بسم الله الرحمن الرحيم
هذا المقال نشر في المجلة العربية
شاع في هذا العصر مصطلح حق التأليف والابتكار والإبداع وجرى الحديث حوله في كثير من المؤتمرات العالمية، وتبنَّت
منظَّـمة (الويبو) التابعة للأمم المتحدة مسؤولية الدفاع عن الحقوق الفكريَّة وعقدت لذلك عدَّة دورات، وتبعتها المنظمة
العربية للتربية والثقافة والعلوم التابعة لجامعة الدول العربية في مؤتمر بغداد في نوفمبر 1981م.
وفي الشريعة الإسلامية يعدٌّ التأليف عملاً يُنسب لصاحبه لا ينقطع عنه بموت، فهو علمٌ يَـنتفع به، وقد سُـئل الإمام أحمد - رحمه الله تعالى -عن من سَـقَطَت منه ورقةٌ كُتِب فيها أحاديث أو نحوها، أَيَجُوز لمن وَجَدَها أن يَكـتُـبَ منها ثمَّ يرُدَّها؟ فقال: لا، بل يستأذن ثم يَـكتب. فالإمام أحمد - رحمه الله - لا يمنع من قراءة المؤلفات ولا يحرِّمها، وإنما يُنبِّهنا وهو الفقيه الفهيم إلى ما يدِقٌّ من معاني الفقه، وهو أن الكلام المكتوب إنما هو منفعة متقوَّمة حصلت على يد الـكاتب فاختصَّت نسبتها إليه دون غيره، وهذا هو معنى التملٌّك إذ لا معنى للملك غير الاختصاص بالتصرٌّف في الشيء والانتفاع به من غير مانع.
أما النقل عن المؤلفات مع الإشارة إلى الاستفادة منها فهو أمر جائز مادامت المؤلَّفات منشورة ولم يقف صاحبها دون الإذن بقراءتها والانتفاع بها، فإذا رضي المالك وهو المؤلف في قراءة ما كتب وفي النقل عنه فلا إشكال في الجواز لأن هذا حق مأذون فيه، سواء كان الرضى بالعبارة الصريحة أو كان بالإذن العرفي بدلالة العرف حال طباعة المؤلِّف ما ألَّفه ونَــشـرِه للباحثين، فالإذن هنا حاصل بشهادة الحال.
غير أن الرضا هنا مقصورٌ على الإذن بالقراءة وبالنقل المقترن بالعَـزوِ والإحالة على المصدر لا يتعدَّاه، وهو أمر دَرَجَ عليه الباحثون قديما من غير نكيرِ من أحد، حتى صار عرفا بين الباحثين، أما النقل عن الكتب من غير إحالة عليها فلا يتوجَّه إليه الرضا بحال. وهو معنىً لم يَـغِـب عن الناس حتى في الجاهلية فقد قال قائلهم:
ولا أغير على الأشعار أسرقها*** منها غَـنِـيتُ وشـرٌّ الناس من سرقا
وإذا كان التعليم كما يقول العلماء من فروض الكفايات، فإن لِقوَّة التأليف وجَودته يدٌ مشهودة في ازدهاره ونَـمَـائِـه، فهو السبيل إلى قيد الإبداعات الفكرية التي لا تستقِرٌّ ولا تُحفظ إلا بكتابتها، فيسهل بعد ذلك بــثٌّــهـا بين الناس للإفادة منها ثم تطويرها والارتقاء بها.
أما إذا كانت التأليف تكراراً لأقوال الآخرين ووُقوفاً عند إبداعات السابقين، غايتها عَزوٌ ونَقل، وقانونها: قال فلان وقال علاَّن! وما ترك الأوَّل للآخر! فأيٌّ تَقدٌّم يُرتجى؟ وأيٌّ نُهوض يُـرتقب؟ ورحم الله الإمام مالكاً حين أبدع و ابتكر فوطَّــأ لنا أوَّل مؤلَّف في شرائع الإسلام بَـنَـاهُ كما يقول العلماء على تمهيد الأُصول للفروع ونَبَّه فيه على معظم أُصول الفقه. فـبـنى الإمام الشافعي - رحمه الله - علمه على تلك القواعد التي أسسها شيخه مالك - رحمه الله -، فأبرز لنا كتابه العظيم (الرسالة) في علم أُصول الفقه في ثوبٍ, جديد.
وظلَّت قافلة الإبداعات الفكرية تسير حتى جاء الإمام الغزالي (450هـ-505هـ) - رحمه الله - فأبرز لنا من مكنونات هذه الشريعة دُرَراً كثيرة، منها في مجال علم النفس كَـشـفُـهُ لِـمَسألة سَبق الوَهم إلى العكس (وهي ما تسمَّـى حديثا: نظرية الاقتران الشرطي)، وتحليله لها تحليلاً دقيقاً في عِـدَّة مواطن من مؤلَّفاته، وقد كانت تُنسب إلى العالم النفساني الروسي بافلوف (1849م-1936م) الذي استدلَّ على هذه النظرية من تجربته على الكلاب، من حيث ذكر الإمام الغزالي مثالاً أرقى وأدق فنَـزَّلها على الإنسان، حال إنقاذ الغريق.
وهكذا فرض هذا الدين على أتباعه النماء والإبداع والارتقاء في دَرَج الكمال والانخلاع عن رتبة التقليد والمحاكاة.
ولِـمَجَال التأليف ميدان أشدٌّ ظلمة وأشدٌّ تخبٌّطاً من ميدان الـنَّـقل والمحاكاة، وهو ميدان يـتدرَّع فيه صاحبُهُ بالليل ليكون أخفى عليه للويل، وهو ميدان سرقة المؤلفات وإضافتها إلى غير مؤلفيها، وقد قيل:
أُضَـمِّـن كــلَّ بـيـتٍ, نصف بيتٍ,*** فشعري نصفه من شعر غيري
فإن الدرهم المضروب باسمي*** أحــبٌّ إلـيَّ من ديـنار غيري
وهو عمل أخشى أن ينطبق عليه قول الصادق المصدوق - عليه الصلاة والسلام -: (المُـتـَشَبِّع بما لم يُــعـطَ كلابس ثوبي زور) فقد حكى الخطابي عن نعيم بن حماد - رحمهما الله - أنه قال: يكون في الحيّ الرجلُ لـه هيئةٌ وشـارةٌ، فإذا احتيج إلى شهادة زور لَـبِـس ثوبيه وأقبل فشهد فَـقُـبِل، لِـنُـبلِ هيئته وحُسن ثوبيه، فيقال: أمضاها بثوبيه أي أمضى الشهادة.
والمُـتحلِّي بما ليس فيه كمن لبس ثوبي الزور، ارتَدى أحـدهـمـا واتـَّـزر بــالآخــر كما قال العربي: إذا هـو بالمـجـد ارتـدى وتـأزَّرا.
وقد كنت منذ اثنتي عشرة سنة تقريباً في تونس فأخبرتني الباحثة القديرة الدكتورة هند شلبي وهي من فضليات نساء العصر وهبها الله علما غزيرا ودينا متينا وسلوكا يحكي هدي الصحابيات ولها موقف رَسَمَت به لوحةً مشرِّفة على تاريخ تونس الحديث أنها عثرت بجامع عقبة بن نافع بالقيروان على أجزاء متفرقة من تفسير يحي بن سلام الذي هو أصل يرجع إليه الطبري في تفسيره. وذكرت أنها أتمَّت تحقيقه، وطلبت منِّي إيصاله إلى ناشرٍ, من إحدى الدول العربية يقيم في جدَّة، فسلَّمتني الكتاب بعد أن احتفظت بصورة منه لديها نزولا عند رغبتي خوفا من ضياعه، وكنت محتسباً أجري عند الله بأن يكون لي مساهمة في إخراج هذا الكنز ولم يَدُر بخلدي أنني سأقدِّمه للصٍّ, يسرقه، أخذت الكتاب معي ووصلت مطار جدة واتصلت بالناشر وسلَّمته النسخة يداً بيد ثم غادرت إلى بلدتي الأحساء.
وتمضي الأيام فتكتشف الدكتورة هندٌ أن الناشر قد قدَّم الكتاب إلى جامعة أم القرى باسمه للحصول على درجة علمية ، والمرءُ توَّاقٌ إلى ما لم ينل، فجزى الله خيرا العلامة الجليل الشيخ محمد الحبيب ابن الخوجه حين كشف الحقيقة للجامعة، وأعاد الحق لصاحبه.
ومن الطريف المضحك المبكي ما أخبرني به قبل سنتين أستاذي الجليل الأستاذ الدكتور محمد نعيم ياسين في منزله بعمَّان أن بحثاً أُرسِل إليه لِيَـحكُـم عليه، فإذا هو أحد أبحاثه المنشورة بقضِّهِ وقضيضه، ساعتها تذكَّرت قول الشاعر:
أُمورٌ يضحك السٌّـفهاء منها ***ويَـبكي من عواقبها الحليم
ومن ذلك أني كنت في شهر رجب من عام 1418هـ في تونس فاتَّصل بي أُستاذ من جامعة الملك عبد العزيز بجدة يخبرني أن أُطروحته لدرجة الدكتوراه طبعت منسوبة إلى باحثين لا يعرفهما، ويسألني إن كنت أعرفهما، فأجبته بِـنَـعَـم، أما أحدهما فكنت أُحسن الظن به وعجزت عن الالتقاء به بِـسبب سفره للخارج، وأما الآخر فاتصلت به هاتفيا في نفس اليوم وصارحته بما انكشف من أمره، فأنكر أن يكون سرق، مُـبدياً استغرابه من هذه التهمة، فطلبت منه أن يُريَني مسودة التحقيق التي هي برهان صِـدقِـه، فوعدني بذلك، وجاءني بعد يومين بنسخة مرتَّبة، وكان الاضطراب ظاهرا على وجهه فالمسألة عنده كما يقال: يقع الخاطر على الخاطر كما يقع الحافر على الحافر، فقلت له: لك أن تستظهر لي بالمسودات التي بنيت عليها بحثك لأذبَّ عنك عند صاحبي وأُثـبِت له أن المسألة توارد خواطر، فقال لي بلهجته العامية: لوَّحتُ المسودات كلها ولا أملك منها غير النسخة النهائية المرتبة التي عليها جرت الطباعة. فأعجب لباحث يفرِّط في أساس بحثه وقاعدته. ومنذ مدَّة كنت مشاركاً في مؤتمرٍ, علمي بإحدى الدول العربية، وحين وصلت مكان المؤتمر مع بداية الجلسة الثالثة من اليوم الأول رأيت خبرا شائعاً بين كثيرٍ, ممن حضر المؤتمر وهو أن أحد أبحاث المؤتمر إنما هو نقلٌ مُجـرَّد من كتابي: (التداوي والمسؤولية الطبية في الشريعة الإسلامية) المطبوع بدمشق سنة 1412هـ.
ولمَّـا وَقَـفتُ على حقيقة الأمر علمت أن ما شاع لم يكن ظـنَّـاً بل هو حقيقةٌ أدرَكَها المشاركون وشَهِدَها أعضاء اللجنة التحضيرية للمؤتمر، واستاءوا منها أشدَّ الاستياء فأفضَوا إليَّ بما ساءهم، وكنت أُكذِّب نفسي لولا أن البحث مُقَـدَّم للمؤتمر و مُـنتحله موجود بمكان المؤتمر، ووقف على منصَّة المؤتمر مستعلناً بنسبة البحث إلى نفسه غير هيَّـابٍ, ولا خجِل، وغاب عنه أن حبل الانتحال قصير و أن أمره اطلع عليه الكثير.
وأطرف ما رأيت من أمره أنه عاجز حتى عن أن يقرأ النص الذي نسبه إلى نفسه قراءةً سليمة غير مغلوطة، وبيان ذلك أن أحد مصادري كان كتاب (النوادر والزيادات) للشيخ أبي محمد عبد الله بن أبي زيد القيرواني - رحمه الله -، فـأثــَبَــتٌّـه في ثبت المصادر المخطوطة ولم أذكره في المصادر المطبوعة لأنه كان ولا يزال مخطوطاً، ونَسَبــتُـهُ إلى مصدره قسم المخطوطات بدار الكتب الوطنية بتونس، فإذا بالمنتحل يكتب: (ط ونشر دار الكتب الوطنية بتونس) ولم يَدرِ هداه الله أن الكتاب لم ينشر بل لم يطبع، بل لم يعلم وهذه جهالة لا تُقبل من منتسب إلى هيئة علمية-إن دار الكتب الوطنية ليست دار نشر وإنما هي واحدة من أشهر مراكز المخطوطات في العالم، ولكن للسارق غفلة، وقديماً قيل: يَـركَـب الصَّـعب من لا ذلول له. وهكذا أساء فهماً فأساء نقلاً. وما عسى أن يرفعه انتحال كلام الآخرين غير الفضيحة في الدنيا و الخزي في الآخرة كما قيل: خيرٌ قليل وفضحت نفسي، فلعله أن يتوب فيتوب الله عليه. وفي البحث طرائف من سوء النقل والتخليط في الانتحال أعرضت عن ذكرها. ولا تظنَّ أخي القارئ أن كل المنتحلين بهذه السذاجة والبساطة، فقد أخبرني أخي الأستاذ الدكتور عبد الناصر أبو البصل أنه اكتشف سرقة فاستحلف السارق بالله أن يصدقه فقال السارق: أما أنني سرقت فنعم، وهاهو البحث أمامك وأتحدَّى أن يستطيع أحدٌ إثبات ذلك.
وإن عندي من أخبار تجَّار السرقات الكثير لو تركت للقلم المجال، فلو علِم بها كُتَّاب المقامات لرأوا فيها مادَّتهم التي ينشدون وبُغيتهم التي إليها يتطلَّعون، ولأغنتهم عن كثير من التخيٌّلات، وهي تجارة تتستَّر بالظلام شـأنها التحايل في الارتزاق، لِـتُـفسِدَ أسواق العلوم:
قد تَــجِــرَت في سوقنا عقربٌ ***لا مرحباً بالعقرب الـتَّاجرة
والتاريخ يُـنَـبِّـهنا إلى أجلى مظاهر الــرٌّقِـيّ في الأمم وهو قوَّة التعليم ونَـفَـاق سوقه وجودة التأليف فيه، فهما معياران دقيقان بهما يُـقاس تـقـدٌّم الأمم ورُقـيٌّها، وهما أمران يَفرضان على المجتمع عُقولاً منفتحةً مستنيرة تُغالب الجهل وظُـلمتـه.
ومن هنا كان لزاماً علينا أن ينفر في كل قطر من بلادنا من ينهض بشأن التعليم، ويجب على الجامعات في بلادنا أن تهتم بذلك و أن تتميَّز بجودة الأبحاث والسَّبق فيها، وأن تبني طلاَّبها وتحصِّنهم بالعلم والرحلة في طلبه حتى يَـرتـاضوا الأبحاث الجادة والمبتكرة.
وإن مِن أسباب حِـفـظِ العلم أن يسير وفق منهج علمي صحيح له خطة مرسومة وغاية منشودة، لا يورث الباحث شعوراً بعبث موقفه بحيث تتقطَّع أمامه سبل الطلب، فتسرق منه أبحاثه وتُنسب لغيره، ولا يجد من ينتصر له ويُنصفه في مظلمته، فلا يرى معنىً لقول الشاعر:
يا من يحاول بالأماني رتبتي *** كم بين منخفضٍ, وآخر راقي
أأبِيتُ ليلي ساهراً وتُضيعُهُ *** نوماً وتأمل بعد ذاك لحاقي
وإني أقول: إذا حرُم علينا في أسواق المنافع الحسية أو ما يسمونها أسواق المال كل بيع ينطوي على غبنٍ, أو غررٍ, أو غشٍ, ، ولم يُـبَـح لنا تبادل المنافع إلا عبر أبواب العقود الصحيحة المعتبرة التي لا تعود على أصل التبادل وفائدته بالإبطال، فكيف يحلٌّ لنا في أسواق العلوم تبادل المعلومات والخبرات ونقلها عبر وسائل تعود على أصل العلم بالفساد وترجع على سوق العلم بالاختلال الذي يَـقـــعـُد بالباحثين عن الارتقاء بالعلم وحسن التأليف فيه ويزيل من النفوس طموحها.
ولقد أحسنت دار المجد بالرياض حين أنشأت مشروعاً عنوانه: (موسوعة السرقات الأدبية). فمنذ سنة تقريباً أهدى إليَّ أخي الفاضل الأستاذ عادل الماجد المدير التنفيذي لهذه الدار ملفاً حول فـكرة الموسوعة وأهميتها في إِدارة المعلومات بين الباحثين وحرص القائمين عليها على التثبت من جميع ما يحصلون عليه من معلومات، وأكَّد لي أن لديهم ضوابط واضحة تكوِّن معياراً دقيقاً تقاس به مواد الموسوعة، وهي دليل نُـبـل مَـقصدهم من إنـشاء هذه الموسوعة.
ففكرة الموسوعة تدخل ضمن وظيفة الحسبة فهي عمل مشكور ومأجور وشجاع، غايتها التي ترمي إليها تتبَّـع من يتكسَّب بالحرام، من مختلسٍ, أو لـصٍّ,، لِـيَـنـكـفَّ عن هذه الصَّـنـعة المشينة و الفعلة المهينة، ووسيلة الموسوعة لِـتـحقيق هذه الغاية الطواف في أسواق العلوم بصُـنُـوفها المختلفة ومراقبتها بل وتفتيشها إن لزم الأمر لِـلكشف عن سائر صور المتاجرة المحرَّمة من سرقة أو غش أو تدليس أو غير ذلك. ومن ثم إبراز الحقائق بنسبة الأقوال إلى أصحابها.
من هنا فإني أرى أن تبادر جامعاتنا إلى مدِّ يد العون لهذا المشروع بما تستطيعه من دعم مالي ومعنوي، فهو يخدم رسالتها، و يحفظ حقوق الباحثين فيها، وهو كذلك عمل تحتاجه الأمة فلا ينبغي أن يوكل شأنه لِـفرد أو لِـمؤسسة بمفردها.
وقد ذكر لي الأستاذ عادل أن عددا من الرسائل الهاتفية والكتابية وصلت إليهم طمعاً في التستر على أصحابها وفي عدم فضيحتهم بأساليب غير لائقة، وهذه الأساليب منشؤها أَنفُـسٌ مريضة انطبعت في مرآتها زخارف الدنيا وزينتها تحتاج إلى معالجتها بالنصح والإرشاد والتعليم والترقِّي بالنفوس بتزكيتها وتطهيرها.
ولا يُشكل على عمل الموسوعة أن الشرع الحنيف أمر بالستر على عورات الناس وندب إلى ذلك في عموم أحوال الناس، وعَـدَّ الكشف عن عوراتهم والتشهير بهم صورة من صور العدوان على الغير.
ذلك أن الكشف عن أحوال هؤلاء كما قال العلماء ليس من الغيبة المحرَّمة بل من النَّصيحة الواجبة وهذا محلٌّ إجماع من المسلمين كما قال النووي - رحمه الله -، باعتبار أن تطهير الأرض من هذه المعاصي وإخلائها من هذه المفاسد أمرٌ مطلوب شرعاً ولا يتحقق هذا المطلوب بترك هؤلاء يتمادون في غيِّهم. ثم إن إظهار هؤلاء والتشهير بهم يعود ضرره بالفضيحة على أشخاصهم دون غيرهم، أما الستر عليهم وتركهم يعيثون ويُفسدون فإنه يهدم مصلحة عامة فالمتضرِّر منه سائر أفراد المجتمع، والحفاظ على المصلحة العامة مقدَّم على الحفاظ على مصلحة خاصة بفرد أو بأفراد مخصوصين.
نعم ذكر علماؤنا - رحمهم الله - أدباً هو عنوانٌ لما يتمتعون به من دِقَّـة علمية فائقة ومن خلق سامٍ, وذوق رفيع بحيث لا يطغى أحدهما على الآخر، فقالوا فيمن يشهد على السرقة: (يجب أن يقول - أي الشاهد حين يقف أمام القاضي للشهادة-: أَخَـذَ، إحياءً لِـحَـقِّ المسروق منه، ولا يقول: سَـرَقَ، محافظةً على الستر)
فإذا علمنا أن المؤلفات و الأبحاث العلمية هي طُـرُق العلوم والوسيلة إليها فالواجب يقتضي أن تتولى الجامعات والمؤسسات العلمية معالجة هذه الجرائم التي تفسد الحياة الثقافية و العلمية وتَـئِـدُ الأبحاث في مهدها، والحمد لله رب العالمين.
أضف تعليق
هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها
تم الإرسال
ستتم إضافة التعليق بعد معاينته من قبل فريق عمل مداد