طاعة ولاة الأمر


 

بسم الله الرحمن الرحيم

 

ملخص الخطبة

1- التحذير ممن يحرض على ولاة الأمر. 2- الأمر بطاعة ولاة الأمر. 3- حرمة الخروج على ولاة الأمر. 4- الحكمة من وجوب لزوم طاعة ولاة الأمر. 5- فتنة المظاهرات والتجمعات.

 

الخطبة الأولى

 سمعنا ما دعت إليه قناة (الإفساد) التي تسمي نفسها بقناة الإصلاح، التي تدعو إلى التظاهر والخروج على ولاة الأمر وتحريض العوام على معصيتهم والخروج عليهم، وهذا من الفساد العظيم والشر المستطير، وهذه فتنة عظيمة يريد أهل الفساد إثارتها في مجتمعنا الآمن، يريدون التفريق بيننا وإثارة الفتن وقلاقل، وذلك بمباركة وتشجيع من دول الكفر لهم التي تفتح لهم بلادَها وتؤمّن لهم الحماية والرعاية من أجل النيل من وحدتنا وإفساد بلادنا وتخريب أمننا، وحتى يسهل عليهم السيطرة على بلادنا وخيراتنا، وهذا الأمر يتنافى مع ديننا الحنيف وعقيدتنا الإسلامية التي تأمر بطاعة ولاة الأمر فيما لا معصية فيه لله - تعالى -، يقول الله - تعالى -: يَا أَيٌّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الأَمرِ مِنكُم [النساء: 59]، ويقول النبي: ((من أطاعني فقد أطاع الله، ومن عصاني فقد عصى الله، ومن يطع الأمير فقد أطاعني، ومن عصى الأمير فقد عصاني)).

 

فمن وصايا النبي طاعة ولي الأمر فيما لا معصية فيه لله، سواء أحب المرء ذلك أو كرهه، بمعنى أنك تطيع ولي الأمر في أي أمر ليس فيه معصية لله - تعالى -وإن أحبته النفس أو كرهته، يقول أبو ذر - رضي الله عنه -: إن خليلي أوصاني أن أسمع وأطيع وإن كان عبدا حبشيا مجدع الأطراف، وعند البخاري: ولو لحبشي كأن رأسه زبيبة. ويقول: ((خيار أئمتكم الذين تحبونهم ويحبونكم، وتصلون عليهم ويصلون عليكم، وشرار أئمتكم الذين تبغضونهم ويبغضونكم، وتلعنونهم ويلعنوكم))، فقلنا: يا رسول الله، أفلا ننابذهم بالسيف عند ذلك؟ قال: ((لا، ما أقاموا فيكم الصلاة، ألا من ولي عليه وال فرآه يأتي شيئا من معصية الله فليكره ما يأتي من معصية الله ولا ينزعن يدا من طاعة)).

 

فالخروج على ولاة الأمر شر كبير وخطره عظيم على الأمة كلها، فلا يجوز الخروج عليهم وإن كانوا ظلمة، وإن رأى منهم معصية فلا يجوز الخروج عليهم، يقول الإمام الطحاوي في عقيدته المشهورة: \"ولا نرى الخروج علي أئمتنا وولاة أمورنا وإن جاروا، ولا ندعو عليهم، ولا ننزع يدا من طاعتهم، ونرى طاعتهم من طاعة الله - عز وجل - فريضة، ما لم يأمروا بمعصية، وندعو لهم بالصلاح والمعافاة\".

 

فمن خلال النصوص السابقة من كتاب الله - تعالى -وسنة نبيه الكريم وكلام العلماء يتبين لنا أن طاعة ولاة الأمر أمر واجب، وقد أجمع العلماء على ذلك، وهو عبادة يتعبد بها المسلم ربّه، كما أن المسلم يطيع الله - تعالى -في إقامة الصلاة والزكاة وصيام رمضان وغيرها من العبادات فإنه كذلك يجب عليه طاعة الله - تعالى -وعبادته بطاعة ولاة الأمر وعدم الخروج عليهم مهما كان حالهم ما دام أنهم لم يأمروا بمعصية الله - تعالى -.

 

وينبغي أن نعلم ـ يا عباد الله ـ أن ولي الأمر الذي تجب طاعته هو كل من يتولى أمر المسلمين بمبايعة من أهل الحل والعقد، وكذلك كل من يوليهم الإمام من النواب كالوزراء والرؤساء والمدراء وغيرهم ممن لهم ولاية في أي أمر من الأمور أو في أي مجال من المجالات المختلفة، فإنهم تجب طاعتهم، لأن في طاعتهم طاعة ولي الأمر الأعظم الذي أوجب الله - تعالى -طاعته.

فعلى المسلم السمع والطاعة لولاة الأمر وإن رأى من ولي الأمر ما يكره، ولا يخرج على جماعة المسلمين، فإنه إذا مات فقد مات ميتة جاهلية، يقول النبي: ((من رأى من أميره شيئا يكرهه فليصبر، فإنه من فارق الجماعة شبرا فمات فميتته جاهلية)).

 

لعل البعض ـ يا عباد الله ـ يسأل: ما السبب الذي يجعل الإسلام يؤكد على طاعة ولاة الأمر وعدم الخروج عليهم مهما كانت الظروف والأحوال ومهما ظهر منهم من ظلم أو غيره؟! فالسبب في ذلك هو أن ما يترتب على معصيتهم والخروج عليهم من المفاسد أضعاف ما يحصل من ظلمهم، والحكمة أيضا حتى تجتمع كلمة الأمة، ولمنع الفرقة والشقاق، كل ذلك من أجل الحفاظ على الأمة من الفتنة التي لا تبقي ولا تذر، فظلم الولاة وإن كان مفسدة إلا أن الخروج عليهم أعظم مفسدةº لأن من القواعد الشرعية أن درء المفسدة مقدم على جلب المصلحة.

 

ينبغي أن نعلم أن الأمة لا تقوم لها قائمة ولا يرتفع لها ذكر إلا بوجود إمام مطاع يقوم على شؤونها ويرعى مصالحها بتنفيذ شريعة الله - تعالى -التي يتحقق فيها العدل وتستقيم بها الأمور، وبوجود محكومين يمتثلون أمر إمامهم في غير معصية الله - تعالى -. ولا يخفى على كل ذي عقل ما يحصل من المفاسد من قتل الأنفس وهتك الأعراض وتدمير البلاد وضياع الأموال والأمور في حال عصيان ولاة الأمر والخروج عليهم. ولا يخفى علينا في تلك البلاد التي حصل فيها من الفساد والفوضى والأمور التي يحمد عقباها حتى يومنا هذا.

 

وينبغي أن نعلم ـ يا عباد الله ـ أن هؤلاء الذي يمسون أنفسهم بأهل الإصلاح هم دعاة شر وفساد، فعلى المسلم أن يلزم جماعة المسلمين وإمامهم، فقد جاء في حديث حذيفة - رضي الله عنه - قال: فقلت: هل بعد ذلك الخير من شر؟ قال: ((نعم، دعاة على أبواب جهنم، من أجابهم إليها قذفوه فيها))، فقلت: يا رسول الله، صفهم لنا، قال: ((نعم، قوم من جلدتنا، يتكلمون بألسنتنا))، قلت: يا رسول الله، فما ترى إن أدركني ذلك؟ قال: ((تلزم جماعة المسلمين وإمامهم))، فقلت: فإن لم تكن لهم جماعة ولا إمام؟ قال: ((فاعتزل تلك الفرق كلها ولو أن تعض على أصل شجرة، حتى يدركك الموت وأنت على ذلك)) أخرجه مسلم.

أقول هذا وأستغفر الله...

 

الخطبة الثانية

عن العرباض بن سارية قال: وعظنا رسول الله موعظة بليغة ذرفت منها العيون ووجلت منها القلوب، فقال قائل: يا رسول الله، كأنها موعظة مودع، فماذا تعهد إلينا؟ فقال: ((أوصيكم بالسمع والطاعة، فإنه من يعش منكم بعدي فسيرى اختلافا كثيرا، فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي، تمسكوا بها وعضوا عليها بالنواجذ، وإياكم ومحدثات الأمور، فإن كل بدعة ضلالة)).

 

فهذه المظاهرات والتجمعات وغيرها من الأمور التي فيها التحريض على معصية ولاة الأمور والدعوة إلى الخروج عليهم هي من الأمور المبتدعة التي تفرّق شمل الأمة، وتزرع الشقاق بينها، وتنشر الفوضى والفساد، فاتقوا الله عباد الله، وعليكم بالسمع والطاعة لله - تعالى -ورسوله، وطاعة ولاة الأمر، واحذروا من مسالك أهل الضلال والغواية ودعاة التحريض والفتنة من القنوات المنحرفة والأشخاص المشبوهين الذين يفسدون في الأرض ولا يصلحون.

 

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply