يا رواد منتديات الحوار أين نحن من سلامة الصدرِ بيننا ؟


  

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله القائل في محكم كتابه: \" وَذَكِّر فَإِنَّ الذِّكرَى تَنفَعُ المُؤمِنِينَ \" [الذاريات: 55].

قال ابن كثير في تفسيره: أي إنما تنتفع بها القلوب المؤمنة.

والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين القائل: إِنَّ الشَّيطَانَ قَد أَيِسَ أَن يَعبُدَهُ المُصَلٌّونَ فِي جَزِيرَةِ العَرَبِ وَلَكِن فِي التَّحرِيشِ بَينَهُم. رواه مسلمٌ من حديث جابر - رضي الله عنه -.

 

إن الناظر فيما يقع بين الإخوة من شحناءٍ, وبغضاءٍ, بسبب سوء فهم، أو عمل غير مقصود، أو غير ذلك من الأسباب ليحزنُ أشدَ الحزنِ على ذلك.

 

وإننا نرى أن الشيطان قد نجح في زرع هذه العداواتِ، وكيف لا وهو الذي أخذ العهد على نفسه بمثل هذه الأفعال.

 

ومما يبعث الحزن أكثر أن تجد هذا الأمر بين أناس من خيار شباب المجتمع، بل ممن تربوا على العلم الشرعي الذي يحصن المسلم من الوقوع في مثل هذه الزلات، والهفوات، والتي قد تحسب عليه، نسأل الله السلامة والعافية.

 

وفي هذا الموضوع أريد أن أذكر نفسي أولا، ثم إخواني ثانيا بخصلة عظيمة نسيناها أو تناسيناها في زحمة المشاغل الدنيوية، وعدم القراءة لسير سلف هذه الأمة.

 

هذه الخصلة هي \" ســــلامــــةُ الـــصــــدرِ \".

 

نقف في هذا التذكير مع نصوص الكتاب والسنة، ومع سير سلف هذه الأمة، لعلنا نصلح ما قد أفسده الشيطان بين الإخوان.

 

نقف في هذا التذكير مع أنفسنا وقفة صادقة متجردة من الهوى، وحظوظ النفس، ونسأل أنفسنا: هل صدورنا وقلوبنا سليمةٌ على إخواننا الذين أخطأوا في حقنا؟

 

1- ســــلامــــةُ الـــصــــدرِ في القرآن:

- فضل كظم الغيظ، والعفو عن الناس:

يقول - تعالى -: \" الَّذِينَ يُنفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ وَالكَاظِمِينَ الغَيظَ وَالعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبٌّ المُحسِنِينَ \" [آل عمران: 134]

الشاهد من الآية \" وَالكَاظِمِينَ الغَيظَ وَالعَافِينَ عَنِ النَّاسِ \".

يقول الشيخ عبد الرحمن بن سعدي - رحمه الله - في تيسير الكريم الرحمن (ص 148):

\" وَالكَاظِمِينَ الغَيظَ \" أي: إذا حصل لهم من غيرهم أذية توجب غيظهم - وهو امتلاء قلوبهم من الحنق، الموجب للانتقام بالقول أو الفعل -، هؤلاء لا يعملون بمقضى الطباع البشرية، بل يكظمون ما في القلوب من الغيظ، ويصبرون عن مقابلة المسيء إليهم.

 

\" وَالعَافِينَ عَنِ النَّاسِ \" يدخل في العفو عن الناس، العفو عن كل من أساء إليك بقول أو فعل، والعفو أبلغ من الكظم، لأن العفو ترك المؤاخذة مع السماحة عن المسيء، وهذا إنما يكون ممن تحلى بالأخلاق الجميلة وتخلى عن الأخلاق الرذيلة، وممن تاجر مع الله، وعفا عن عباد الله رحمة بهم، وإحسنا إليهم، وكراهة لحصول الشر عليهم، وليعفو الله عنه، ويكون أجره على ربه الكريم، لا على العبد الفقير كما قال - تعالى -: \" فَمَن عَفَا وَأَصلَحَ فَأَجرُهُ عَلَى اللَّهِ \" [الشورى: 40]. ا. هـ.

اللهم اجعلنا ممن يكظمون غيظهم، ويعفون عن الناس.

 

- يوسف - عليه السلام - يضرب المثل في سلامة الصدر:

قال - تعالى -: \" قَالُوا تَاللَّهِ لَقَد آثَرَكَ اللَّهُ عَلَينَا وَإِن كُنَّا لَخَاطِئِينَ قَالَ لَا تَثرِيبَ عَلَيكُمُ اليَومَ يَغفِرُ اللَّهُ لَكُم وَهُوَ أَرحَمُ الرَّاحِمِينَ \" [يوسف: 91 - 92].

 

الله أكبر! يوسف في موقف القوة، وكان باستطاعته بإشارة منه أن ينتقم ممن آذاه، ولكن سلامة الصدر، والعفو، والصفح.

 

قال الشيخ عبد الرحمن بن سعدي في فوائده المستنبطة من قصة يوسف (ص 62):

الفائدة السبعة والعشرون: مبلغ عفو يوسف - عليه السلام -: ومنها: ما مَنَّ الله به على يوسف من حسن عَفوه عن إخوانه، وأنه عفا عمّا مضى، ووعد في المستقبل أن لا يثرب عليهم، ولا يذكر منه شيئا لأنه يجرحهم ويحزنهم، وقد أبدوا الندامة التامة، ولأجل هذا قال: \" مِن بَعدِ أَن نَزَغَ الشَّيطَانُ بَينِي وَبَينَ إِخوَتِي \" [يوسف: 100].

 

ولم يقل: من بعد أن نزغهم، بل أضاف الفعل إلى الشيطان، الذي فرَّق بينه وبين إخوته. وهذا من كمال الفتوة وتمام المروءة. ا. هـ.

 

- ثناءُ اللهِ على الأنصار بسبب سلامةِ صدورهم - رضي الله عنهم -:

قال - تعالى -: \" وَالَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّارَ وَالإِيمَانَ مِن قَبلِهِم يُحِبٌّونَ مَن هَاجَرَ إِلَيهِم وَلَا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِم حَاجَةً مِمَّا أُوتُوا \" [الحشر: 10]

 

قال شيخ الإسلام في الفتاوى (10/119):

وبهذا أثنى الله - تعالى -على الأنصار فقال: \" وَلَا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِم حَاجَةً مِمَّا أُوتُوا وَيُؤثِرُونَ عَلَى أَنفُسِهِم وَلَو كَانَ بِهِم خَصَاصَةٌ \" أى مما أوتى إخوانهم المهاجرون. قال المفسرون: لا يجدون فى صدورهم حاجة أي: حسدا وغيظا مما أوتي المهاجرون، ثم قال بعضهم: من مال الفيء، وقيل: من الفضل والتقدم. ا. هـ.

 

قال الشوكاني في فتح القدير (5/201):

\" وَلَا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِم حَاجَةً \" أي: لا يجد الأنصار في صدورهم حسدا وغيظا وجزازة. ا. هـ.

 

- الدعاء بخلو قلب المؤمن من الغل على المؤمنين:

قال - تعالى -: \" وَالَّذِينَ جَاءُوا مِن بَعدِهِم يَقُولُونَ رَبَّنَا اغفِر لَنَا وَلِإِخوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالإِيمَانِ وَلَا تَجعَل فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ \" [الحشر: 1]

 

قال الإمام الشوكاني في فتح القدير (5/202):

\" وَلَا تَجعَل فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِلَّذِينَ آمَنُوا \" أي: غشا وبغضا وحسدا. أمرهم الله - سبحانه - بعد الاستغفار للمهاجرين والأنصار أن يطلبوا من الله - سبحانه - أن ينزع من قلوبهم الغل للذين آمنوا على الأطلاق، فيدخل في ذلك الصحابة دخولا أوليا لكونهم أشرف المؤمنين، ولكون السياق فيهم. ا. هـ.

 

وأكتفي بهذه الآيات لمن كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد.

 

2 - ســــلامــــةُ الـــصــــدرِ في السنة:

- اللهُ يأمرُ نبيهُ بأخذِ العفو:

قال - تعالى -: \" خُذِ العَفوَ وَأمُر بِالعُرفِ وَأَعرِض عَنِ الجَاهِلِينَ \" [الأعراف: 199].

 

قال الإمام البخاري في صحيحه في كتاب التفسير، باب خذ العفو، وأمر بالعرف، وأعرض عن الجاهلين:

حَدَّثَنَا يَحيَى ، حَدَّثَنَا وَكِيعٌ ، عَن هِشَامٍ, ، عَن أَبِيهِ ، عَن عَبدِ اللَّهِ بنِ الزٌّبَيرِ \" خُذِ العَفوَ وَأمُر بِالعُرفِ \" قَالَ مَا أَنزَلَ اللَّهُ إِلَّا فِي أَخلَاقِ النَّاسِ .

 

وَقَالَ عَبدُ اللَّهِ بنُ بَرَّادٍ, ، حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ ، حَدَّثَنَا هِشَامٌ ، عَن أَبِيهِ ، عَن عَبدِ اللَّهِ بنِ الزٌّبَيرِ ، قَالَ : أَمَرَ اللَّهُ نَبِيَّهُ - صلى الله عليه وسلم - أَن يَأخُذَ العَفوَ مِن أَخلَاقِ النَّاسِ أَو كَمَا قَالَ.

 

- وصفُ التوراةِ للنبي صلى الله بسلامةِ الصدرِ:

 

عَن عَطَاءِ بنِ يَسَارٍ, قَالَ: لَقِيتُ عَبدَ اللَّهِ بنَ عَمرِو بنِ العَاصِ رَضِيَ اللَّهُ عَنهُمَا قُلتُ : أَخبِرنِي عَن صِفَةِ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - فِي التَّورَاةِ، قَالَ: أَجَل وَاللَّهِ إِنَّهُ لَمَوصُوفٌ فِي التَّورَاةِ بِبَعضِ صِفَتِهِ فِي القُرآنِ : \" يَا أَيٌّهَا النَّبِيٌّ إِنَّا أَرسَلنَاكَ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا \" [الأحزاب: 45] وَحِرزًا لِلأُمِّيِّينَ أَنتَ عَبدِي وَرَسُولِي سَمَّيتُكَ المتَوَكِّلَ لَيسَ بِفَظٍّ,، وَلَا غَلِيظٍ,، وَلَا سَخَّابٍ, فِي الأَسوَاقِ، وَلَا يَدفَعُ بِالسَّيِّئَةِ السَّيِّئَةَ، وَلَكِن يَعفُو وَيَغفِرُ، وَلَن يَقبِضَهُ اللَّهُ حَتَّى يُقِيمَ بِهِ المِلَّةَ العَوجَاءَ بِأَن يَقُولُوا لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، وَيَفتَحُ بِهَا أَعيُنًا عُميًا، وَآذَانًا صُمًّا وَقُلُوبًا غُلفًا. رواه البخاري (2125).

 

وقد تأكد هذا الوصف من كلام عائشة - رضي الله عنها -.

 

عَن أَبِي إِسحَقَ قَال سَمِعتُ أَبَا عَبدِ اللَّهِ الجَدَلِيَّ يَقُولُ : سَأَلتُ عَائِشَةَ عَن خُلُقِ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - فَقَالَت : لَم يَكُن فَاحِشًا وَلَا مُتَفَحِّشًا وَلَا صَخَّابًا فِي الأَسوَاقِ وَلَا يَجزِي بِالسَّيِّئَةِ السَّيِّئَةَ وَلَكِن يَعفُو وَيَصفَحُ. رواه الترمذي (2016)، وقال: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ.

 

قال المباركفوري في تحفة الأحوذي: ولكن يعفو: أي في الباطن .

 

ويصفح: أي يعرض في الظاهر عن صاحب السيئة لقوله - تعالى -: \" فَاعفُ عَنهُم وَاصفَح إِنَّ اللَّهَ يُحِبٌّ المُحسِنِينَ \" [المائدة: 13]. ا. هـ.

 

- مواقفُ من سلامةِ الصدرِ عند نبينا - صلى الله عليه وسلم -:

لقد ضرب نبينا - صلى الله عليه وسلم - المثل في هذا الباب العظيم، وهذه الخصلة، فكانت له مواقف يقتدى بها - صلى الله عليه وسلم - وهي:

 

1 - ما لقيه النبي - صلى الله عليه وسلم - من أذى قريش:

لقد لقي النبي - صلى الله عليه وسلم - من أذى قريش له الكثير، ولكنه صلوات الله وسلامه عليه صبر، وسلم صدره منهم على كفرهم، وعنادهم. وهاهي عائشة - رضي الله عنها - تسأله عن هذا الأمر.

 

عَن ابنِ شِهَابٍ, قَالَ: حَدَّثَنِي عُروَةُ أَنَّ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنهَا زَوجَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - حَدَّثَتهُ أَنَّهَا قَالَت لِلنَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - : هَل أَتَى عَلَيكَ يَومٌ كَانَ أَشَدَّ مِن يَومِ أُحُدٍ, ؟ قَالَ : لَقَد لَقِيتُ مِن قَومِكِ مَا لَقِيتُ، وَكَانَ أَشَدَّ مَا لَقِيتُ مِنهُم يَومَ العَقَبَةِ إِذ عَرَضتُ نَفسِي عَلَى ابنِ عَبدِ يَالِيلَ بنِ عَبدِ كُلَالٍ, فَلَم يُجِبنِي إِلَى مَا أَرَدتُ فَانطَلَقتُ وَأَنَا مَهمُومٌ عَلَى وَجهِي فَلَم أَستَفِق إِلَّا وَأَنَا بِقَرنِ الثَّعَالِبِ فَرَفَعتُ رَأسِي فَإِذَا أَنَا بِسَحَابَةٍ, قَد أَظَلَّتنِي فَنَظَرتُ فَإِذَا فِيهَا جِبرِيلُ فَنَادَانِي فَقَالَ: إِنَّ اللَّهَ قَد سَمِعَ قَولَ قَومِكَ لَكَ وَمَا رَدٌّوا عَلَيكَ وَقَد بَعَثَ إِلَيكَ مَلَكَ الجِبَالِ لِتَأمُرَهُ بِمَا شِئتَ فِيهِم فَنَادَانِي مَلَكُ الجِبَالِ فَسَلَّمَ عَلَيَّ ثُمَّ قَالَ: يَا مُحَمَّدُ ، فَقَالَ: ذَلِكَ فِيمَا شِئتَ إِن شِئتَ أَن أُطبِقَ عَلَيهِم الأَخشَبَينِ ، فَقَالَ النَّبِيٌّ - صلى الله عليه وسلم - : بَل أَرجُو أَن يُخرِجَ اللَّهُ مِن أَصلَابِهِم مَن يَعبُدُ اللَّهَ وَحدَهُ لَا يُشرِكُ بِهِ شَيئًا. رواه البخاري (3231).

 

قال الحافظ ابن حجر في الفتح (6/364):

وفي هذا الحديث بيان شفقة النبي - صلى الله عليه وسلم - على قومه، ومزيد صبره وحلمه، وهو موافق لقوله - تعالى -: \" فَبِمَا رَحمَةٍ, مِنَ اللَّهِ لِنتَ لَهُم \" [آل عمران: 159]، وقوله: \" وَمَا أَرسَلنَاكَ إِلَّا رَحمَةً لِلعَالَمِينَ \" [الأنبياء: 107]. ا. هـ.

 

2 - موقفُ النبي - صلى الله عليه وسلم - من أهلِ مكةَ بعدما دخلها فاتحاً:

كان للنبي - صلى الله عليه وسلم - موقف مع أهل مكة عندما دخلها منتصرا، فاتحا. وكان بإمكان النبي - صلى الله عليه وسلم - أن ينتقم لنفسه من أذى قريش له عندما كان في مكة - صلى الله عليه وسلم -، ولكنه ضرب لنا مثلا رائعا في الصفح، والعفو عن حقه ضد من آذاه في دعوته إلى الله. وقد استثنى النبي - صلى الله عليه وسلم - الذين أهدر دماؤهم صلى الله عليهم وسلم.

 

عَن أَبِي العَالِيَةِ قَالَ حَدَّثَنِي أُبَيٌّ بنُ كَعبٍ, قَالَ : لَمَّا كَانَ يَومُ أُحُدٍ, أُصِيبَ مِن الأَنصَارِ أَربَعَةٌ وَسِتٌّونَ رَجُلًا وَمِن المُهَاجِرِينَ سِتَّةٌ فِيهِم حَمزَةُ فَمَثَّلُوا بِهِم فَقَالَت الأَنصَارُ : لَئِن أَصَبنَا مِنهُم يَومًا مِثلَ هَذَا لَنُربِيَنَّ عَلَيهِم، قَالَ: فَلَمَّا كَانَ يَومُ فَتحِ مَكَّةَ فَأَنزَلَ اللَّهُ - تعالى -: \" وَإِن عَاقَبتُم فَعَاقِبُوا بِمِثلِ مَا عُوقِبتُم بِهِ وَلَئِن صَبَرتُم لَهُوَ خَيرٌ لِلصَّابِرِينَ \" [النحل: 126] فَقَالَ رَجُلٌ: لَا قُرَيشَ بَعدَ اليَومِ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - : كُفٌّوا عَن القَومِ إِلَّا أَربَعَةً.

رواه الترمذي (3129)، وقال: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ مِن حَدِيثِ أُبَيِّ بنِ كَعبٍ,.

 

ورواه عبد الله بن الإمام أحمد في زوائده على المسند (5/135) بلفظ:

عَن أُبَيِّ بنِ كَعبٍ, قَالَ : لَمَّا كَانَ يَومُ أُحُدٍ, قُتِلَ مِن الأَنصَارِ أَربَعَةٌ وَسِتٌّونَ رَجُلًا، وَمِن المُهَاجِرِينَ سِتَّةٌ فَقَالَ أَصحَابُ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - : لَئِن كَانَ لَنَا يَومٌ مِثلُ هَذَا مِن المُشرِكِينَ لَنُربِيَنَّ عَلَيهِم فَلَمَّا كَانَ يَومُ الفَتحِ قَالَ رَجُلٌ لَا يُعرَفُ: لَا قُرَيشَ بَعدَ اليَومِ فَنَادَى مُنَادِي رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - أَمِنَ الأَسوَدُ وَالأَبيَضُ إِلَّا فُلَانًا وَفُلَانًا نَاسًا سَمَّاهُم، فَأَنزَلَ اللَّهُ- تبارك وتعالى -: \" وَإِن عَاقَبتُم فَعَاقِبُوا بِمِثلِ مَا عُوقِبتُم بِهِ وَلَئِن صَبَرتُم لَهُوَ خَيرٌ لِلصَّابِرِينَ \" [النحل: 126] فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - : نَصبِرُ وَلَا نُعَاقِبُ.

 

وقد أورد هذا الحديث الشيخ مقبل الوادعي في \" الصحيح المسند من أسباب النزول \" (ص 91)، وحسنه الشيخ شعيب الأرنؤوط في تخريجه لمسند الإمام أحمد (35/152).

 

3 - موقفُ النبي - صلى الله عليه وسلم - من الأعرابي الذي خنقهُ:

عَن أَنَسِ بنِ مَالِكٍ, قَالَ: كُنتُ أَمشِي مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - ، وَعَلَيهِ بُردٌ نَجرَانِيُّ غَلِيظُ الحَاشِيَةِ فَأَدرَكَهُ أَعرَابِيُّ فَجَبَذَهُ بِرِدَائِهِ جَبذَةً شَدِيدَةً حَتَّى نَظَرتُ إِلَى صَفحَةِ عَاتِقِ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - قَد أَثَّرَت بِهَا حَاشِيَةُ البُردِ مِن شِدَّةِ جَبذَتِهِ، ثُمَّ قَالَ: يَا مُحَمَّدُ مُر لِي مِن مَالِ اللَّهِ الَّذِي عِندَكَ، فَالتَفَتَ إِلَيهِ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - ، ثُمَّ ضَحِكَ ثُمَّ أَمَرَ لَهُ بِعَطَاءٍ,. رواه البخاري (5809).

ونكتفي بهذه المواقف من النبي - صلى الله عليه وسلم -.

 

- ما هو القلبُ المخمومُ؟:

عَن عَبدِ اللَّهِ بنِ عَمرٍ,و قَالَ : قِيلَ لِرَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -: أَيٌّ النَّاسِ أَفضَلُ؟ قَالَ : كُلٌّ مَخمُومِ القَلبِ صَدُوقِ اللِّسَانِ. قَالُوا: صَدُوقُ اللِّسَانِ نَعرِفُهُ فَمَا مَخمُومُ القَلبِ؟ قَالَ: هُوَ التَّقِيٌّ النَّقِيٌّ، لَا إِثمَ فِيهِ، وَلَا بَغيَ، وَلَا غِلَّ ، وَلَا حَسَدَ. رواه ابن ماجة (4216).

 

قال البوصيري في مصباح الزجاجة (3/299): هذا إسناد صحيح رواه البيهقي في سننه من هذا الوجه. ا. هـ.

 

وقال الألباني في الصحيحة (2/669 ح 948): وهذا إستاد صحيح رجاله ثقات. ا. هـ.

 

قال السندي في حاشيته على سنن ابن ماجة:

قوله (كل مخموم القلب) : قال السيوطي: بالخاء المعجمة، قال في النهاية: هو من خممت البيت إذا كنسته ونظفته . قوله (ولا غل) بالكسر الحقد.

 

- قصة الصحابي الذي بات عنده عبد الله بن عمرو مع بيان ضعفها:

عَنِ أَنَسُ بنُ مَالِكٍ, قَالَ : كُنَّا جُلُوسًا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - فَقَالَ : يَطلُعُ عَلَيكُم الآنَ رَجُلٌ مِن أَهلِ الجَنَّةِ، فَطَلَعَ رَجُلٌ مِن الأَنصَارِ تَنطِفُ لِحيَتُهُ مِن وُضُوئِهِ قَد تَعَلَّقَ نَعلَيهِ فِي يَدِهِ الشِّمَالِ، فَلَمَّا كَانَ الغَدُ قَالَ النَّبِيٌّ - صلى الله عليه وسلم - مِثلَ ذَلِكَ، فَطَلَعَ ذَلِكَ الرَّجُلُ مِثلَ المَرَّةِ الأُولَى، فَلَمَّا كَانَ اليَومُ الثَّالِثُ قَالَ النَّبِيٌّ - صلى الله عليه وسلم - مِثلَ مَقَالَتِهِ أَيضًا، فَطَلَعَ ذَلِكَ الرَّجُلُ عَلَى مِثلِ حَالِهِ الأُولَى، فَلَمَّا قَامَ النَّبِيٌّ - صلى الله عليه وسلم - تَبِعَهُ عَبدُ اللَّهِ بنُ عَمرِو بنِ العَاصِ فَقَالَ: إِنِّي لَاحَيتُ أَبِي فَأَقسَمتُ أَن لَا أَدخُلَ عَلَيهِ ثَلَاثًا فَإِن رَأَيتَ أَن تُؤوِيَنِي إِلَيكَ حَتَّى تَمضِيَ فَعَلتَ، قَالَ: نَعَم. قَالَ أَنَسٌ : وَكَانَ عَبدُ اللَّهِ يُحَدِّثُ أَنَّهُ بَاتَ مَعَهُ تِلكَ اللَّيَالِي الثَّلَاثَ فَلَم يَرَهُ يَقُومُ مِن اللَّيلِ شَيئًا غَيرَ أَنَّهُ إِذَا تَعَارَّ وَتَقَلَّبَ عَلَى فِرَاشِهِ ذَكَرَ اللَّهَ - عز وجل - وَكَبَّرَ حَتَّى يَقُومَ لِصَلَاةِ الفَجرِ، قَالَ عَبدُ اللَّهِ : غَيرَ أَنِّي لَم أَسمَعهُ يَقُولُ إِلَّا خَيرًا، فَلَمَّا مَضَت الثَّلَاثُ لَيَالٍ,، وَكِدتُ أَن أَحتَقِرَ عَمَلَهُ قُلتُ يَا عَبدَ اللَّهِ ، إِنِّي لَم يَكُن بَينِي وَبَينَ أَبِي غَضَبٌ، وَلَا هَجرٌ ثَمَّ، وَلَكِن سَمِعتُ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ لَكَ ثَلَاثَ مِرَارٍ, يَطلُعُ عَلَيكُم الآنَ رَجُلٌ مِن أَهلِ الجَنَّةِ، فَطَلَعتَ أَنتَ الثَّلَاثَ مِرَارٍ, فَأَرَدتُ أَن آوِيَ إِلَيكَ لِأَنظُرَ مَا عَمَلُكَ فَأَقتَدِيَ بِهِ، فَلَم أَرَكَ تَعمَلُ كَثِيرَ عَمَلٍ,، فَمَا الَّذِي بَلَغَ بِكَ مَا قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - ، فَقَالَ: مَا هُوَ إِلَّا مَا رَأَيتَ. قَالَ: فَلَمَّا وَلَّيتُ دَعَانِي، فَقَالَ: مَا هُوَ إِلَّا مَا رَأَيتَ غَيرَ أَنِّي لَا أَجِدُ فِي نَفسِي لِأَحَدٍ, مِن المُسلِمِينَ غِشًّا وَلَا أَحسُدُ أَحَدًا عَلَى خَيرٍ, أَعطَاهُ اللَّهُ إِيَّاهُ، فَقَالَ عَبدُ اللَّهِ : هَذِهِ الَّتِي بَلَغَت بِكَ وَهِيَ الَّتِي لَا نُطِيقُ.

رواه أحمد (3/166).

وهذا الحديث ضعيف لأن فيه انقطاعا بين الزهري وأنس بن مالك - رضي الله عنه -.

 

قال االحافظ المزي في تحفة الأشراف (1/395):

قال حمزة بن محمد الكناني الحافظ: لم يسمعه الزهري من أنسº رواه عن رجل عن أنسº كذلك رواه عقيل وإسحاق بن راشد وغير واحد، عن الزهريº وهو الصواب. ا. هـ.

 

وقال الحافظ ابن حجر في النكت الظراف:

قلت: وذكر البيهقي في الشعب: أن شعيبا رواه عن الزهري، حدثني من لا أتهم ن عن أنس. ورواه معمر، عن الزهري، أخبرني أنسº كذلك أخرجه أحمد عنه. ورويناه في مكارم الأخلاق، وفي عدة أمكنة عن عبد الرزاق. وقد ظهر أنه معلول. ا. هـ.

وقال العلامة الألباني - رحمه الله - في ضعيف الترغيب والترهيب (2/247):

قلت: هو كما قال يقصد الشيخ الألباني قول المنذري: رواه أحمد بإسناد على شرط البخاري ومسلم -، لولا أنه منقطع بين الزهري وأنس، بينهما رجل لم يسم كما قال الحافظ حمزة الكناني على ما ذكره الحافظ المزي في تحفة الأشراف، ثم الناجي، وقال: وهذه العلة لم ينتبه لها المؤلف. ثم أفاد أن النسائي إنما رواه في \" اليوم والليلة \" لا في \" السنن \" على العادة المتكررة في الكتاب، فتنبه.

 

قلت: أخرجه عبد الرزاق في المصنف ومن طريقه جماعة منهم أحمد: قال: أخبرنا معمر عن الزهري قال: أخبرني أنس بن مالك. وهذا إسناد ظاهر الصحة، وعليه جرى المؤلف والعراقي في \" تخريج الإحياء \"، وجرينا على ذلك برهة من الزمن، حتى تبينت العلة، فقال البيهقي في \" الشعب \" عقبه: ورواه ابن المبارك عن معمر فقال عن معمر، عن الزهري، عن أنس. ورواه شعيب بن أبي حمزة عن الزهري، قال: حدثني من لا أتهم..، وكذلك رواه عقيل بن خالد عن الزهري.وانظر \" أعلام النبلاء \" (1/109).

 

ولذلك قال الحافظ عقبه في \" النكت الظراف على الأطراف \": فقد ظهر أنه معلول.ا. هـ.

وذهب الشيخ شعيب الأرنؤوط في تخريجه لمسند الإمام أحمد (20/125) إلى تصحيح الحديث فقال: إسناده صحيح على شرط الشيخين. ا. هـ.

وفي سير أعلام النبلاء (1/109) قال الشيخ شعيب في الحاشية رقم (2) على حديث أنس: ذكره صاحب الكنز ونسبه إلى ابن عساكر، وقال: ورجاله رجال الصحيح، إلا أن ابن شهاب قال: حدثني من لا أتهم، عن أنس.. ا. هـ.

 

يعلق شيخ الإسلام ابن تيمية على القصة في الفتاوى (10/119) فيقول:

فقول عبد الله بن عمرو له: هذه التي بلغت بك، وهي التي لا نطيق. يشير إلى خلوه وسلامته من جميع أنواع الحسد. ا. هـ.

 

- عمرُ بنُ الخطاب وقافٌ عند كتاب الله:

عَنِ عَبدَ اللَّهِ بنَ عَبَّاسٍ, رَضِيَ اللَّهُ عَنهُمَا قَالَ : قَدِمَ عُيَينَةُ بنُ حِصنِ بنِ حُذَيفَةَ بنِ بَدرٍ, فَنَزَلَ عَلَى ابنِ أَخِيهِ الحُرِّ بنِ قَيسِ بنِ حِصنٍ, ، وَكَانَ مِن النَّفَرِ الَّذِينَ يُدنِيهِم عُمَرُ ، وَكَانَ القُرَّاءُ أَصحَابَ مَجلِسِ عُمَرَ وَمُشَاوَرَتِهِ كُهُولًا كَانُوا أَو شُبَّانًا فَقَالَ عُيَينَةُ لِابنِ أَخِيهِ: يَا ابنَ أَخِي هَل لَكَ وَجهٌ عِندَ هَذَا الأَمِيرِ فَتَستَأذِنَ لِي عَلَيهِ، قَالَ: سَأَستَأذِنُ لَكَ عَلَيهِ، قَالَ ابنُ عَبَّاسٍ, : فَاستَأذَنَ لِعُيَينَةَ º فَلَمَّا دَخَلَ قَالَ : يَا ابنَ الخَطَّابِ ، وَاللَّهِ مَا تُعطِينَا الجَزلَ ، وَمَا تَحكُمُ بَينَنَا بِالعَدلِ. فَغَضِبَ عُمَرُ حَتَّى هَمَّ بِأَن يَقَعَ بِهِ، فَقَالَ الحُرٌّ : يَا أَمِيرَ المُؤمِنِينَ، إِنَّ اللَّهَ - تعالى -قَالَ لِنَبِيِّهِ - صلى الله عليه وسلم - : \" خُذِ العَفوَ وَأمُر بِالعُرفِ وَأَعرِض عَنِ الجَاهِلِينَ \" [الأعراف: 199] وَإِنَّ هَذَا مِن الجَاهِلِينَ، فَوَاللَّهِ مَا جَاوَزَهَا عُمَرُ حِينَ تَلَاهَا عَلَيهِ، وَكَانَ وَقَّافًا عِندَ كِتَابِ اللَّهِ.

رواه البخاري (7286) في كتاب الاعتصام بالكتاب والسنة، باب الاقتداء بسنن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -.

 

قال الحافظ ابن حجر في الفتح (13/274):

قال الطيبي: ما ملخصه أمر الله نبيه في هذه الآية بمكارم الأخلاق فأمر أمته بنحو ما أمره الله به، ومحصلهما الأمر بحسن المعاشرة مع الناس وبذل الجهد في الإحسان إليهم والمداراة معهم والإغضاء عنهم وبالله التوفيق.

فهذه بعض المواقف من سلامة الصدر في السنة النبوية، ذكرتها على سبيل المثال لا الحصر.

انتهى.

 

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply