صلة الرحم 2 - 3


 

بسم الله الرحمن الرحيم

 

 رابعاً: من الأرحام الذين تجب صلتهم:

اختلف العلماء في من الأرحام الذين تجب صلتهم، فقيل هم المحارم الذين تكون بينهم قرابة بحيث لو كان أحدهما ذكراً والآخر أنثى لم يحل له نكاح الآخر وعلى هذا القول فالأرحام هم الوالدان ووالديهم وإن علو والأولاد وأولادهم وإن نزلوا، والإخوة وأولادهم والأخوات وأولادهن، والأعمام والعمات والأخوال والخالات.

ويخرج على هذا القول أولاد الأعمام وأولاد العمات وأولاد الأخوال وأولاد الخالات فليسوا من الأرحام.

واستدل أصحاب هذا القول بأن الشارع حرم الجمع بين المرأة وعمتها والمرأة وخالتها وقال - صلى الله عليه وسلم - في إحدى روايات الحديث عند ابن حبان: ((إنكن إن فعلتن ذلك قطعتن أرحامكن)).

ولو كان بنت العم أو العمة أو بنت الخال أو الخالة لو كان هؤلاء من الأرحام ما وافق الشرع على الجمع بين المرأة وابنة عمتها أو ابنة خالتها أو ابنة خالتها. [شرح النووي على مسلم 16/113].

 

القول الثاني: الأرحام هم القرابة الذين يتوارثون، وعلى هذا يخرج الأخوال والخالات، أي أن الأخوال والخالات على هذا القول لا تجب صلتهم ولا يحرم قطعهم. [القرطبي 16/248] وهذا القول غير صحيح وكيف يكون صحيحاً والنبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ((الخالة بمنزلة الأم)).

 

القول الثالث: أن الأرحام عام في كل ما يشمله الرحم، فكل قريب لك هم من الأرحام الذين تجب صلتهم.

وعلى هذا القول فأولاد العم وأولاد العمة وأولاد الخال وأولاد الخالة وأولادهم كل هؤلاء يدخلون تحت مسمى الأرحام.

و إن كان تتنوع كيفية وصلهم فهذا تجب صلته كل يوم وهذا كل أسبوع وهذا كل شهر وهذا في المناسبات وهكذا.

كذلك يتنوع الموصول به فهذا يوصل بالمال وهذا يوصل بالسلام وهذا يوصل بالمكالمة وهكذا.

وقد قيل إن القرابة إلى أربعة آباء فيشمل الأولاد وأولاد الأب وأولاد الجد وأولاد جد الأب. (المغني 8/529).

 

خامساً: كيفية الصلة: تحت هذا العنوان فقرتان:

الأولى: متى تكون الصلة.  

الثانية: بم تكون الصلة.

أما الأولى: متى تكون الصلة:

 

فأقول: يختلف الأرحام بحسب قربهم وبعدهم من الشخص، البعد النَسَبي والبعد المكاني.

فالرحم القريب نسباً كالوالد والأخ يختلف عن الرحم البعيد كابن العم أو ابن الخال، كذلك الذي يسكن بحيك يختلف عن آخر يسكن في حي آخر والذي يسكن في مدينتك يختلف عن الذي يسكن خارجها وهكذا.

وعلى كل حال نقول إن الرحم القريب أولى بالصلة من البعيد، وليس هناك تحديد للزمن الذي يجب فيه الوصل فلا نستطيع أن نقول يجب عليك أن تصل أخاك كل يوم أو كل يومين أو كل أسبوع وعمك كل كذا إن كان في بلدك وكذا إن كان في غير بلدك.

 

أقول ليس هناك زمن يمكن تحديده وإنما يرجع في ذلك إلى العرف بحيث يتعارف الناس على أن هذا الرحم يوصل في كذا وكذا وهذا إن كان قريب المسكن فيوصل عند كذا وكذا.

 

ولكن كما قلت لك أيها الأخ رتب أرحامك على حسب القرب منك وعليه فرتب صلتهم على هذا الأساس.

 

وأما الثانية: بم تكون الصلة: تختلف الصلة بحسب حاجة الموصول وحسب قدرة الواصل، فإذا كان الموصول  محتاجاً لشيء ما وأنت تقدر عليه فإنك تصله بهذا الشيء، كما تختلف الصلة بحسب قرب الرحم منك وبعده عنك فما تصل به الخال قد يختلف عما تصل به أبناء عمك.

 

 وعموماً الصلة يمكن أن تكون بما يلي:

1- الزيارة: بأن تذهب إليهم في أماكنهم.

2- الاستضافة: بأن تستضيفهم عندك في مكانك.

3- تفقدهم والسؤال عنهم والسلام عليهم: تسأل عن أحوالهم سواء سألتهم عن طريق الهاتف أو بلغت سلامك وسؤالك من ينقله إليهم ، أو أرسلت ذلك عن طريق رسالة.

4- إعطاؤهم من مالك سواء كان هذا الإعطاء صدقة إذا كان الموصول محتاجاً أو هدية إن لم يكن محتاجاً، وقد ورد أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((إن الصدقة على المسكين صدقة وعلى ذي الرحم اثنتان صدقة وصلة)) رواه النسائي واللفظ له والترمذي وحسنه.

5- توقير كبيرهم ورحمة ضعيفهم.

6- إنزالهم منازلهم التي يستحقونها وإعلاء شأنهم.

7- مشاركتهم في أفراحهم بتهنئتهم ومواساتهم في أحزانهم بتعزيتهم، فمثلاً هذا تزوج أو رزق بمولود أو توظف أو غير ذلك تشاركه الفرحة بهدية أو مقابلة تظهر فيها الفرح والسرور بفرحة أو مكالمة تضمنها تبريكاتك وإظهار فرحك بما رزقوا، فإن مات لهم أحد أو أصيبوا بمصيبة تواسيهم وتحاول أن تخفف عنهم وتذكرهم بالصبر والأجر للصابرين، وتظهر لهم حزنك لما أصابهم.

8- عيادة مرضاهم.

9- إتباع جنائزهم.

10- إجابة دعوتهم، إذا وجهوا لك الدعوة فلا تتخلف إلا لعذر.

11- سلامة الصدر نحوهم فلا تحمل الحقد الدفين عليهم وليس رئيس القوم من يحمل الحقدا.

12- إصلاح ذات البين بينهم، فإذا علمت بفساد علاقة بعضهم ببعض بادرت بالإصلاح وتقريب وجهات النظر ومحاولة إعادة العلاقة بينهم

13- الدعاء لهم، وهذا يملكه كل أحد ويحتاجه كل أحد.

14- دعوتهم إلى الهدى وأمرهم بالمعروف ونهيهم عن المنكر بالأسلوب المناسب.

 

سادساً: فوائد صلة الرحم:

1- صلة الرحم سبب لصلة الله للواصل في الحديث المتفق عليه عن أبي هريرة: ((إن الله خلق الخلق حتى إذا فرغ من خلقه قالت الرحم هذا مقام العائذ بك من القطيعة قال نعم أما ترضين أن أصل من وصلك واقطع من قطعك قالت بلى يا رب قال فهو لك)) رواه البخاري واللفظ له (5987) ومسلم(2554)

 

2- صلة الرحم سبب لدخول الجنة في الحديث المتفق عليه عن أبي أيوب الأنصاري أن رجلاً سأل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن

 

عمل يدخله الجنة ويباعده من النار فقال - صلى الله عليه وسلم -: ((تعبد الله لا تشرك به شيئا وتقيم الصلاة وتؤتي الزكاة وتصل الرحم)) رواه البخاري (1396) ومسلم (13).       

وعن عبدالله بن سلام قال قال - صلى الله عليه وسلم - (يا أيها الناس أفشوا السلام أطعموا الطعام وصلوا الأرحام وصلوا بالليل والناس نيام تدخلوا الجنة بسلام) رواه الترمذي 2485 وابن ماجة 3251 وصححه الألباني في الصحيحة (569).

3- صلة الرحم امتثال لأمر الله قال - تعالى -: ((والذين يصلون ما أمر الله به أن يوصل ويخشون ربهم ويخافون سوء الحساب)) (الرعد 21).

4- صلة الرحم تدل على الأيمان بالله واليوم الآخر: عن أبي هريرة قال قال - صلى الله عليه وسلم -: ((من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليصل رحمه)) رواه البخاري (6138).

5- صلة الرحم من أحب الأعمال إلى الله: فقد سأل رجل من خثعم رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((أي الأعمال أحب إلى الله؟ قال: الإيمان بالله، قال: ثم مه؟ قال: ثم صلة الرحم، قال: ثم مه؟ قال: الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. قال: قلت يا رسول الله أي الأعمال أبغض إلى الله؟ قال: الإشراك بالله، قال: قلت يا رسول الله ثم مه؟ قال: ثم قطيعة الرحم، قال: قلت يا رسول الله ثم مه؟ قال: الأمر بالمنكر والنهي عن المعروف)) رواه أبو يعلى بإسناد جيد، كما ذكر ذلك المنذري في الترغيب والترهيب 3/336، وانظر جمع الزوائد 8/151.

6- صلة الرحم تنفيذ لوصية النبي - صلى الله عليه وسلم - في حديث أبي ذر أنه قال ((أوصاني خليلي أن لا تأخذني في الله لومة لائم وأوصاني بصلة الرحم وإن أدبرت)) مجمع الزوائد 8/154 وقال رواه الطبراني في الصغير والكبير ورجاله رجال الصحيح غير سلام بن المنذر وهو ثقة.

ولا يخفى عليك أخي القارئ الحديث الذي فيه قصة أبي سفيان مع هرقل وأن أبا سفيان أجاب هرقل حينما سأله ماذا يأمركم؟ قال: قلت (أبو سفيان) قلت يقول: ((اعبدوا الله وحده ولا تشركوا به شيئاً واتركوا ما يقول آباؤكم ويأمرنا بالصلاة والصدق والعفاف والصلة)) رواه البخاري 7 ومسلم 1773

7- الرحم تشهد للواصل بالوصل يوم القيامة عن ابن عباس قال: قال - صلى الله عليه وسلم -: ((وكل رحم آتية يوم القيامة أمام صاحبها تشهد له بصلة إن كان وصلها وعليه بقطيعة إن كان قطعها)) رواه البخاري في الأدب المفرد والحاكم في المستدرك وقال صحيح على شرط الشيخين.

8- صلة الرحم سبب لزيادة العمر وبسط الرزق عن أنس بن مالك قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((من أحب أن يبسط له في رزقه وينسأ له في أثره فليصل رحمه)) رواه البخاري 5986، مسلم 2557.

وقيل: إن معنى زيادة العمر وبسط الرزق أن يبارك الله في عمر الإنسان ورزقه فيعمل في وقته ما لا يعمله غيره فيه.

وقيل: إن معنى زيادة العمر وبسط الرزق على حقيقتها فيزيد الله في عمره ويزيد في رزقه ولا يشكل على هذا أن الأجل محدود والرزق مكتوب فكيف يزاد؟ وذلك لأن الأجل والرزق على نوعين: أجل مطلق يعلمه الله وأجل مقيد، ورزق مطلق يعلمه ورزق مقيد، فالمطلق هو ما علمه الله أنه يؤجله إليه أو ما علمه الله أنه يرزقه فهذا لا يتغير، والثاني يكون كتبه الله واعلم به الملائكة فهذا يزيد وينقص بحسب الأسباب [مجموع فتاوى ابن تيمية 8/517، 540].

9- صلة الرحم تعجل الثواب وقطيعتها تعجل العقاب، عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((ليس شيء أُطِيع الله فيه أعجل ثواباً من صلة الرحم وليس شيء أعجل عقاباً من البغي وقطيعة الرحم)) البيهقي في السنن الكبرى 10/62 وصححه الألباني في صحيح الجامع 2/950.

10- صلة الرحم تدفع ميتة السوء عن علي قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ((من سره أن يمد له في عمره ويوسع له في رزقه ويدفع عنه ميتة السوء فليتق الله وليصل رحمه)) رواه عبد الله بن أحمد في زوائده على المسند وصححه أحمد شاكر، وجود إسناده المنذري في الترغيب والترهيب 3/335، وانظره في مجمع الزوائد 8/152، 153.

11- صلة الرحم أفضل أخلاق أهل الدنيا والآخرة، عن عقبة بن عامر أنه قال لقيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فبدرته فأخذت بيده وبدرني فأخذ بيدي فقال: ((يا عقبة ألا أخبرك بأفضل أخلاق أهل الدنيا والآخرة تصل من قطعك وتعطي من حرمك وتعفو عمن ظلمك، ألا ومن أراد أن يمد له في عمره ويبسط في رزقه فليصل ذا رحمه)) الحاكم في المستدرك 4/161 وسكت عنه الذهبي وذكره المنذري في الترغيب والترهيب 3/342.

12- صلة الرحم تثمر الأموال وتعمر الديار عند أحمد ورجاله ثقات عن عائشة - رضي الله عنها -: ((صلة الرحم وحسن الجوار أو حسن الخلق يعمران الديار ويزيدان في الأعمار)) رواه أحمد 6/159، وانظر فتح الباري 10/415، والترغيب والترهيب 3/337. وعن ابن عباس قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((إن الله ليعمّر بالقوم الديار ويثمر لهم الأموال وما نظر إليهم منذ خلقهم بغضاً لهم، قيل وكيف ذلك يا رسول الله قال بصلتهم لأرحامهم)) رواه الطبراني وإسناده حسن انظر جمع الزوائد 8/155.

13- صلة الرحم سبب لمحبة الأهل للواصل: روى الترمذي وحسنه عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إن صلة الرحم محبة في الأهل مثراة في المال منسأة في الأثر)) وصححه الألباني في صحيح الجامع 1/570.

14- أن قاطع الرحم لا يدخل الجنة: في الحديث المتفق عليه عن جبير بن مطعم أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ((لا يدخل الجنة قاطع)) رواه البخاري 5984 ومسلم 2556 قال سفيان بن عيينة أحد الرواة يعني قاطع رحم (فتح الباري 10/415).

15- أن قاطع الرحم لا يقبل عمله: عن أبي هريرة قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((إن أعمال بني آدم تعرض كل خميس ليلة الجمعة فلا يقبل عمل قاطع رحم)) رواه أحمد وقال الهيثمي في مجمع الزوائد 8/154 رجاله ثقات وصحح إسناده أحمد شاكر.

16- أن الرحمة لا تنزل على قوم فيهم قاطع رحم: رواه البخاري في الأدب المفرد قال الطيبي يحتمل أن يراد بالقوم الذين يساعدونه على قطيعة الرحم ولا ينكرونه عليه، ويحتمل أن يراد بالرحمة المطر وأنه يحبس عن الناس بشؤم التقاطع. (فتح الباري 10/415).

 

 

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply