بسم الله الرحمن الرحيم
لكلٍ, منّا أذنان اثنتان ولسان واحدº من أجل أن نستمع أكثر مما نتكلم، ولكن مشكلتنا بني البشر أننّا لا نتفكر بأنفسنا ولا بما حولنا وإلا لأصبحت أحوالنا أفضل، وحياتنا أرقى مما هي عليه الآن، خاصة هذه الأمة التي قال أسلافها في أمثالهم: إذا كان الكلام من فضة، فالسكوت من ذهب..
ومهما تحدثت في هذه النقطة بالذات فلن آتي بجديد على القارئ الكريم، وفي نفس الوقت أشعر أنكم تتفقون معي في أن الواحد منا ميالٌ دائماً إلى الكلام والحديث وإملاء الأوامر وإسداء النصائح أكثر منه إلى الاستماع وتلقي النصيحة والمعرفة من الآخرين، ولكن هناك أوقات - وهي بالطبع نادرة جداً - تشعر فيها بحاجتك إلى الامتناع عن الكلام، ليس بسبب انعدامه لديك، فكل منا لديه من الكلام بأنواعه ما يجعله يؤلف مجلدات بأكملها وليس كتبا، لكن أعنيه هنا وأقصده أن هناك شخصيات تلتقي بها فتحاورك وتبادلك الحديث وتأخذ منك وتعطيك حتى يصل بك الأمر إلى إعلان استسلامك السلمي التام غير المشروط، استسلاما فيه لذة..فتجد نفسك وقد توقفت عن الكلام سوى ببعض التعليقات العفوية المؤيدة لما تسمع، تخرج على استحياء منك، أما النفس فقد انعتقت من سطوة ذلك اللسان المهيمن عليها وسقطت في أسر الحنين إلى الإنصات والتلذذ بما تسمع من الطرف الأخر..
وهذا كما قلت يحدث نادراً ويتطلب وجود شرطين، يتمثل أحدهما في شخصية المتحدث وقدرته على أسر المتلقي والسيطرة عليه وإجباره على الاستماع. والآخر: وجود ذلك المتلقي المدرك لقيمة ما يقال. وقد سبق أن مررت بتجارب شخصية مماثلة ولكنها ليست كثيرة، وكان أخرها ما حدث معي حين التقيت معالي وكيل وزارة الداخلية الدكتور \"أحمد السالم\" قبل عدة أيامº وتشرفت حينها بتقديم نسخة من كتابي الموسوم بـ (حوار مع الإرهاب)، حيث إن هذا الرجل يأسرك باستقباله وحفاوته وطريقة حواره ونظرته للأمور لدرجة تشعر معها أن شخصاً قد عقد لسانك فلا تستطيع الكلام وتريد الإنصات لما يقول، ولا أقول هذا مجاملة وتزلفا، ولكن لأني أعلم كما تعلمون أن من البيان لسحرا، وأن من السحر الحلال ما يجعل الإنسان يتخلى عن مبادئ ومعتقدات هي أعظم ما يمتلك وينصرف عنها إلى ما يناقضها، فما بالكم حين أقول إن من السحر أيضاً ما يجعل المرء يحجم عن الكلام بفعل الحنين إلى الإنصات لما يسمع!
أضف تعليق
هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها
تم الإرسال
ستتم إضافة التعليق بعد معاينته من قبل فريق عمل مداد