدًا إلا وتمنيت أن يكون الحق في جانبه\".

 

أيتها المسلمات، لتكن حياتكن في الإسلام أدبًا وحشمة وسترًا ووقارًا، رفضًا للسيرة المتهتكة والعبث الماجن، تجنبًا من الخضوع بالقول والتبرج الجاهلي ومغادرة القرار ياأَيٌّهَا النبي قُل لأزواجك وَبَنَـاتِكَ وَنِسَاء المُؤمِنِينَ يُدنِينَ عَلَيهِنَّ مِن جَلَـابِيبِهِنَّ ذلِكَ أَدنَى أَن يُعرَفنَ فَلاَ يُؤذَينَ ولا تكن من اللاتي في سيرتهن من الشاردات، الكاسيات العاريات المائلات المميلات اللاتي لا يدخلن الجنة ولا يجدن ريحها، كما أخبر بذلك المصطفى.

أيها المسلمون، من أبناء المسلمين من يسير خلف الأعداء فيكون داعيًا للسفور والفجور بحجة التقدم والتحضر، ألا فليعلم أولئك الحمقى أن التخلف له عوامله وأسبابه، وإقحام الستر والاحتشام والخلق والالتزام في ذلك أصبح خدعة مكشوفة لا تنطلي إلا على غافل ساذج، في فكره دخن أو في قلبه مرض، بل دلائل العقل وصور التجارب قاطعة بأن ما يدعو إليه أولئك ما جر إلا خللا واضطرابًا ودمارًا وفسادًا، فاحذرن أيتها المؤمنات تلك الدعوات فهي من الخلل في الرأي والفساد في التصور الذي جره جهل مركب وسوء فهم للواقع، بل وجهل بطبيعة المجتمع الإنساني والتركيب البشري وَإِذَا سَأَلتُمُوهُنَّ مَتَـاعاً فَاسـئَلُوهُنَّ مِن وَرَاء حِجَابٍ, ذالِكُم أَطهَرُ لِقُلُوبِكُم وَقُلُوبِهِنَّ.

الله أكبر الله أكبر لا إله إلا الله، والله أكبر الله أكبر ولله الحمد.

عباد الله، استقيموا على النهج المستقيم وداوموا على الخير، فمن أعظم البراهين على القبول إتباع الحسنة بمثلها، فواصلوا سيركم في طريق الكفاح واجعلوا عيدكم عروة توسط بين ماض قد بذلت فيهم الطاقة ومستقبلٍ, تصممون فيه على ألا يكون أقل خيرًا من سابقه، إن لم يكن أكثر أو أفضل.

أيها المسلمون، أكثروا من الصلاة والسلام على نبينا محمد، اللهم صل وسلم وبارك على عبدك ورسولك محمد، وارض اللهم عن الخلفاء الراشدين أبي بكر وعمر وعثمان وعلي وعن الصحابة أجمعين وعن التابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.

اللهم أعز الإسلام والمسلمين....

 

وصلى الله وسلم على نبينا محمد والحمد لله رب العالمين

 

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply