بسم الله الرحمن الرحيم
طوبى لكاتب يحمل رسالة الكلمة الطيّبة، ويراها {كَشَجَرة طيِّبة أصلُها ثابِتٌ وفرعُها في السَّماءِ تُوتي أُكُلَها كُلَّ حينٍ, بإذنِ ربِّها} إبراهيم - 24، 25º إنها كشجرة سامقة لا تعصف بها رياح الباطل، ثابتة لا تزعزعها الأعاصير، مثمرة لا ينقطع خيرها ونتاجها الوفير. إن صاحب هذه الكلمة يجعل الحقّ سيفه، والصدق مطيّته، والصراط طريقه، والله - تعالى -غاية طِلبته.
لا طُهر للنفس ولا علوّ إلا بأن يلتمس صاحبها ما فيه مرضاة الله، ويجتنب ما فيه مساخطه، وأن يُوثر رضا مولاه على كل من عداهº فمن أرضى ربه بسَخط الناس كفاه الله مَؤونة الناس. والشاعر يقول:
فليتك تحلو والحياة مريرةٌ *** وليتك ترضى والأنام غِضابُ
ومن شرُفت نفسه بهذا الإيثار كان من ورثة المصطَفين الأخيار، فلا يطرب لثناء الناس، ولا يأبه لتعظيمهم، ولا يستفزّه ذمّهم وتجريحهم.
إن رسول الكلمة الصادقة لا يكتب للناس ليعجبهم بل لينفعهم، ولا يجود بأدبه ليرضيهم بل لينفُذ إلى نفوسهم، ولا يسخو بقلمه ليسمع ثناءهم بل ليترك أثراً في قلوبهم!
همّه الأوّل أن يهدي إلى هُدى، أو يردّ عن رَدَى، والآخرون في همومهم أَوزاع: منهم من يكتب ليعجب القرّاء، أو يُطرب الدَّهماء، أو يُضحك الظٌّرفاءº ومنهم من يكتب ليرضي الأولياء، أو يَزدلف إلى الكبراء.
ولو علم قرّاء العربية أن أرباب القلم لا يكتبون إلا لتحقيق شهرة أو ذيوع صيت، وأنهم يتخذون عِدَّة القُرّاء سُلّماً لمجدهم، لنذروا للرحمن صوماً، ولم يقرؤوا لهم حرفاً! ما دوَّنت لهم أجراً، وما محت عنهم وزراً!
إن من حقّ أعضاء الأجساد أن لا تكتفي بأن تُكفِّر الألسنة وما تنطق، بل تُكفّر الأَيمان أيضاً وما تَسطر، فتقول لكل من اللسان واليمين: «اتَّقِ الله فينا فإنما نحن بك، فإن استقمت استقمنا، وإن اعوججت اعوججنا»! رواه الترمذيº وإنه ما على وجه الأرض شيء أَحوج إلى طول حَبس من هذين.
إن على الكاتب أن يتخذ لنفسه ميزاناً يزن به أقواله وأفعاله، كما يزن أقوال الناس وأفعالهم، وأن يمنح العقول ما يزيدها علماً، ويهب القلوب ما يزيدها هدى، وأن تحمل مقالته النافع الطيِّب، وتذر الضارّ الخبيثº وليحذر أن تكون كلماته صمّاء جوفاء كالمستفعِلات، ليس فيها من المنقول والمعقول شيء سوى الفُضول! ولا يُبالِ بعد ذلك أرضي الناس أم سخطوا، أأحبّوه أم أبغضوه، فإنما يَأسى على الحب النساء!
يجدر بالكاتب أن يكون كَلِفاً بالإحسان إلى الناس، بِجَلب المنفعة لهم، ودَفع المفسدة عنهمº ولو انتفع من مقاله القليل القليل من أهل الشهادتين لكان خيراً له من حُمر النَّعم، وبريق الأصفَرين، وكان أَسعَد لقلبه من أن يُحدِث دويّاً يملأ مسمع الخافقَين!
أضف تعليق
هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها
تم الإرسال
ستتم إضافة التعليق بعد معاينته من قبل فريق عمل مداد