العزة ميراث المؤمن


  

بسم الله الرحمن الرحيم

العزّة نفحة قدسيّة عَليّة، وهبة ربانيّة سَنيّة، يمنحها المؤمنين الذي هو قائم على كل نفس بما كسبت، فمن أراد أن يعيش عزيزاً فلا يطلبنّ العزة إلا من العزيز الوهّاب الذي يقول: <مَن كانَ يُريدُ العِزَّة فلِلّهِ العِزَّةُ جَميعاً> فاطر - 10، فإنه من اعتزّ بالله أعزَّه الله، ومن اعتزّ بالعبد أذلّه الله، ومن طلب العزّة من غير مولاه وكله الله إلى من يطلبها عنده.

 

إن كتاب الله يربّي العبد على إباء الضَّيم ورفض المذلّة والهوان، يقول - تعالى -: (ولَقَد كَرَّمنَا بَني آدَمَ وحَمَلناهُم في البَرِّ والبَحرِ..وفضلناهم على كثير ممن خلقنا تفضيلاً) الإسراء - 70 ويقول: (نحنُ قَسَمنا بَينَهُم مَعيشَتَهُم في الحياةِ الدٌّنيا ورَفَعنَا بَعضَهُم فَوقَ بَعضٍ, دَرَجاتٍ, ليَتَّخِذَ بَعضُهم بَعضاً سُخريّاً... ) الزخرف 32º وقد فاضل الله بين الخلق في المعايش، وجعلهم مراتب، ليكون كل منهم مُسخَّراً للآخر، وينتظم أمر الحياةº ولفظة «سُخريّاً» بضم أولها من التسخير بمعنى الاستخدام، لا من السٌّخرية بمعنى الاستهزاء، فتدلّ الآية على أن يرتفق بعضهم ببعض، وينتفع بعضهم من بعض.

يقول قتادة: «تَلقى ضعيف القوة، قليل الحيلة، عَييَّ اللسان وهو موسَّع عليه في الرزقº وتلقى شديد الحيلة، بسيط اللسان، وهو مقتَّر عليه في الرزق»!

أدخل الله في نفس ابن آدم الإحساس البالغ بالإنسانية، والشعور الغامر بأن ذلك من صنع الله الذي أتقن كل شيء، وأن الله وهبه تكريماً وتنعيماً، فخليق به أن يكون مقدِّراً هذه الهبة، صائناً هذا الإنعام، فلا يصدر عنه ما يَشين مقامه عند الله. والذي تهون عليه نفسه، فيفقد كرامته، فإنه لا يستطيع أن ينالها من أحد غير الله، والله القائل: (ومَن يُهِنِ اللّهُ فما لَهُ من مُكرِمٍ, إنَّ اللهَ يَفعَلُ ما يَشاءُ) الحج - 70.

 

ويقول الشاعر:

من يَهُن يَسهُلِ الهوان عليه  ***  ما لجرح بميِّت إيلامُ

إن كلام الله - جل وعلا - يملأ أسماع المؤمنين بحديث العزة والقوة، ويطلب الاعتزاز بمن له الكبرياء في الأرض والسماء، فيتأبّون على الهوان حين يصيبهم من أي إنسان. وما أجمل قول عمر - رضي الله عنه -: «يُعجبني من الرجل إذا سيم خُطّة خَسف أن يقول: لا، بملء فيه»!.

 

الإسلام يعلّم المؤمن أن لا يرضى الدنيّة في دينه ولا دنياه، فلا يرضى أن تُهضم كرامته ولا أن تُشان عزتهº إنه يذود عن حقه المقدّس ما استطاع الى ذلك سبيلاً، فإن يُخفق دون بلوغ حقه فحسبه أن تسلم له كرامته وأن يقي نفسه مَعرَّة المذلّة، وإن يَظفر يهنأ بالحُسنيَين، ويبوء عدوّه بالخسار وبئس القرار.

فالعَجب كل العجب لمؤمن يحقر نفسه ويستهين بذاته، يدّعي العزّة والكرامة وقد لبس ثوب العبودية، وادَّرع دِثار الذّل والصَّغار، فهو أسير المطامع، رهين الشهوات، يُدفَع بأبواب العظماء كما يُدفَع المستعطي الذي تردّه اللّقمة واللقمتان، والتّمرة والتّمرتان. إن دعاه داعي القرآن الى ما يُحييه، وأهاب به حادي الوجدان الى ما يُعليه، تصامَّ عن النّداء، وسلك طريق المِراء والرِّياء.

هيهات أن يكون عزيزاً كريماً من يتضعضع للأغنياء والكبراء، فإن الرسول - صلى الله عليه وسلم - يقول: «من تضعضع لغنيّ لينال مما في يده أسخط الله» رواه الطبراني.

فاعتصموا بحبل العزّة بالله، فإنه الحبل المتين والحصن الحصين، واطلبوا الحوائج بعزة الأنفس فإن الأمور تجري بالمقادير.

ألا إن العزة ميراث المؤمن فليحرص كل مؤمن على ميراثه

 

 

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply