من مواصفات جيل التمكين ( 8 )


 

بسم الله الرحمن الرحيم

  

2 - معنى الصبر وأنواعه:

و الصبر في اللغة: الحبس والكف، ومنـه قتل فلان صبراً: إذا أمسك وحبس، ومنـه قول - تعالى -: (واصبر نفسك مع الذين يدعون ربـهم بالغداة والعشي يريدون وجهه) [الكهف: 28]، أي احبس نفسك معهم.

فالصبر: حبس النفس عن الجزع والتسخط، وحبس اللسان عن الشكوى، وحبس الجوارح عن التشويش.

وهو ثلاثة أنواع: صبر على طاعة الله، وصبر عن معصية الله، وصبر على امتحان الله.

3 - مراتب الصبر:

وهو على ثلاثة أنواع: صبر بالله، وصبر لله، وصبر مع الله.

فالأول: الاستعانة بـه، ورؤيتـه أنـه هو المصبر، وأن صبر العبد بربـه لا بنفسه، كما قال - تعالى -: (واصبر وما صبرك إلا بالله) [النحل: 127]، يعني إن لم يصبرك هو لم تصبر.

والثاني: الصبر لله، وهو أن يكون الباعث له على الصبر محبة الله، وإرادة وجهه، والتقرب إليه، لا لإظهار قوة النفس، والاستحماد إلى الخلق، وغير ذلك من الأعراض.

والثالث: الصبر مع الله، وهو دوران العبد مع مراد الله الديني منـه، ومع أحكامه الدينية، صابراً نفسه معها، سائراً بسيرها، مقيماً بإقامتـها، يتوجه معها أين توجهت ركائبـها، وينـزل معها أين استقلت مضاربـها.

وقد أمر الله - سبحانه وتعالى - في كتابـه بالصبر الجميل، والصفح الجميل، والهجر الجميل، فسمعت شيخ الإسلام ابن تيمية قدس الله روحه يقول: الصبر الجميل هو الذي لا شكوى فيه ولا معه، والصفح الجميل هو الذي لا عتاب معه، والهجر الجميل هو الذي لا أذى معه.

وقال ابن عيينة في قوله تعلى: (وجعلنا منـهم أئمة يهدون بأمرنا لما صبروا) [السجدة: 24]، قال: \"أخذوا برأس الأمر فجعلم رؤساء\".

تنبيه هام:

والشكوى إلى الله - عز وجل - لا تنافي الصبر، فإن يعقوب - عليه السلام - وعد بالصبر الجميل، والنبي إذا وعد لا يخلف، ثم قال: (إنما أشكو بثي وحزني إلى الله) [يوسف: 86]، وكذلك أيوب أخبر الله عنـه: أنـه وجده صابراً مع قوله: (مسني الضر وأنت أرحم الراحمين) [الأنبياء: 83].

وإنما ينافى الصبر شكوى الله، لا الشكوى إلى الله، كما رأى بعضهم رجلاً يشكو إلى آخر فاقة وضرورة فقال: يا هذا، تشكو من يرحمك إلى من لا يرحمك؟ ثم أنشد:

 وإذا عـرتك بلية فاصبر لها *** صبر الكريم فإنـه بـك أعـلم

 وإذا شكوت إلى ابن آدم إنما *** تشكو الرحيم إلى الذي لا يرحم

4 - الصبر في المحن وكيف نحصله:

أما الصبر في المحن على أذى الظالمين، وعند النوازل فإن العبد يستجلبـه ويستعين عليه بثلاث أشياء:

أحدها: \"ملاحظة حسن الجزاء\" وعلى حسب ملاحظتـه والوثوق بـه ومطالعتـه يخف حمل البلاء، لشهود العوض، وهذا كما يخف على كل متحمل مشقة عظيمة حملها، لما يلاحظه من لذة عاقبتـها وظفره بـها، ولولا ذلك لتعطلت مصالح الدنيا والآخرة، وما أقدم أحد على تحمل مشقة عاجلة إلا لثمرة مؤجلة، فالنفس موكلة بحب العاجل، وإنما خاصة العقل: تلمح العواقب، ومطالعة الغايات.

وأجمع عقلاء كل أمة على أن النعيم لا يدرك بالنعيم، وأن من رافق الراحة، حصل على المشقة وقت الراحة في دار الراحة، فإنـه على قدر التعب تكون الراحة.

على قدر أهل العزم تأتي العزائم وتأتي على قدر الكريم الكرائم

 ويكبر في عين الصـغير صغيرها *** وتصغر في عين العظيم العظائم

والقصد: أن ملاحظة حسن العاقبة تعين على الصبر فيما تتحمله باختيارك وغير اختيارك.

والثاني: انتظار الفرج.

أي: راحتـه ونسيمه ولذتـه، فإن انتظاره ومطالعتـه وترقبـه يخفف حمل المشقة، ولا سيما عند قوة الرجاء، أو القطع بالفرج، فإنـه يجد في حشو البلاء من روح الفرح ونسيمه وراحتـه: ما هو من خفي الألطاف، وما هو فرج معجل، وبـه - يفهم معنى اسمه \"اللطيف\".

والثالث: تـهوين البلية، بأمرين:

أحدهما: أن يعد نعم الله وأياديه عنده، فإذا عجز عن عدها، وأيس من حصرها، هان عليه ماهو فيه من البلاء، ورآه - بالنسبة إلى أيادي الله ونعمه - كقطرة من بحر.

الثاني: تذكر سوالف النعم التي أنعم الله بـها عليه، فهذا يتعلق بالماضي، وتعداد أيادي المنن: يتعلق بالحال، وملاحظة حسن الجزاء، وانتظار الجزاء، وانتظار روح الفرج: يتعلق بالمستقبل، وأحدهما في الدنيا، والثاني يوم الجزاء.

وفي ختام الحديث عن الصبر نقول: \"فعلى وهج النار الملتـهبة نار الفتنة بجمع أنواعها تتميز معادن الناس، فينقسمون إلى مؤمنين صابرين، وإلى مدعين أو منافقين، وينقسم المؤمنون إلى طبقات كثيرةº بحسب شدة صبرهم وقوة احتمالهم\" اهـ [سلسلة رسائل الغرباء (3) ص 201].

ثم نضيف: \"فالمراحل التي تمر بـها حياة المؤمنين المجاهدينº من العلماء والدعاةº ممن صدقوا في دعوى الإيمان، واستحقوا أن يمنحهم الله قيادة البشرية بالإسلامº هي: الابتلاء، ثم الصبر، ثم العاقبة\" [نفس المصدر، ص 205].

فاعقل أخي المؤمن هذه المراحل والزمها وتعقبـها في سير الأولين لتكون على بينة مما نقول واعلم: أن النصر مع الصبر، وأنـه لا يتسع الأمر إذا ضاق، وأنـه بعد العسر يسراً.

قال - تعالى -: (ولقد كذبت رسل من قبلك فصبروا على ما كذبوا وأوذوا حتى أتاهم نصرنا ولا مبدل لكلمات الله ولقد جاءك من نبأ المرسلين) [الأنعام: 24]...

 

 

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply