بسم الله الرحمن الرحيم
الخطبة الأولى:
أما بعد:
فإليكم أيها الأحبة قصة الإمام أحمد بن نصر الخزاعي - رحمه الله - الذي ذكره الحافظ بن كثير في كتابه البداية والنهاية في الجزء العاشر وهي قصة عجيبة، ترسم بعض الخصائص والصفات التي كان عليها بعض الأعلام من أئمة أهل السنة والجماعة، ومدى صبرهم وبلاءهم في نشر معتقد أهل السنة، ومحاربة البدع، والصدع بكلمة الحق، مهما كلفهم ذلك وإن كان روحه التي بين جنبيه.
إليكم أيها الأحبة قصة مقتل الإمام أحمد بن نصر الخزاعي على يد الواثق أسوقها بطولها كما ذكرها الحافظ - رحمه الله -.
قال ابن كثير: ثم دخلت سنة إحدى وثلاثين ومائتين. وفيها كان مقتل أحمد بن نصر الخزاعي - رحمه الله - وأكرم مثواه قال ابن خلكان:وكان خزاعياً من موالي طلحة الطلحات الخزاعي، وقد كان أبو تمام يمدحه، فدخل إليه مرة فأضافه الملح بهمدان فصنف له كتاب الحماسة عند بعض نسائه.
ولما ولاه المأمون نيابة الشام ومصر صار إليها وقد رسم له بما في ديار مصر من الحواصل، فحمل إليه وهو في أثناء الطريق ثلاثة آلاف دينار، ففرقها كلها في مجلس واحد، وأنه لما واجه مصر نظر إليها فاحتقرها وقال: قبح الله فرعون، ما كان أخسه وأضعف همته حين تبجح وتعاظم بملك هذه القرية، وقال:أنا ربكم الأعلى.وقال: أليس لي ملك مصر.فكيف لو رأى بغداد وغيرها. وكان سبب ذلك أن هذا الرجل وهو أحمد بن نصر بن مالك الخزاعي وكان جده مالك ابن الهيثم من أكبر الدعاة إلى دولة بني العباس الذين قتلوا ولده هذا، وكان أحمد بن نصر هذا له وجاهة ورياسة.
وكان أبوه نصر بن مالك يغشاه أهل الحديث، وقد بايعه العامة في سنة إحدى ومائتين على القيام بالأمر والنهي حين كثرت الشطار والدعار في غيبة المأمون عن بغداد، وكان أحمد بن نصر هذا من أهل العلم والديانة والعمل الصالح والاجتهاد في الخير، وكان من أئمة السنة الآمرين بالمعروف والناهين عن المنكر، وكان ممن يدعو إلى القول بأن القرآن كلام الله منزل غير مخلوق، وكان الواثق من أشد الناس في القول بخلق القرآن، يدعو إليه ليلاً ونهاراً، سراً وجهاراً، اعتماداً على ما كان عليه أبوه قبله وعمه المأمون، من غير دليل ولا برهان، ولا حجة ولا بيان، ولا سنة ولا قرآن، فقام أحمد بن نصر هذا يدعو إلى الله وإلى الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والقول بأن القرآن كلام الله منزل غير مخلوق، في أشياء كثيرة دعا الناس إليها.فاجتمع عليه جماعة من أهل بغداد، والتف عليه من الألوف أعداداً، وانتصب للدعوة إلى أحمد بن نصر هذا رجلان وهما أبو هارون السراج يدعو أهل الجانب الشرقي، وآخر يقال له طالب يدعو أهل الجانب الغربي، فاجتمع عليه من الخلائق ألوف كثيرة، وجماعات غزيرة، فلما كان شهر شعبان من هذه السنة انتظمت البيعة لأحمد بن نصر الخزاعي في السر على القيام بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فتواعدوا على أنهم في الليلة الثالثة من شعبان - وهي ليلة الجمعة - يضرب طبل في الليل فيجتمع الذين بايعوا في مكان اتفقوا عليه، وأنفق طالب وأبو هارون في أصحابه ديناراً ديناراً، وكان من جملة من أعطوه رجلان من بني أشرس، وكانا يتعاطيان الشراب، فلما كانت ليلة الخميس شربا في قوم من أصحابهم، واعتقدا أن تلك الليلة هي ليلة الوعد، وكان ذلك قبله بليلة، فقاما يضربان على طبل في الليل فاجتمع إليهما الناس، فلم يجئ أحد وانخرم النظام وسمع الحرس في الليل، فأعلموا نائب السلطنة، وهو محمد بن إبراهيم بن مصعب، وكان نائبا لأخيه إسحاق بن إبراهيم، لغيبته عن بغداد، فأصبح الناس متخبطين، واجتهد نائب السلطنة على إحضار ذينك الرجلين فاحضرا فعاقبهما فأقرا على أحمد بن نصر، فطلبه وأخذ خادماً له فاستقره فأقر بما أقر به الرجلان، فجمع جماعة من رؤوس أصحاب أحمد بن نصر معه وأرسل بهم إلى الخليفة بسُرَّ من رأى، وذلك في آخر شعبان، فأحضر له جماعة من الأعيان، وحضر القاضي أحمد بن أبي دؤاد المعتزلي، وأحضر أحمد بن نصر ولم يظهر منه على أحمد بن نصر عتب، فلما أوقف أحمد بن نصر بين يدي الواثق لم يعاتبه على شيء مما كان منه في مبايعته العوام على الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وغيره، بل أعرض عن ذلك كله وقال له: ما تقول في القرآن؟ فقال: هو كلام الله. قال: أمخلوق هو؟ قال هو كلام الله.
وكان أحمد بن نصر قد استقتل وباع نفسه وحضر وقد تحنط وشد على عورته ما يسترها فقال له. فما تقول في ربك، أترّاه يوم القيامة؟فقال: يا أمير المؤمنين قد جاء القرآن والأخبار بذلك، قال الله - تعالى -: وجوه يومئذ ناضرة إلى ربها ناظرة وقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((إنكم ترون ربكم كما ترون هذا القمر لا تضامون في رؤيته)). فنحن على الخبر. قال الواثق: ويحك! أيرى كما يرى المحدود المتجسم! ويحويه مكان ويحصره الناظر؟ أنا أكفر برب هذه صفته.
ثم قال أحمد بن نصر للواثق: وحدثني سفيان بحديث يرفعه ((إن قلب ابن آدم بإصبعين من أصابع الله يقلبه كيف شاء)) وكان النبي - صلى الله عليه وسلم - يقول: ((يا مقلب القلوب ثبت قلبي على دينك)). فقال له إسحاق بن إبراهيم:ويحك، انظر ما تقول. فقال: أنت أمرتني بذلك. فأشفق إسحاق من ذلك وقال: أنا أمرتك؟ قال: نعم، أنت أمرتني أن أنصح له.
فقال الواثق لمن حوله: ما تقولون في هذا الرجل؟فأكثروا القول فيه.فقال عبد الرحمن بن إسحاق -: وكان قاضياً على الجانب الغربي فعُزل، وكان مواداً لأحمد بن نصر قبل ذلك -: يا أمير المؤمنين هو حلال الدم.وقال أبو عبد الله الأرمني صاحب أحمد بن أبي دؤواد: اسقني دمه يا أمير المؤمنين.قال الواثق: لابد أن يأتي ما تريد.وقال ابن أبي دواد: هو كافر يستتاب لعل به عاهة أو نقص عقل.
فقال الواثق: إذا رأيتموني قمت إليه فلا يقومن أحد معي، فإني أحتسب خطاي.ثم نهض إليه بالصمصامة- وقد كانت سيفا لعمرو بن معد يكرب الزبيدي أهديت لموسى الهادي في أيام خلافته وكانت صفيحة مسحورة في أسفلها مسمورة بمسامير - فلما انتهى إليه ضربه بها على عاتقه وهو مربوط بحبل قد أوقف على نطع، ثم ضربه أخرى على رأسه ثم طعنه بالصمصامة في بطنه فسقط صريعاً - رحمه الله -على النطع ميتاً، فإنا لله وإنا إليه راجعون.- رحمه الله - وعفا عنه.
فضرب عنقه وحز رأسه، وحمل معترضا حتى أتى به الحظيرة فصلب فيها، وفي رجليه زوج قيود وعليه سراويل وقميص، وحمل رأسه إلى بغداد فنصب في الجانب الشرقي أياما، وفي الغربي أياماً، وعنده الحرس في الليل والنهار، وفي أذنه رقعة مكتوب فيها:هذا رأس الكافر المشرك الضال أحمد بن نصر الخزاعي، من قتل على يدي عبد الله هارون الإمام الواثق بالله أمير المؤمنين بعد أن أقام عليه الحجة في خلق القرآن، ونفى التشبيه وعرض عليه التوبة، ومكنه من الرجوع إلى الحق فأبى إلا المعاندة والتصريح، فالحمد لله الذي عجله إلى ناره وأليم عقابه بالكفر، فاستحل بذلك أمير المؤمنين دمه ولعنه.
ثم أمر الواثق بتتبع رؤوس أصحابه فأخذ منهم نحواً من تسع وعشرين رجلاً فأودعوا في السجون وسموا الظلمة، ومنعوا أن يزورهم أحد وقيدوا بالحديد، ولم يجر عليهم شيء من الأرزاق التي كانت تجري على المحبوسين، وهذا ظلم عظيم.
وقد كان أحمد بن نصر هذا من أكابر العلماء العاملين القائمين بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وسمع الحديث من حماد بن زيد، وسفيان بن عيينة، وسمع من الإمام مالك بن أنس أحاديث جيدة، ولم يحدث بكثير من حديثه، وذكره الإمام أحمد بن حنبل يوماً فقال: - رحمه الله - ما كان أسخاه بنفسه لله، لقد جاد بنفسه له. وقال جعفر بن محمد الصائغ: بصرت عيناي وإلا فقئتا، وسمعت أذناي وإلا فصمتا أحمد ابن نصر الخزاعي حين ضربت عنقه يقول رأسه: لا إله إلا الله.
وقد سمعه بعض الناس وهو مصلوب على الجذع ورأسه يقرأ: آلم أحسب الناس أن يتركوا أن يقولوا آمنا وهم لا يفتنون قال:فاقشعر جلدي. ولم يزل رأسه منصوباً من يوم الخميس الثامن والعشرين من شعبان سنة إحدى وثلاثين ومائتين - إلى بعد عيد الفطر بيوم أو يومين من سنة سبع وثلاثين ومائتين، فجمع بين رأسه وجثته ودفن بالجانب الشرقي من بغداد بالمقبرة المعروفة بالمالكية - رحمه الله -. وذلك بأمر المتوكل على الله الذي ولي الخلافة بعد أخيه الواثق.
وقد دخل عبد العزيز بن يحيى الكناني على المتوكل وكان من خيار الخلفاء لأنه أحسن الصنيع لأهل السنة، بخلاف أخيه الواثق وأبيه المعتصم وعمه المأمون، فإنهم أساءوا إلى أهل السنة وقربوا أهل البدع والضلال من المعتزلة وغيرهم، فأمره أن ينزل جثة محمد بن نصر ويدفنه ففعل، وقد كان المتوكل يكرم الإمام أحمد بن حنبل إكراماً زائداً جداً كما سيأتي بيانه في موضعه.
والمقصود أن عبد العزيز قال للمتوكل: يا أمير المؤمنين ما رأيت أو ما رئي أعجب من أمر الواثق، قتل أحمد بن نصر، وكان لسانه يقرأ القرآن إلى أن دفن.
فوجل المتوكل من كلامه وساءه ما سمع في أخيه الواثق، فلما دخل عليه الوزير محمد بن عبد الملك بن الزيات قال له المتوكل: في قلبي شيء من قتل أحمد بن نصر. فقال: يا أمير المؤمنين أحرقني الله بالنار إن قتله أمير المؤمنين الواثق إلا كافراً.
ودخل عليه هرثمة فقال له في ذلك فقال: قطعني الله إرباً إرباً إن قتله إلا كافراً.
ودخل عليه القاضي أحمد بن أبي دوؤاد فقال له مثل ذلك فقال: ضربني الله بالفالج إن قتله الواثق إلا كافراً، قال المتوكل: فأما ابن الزيات فأنا أحرقته بالنار. وأما هرثمة فإنه هرب فاجتاز بقبيلة خزاعة فعرفه رجل من الحي فقال: يا معشر خزاعة هذا الذي قتل ابن عمكم أحمد بن نصر فقطعوه. فقطعوه إربا إربا. وأما ابن أبي دؤاد فقد سجنه الله في جلده - يعني بالفالج - ضربه الله قبل موته بأربع سنين، وصودر من صلب ماله بمال جزيل جداً. نماذج من البطانة السيئة.
أيها المسلمون: هذه قصة مقتل الإمام أحمد بن نصر الخزاعي، أحد علماء المسلمين.وقد صورت لك القصة نموذجين ممن يحمل العلم. نموذج أحمد بن نصر الذي جاد بنفسه وروحه، في سبيل الدين، ونموذج عبد الرحمن بن إسحاق أحد القضاة. الذي داهن للواثق.
أما الصنف الثالث، وهو صنف أحمد بن أبي دؤاد، الذي يمثل علماء السوء والخبث والإجرام، فلا حديث مع هذا الصنف.
من خلال القصة يمكن أن يستلهم بعض صفات العلماء الربانيون، الذين كانوا طوال تاريخ الإسلام بمثابة السور الآمن الذي حمى الأمة من عواصف الانحلال والفساد، ولا شك أن الناس بدون العلماء جهال، تتخطفهم شياطين الإنس والجن، وتعصف بهم الضلالات والأهواء من كل جانب.ومن هنا كان العلماء من نعمة الله على أهل الأرض، فهم مصابيح الدجى وأئمة الهدى فلندع الخطبة الثانية نقاطا نذكر فيها بعض صفات العلماء الربانيون أمثال أحمد بن نصر الخزاعي.
بارك الله لي..
الخطبة الثانية:
أما بعد:
فهذه بعض صفات العلماء الربانيون، المحبون الخير للأمة، الآمرون بالمعروف والناهون عن المنكر حقيقة، المتصفون بخلق المرسلين، الذين يقولون للمفسدين أفسدتم، والمحسنين أحسنتم، الذين لا يكتمون حكماً شرعياً في أية قضية يعلمون منها خيراً للأمة.ويمكن إجمال صفاتهم فيما يلي:
1- الإخلاص في القول والعمل:
وهو أن يريد العالم بعلمه وجه الله والدار الآخرة، في الحديث: ((لا تعلموا العلم لتباهو به العلماء أو تماروا به السفهاء، ولا لتجترئوا به المجالس فمن فعل ذلك فالنار النار))، وإن أول من تسعر بهم النار يوم القيامة رجل تعلم القرآن وقرأ القرآن لغير الله، وفي الحديث الآخر: ((من تعلم علماً مما يبتغي به وجه الله لا يتعلمه إلا ليصيب به عرض الدنيا، لم يجد عرف الجنة يوم القيامة)).
2 - العمل بما علم ودعوة الناس إلى ذلك:
فإنه لا فائدة من علم لا يتبعه العمل، ولهذا فإن العلماء العدول تجد علمهم في حركاتهم وسكناتهم وصمتهم وكلامهم ومواقفهم، يقول علي - رضي الله عنه -: يا حملة العلم اعملوا به، فإن العالم من عمل بما علم فوافق عمله علمه، وسيكون أقوام يحملون العلم لا يجاوز تراقيهم، يخالف علمهم عملهم، وتخالف سريرتهم علانيتهم، يجلسون حلقاً حلقاً فيباهي بعضهم بعضاً، حتى إن الرجل ليغضب على جليسه إذا جلس إلى غيره وتركه، أولئك لا تصعد أعمالهم في مجالسهم تلك إلى الله - عز وجل -، وفي الحديث عن ابن مسعود - رضي الله عنه - عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ((لا تزول قدم ابن آدم يوم القيامة من عند ربه حتى يُسأل عن خمس: عن عمره فيما أفناه وعن شبابه فيما أبلاه وماله من أين اكتسبه وفيم أنفقه، وماذا عمل فيمَ علم)).
3 - خشية الله ومراقبته في القول والعمل:
قال سفيان الثوري: إنما يطلب الحديث ليتقى به الله، قال ابن عبد البر:وليعلم المفتي أنه مُوَقع عن الله أمره ونهيه، وأنه موقوف ومسؤول عن ذلك، وعن مالك - رحمه الله - أنه كان إذا سئل عن مسألة كأنه واقف بين الجنة والنار، وقال بعض أهل العلم لبعض المفتين:إذا سئلت عن مسألة فلا يكن همك تخليص السائل، ولكن تخليص نفسك أولاً.
4 - قول الحق وإظهاره:
ومن أهم واجباتهم الرد على شبهات أهل الزيغ والضلال وإنكار المنكرات المعلنة الظاهرة وبيان خطرها، وإعلام الأمة بذلك، وعدم التدليس عليهم لئلا يتخذ الناس سكوت العلماء عن المنكر الظاهر والظلم والبغي حجة في اعتقاد أن ذلك حق لاسيما مسائل الاعتقاد:كالحكم بغير ما أنزل الله، مثل القوانين الوضعية واستحلال ما حرم الله وتقنينه وإلزام الناس به، وموالاة المشركين ومظاهرتهم على المسلمين، التي يترتب على السكوت عنها ضياع الفهم الصحيح لدين الله واندراسه، وانقلاب الحق باطلاً والباطل حقاً في نفوس عامة الناس، مما لا يجوز السكوت عليه..هذا البيان للحق هو الميثاق الذي أخذه الله على أهل العلم بقوله: وإذ أخذ الله ميثاق الذين أوتوا الكتاب لتبيننه للناس ولا تكتمونه فنبذوه وراء ظهورهم واشتروا به ثمناً قليلاً فبئس ما يشترون.
إن العلماء هم أقدر الناس على قول الحق وبيانه مما يكون السكوت عنه مفسدة عامة على جميع الأمة.
5 - التعاون والتشاور والتناصح:
وذلك بتبادل الرأي والمناداة إلى اجتماع كلمة المسلمين على الحق حتى تتحقق المصالح العامة، ولا شك أن العلماء هم أولى الناس بجمع كلمة المسلمين، إذ الأمة إنما تجتمع على علمائها فإذا اجتمعت كلمة العلماء، وتوحدت وحصل بينهم التعاون والتناصح، فإن ذلك أدعى إلى اجتماع الأمة وتعاونها وتضامنها في وجه عدوها.
6 - مناصرة المسلمين في مشارق الأرض ومغاربها:
إن مسؤولية العلماء ليست محصورة بقطر أو ببلد، بل ينبغي أن يعيشوا ويعايشوا هموم الأمة، ويناصروا المسلمين، ويردوا على أعدائهم ويرفعوا الظلم عنهم بما يستطيعون، لا يخشون في ذلك أحداً إلا الله سبحانه، وذلك أسوة بنبيهم محمد - صلى الله عليه وسلم -، وإن دعوتهم ورسالتهم لا ينبغي أن تحصرها الأقطار ولا الجنسيات لاسيما في أيام الفتن وظهور البدع وانتشار الفساد والظلم والعدوان.
7 - كشف سبيل المجرمين:
وذلك بتحذير الأمة من خطر أصناف المجرمين، وطرق الظالمين وخداع المنافقين وهذا هو جزء من بيان الحق وإظهاره، وكما قيل:\"وبضدها تتبين الأشياء\"، والعلماء هم أعرف الناس بشبه المنافقين وخفاياهم، الذين يمثلهم اليوم بكل وضوح - أصناف العلمانيين -، ولهذا أمر الله نبيه - صلى الله عليه وسلم - بجهاد المنافقين، وكشف سبيلهم لتحذر الأمة من الوقوع في غوائلهم، ومن الانخداع بمظاهرهم الكاذبة.
8 - الحذر من مجالسة أهل الأهواء:
أولئك القوم الذين لا تزال آثار الهوى والحسد تظهر في أقوالهم وأعمالهم، فهم باب فتنة في كل زمان ومكان، ومفتاح شر على الأمة في السابق واللاحق، وهل ما أصاب الإمام أحمد، وابن تيمية وغيرهما من علماء الأمة إلا بسبب هذا الصنف من الناس؟والأصل في علماء الأمة أن يتولوا الرد على أهل الأهواء، ويحذروا الناس من مخالطتهم، لأن الناس تبع لعلمائهم، فإذا رأوا علماءهم يلاطفون أهل الأهواء، فإنهم يقعون في شباكهم ويظنون أن ما عندهم هو الصواب!!
إن علماء المسلمين هم الذين كانوا يقودون حملات الجهاد ويرفعون رايات الإصلاح، ويدافعون عن حقوق أمتهم، فلم ينزلوا في مساجدهم أو منازلهم أو يقتصروا على تدريس طلابهم، وافتاء الناس في قضاياهم الخاصة من طلاق ووضوء وصلاة وبيع وشراء وغيرها مع أهمية ذلك كله، بل كانوا يعلمون أن مسؤوليتهم أكبر من ذلك بكثير، وأن واجبهم تجاه الأمة يتعدى هذه الأمور كلها ليصل إلى مناصرة المسلمين، ومناهضة الكافرين، وكشف ضلال الفاسقين ورد الظالمين عن ظلمهم، وحماية شرع الله من التحريف أو التعديل ونبذ التحاكم إلى القوانين الوضعية أو التلاعب بأوامر الله ورسوله - صلى الله عليه وسلم -.
أضف تعليق
هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها
تم الإرسال
ستتم إضافة التعليق بعد معاينته من قبل فريق عمل مداد