عباد الله لتسّون صفوفكم أو ليخالفن الله بين وجوهكم


بسم الله الرحمن الرحيم 

بعض ما ورد في تسوية الصفوف في الصلاة:

قال أبو عمر ابن عبد البر (شرح الزرقاني 1/453):\"الآثار في تسوية الصفوف متواترة صحاح\"اه، وهذه بعض منها:

1- عن النعمان بن بشير – رضي الله عنهما- قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول:\"لتسّون صفوفكم، أو ليخالفن الله بين وجوهكم\"، رواه البخاري (فتح 2/ج717) عن أبي الوليد الطيالسي، ومسلم (نووي 2/ج436) من طريق غندر، كلاهما عن شعبة عن عمرو بن مرة عن سالم بن أبي الجعد الغطفاني عن النعمان به، ورواه مسلم في صحيحه(نووي 2/ج436) من طريق سماك بن حرب قال: سمعت النعمان بن بشير يقول: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يسوي صفوفنا، حتى كأنما يسّوي بها القداح، حتى رأى أنا قد عقلنا عنه، ثم خرج يوما، فقام حتى كاد يكبر، فرأى رجلا باديا صدره من الصف فقال:\"عباد الله، لتسّون صفوفكم أو ليخالفن الله بين وجوهكم\"وروى أبو داوود في سننه (العون2/255) بإسناد جيد عن أبي القاسم الجدلي قال: سمعت النعمان بن بشير يقول:\"أقبل رسول الله – - صلى الله عليه وسلم - على الناس بوجهه، فقال:\"أقيموا صفوفكم (ثلاثا)، والله لتقيمن صفوفكم أو ليخالفن الله بين قلوبكم\"قال- أي النعمان كما بينه البخاري: فرأيت الرجل يلزق منكبه بمنكب صاحبه وركبته بركبة صاحبه، وكعبه بكعبه\".

2- وعن أنس بن مالك - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -:\"أقيموا الصفوف، فإني أراكم خلف ظهري\"رواه البخاري (فتح 2/ج718) عن أبي معمر وهذا لفظه، ومسلم(نووي2/ج434)عن شيبان بن فروخ بلفظ:\"أتموا الصفوف.......الحديث\"، كلاهما عن عبد الوارث عن عبد العزيز بن صهيب عن أنس به، ورواه البخاري من طريق زائدة بن قدامة (فتح 2/ ج719) وزهير بن معاوية (2/ج725) كلاهما عن حميد عن أنس – واللفظ لزائدة- قال: أقيمت الصلاة فأقبل علينا رسول الله – - صلى الله عليه وسلم - بوجهه، فقال: \"أقيموا صفوفكم، وتراصوا، فإني أراكم من وراء ظهري\"ووقع في رواية زهير:\"وكان أحدنا يلزق منكبه بمنكب صاحبه، وقدمه بقدمه\"، ورواه معمر عن حميد به عند الإسماعيلي – كما في الفتح 2/247-، ثم قال معمر - بعد ذكر قول أنس -:\"ولو فعلت ذلك بأحدهم اليوم لنفر كأنه بغل شمس\"،

فكيف لو رأى زماننا - رحمه الله -.

وروى البخاري في صحيحه (فتح 2/ ج723) ومسلم (نووي 2ج/ 433) كلاهما عن شعبة عن قتادة عن أنس قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: \"سووا صفوفكم فإن تسوية الصف من إقامة الصلاة\" كذا في حديث أبي الوليد الطيالسي عن شعبة عند البخاري، ووقع في رواية مسلم من حديث غندر عند شعبة\"....من تمام الصلاة\"وروى البخاري في صحيحه (فتح2/ ج724) عن بشير بن يسار الأنصاري عن أنس بن مالك، أن أنسا قدم المدينة، فقيل له: ما أنكرت منا منذ يوم عهدت رسول الله – - صلى الله عليه وسلم -؟ قال:\"ما أنكرت شيئا، إلا أنكم لا تقيمون الصفوف\"، وروى أبو داوود في سننه (العون 2/ 259) من حديث أبان العطار عن قتادة عن أنس - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -:\"رصوا صفوفكم، وقاربوا بينها، وحاذوا بالأعناق، فوالذي نفسي بيده، إني لأرى الشيطان، يدخل من خلل الصف كأنها الحذف\"...قال الخطابي: (والحذف: غنم صغار سود، ويقال: إنها أكثر ما تكون في اليمن) أه (عون 2/259) وإسناده صحيح جليل وصححه ابن خزيمة (3/ج1545) وابن حبان(5/540-الإحسان)، ورواه الضياء في مختار ته (7/41) وأقره ابن حجر في البلوغ، وقال العلامة الألباني في المشكاة(ح1050/ الحلبي):\"وإسناده صحيح\"وكذا النووي في المجموع (4/ 198)، وزاد:\"على شرط مسلم\". وروى أبو داوود في سننه (العون 2/ 260) من طريق سعيد بن أبي عروبة عن قتادة عن أنس أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال:\"أتموا الصف المقدم ثم الذي يليه، فما كان من نقص، فليكن في الصف المؤخر\". وإسناده صحيح، وصححه ابن خزيمة(3/ج1546-1547) وابن حبان (5/ ج2155/الإحسان) وقال العلامة في المشكاة(ح1051- حلبي):\"إسناده صحيح\"وقال النووي في المجموع (4/198):\"إسناده حسن\".

3- وعن أبي مسعود قال: \"كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يمسح مناكبنا في الصلاة، ويقول:\"استووا ولا تختلفوا فتختلف قلوبكم، ليلني منكم أولوا الأحلام والنهى، ثم الذين يلونهم\"قال أبو مسعود فأنتم اليوم أشد اختلافا. أخرجه مسلم (نووي2/ج432).

4- وعن جابر بن سمرة قال: خرج علينا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال:\"ألا تصفون كما تصف الملائكة عند ربها؟ فقلنا: وكيف تصف الملائكة عند ربها؟ قال: \"يتمون الصف الأول ويتراصون في الصف\". أخرجه مسلم (نووي 2/430).

5- وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال:\".....وأقيموا الصف في الصلاة، فإن إقامة الصف من حسن الصلاة\". أخرجه البخاري (فتح /ج722).

6- وعن البراء بن عازب قال:\"كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يتخلل الصف من ناحية إلى ناحية، يمسح صدورنا ومناكبنا، ويقول: \"لا تختلفوا فتختلف قلوبكم، وكان يقول: إن الله - عز وجل - وملائكته يصلون على الصفوف الأول\" أخرجه أبو داوود في سننه (عون2/257) بإسناد صحيح، وصححه ابن خزيمة (3/ح1551،1552) وصححه العلامة الألباني في صحيح أبي داوود، وقال النووي في المجموع (4/198):\"إسناده حسن\".

7- وعن عبد الله بن عمر - رضي الله عنهما - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: \"أقيموا الصفوف، وحاذوا بين المناكب، وسدوا الخلل، ولينوا بـأيدي إخوانكم، ولا تذروا فرجات للشيطان، ومن وصل صفا وصله الله، ومن قطع صفا قطعه الله\". أخرجه أبو داوود وإسناده صحيح، وصححه ابن خزيمة (3/ج1549)، والحاكم(1/ج777) وأقرهما الحافظ في الفتح (2/ 247) وقال:\"وقد ورد الأمر بسد خلل الصف والترغيب فيه، في أحاديث كثيرة أجمعها حديث ابن عمر.......وذكره\"أه، وقال العلامة في المشكاة (ح1059/حلبي):(إسناده صحيح) وكذا قال النووي في المجموع (4/198).

قال المنذري في الترغيب والترهيب (1/188): \"الخلل بفتح الخاء المعجمة واللام أيضا هو: ما يكون بين الاثنين من الاتساع ثم عدم التراص\"أ.هـ، فهذا صريح بأن سد الخلل والفرج لا يحصل إلا بما عمله الصحابة وفهموه من أمر النبي - صلى الله عليه وسلم - لا بالتقارب فقط.

ومما جاء عن سلف الأمة في تسوية الصفوف وسد الخلل:

• عن خيثمة بن عبد الرحمن الكوفي قال:\"صليت إلى جنب ابن عمر، فرأى في الصف فرجة- أي الذي أمامه- فأومأ إلي، فلم أتقدم، قال فتقدم هو فسدها\". رواه ابن أبي شيبة بإسناد صحيح جليل (1/416).

• عن أبي عثمان النهدي، قال: ما رأيت أحدا كان أشد تعاهدا من عمر، أن كان يستقبل القبلة، حتى إذا قلت قد كبر التفت فنظر إلى المناكب والأقدام، وإن كان يبعث رجالا يطردون الناس حتى يلحقوهم بالصفوف\"أخرجه عبد الرزاق مختصرا(2/ 47)، وابن أبي شيبة (1/388) واللفظ له، وإسناده صحيح جليل، وقال الحافظ في الفتح (2/246):\"صح عن عمر أنه ضرب قدم أبي عثمان النهدي لإقامة الصف\"، وروى عبد الرزاق (2/47) بإسناد صحيح على شرط الجماعة عن ابن عمر قال: كان عمر لا يكبر حتى تعتدل الصفوف، يوكل بذلك رجالا\".

• وعن مالك بن أبي عامر الأصبحي قال: سمعت عثمان، وهو يقول: استووا وحاذوا بين المناكب، فإن من تمام الصلاة إقامة الصف، قال: وكان لا يكبر حتى يأتيه رجال، قد وكلهم بإقامة الصفوف. أخرجه ابن أبي شيبة (1/387) بإسناد صحيح.

• وعن سويد بن غفلة قال:\"كان بلال يضرب أقدامنا في الصلاة ويسِّوي مناكبنا\"، أخرجه عبد الرزاق (2/387) وصححه الحافظ في الفتح (2/246).

وقد ساق ابن حزم جملة كبيرة من هذه النصوص و الآثار، ثم بين فرضية تسوية الصفوف، ثم قال عن وجوب ذلك:\"وهذا إجماع منهم والآثار في هذا كثيرة جدا\"أه.

فقه النصوص والآثار:

اشتملت هذه النصوص والآثار على مجموعة من الأوامر وهي:

1ـ الأمر بتسوية الصفوف، بحيث يكون المصلون على استقامة واحدة، وذلك بالمحاذاة بين المناكب وبالمحاذاة بالأعناق أيضًا، و ذكر الفقهاء أن التسوية تحصل بالمناكب والأكعب لا بأطراف القدمين،انظر تحفة الفقهاء للسمرقندي (1/11)، والإنصاف للمرداوي(3/404).

2ـ الأمر برص الصفوف وإلزاق المناكب والأكعب، وسد الخلل والفرجات، وهذان الأمران ـ الأول و الثاني ـ يجزم الباحث أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أرادها بقوله في النصوص المطلقة (أقيموا صفوفكم) فعامة النصوص اشتملت على هذين الأمرين، ثم إن السنة الفعلية وفهم الصحابة دل على أن هذان الأمران مرادان.

3ـ إتمام الصف الأول فالأول ودخوله في إقامة الصف غير بعيد. وجاء منصوصا عليه في حديث أنس عند مسلم (أتموا الصفوف) وحديثه عند أبي داوود، وحديث جابر بن سمرة عند مسلم وحديث ابن عمر عند أبي داوود وأثر ابن عمر عند ابن أبي شيبة.

قال النووي في المجموع (4/197):\"والمراد بتسوية الصفوف إتمام الأول فالأول وسد الفرج، ويحاذي القائمين فيها بحيث لا يتقدم صدر أحد ولا شيء منه على من هو بجنبه، ولا يشرع في الصف الثاني حتى يتم الأول، ولا يقف في صف حتى يتم ما قبله\"أه.

4ـ مقاربة الصفوف بعضها من بعض كما في حديث أنس عند أبي داوود.

وجزمت الظاهرية (المحلى 5/55) بوجوب المقاربة بين الصفوف، وحد الفقهاء المقاربة بأن لا يكون بين الصف والذي يليه إلا ما يكفي المصلين لإقامة ركوعهم وسجودهم، وحده بعضهم بثلاثة أذرع، وحده آخرون بعدم حصول التباعد عرفا (الإنصاف 4/447-448)، (عون المعبود 2/259)، والأقوال هذه متقاربة.

ومع كون الراجح وجوب المقاربة إلا أن الآمدي والمجد ابن تيمية نقلا الإجماع على صحة صلاة الجماعة في المسجد الواحد ولو لم تتصل صفوفهم، (الإنصاف 4/446)، وقال النووي في المجموع (4/260):\"ونقل أصحابنا فيه – أي صحة الصلاة مع عدم اتصال الصفوف في المسجد – إجماع المسلمين\"اه.

والظاهر من النصوص أن تسوية الصف واجبة على المعاني الأربعة المتقدمة (المحاذاة، والتراص وإتمام الصف الأول فالأول، والتقارب بين الصفوف).

ـ وقد أطلق الفقهاء أن تسوية الصف من محاذاة وتراص مستحب وليس بواجب (المغني 2/126)،(المجموع 4/197ـ198،258ـ259)، الإنصاف (3/404)، وذكر بعضهم الإجماع على استحبابه.

وذهب جماعة من أهل العلم إلى وجوب تسوية الصفوف في الصلاة كالظاهرية (4/38)، حتى قال ابن حزم في المحلى (4/40):\"ما كان – رضي الله عنه- (أي عمر) ليضرب أحدا ويستبيح بشرة محرمة على غير فرض\".

وذهب إلى الوجوب شيخ الإسلام (حاشية الروض الُمربع 2/8)،(الإنصاف3/404)، وذكره صاحب الفروع احتمالا، (لإنصاف 3/404)، وهو اختيار الشيخ الألباني (الصحيحة1/72)، والشيخ ابن عثيمين (الممتع3/11)، إلا أن الشيخ ابن عثيمين قصر الوجوب على المحاذاة بالمناكب والأقدام، وظاهر إطلاق من قال بالوجوب من أهل العلم، أن الوجوب شامل للمحاذاة والتراص.

والوجوب هو ظاهر مذهب البخاري في صحيحه، فقال البخاري – رحمه الله- (الفتح 2/245):\"باب إثم من لم يتم الصفوف\"، ثم أسند حديث بشير بن يسار – المتقدم - عن أنس قال الحافظ في الفتح(2/246):\"ويحتمل أن يكون البخاري أخذ الوجوب من صيغة الأمر في قوله\"سووا صفوفكم\"، ومن عموم قوله\"صلوا كما رأيتموني أصلي\"ومن ورود الوعيد على تركه، فرجح عنده لهذه القرائن أن إنكار أنس إنما وقع على ترك الواجب، وإن كان الإنكار يقع على ترك السنن\".اه، ثم قال ابن حجر\"......ونازع -أي ابن حزم- من ادعى الإجماع على عدم الوجوب بما صح عن عمر أنه ضرب....وبما صح عن سويد بن غفلة عن بلال....، فقال – أي ابن حزم-: ما كان عمر وبلال يضربان أحدا على ترك غير الواجب، وفيه نظر، لجواز أنهما كانا يريان التعزير على ترك السنة\"اه من الفتح.

وقال صاحب حاشية الروض (2/8) - معلقا على قول الماتن:\"(وتسوية الصف) أي تسن\"- قال:\"وظاهر كلام الشيخ – أي ابن تيمية - وجوب التسوية، للخبرين وغيرهما، والأمر بتعديل الصفوف متواتر لا خلاف فيه، وقال – أي شيخ الإسلام -: من ذكر الإجماع على استحبابه، فمراده ثبوت استحبابه لا نفي وجوبه\"اه.

وقال العلامة الصنعاني - رحمه الله - في السبل (2/64) – بعد أن ذكر أحاديث المراصة والمساواة -:\"وهذه الأحاديث والوعيد الذي فيها دالة على وجوب ذلك، وهو مما تساهل فيه الناس\"اه.

وقال الآبادي في عون المعبود (2/256):\"قال في التعليق المغنى: فهذه الأحاديث فيها دلالة واضحة على اهتمام تسوية الصفوف، وأنها من إتمام الصلاة، وعلى أنه لا يتأخر بعض على بعض، ولا يتقدم بعضه على بعض، وعلى أنه يلزق منكبه بمنكب صاحبه وقدمه بقدمه وركبته بركبته، لكن اليوم تركت هذه السنة ولو فعلت اليوم لنفر الناس كالحمر الوحشية، فإنا لله وإنا إليه راجعون\". أه

وقال العلامة الألباني في الصحيحة (1/72):\"وفي هذين الحديثين فوائد عظيمة – أي حديث النعمان، وحديث أنس من طريق حميد

الأولى: وجوب إقامة الصفوف وتسويتها والتراص فيها، للأمر بذلك، والأصل فيه الوجوب إلا لقرينة، كما هو مقرر في الأصول، والقرينة هنا تؤكد الوجوب، وهو قوله –- صلى الله عليه وسلم -:\"أو ليخالفن الله بين قلوبكم\"فإن مثل هذا التحديد لا يقال فيما ليس بواجب، كما لا يخفى\"أه.

وقال الشيخ ابن عثيمين (3/11-الممتع):\"ولهذا ذهب بعض أهل العلم إلى وجوب تسوية الصف، واستدلوا لذلك: بأمر النبي - صلى الله عليه وسلم - وتوعده على مخالفته وشيء يأتي الأمر به، ويتوعد على مخالفته، لا يمكن أن يقال: إنه سنة فقط، ولهذا كان القول الراجح في هذه المسألة وجوب تسوية الصف، وأن الجماعة إذا لم يسووا صفوفهم، فهم آثمون، وهذا هو ظاهر كلام شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله -\"أه.

وذهب ابن حزم إلى وجوب المساواة والمراصة، بل ذهب إلى إبطال صلاة من لم يستو في الصف فقال (4/36):\"وفرض على المأمومين تعديل الصفوف الأول فالأول، والتراص فيها المحاذاة بالمناكب والأرجل، فإن كان نقص كان في آخرها\"، وذكر (4/39) بطلان صلاة من لم يقم الصفوف وأن تارك التسوية والمراصة مرتكب لكبيرة (4/38)، وما ذهب إليه ابن حزم قوي ظاهر إلا أن القول ببطلان الصلاة فيه نظر.

قال الحافظ في الفتح (2/246):\"ومع القول بأن التسوية واجبة فصلاة من خالف، ولم يسو صحيحة لاختلاف الجهتين ونؤيد ذلك أن أنسا مع إنكاره عليهم، لم يأمرهم بإعادة الصلاة، وأفرط ابن حزم فجزم بالبطلان\"اه.

وذكر المرداوي في الإنصاف كلام ابن مفلح: (ويحتمل أن يمنع الصحة –أي عدم تسوية الصف -، ويحتمل لا)، فقال المرداوي: \"وهو الصواب - أي عدم البطلان –\".

وقال الشيخ ابن عثيمين في الممتع (3/12):\"لكن إذا خالفوا فلم يسووا الصف، فهل تبطل صلاتهم، لأنهم تركوا أمرا واجبا؟ الجواب: فيه احتمال، قد يقال: إنها تبطل، لأنهم تركوا الواجب، ولكن احتمال عدم البطلان أقوى مع الإثمº لأن التسوية واجبة للصلاة لا في الصلاة، يعني هو خارج عن هيئتها، والواجب للصلاة يأثم الإنسان بتركه، ولا تبطل الصلاة كالأذان مثلا، فإنه واجب للصلاة، ولا تبطل الصلاة بتركه\"أه.

هذا وقد دلت الأحاديث على سنة هجرها كثير من الأئمة – مع الأسف - وهي أن الإمام يأمر المصلين بتسوية الصفوف، قال الإمام النووي في المجموع (4/197):\"قال أصحابنا يسن للإمام أن يأمر المأمومين بتسوية الصفوف عند إرادة الإحرام بها، ويستحب إذا كان المسجد كبيراً أن يأمر الإمام رجلا يأمرهم بتسويتها، ويطوف عليهم أو ينادي فيهم، ويستحب لكل واحد من الحاضرين أن يأمر بذلك من رأى منه خللاً في تسوية الصف، فإنه من الأمر بالمعروف والتعاون على البر والتقوى\"أه.

بل الظاهر من السنة كما في حديث النعمان بن بشير أن الإمام يقبل على المأمومين بوجهه، ثم يأمرهم بتسوية الصفوف، كما كان النبي – - صلى الله عليه وسلم - يفعل مع أصحابه، ولا ينبغي للإمام أن يكتفي بالالتفات يمينا وشمالا قائلا (اعتدلوا)،لأن في إقباله عليهم بوجهه تأكيدا منه على أهمية تسوية الصفوف، ويكون في إقباله عليهم تنبيه منه على رؤيته لهم، وأن هذه الصلاة لا ينبغي أن تقام ويشرع فيها إلا بعد استواء الصفوف تماما، فصلاة الجماعة من أعظم مقاصدها اجتماع القلوب وتآلفها، ولا يحصل جل هذا المقصد مع تباعد الأجساد وعدم تراصها.

وأما ما رواه أبو داوود في سننه (العون 2/260) عن أنس - رضي الله عنه - قال: \"إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان إذا قام إلى الصلاة أخذه بيمينه – العود المنصوب في المسجد - ثم التفت فقال: اعتدلوا سووا صفوفكم، ثم أخذه بيساره فقال: اعتدلوا سووا صفوفكم\".

فهذا الحديث ضعيف، فيه مصعب بن ثابت الزبيري، وقد ضعفه عامة أهل العلم، وفيه محمد بن مسلم بن السائب صاحب المقصورة وهو مجهول الحال، وضعفه الشيخ الألباني في المشكاة (ح 1055/حلبي) لهذين السببين.

ولو صح الحديث لحمل على أن النبي - صلى الله عليه وسلم - اكتفى بالالتفات ولم يقبل عليهم بوجهه بعد أن علم منه أنهم عقلوا تسوية الصفوف بصورة صحيحة دقيقة، ودل على هذا المحمل حديث النعمان:\".... حتى رأى أنا قد عقلنا عنه، ثم خرج يوما، فقام حتى كاد يكبر.....\"، وأما اليوم فالغفلة شديدة والجهل منتشر فاش في أكثر المجتمعات.

هذا آخر ما تيسر لي جمعه، والله أعلم.

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply