زاد الطريق


 

بسم الله الرحمن الرحيم

 

إن من معاني أسماء الله وصفاته أن كل من توكل على الله واعتمد عليه وترك من سواه من الخلق فإن الله لا يخذله بل سينصره، كما قال - سبحانه -: {وَكَانَ حَقًّاً عَلَينَا نَصرُ المُؤمِنِينَ}º فإن هذا من معاني أسمائه وصفاته.فالله - عز وجل - بما له من الأسماء الحسنى والصفات العلى كتب النصر والغلبة لأهل الحق من أوليائه الصالحين والمصلحين, وكتب المهانة والذلة على أعدائه من الكافرين والمنافقين, وهذه سنة لا تتخلف إلاّ إذا تخلفت أسبابها {ولن تجد لسنة الله تبديلا} [الفتح: 23].

وها هو النبي - صلى الله عليه وسلم - يلقن الأُمة درساً في الثقة بالله فيقول لابن عباس: (احفظ الله يحفظك، احفظ الله تجده تجاهك، إذا سألت فاسأل الله, وإذا استعنت فاستعن بالله، واعلم أن الأمة لو اجتمعت على أن ينفعوك بشيء لم ينفعوك إلا بشيء قد كتبه الله - تعالى -لك. وإن اجتمعوا على أن يضروك بشيء لم يضروك إلا بشيء قد كتبه الله عليك، رفعت الأقلام، وجفت الصحف) [رواه الترمذي وقال: حسن صحيح وفي رواية غير الترمذي: (احفظ الله تجده أمامك، تعرف إلى الله في الرخاء يعرفك في الشدة واعلم أن ما أخطأك لم يكن ليصيبك وما أصابك لم يكن ليخطئك)].

إن المؤمن الواثق بالله يُوقن بأنّ الله لن يتركه ولن يُضيعه إذا ما تخلى عنه كل من في الأرض فثقته بما عند الله أكبر من ثقته بما عند الناس.

إن الواثق بالله تراه دائماً هادئ البال ساكن النفس إذا ادلهمت وزادت عليه الخطوب والمشاكل، فهو يعلم أن ما أصابه لم يكن ليخطئه وما أخطأه لم يكن ليصيبه ولسان حاله: {قُل لَّن يُصِيبَنَا إِلاَّ مَا كَتَبَ اللّهُ لَنَا هُوَ مَولاَنَا وَعَلَى اللّهِ فَليَتَوَكَّلِ المُؤمِنُونَ} [التوبة: 51].

إن الثقة بنصر الله، وعونه ووعده الحق لمن جاهد في سبيله، هي زاد الطريق، ومفتاح الأمل، ونور الأجيال الإسلامية التي تبصر بها آفاق الرحلة وتبقى لحظة النصر وبشارة التمكين حية شاخصة في رؤى المجاهدين ومشاعرهم، وأن من فقد هذه الثقة بالله ونصره، فقد خسر خسراناً مبيناً، ومن تشكك فيها لحظة، فقد تأخر عليه النصر على قدرها {مَن كَانَ يَظُنٌّ أَن لَّن يَنصُرَهُ اللَّهُ فِي الدٌّنيَا وَالآخِرَةِ فَليَمدُد بِسَبَبٍ, إلَى السَّمَاءِ ثُمَّ ليَقطَع فَليَنظُر هَل يُذهِبَنَّ كَيدُهُ مَا يَغِيظُ، وَكَذَلِكَ أَنزَلنَاهُ آياتٍ, بَيِّنَاتٍ, وَأَنَّ اللَّهَ يَهدِي مَن يُرِيدُ} [الحج 15- 16].

إن الثقة بنصر الله - تعالى -هو وقود الحركة التي يدفع المؤمن في هذا الطريق بأن الله ناصر دينه لا محالة فقد قال: {كتب الله لأغلبن أنا ورسلي} [المجادلة: 21].

إن الذي لا ينبغي أن يغيب عنك أيها العبد المؤمن، هو أن الله - عز وجل - إنما أرسل رسوله بهذا الدين ليظهره على الدين كله: {هُوَ الَّذِي أَرسَلَ رَسُولَهُ بِالهُدَى وَدِينِ الحَقّ لِيُظهِرَهُ عَلَى الدّينِ كُلّهِ وَلَو كَرِهَ المُشرِكُونَ} [التوبة: 33].

فأول ما يجب عليك أن تعلمه ويتيقن قلبك له وبه، أن هذا الدين سيظهره الله على كل دين، وأنه أرسل رسوله بهذا الهدى، وبهذا الحق ليبلغ ما بلغ الليل والنهار، كما في صحيح مسلم من حديث ثوبان - رضي الله عنه - أن النبي قال: (إن الله قد زوي لي الأرض - أي جمعها - فرأيت مشارقها ومغاربها، وإن ملك أمتي سيبلغها), وفي حديث آخر يقول: (ليبلغن هذا الأمر - أي دين الإسلام - ما بلغ الليل والنهار - وهل هناك قطعة من الأرض لا يبلغها ليل أو نهار أيها المؤمنون -، ولا يترك الله بيت مدر ولا وبر - بادية وحاضرة - إلا أدخله الله هذا الدين، بعز عزيز أو بذل ذليل، عزًا يعز الله به الإسلام، وذلاً يذل الله به الكفر).

أيها العبد المؤمن:

يجب أن تعلم أن الثقة بنصر الله - عز وجل - لا تكون في وقت الرخاء، فهذا أمر يستطيعه كل أحد، من السهولة بمكان والإنسان ينعم بأمن وأمان، ويسر وسهولة ورخاء أن يقول: {وَمَا النَّصرُ إِلاَّ مِن عِندِ اللَّهِ} [آل عمران: 126].

وأن يعلم أن ما أصابه لم يكن ليخطئه، ولكن الإيمان الحقيقي أن تدرك - أيها العبد المؤمن - وأن تؤمن وتستشعر بأن النصر قادم لا محالة، وأنت في الشدة، بل وفي قمة الشدة.

أيها المؤمن: ليس أضر على ثبات المرء من يأسه من النصر وسوء ظنه بالله. والإسلام العظيم يبث الثقة في نفوس متبعيه ويزرع الأمل بالنصر في قلوبهم وهناك أمر مهم وهو أن الثقة بنصر الله لا تعني أن يرى المسلم نتيجة عمله بل يكفيه أن يكون ممهداً للنصر بدعوته وعلمه.

وأخيراً        ضاقت فلما استحكمت حلقاتها   *** فرجت وكنت أظنها لا تفرج

 إن اشتداد ظلمة الليل إيذان باقتراب الفجر، ولو يشاء الله لانتصر للأمة ولكن لا بد من التمحيص {ولو يشاء الله لانتصر منهم ولكن ليبلو بعضكم ببعض} [محمد: 4] فعلينا العمل لخدمة دين الله بنفس ملؤها الثقة بنصر الله.

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply