الأدب مع أمهات المؤمنين


 

بسم الله الرحمن الرحيم

 

- ورد الثناء في الكتاب والسنة على الصحابة من أهل بيت النبي - صلى الله عليه وسلم - ذكورا وإناثا، وأوضح الله بأن أزواج النبي - صلى الله عليه وسلم - في مرتبة علية ومنزلة رفيعة قال - تعالى -{النَّبِيٌّ أَولَى بِالمُؤمِنِينَ مِن أَنفُسِهِم وَأَزوَاجُهُ أُمَّهَاتُهُم }.

 - ففي هذه الآية فضيلة عظيمة ومنقبة رفيعة لجميع أزواجه - عليه الصلاة والسلام -.

- وأوجب الله لهن حكم الأمومة على كل مؤمن ما لهن من شرف صحبة النبي - صلى الله عليه وسلم -.

- قال القرطبي - رحمه الله -: \" شرّف الله أزواج نبيه - صلى الله عليه وسلم - بأن جعلهن أمهات المؤمنين أي: وجوب التعظيم والمبرة والإجلال وحرمة النكاح على الرجال، وحجبهن رضي الله عنهن بخلاف الأمهات \" (التفسير 14/123).

 

- قال ابن كثير - رحمه الله -: \" وقوله وأزواجه أمهاتهم أي في الحرمة والاحترام والتوقير والإكرام والإعظام ولكن لا تجوز الخلوة بهن ولا ينتشر التحريم إلى بناتهن وأخواتهن بالإجماع \" (التفسير 5/425).

- والذي دفعني للكلام عن أمهات المؤمنين رضي الله عنهن أجمعين ما يلي:

- أولا ً: امتثالا لقول النبي ووصية النبي - صلى الله عليه وسلم - كما في صحيح مسلم: \" وأنا تارك فيكم ثقلين: أولهما: كتاب الله فيه الهدى والنور فخذوا بكتاب الله. واستمسكوا به\" فحث على كتاب الله ورغب فيه. ثم قال \"وأهل بيتي. أذكركم الله في أهل بيتي. أذكركم الله في أهل بيتي. أذكركم الله في أهل بيتي\". فقال له حصين: ومن أهل بيته؟ يا زيد! أليس نساؤه من أهل بيته؟ قال: نساؤه من أهل بيته. ولكن أهل بيته من حرم الصدقة بعده. قال: وهم؟ قال: هم آل علي، وآل عقيل، وآل جعفر، وآل عباس. قال: كل هؤلاء حرم الصدقة؟ قال: نعم \".

- ونساء النبي من آل بيته قال - تعالى - (إنما يريد ليذهب عنكم).

- لذلك أقر المجلسي بأن السياق هو في شأن أزواج النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال في بحار الأنوار 35/24: \" فلعل آية التطهير أيضا وضعوها في موضع زعموا أنها تناسبه أو أدخلوها في سياق مخاطبة الزوجات لبعض مصالحهم الدنيوية وقد ظهر من الأخبار عدم ارتباطهن بقصتهن فالاعتماد في هذا على النظم والترتيب ظاهر البطلان ولو سلم عدم التغيير في الترتيب فنقول سيأتي أخبار مستفيضة بأنه سقط في القرآن آيات كثيرة فلعله سقط مما قبل الآية وما بعدها آيات لو ثبتت لم يفت الربط الظاهري \".

- والأهل في اللغة تطلق على الزوجة قال - تعالى -{وهل أتاك حديث موسى إذ رأى نارا فقال لأهله امكثوا إني آنست ناراً} وبإجماع المفسرين أنه كان مع موسى زوجته.

- وقالت هاجر زوج إبراهيم {قالت يا ويلتى أألد وأنا عجوز وهذا بعلي شيخا إن هذا لشيء عجيب * قالوا أتعجبين من أمر الله رحمة وبركاته عليكم أهل البيت إنه حميد مجيد}

- وقال النبي -: \" أيها الناس من يعذرني في رجل قد بلغ أذاه في أهلي \".

- وكذلك جاء عن عائشة - رضي الله عنها - أنها قالت: \" ما شبع آل رسول الله e - من خبز بر \" أخرجه الإمامان البخاري ومسلم وقول عائشة ما شبع آل رسول الله. تريد نفسها وأزواج النبي -.

- والسبب الثاني: قوله - صلى الله عليه وسلم -: \" المرء مع من أحب \" مسلم.

- والسبب الثالث: \" كما قال الصديق - رضي الله عنه - ارقبوا محمداً في أهل بيته \" رواه البخاري، ولقول الصديق: \" والذي نفسي بيده لقرابة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أحب إلي من أن اصل قرابتي \" البخاري.

- ومن مناقبهن:

- أنهن اخترن الله ورسوله والدار الآخرة إيثاراً منهن لذلك على الدنيا وزينتها فأعد الله لهن على ذلك ثواباً جزيلاً وأجراً عظيما قال تعالى{ يَا أَيٌّهَا النَّبِيٌّ قُل لِّأَزوَاجِكَ إِن كُنتُنَّ تُرِدنَ الحَيَاةَ الدٌّنيَا وَزِينَتَهَا فَتَعَالَينَ أُمَتِّعكُنَّ وَأُسَرِّحكُنَّ سَرَاحاً جَمِيلاً (28) وَإِن كُنتُنَّ تُرِدنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالدَّارَ الآخِرَةَ فَإِنَّ اللَّهَ أَعَدَّ لِلمُحسِنَاتِ مِنكُنَّ أَجراً عَظِيماً }

 

- ففي البخاري بإسناده إلى عائشة - رضي الله عنها - قالت: \" لما أُمر رسول الله بتخيير أزواجه بدأ بي فقال: \" إني ذاكر لك أمرا، ولا عليك أن لا تعجلي حتى تستأمري أبويك. قالت: قد أعلم أن أبوي لم يكونا يأمراني بفراقك، ثم قال: \" إن الله قال: يَا أَيٌّهَا النَّبِيٌّ قُل لِّأَزوَاجِكَ إِن كُنتُنَّ تُرِدنَ الحَيَاةَ الدٌّنيَا وَزِينَتَهَا فَتَعَالَينَ أُمَتِّعكُنَّ وَأُسَرِّحكُنَّ سَرَاحاً جَمِيلاً (28) وَإِن كُنتُنَّ تُرِدنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالدَّارَ الآخِرَةَ فَإِنَّ اللَّهَ أَعَدَّ لِلمُحسِنَاتِ مِنكُنَّ أَجراً عَظِيماً } قلت: أفي هذا أستأمر أبوي، فإني أريد الله ورسوله والدار الآخرة، ثم خير نساءه، فقلن مثل ما قالت عائشة \" (البخاري 2336).

 

- ومن مناقبهن العامة:

- أن الله - تعالى -أخبر عباده أن ثوابهن على الطاعة والعمل الصالح ضعف أجر غيرهن، قال - تعالى -{وَمَن يَقنُت مِنكُنَّ لِلَّهِ وَرَسُولِهِ وَتَعمَل صَالِحاً نٌّؤتِهَا أَجرَهَا مَرَّتَينِ وَأَعتَدنَا لَهَا رِزقاً كَرِيماً}.

- ففي هذه الآية أن التي تطيع الله ورسوله منهن وتعمل صالحاً فإن الله يعطيها ضعف ثواب غيرها من سائر نساء المسلمين، وأعد الله لها في الآخرة عيشاً هنيئاً في الجنان.

 

- قال الحافظ ابن كثير: \" { نٌّؤتِهَا أَجرَهَا مَرَّتَينِ وَأَعتَدنَا لَهَا رِزقاً كَرِيماً} أي: في الجنة فإنهن في منازل رسول الله صلى الله عليه وسلم في أعاى عليين فوق منازل جميع الخلائق في الوسيلة التي هي أقرب منازل الجنة إلى العرش \".

 

- ومن مناقبهن:

 - ومن المناقب التي شرفهن بها رب العالمين وأخبر بها عباده في كتابه العزيز أنهن لسن كأحد من النساء في الفضل والشرف وعلو المنزلة قال - تعالى -{ يَا نِسَاء النَّبِيِّ لَستُنَّ كَأَحَدٍ, مِّنَ النِّسَاء إِنِ اتَّقَيتُنَّ فَلَا تَخضَعنَ بِالقَولِ فَيَطمَعَ الَّذِي فِي قَلبِهِ مَرَضٌ وَقُلنَ قَولاً مَّعرُوفاً}

- فقد بين المولى - جل وعلا - في هذه الآية أنه لا يلحقهن من نساء الناس في الشرف والفضل، كما بين أن هذا الفضل إنما يتم لهن بشرط التتقوى لما منحهن الله من صحبة الرسول وعظيم المحل منه ونزول القرآن في حقهن

 

ومن مناقبهن:

- أن الله أخبر أنه طهرهن من الرجس تطهيراً قال - تعالى -{وَقَرنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلَا تَبَرَّجنَ تَبَرٌّجَ الجَاهِلِيَّةِ الأُولَى وَأَقِمنَ الصَّلَاةَ وَآتِينَ الزَّكَاةَ وَأَطِعنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذهِبَ عَنكُمُ الرِّجسَ أَهلَ البَيتِ وَيُطَهِّرَكُم تَطهِيراً}

- والسؤال الذي يطرح نفسه هل قولنا أن أزواج النبي - صلى الله عليه وسلم - مجاملة من الله؟ هل هذه محاباة من الله لرسوله؟

-  هل هن اللاتي فرضن هذه الأمومة على المؤمنين بسبب قربهن من رسول الله؟

- والحق: أنهن لم يتطلعن يوما من الأيام للحصول على هذه الميزات بسبب ارتباطهن بالرسول الكريم بصلة الزواج.

- ولكن الله وحده هو الذي من عليهن بهذا الفضل وفرض هذه الأمومة وقررها على جميع المؤمنين قال - تعالى -{النبي أولى بالمؤمنين من أنفسهم وأزواجه أمهاتهم}.

-  وفي هذه الآية يتقرر شيئين:

- الأول: أن الرسول - صلى الله عليه وسلم - أولى بالمؤمنين من أنفسهم، ولا يكمل إيمان العبد حتى يكون الرسول - صلى الله عليه وسلم - أحب إليه من نفسه التي بين جنبيه.

-  الثاني: أن زوجات النبي رضي الله عنهن هن أمهات للمؤمنين.

- فهذه الأمومة التي يقررها القرآن لزوجات النبي - صلى الله عليه وسلم - ويعممها على جميع المؤمنين، تفرض على من شرفوا بهذه الأمومة واجبات والتزامات يجب أن تؤدى.

- ولكن قبل الخوض في بيان هذه الحقوق فإننا يجب أن نؤكد بأن هذا الفضل وذلك التكريم لهن رضي الله عنهن لم يكن ليستقر تاجاً فوق رؤسهن إلا بعد أن نجحن فيما اختبرن به من أوامر.

- وسنتكلم عن بعض الاختبارات ليتبين لنا بوضوح وجلاء أنهن رضي الله عنهن كن جديرات بهذا التكريم وأهلا لهذا الفضل.

- فأول هذه الاختبارات ما جاء في قوله - تعالى -{يأيها النبي قل لأزواجك إن كنتن تردن الحياة الدنيا وزينتها فتعالين أمتعكن وأسرحكن سراحاً جميلا * وإن كنتن تردن الله ورسوله والدار الآخرة فإن الله أعد للمحسنات منكن أجرا عظيماً}

-  وهذا الاختبار الصعب شكين إليه خشونة العيش وقلة حظهن من متاع الدنيا فماذا حدث؟

- في البخاري (5107): \" عن عائشة - رضي الله عنها - قالت:

ما شبع آل محمد - صلى الله عليه وسلم -، منذ قدم المدينة، من طعام البُرِّ ثلاث ليال تباعاً، حتى قبض \".

- وفي البخاري عن أمنا عائشة - رضي الله عنها - قالت: \" كان فراش رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من أَدَمٍ, وحشوُه من ليف \".

 

- وفي البخاري قال قتادة كنا نأتي أنس بن مالك - رضي الله عنه -: \" وخبّازه قائم فقال: كلوا فما أعلم النبي - صلى الله عليه وسلم - رأى رغيفا مرقّقاً حتى لحق بالله \".

- وفي البخاري عن عائشة - رضي الله عنها - قالت لابن أختها عروة بن الزبير: \" إن كنا لننظر إلى الهلال ثلاثة أهلة وما أوقدت في أبيات رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ناراً فقلت: ما كان عيشكم قالت: الأسودان التمر والماء \".

-  لذلك لما دخلت حفصة - رضي الله عنها - على عمر عندما كان خليفة للمؤمنين، فتراه في شدة العيش والزهد في الملبس والمطعم فتقول له: \" إن الله أكثر من الخير، وأوسع عليك من الرزق، فلو أكلت طعاماً أطيب من ذلك، ولبست ثياباً ألين من ثوبك؟ قال: سأخصمك إلى نفسك، فذكر أمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وما كان يلقى من شدة العيش، فلم يزل يذكرها ما كان فيه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وما كان يلقى من شدة العيش، فلم يزل يذكرها ما كان فيه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وكانت معه حتى أبكاها \" (خبر صحيح أخرجه ابن المبارك في الزهد 201).

- اعتزلهن النبي - صلى الله عليه وسلم - شهرا كاملا حتى تهامس المسلمون أنه طلق أزواجه ثم جاء الاختبار الصعب من الله - عز وجل - بين العيش مع رسول الله على هذه الحال وبين تطليقهن وتسريحهن.

- فما كان منهن رضي الله عنهن إلا أن اخترن العيش مع النبي - صلى الله عليه وسلم - مع خشونة العيش وقلة حظهن من متاع الدنيا ابتغاء ما عند الله وحب لله ولرسوله.

-  ثم جاء الاختبار الثاني:

- وليس بأقل مما سبق، وهو أنه إذا ارتكبت إحداهن ذنبا أو إثما فإن عقابها مضاعف، وإن آمنّ واتقين الله ورسوله وخشعن لله - تعالى -وخضعن لرسوله فإن الله يؤتيهن أجرهن مضاعفاً.

- قال - تعالى -{يا نساء النبي من يأت منكن بفاحشة مبينة يضاعف لها العذاب ضعفين وكان ذلك على الله يسيرا * ومن يقنت منكن لله ورسوله وتعمل صالحا نؤتها أجرها مرتين وأعتدنا لها رزقا كريما}.

-  فما كان منهن إلا التسليم والإقرار بذلك.

 

 

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply